العدد 145 -

السنة الثالثة عشرة – صفر 1420 هـ – حزيران 1999م

كيفية تحويل العملات المحلية إلى عملات ذهبية وفضية

إن إقامة الدولة الإسـلامية يسـتدعي تحويل العـمـلات المـحـلية الإلزامية إلى عملات ذهبية وفضية أو أوراق نائبة عنها، ولا يتصور أن يتم تحويل العملات الإلزامية إلى عملات تستند إلى قاعدة الذهب والفضة قبل قيام الدولة الإسلامية، واستقرارها، وإلى أن يتم ذلك لا بد من التعامل بالعملات القائمة، فلا بد من وضع قاعدة للتعامل بين العملات المختلفة في الدولة التي تضم عدة أقطار لكل عملته، ولا بد من أساس لتحويل العملات القائمة إلى قاعدة المعدنين.

 والدولة الإسلامية تحكم رعاياها بكل ما أنزل الله سبحانه، فتصرف جميع شؤونهم، وتدير كل مصالحهم بالأحكام الشرعية المستنبطة من الأدلة الشرعية التي دلَّ الدليل القطعي على أنها أدلة الأحكام وهي الكتاب والسنة وما أرشدا إليه.

                وتقوم الدولة بتطبيق الإسلام على الرعية تطبيقاً انقلابياً شاملاً، لأنه لا يجوز لها التدرج في التطبيق، بل يجب أن يكون دفعة واحدة، يشمل كل الأحكام وكل المسائل، ويجب أن تتلبس الدولة بتطبيق كل الإسلام من أول يوم يبايع فيه الخليفة، ولذلك كان على القائمين على تنفيذ الأحكام في الدولة وعلى رأسهم الخليفة أن يبادروا حال تسلمهم الحكم إلى التطبيق الفوري الدقيق والواعي لجميع الأحكام الشرعية، فيعالجوا المشاكل الناشئة والحوادث الجارية بأفكار وأحكام الإسلام بلا تريث أو انتظار، لأن عدم تطبيق الإسلام في مسألة من المسائل، أو في واقعة من الوقائع، أو في حادثة من الحوادث، يعني أن الذي طُبّق هو غير الإسلام، وغير الإسلام هو الكفر، ولا يصح أن يحصل ذلك في ظل الدولة الإسلامية.

                وللحيلولة دون سـقـوط الدولة الإسـلامية ـ حال قيامها ـ في براثن الكفار، أو في شرك الحكم بغير ما أنزل الله، فإنه يتوجب على العاملين لإقامتها الإعداد المكثف والمسبق للأساليب والكيفيات التي تكفل ضمان تطبيق دستورها المستنبط من الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من قياس وإجماع،من دون عوائق أو عثرات.

                ومن أصعب ما يواجه الدولة عند إقامتها بل من أخطر ما يعترضها من مشكلات حال قيامها مشكلة  تحويل  العملات  المحلية إلى  عملات  شرعية تستند  إلى  قاعدة  الذهب  والفضة، لأن هذه المشكلة تتعلق بالمال، أي تتعلق بعصب الحياة، لذلك كان لا بد من الإسراع في حلها حلاً عملياً يمنع وقوع أية أزمات مالية قد تؤدي إلى زعزعة الأمن في الدولة، وقد توقعها في مزالق خطرة في بداية نشوئها قد تؤدي إلى سقوطها ـ لا سمح الله ـ قبل أن تقف على قدميها، أو يشتد عودها.

                معلوم أن الأوراق النقدية التي بين أيدي النـاس اليوم كلها إلزامية وهي ثلاثة أنواع: العملات الأجنبية الصعبة، والعملات الأجنبية غير الصعبة، والعملات المحلية.

                أما العملات الصعبة كالدولار الأمريكي والين الياباني والمارك الألماني والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري والفرنك الفرنسي، فلا داعي لتحويلها إلى عملات ذهبية وفضية ونائبة، لأنه يجوز أن تبقى بين أيدي الناس، ويجوز شرعاً التعامل بها داخل الدولة بيعاً وشراءً وصرفاً طالما لم تتوفر العملة الإسلامية الذهبية والفضية والنائبة، ثم إن الدولة الإسلامية ليست مسؤولة عن إصدارها ويجوز لها التعامل بها من باب جواز التعامل مع دول الكفر، كما كانت تتعامل الدولة الإسلامية مع عملات الدولتين الرومانية والفارسية. وأما بعد توافر العملة الذهبية والفضية والنائبة فيوقف التعامل بالعملات الصعبة داخل الدولة الإسلامية ويسمح التعامل بها فقط في التجارة الخارجية مع الدول الأخرى.

                على أن وجود العملات الصعبة داخل الدولة الإسلامية أمر إيجابي، وهدف يسعى لتحقيقه، لما فيه من فوائد اقتصادية عظيمة ناتجة عن المبادلات التجارية مع الدول الأجنبية. لذلك يبقى التعامل الصرفي قائماً في داخل الدولة الإسلامية بين العملة الإسلامية وبين العملات الصعبة، وتتحدد قيمة العملات الصعبة الصرفية بناءً على قوة دولها الاقتصادية وقدرتها التنافسية، ويلحق بالعملات الصعبة العملات غير الصعبة للدول الأجنبية كالتي ترتبط الدولة الإسلامية معها بمعاهدات اقتصادية جائزة أو كالتي تكون مجاورة للدولة الإسلامية.

                وأما العملات المحلية كالدينار الأردني والجنيه المصري والليرة السورية وغيرها فإنها بعد قيام الدولة الإسلامية يحرص على التعجيل بوقف التداول بها بأسرع وقت، لأنها تكون إذ ذاك بمثابة الفلوس الكاسدة التي لا قيمة لها، وقيام الدولة هو السبب في إلغاء التعامل بها ومسحها من الوجود.

                ولما كانت الدولة الإسلامية سبباً في إبطال مفعولها وإلغاء قيمتها، فإن عليها تعويض مالكي هذه العملات المحلية وإزالة الضرر الذي سيلحق بهم نتيجة ذلك، وبما أن الدولة الإسلامية عند قيامها لا تملك عملة شرعيةً ـ فليس عندها دنانير ذهبية ولا دراهم فضية ولا أوراق نائبة ـ وقد تمضي مدة طويلة من الزمن قبل أن تتمكن من توفير النقود الذهبية والفضية والأوراق النائبة، لذلك فإن عليها خلال هذه المدة أن تقدم للناس بديلاً مالياً يمكنهم التعامل به، وأن يكون لديها ما تنفقه لكي تسير الحياة اليومية الاقتصادية سيراً طبيعياً بلا تخبط أو فوضى، وكيلا يفقد المواطنون ثقتهم بالدولة الوليدة.

                إذاً لا بد من أسلوب تلجأ إليه الدولة لطمأنة الناس على مقتنياتهم وسائر معاملاتهم، ولغلق الباب أمام قوى الكفر والهدم والتخريب. ولا بد أن يكون هذا الأسلوب فورياً ـ بقدر المستطاع ـ تستطيع به الدولة أن تفي بجميع التزاماتها المالية، وأن تزرع الثقة بها بين جماهير الأمة، لكي لا يداخل الناس شعور بالارتياب في قدرات دولتهم الفتية، ولكي تحول دون نشر الفوضى والارتباك في صفوف الرعية.

                والأسلوب المقترح لمعالجة ذلك هو أن تصدر الدولة ومنذ أيامها الأولى صكاكاً بقيم العملات المراد سحبها من الناس لكي يتم التداول بها بدلاً من العملات المحلية المسحوبة، وأن تعلن الدولة على الملأ بأنها تقر للناس بأنها ستصرف لهم نقداً إسلامياً بقيمة نقودهم المسحوبة بمجرد توفر العملة الإسلامية الذهبية والفضية والنائبة، وتحتسب قيمة نقودهم المسحوبة كما كانت عليه في اليوم السابق لقيام الدولة.

                وهذه الصكاك أو الكتب أو القطوط هي عبارة عن شيكات آجلة تصدرها الدولة أو سندات دين على الدولة، فواقعها أنها ذمة حاضرة يجوز صرفها كالعين الحاضرة ويطلق عليها في كتب الفقه لفظ القطوط وهي جمع القط بمعنى القطع، والقطع هي قطعة من القرطاس أو قطعة من الرزق كما ذكر الزمخشري في كتابه «الفائق في معنى القطوط».

                وبهذه الكيفية يمكن للدولة أن تسحب العملات المحلية من أيدي الناس بدون إيقاع أي ظلم يلحق بهم، وبدون الوقوع في أية مطبات اقتصادية أو مزالق مالية. كما أن الدولة بفضل هذا الأسلوب تتمكن من التقاط أنفاسها وتأخذ فرصة كافية ريثما يتوفر لها الغطاء اللازم من الذهب والفضة، فتصدر نقداً ذهبياً وفضياً أو تصدر أوراقاً نائبةً بغطاء ذهبي أو فضي مضمون، وهذه الأوراق النائبة تعتبر من أفضل أنواع النقد في عصرنا الحاضر من الناحية العملية، لأنها لا تتأثر بنقصان الوزن من كثرة الاستعمال، كما وتقل فيها إمكانية التزييف والستوقة، وتستعمل الأوراق النائبة إلى جانب القطع الذهبية والفضية، بحيث يمكن استبدال القطع بالأوراق في أي وقت لمن يشاء.

                والدليل على استعمال الصكاك أو القطوط ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه وفد هوازن مسلمين فقام في الناس وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: «أما بعد فإن إخوانكم جاءونا تائبين وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل ومن أحب أن يكون على حظه نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا، فقال الناس طيبنا لك». وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم، فمن تمسك بشيء من الفيء فله علينا ستة فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا». وفي رواية عمرو بن شعيب «من تمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه».

                ثم إن هذه الصكاك أو القطوط هي أوراق دين، وينطبق عليها أحكام الدين، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يستدين من الناس بوصفه رئيساً للدولة، وكان بلال بن رباح رضي الله عنه هو المكلف من قبل النبي صلى الله عليه وسلم بالاستدانة للإنفاق على مصالح المسلمين.

                فهذه الصكا‎ك إذن تكون صالحة للتداول بيعاً وشراءً، ذكر ابن أبي شيبة في مصنفه تحت عنوان «في بيع صكاك الرزق» أن عمر وزيد بن  ثابت كانا لا يريان بأساً بشرى الرزق إذا أخرجت القطوط ويقولان لا تبعه حتى تقبضه. وقال أبو ثور: لا يجوز بيع العطاء ولا الزيادة فيه، وذلك أن العطاء ليس بعين قائمة ولا ملك لرجل ولا صفة من الصفات فيكون مضموناً في ذمة البائع، وإن كان ذلك أرزاقاً قد خرجت وصك بها فلا بأس ببيعها، وقال أبو حنيفة وأصحابه مثل ذلك.

    وينبغي الإسراع في تطبيق هذا الأسلوب وتحديد مدة زمنية قصيرة لسحب العملات المحلية من الناس وإتلافها وإصدار القطوط لمنع احتمال تهريب العملة من خارج الدولة إلى داخلها، لذلك فإن على أجهزة الأمن في الدولة أن تشدد على مراقبة الحدود لمنع التهريب. وتستعين الدولة بإداريين وفنيين ذوي كفاءة عالية ومهارة فائقة لإنجاز هذه العملية، ويشرف عليهم مسؤولو الدولة مـن الأمنـاء الأقـويـاء.

                وفي الوقت الذي تجمع فيه الدولة العملات المحلية وتعتبرها ديناً عليها تلتزم الوفاء به وتصدر بقيمتها قطوطاً أو صكاكاً قابلة للتداول والصرف فإنها تعمل على توفير الغطاء اللازم من الذهب والفضة وقد يفيدها استعمال الأساليب التالية لتحقيق ذلك:ـ

                1ـ إقامة مصانع لاستخراج وضرب الذهب والفضة تحت إشراف ورقابة الدولة.

                2ـ إنشاء مصرف مركزي تكون مهمته الأساسية حفظ الغطاء الذهبي والفضي للأوراق النائبة، وضبط عمليات الصرف بين ذلك الغطاء وتلك الأوراق.

                3ـ الطلب من المسلمين أن يبيعوا الدولة فائض ما عندهم من ذهب وفضة، والطلب من المسلمين أن يتبرعوا بعين الذهب والفضة ـ وهذا أسلوب استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم.

                4 ـ استيراد السلع التي تحتاجها الدولة من الخارج إما بالمقايضة بسلع من إنتاجها وإما بالشراء بما يتوفر لديها من عملات صعبة وأجنبية.

                5 ـ تشجيع دول العالم على استعمال الذهب والفضة كنقد وليس كسلع.

                6ـ أخذ المكوس والعشور من الكفار عند مرورهم ومرور تجارتهم عبر مياهنا وأجوائنا وأراضينا بالذهب والفضة إن أمكن.

                7 ـ جعل أثمان صادراتنا إلى الدول الأخرى بالذهب والفضة إن أمكن.

                8 ـ المحافظة على كميات من العملات الصعبة في حوزة الدولة لاستعمالها كرديف للذهب والفضة.

                9ـ عدم وضع القيود على إدخال وإخراج الذهب لأن الأساس الذهبي للعملة يفترض حرية تداول الذهب استيراداً وتصديراً، الأمر الذي يوجد الاستقرار النقدي والمالي والاقتصادي.

                وإذا أضفنا إلى هذه الأساليب النظرة الإسلامية الاقتصادية فيما يتعلق بالاكتفاء الذاتي بالسياسة التجارية وفي جعل الأجور مقدرة بمنافع الجهود لا بأثمان السلع المنتجة ولا بمستوى المعيشة، وإذا اعتبرنا أن السندات والأسهم ليست أموالاً مملوكةً للأفراد، وإذا قللنا من اعتماد الدولة على التصدير في إنتاج ثروتها وجعل إنتاج الثروة يأتي داخلياً دون حاجة إلى سلع مستوردة أو مستخدمين أجانب، نعود فنقول إذا حققنا هذه النظرة بالإضافة إلى ما اقترحنا من أساليب فإننا نستطيع أن نوفر الغطاء اللازم من الذهب والفضة في زمن قياسي.

                هذه هي طريقة تحويل العملات المحلية إلى عملة الدولة الذهبية والفضية والنائبة، وهي طريقة عملية مستندة إلى الأدلة الشرعية تنتظر قيام دولة الخلافة الإسلامية ـ بإذن الله ـ التي ستضعها موضع التطبيق، (وما ذلك على الله بعزيز) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *