العدد 253 -

العدد 253- السنة الثانية والعشرون، صفر 1429هـ، الموافق شباط 2008م

أضواء على المشكلة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية

أضواء على المشكلة الاقتصادية

في الأراضي الفلسطينية

 

(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال 25-26].

لقد أصبح تحصيلُ لقمةِ العيشِ هو الشغلَ الشاغلَ لكثيرٍ من الناسِ في هذه الأيام، بل إنه لَعمرُ الحقِّ يستنـزفُ وقتَهم وجُهدَهم، بل ويفني أعمارَهم؛ وفي الغالب لا يصلُ المرءُ إلى مبتغاهُ ولا يحققُّ الحدَّ الأدنى لمتطلباتِ العيش، بل يبقى منشغلاً يكافحُ أمواجاً متلاطمة، ويجابِهُ بحراً زاخراً بالجشعِ والرأسماليةِ وحيداً لا سندَ له ولا مُعين، لاهثاً وراءَ لقمة العيشِ الكريمةِ فلا يجدُها، وإن وجدها وجدها منقوصةً لا تفي بالحاجة، وإن وفَّت وجدها ممزوجةً بالذلِّ والهوان.

إن تحصيلَ لقمةِ العيش، لم يكن في يوم من الأيام قضيةً تقف عندها أمةُ الإسلام وقوفاً مطوَّلاً، ولا كانت تمثِّلُ الهمَّ الأكبرَ للمسلمين، ولم تكن تشغلُهم عن معالي الأمورِ وسامي الأهداف؛ ويعود السببُ الرئيسُ في ذلك إلى تطبيقِ نظامِ الإسلامِ في كافة مناحي الحياة، بما فيها الجانبُ الاقتصاديّ، ما وفر الاستقرارَ والطُّمأنينةَ للمجتمع.

ولإلقاء الضوء على حقيقة المشكلة الاقتصادية، لا بد لنا أن ندرك أن الإسلامَ يفرقُ بين البحث في المادة الاقتصادية والثروة، سواء أكانت سلعاً أم خدماتٍ من جهةِ تنميتِها أو تأمينِ ايجادِها، ويعتبرُ هذا الشأنَ شأناً عالمياً  يُؤخذُ من أي مصدرٍ كان، وهو من بابِ قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنتم أعلم بأمر دنياكم»، وهذا ما يسمى بعلم الاقتصاد.

وبين توزيعِ الثروةِ على أفرادِ المجتمع ليتمكنَ كلُ فردٍ من حيازتِها والانتفاعِ بها، وهو ما يمثلُ المشكلةَ الاقتصادية، وهو ما تدخلَ فيه الإسلام عبر جملة من الأحكام الشرعية، وهو ما يسمى بالنظام الاقتصادي؛ فالإسلامُ في سياستِه الاقتصاديةِ يهدُفُ إلى ضمانِ إشباعِ الفردِ -فرداً فرداً- لحاجاتِه الأساسيةِ إشباعاً كلّياً؛ وهي المأكلُ والملبسُ والمسكن، وتمكينِه من إشباعِ حاجاتِه الكماليةِ وَفق ظروفِ ومعاييرِ المجتمعِ الذي يعيشُ فيه، ما أمكن إلى ذلك سبيلاً، وبهذه السياسة الربّانيةِ وعِبر جملةِ الأحكامِ الشرعيةِ التي عالجت هذا الشأن؛ حيث فرضَ الشارعُ الحكيمُ العملَ على الرجلِ القادرِ حتى يوفرَ لنفسِه الحاجاتِ الأساسيةَ له ولمن تجبُ عليه نفقتُهُم، وفَرَضها على المولودِ له، وعلى الوارثِ إنْ لم يكنْ قادراً على العمل. أو على بيتِ المالِ إنْ لم يوجَدْ مَنْ تجبُ عليهم نفقَتُه. بهذه السياسةِ ضَمِنَ الإسلامُ لكل فردٍ بعينِه أن يشبعَ الحاجات التي لا بُدّ للإنسانِ، من حيث هو إنسانٌٌ- أن يشبعَها؛ وهي المأكلُ والملبسُ والمسكن، ثم حثّ هذا الفردَ على التّمتعِ بالطيّباتِ والأخذِ من زينةِ الحياةِ الدنيا ما استطاع. وكما نلاحظ، لم يتركِ الإسلامُ الفردَ وحيداً في هذا السعيِ رهينَ كَسْبِ يَدَيْهِ إنْ حَصَّلَ مالاً فقد اقتات وعاش، وإلاّ فقد وقع فريسةً للفقرِ والعَوْزِ وسؤالِ الناس، وأصبح مُشرَّداً مُهاناً ذليلاً. بل إن الإسلامَ جعل بيتَ مالِ المسلمينَ لجميعِ المسلمين؛ يُنفَقُ عليهم منه، وجعل إعالةَ العاجزِ فعلاً أو حكماً فرضاً على الدولة، وتوفيرَ الحاجاتِ للأمةِ واجباً من واجباتها؛ لأن عليها حقَّ الرعاية؛ روى البخاريُّ عنِ ابنِ عمرَ (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الإمامُ الذي على الناسِ راعٍ وهو مسؤول عن رعيته»، والإسلامُ منعَ الإخلالَ بالحياةِ الاقتصادية؛ فحرَّم الرّبا وحرّم الاحتكارَ وحرّم الغِشَّ والغُبنَ، وحرّم الشركاتِ المساهمةَ والبورصاتِ، وحرّم التسعيرَ. وأوجبَ على الدولةِ أن توفِّرَ السلعَ الأساسيةَ المفقودةَ من الأسواق… وهكذا. وبذلك كلِّه ضَمِنَ الاستقرارَ في الحياةِ الاقتصادية.

إن هذه السياسة الحكيمة كانت مجسَّدةً في أرضِ الواقع، ولم تكنْ مجردَ نظرياتٍ وفلسفةً اقتصاديةً خيالية، بل إنّ تاريخَ الدولةِ الإسلاميةِ شاهِدٌ على ذلك، وما فائضُ الزكاةِ التي جابَتْ بلادَ المسلمينَ زمنَ الخليفةِ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيز ولم تجدْ من يستحقُّها، وما خطابُ هارونِ الرشيدِ للغَيْمةِ قائلاً: اذهبي فأَمطِري حيث شِئْتِ فخراجُكِ إليّ، إلا أمثلةٌ حيّةٌ على الحياة الاقتصاديةِ في ظل تطبيقِ الإسلام.

هذا كلُّه كان عندما كان لنا دولةٌ وإمام، هذا كلُّه كان عندما كنّا نَصوغُ الحياةَ وَفق شرعِ الله، نَعِمْنا بل وَنَعِمَ البشرُ جميعاً بحياةٍ كريمة. واليوم، وبعد أن غاضَ الإسلامُ من الوجود، وبعد أن نُحِّيَ عن التطبيقِ وعُزِلَ عن سُدَّةِ الحكم، وبعد أن عاش البشرُ في ظلِّ الرأسمالية، نَجِدُ البشرَ جميعاً أصبحوا يعيشون حياةً لا تُطاق؛ فالأزْماتُ الاقتصاديةُ التي تجوبُ العالَم، وارتباطُ نقدِ العالمِ بالدولار، وتحكُّمُ أصحابِ رؤوسِ الأموالِ بحياةِ البشرِ قد أورثهم المهالك.

أمّا حالُ بلادِنا -بلاد المسلمين بعامّةٍ وفِلَسطين بخاصّة- فالمصيبةُ فيها أعظمُ، وهي تتردّى دائماً نحو الأسوأِ، والمشكلةُ الاقتصاديةُ فيها تخرُجُ عن وصفِها مشكلةً اقتصاديةً في الدرجةِ الأولى لتصبحَ مشكلةً سياسيةً ومِن ثَمَّ اقتصادية؛ ذلك لأنّ المسلمين يملِكون أعظمَ ثروةٍ في العالَمِ من النفطِ والغازِ والمعادنِ وغيرِها، ويحتلّونَ أفضلَ المواقعِ الاستراتيجيةِ في خارطةِ العالم، ويتحكّمونَ في أهمِّ المضائِقِ البحريّةِ، ومع ذلك، فَهُمْ يعيشونَ حالةً اقتصاديةً أقلُّ ما يُقالُ عنها إنها مأساوية، ويعود ذلك للأسبابِ التالية:

1- النظامُ السياسيُ المُطبَّق، الذي أبقى الدولَ القائمةَ في العالم الإسلاميِّ رهينةً للغربِ الكافرِ المستعمِر، ينهَبُ ثَرَواتِها ويسرِقُ جهودَ أبنائِها، ويسعى لجعلِ هذه البلدانِ سُوقاً لمنتَجاتِه، ويتمُّ ذلك كلُّه عبر حكّامٍ نَواطيرَ نَصَّبهمُ الكافرُ المستعمِرُ على رقابِ الأمةِ لتنفيذِ سياساتِه ومخطّطاتِه.

2- طبيعةُ النظامِ الرأسماليِّ الاقتصادي المُطبَّق، الذي لا يورِثُ سوى النَّكَباتِ والأزمات بل المصائبِ الاقتصادية.

3- هيمنةُ البنكِ الدَّوْلِيِّ وصندوقِ النقدِ الدولي، ومنظمةِ التجارةِ العالمية على اقتصاديّاتِ دولِ العالم الثالث، وتحكُّمُها به لتبقى دولاً متخلِّفةً اقتصادياً لا تَقْوَى على الإنتاجِ والصناعة.

4- وفي فلسطين، اعتمادُ الاقتصادِ الفلسطينيِّ على فُتاتِ الدولِ المانحةِ ودولةِ يهود، وعدمُ وجودِ اقتصادٍ قائمٍ بحدِّ ذاتِه، ولا أدلَّ على ذلك مما حدثَ في أزمةِ الرواتبِ التي يعرفُها القاصي والداني.

إن الاقتصادَ في فلسطينَ لا مقوماتٍ له، ولا عجبَ في ذلك؛ لأن فلسطينَ لازالت تحت الاحتلال، وأيُّ اقتصادٍ يمكن أن ينشأَ أو ينموَ تحت احتلال؟! والأوضاعُ الاقتصاديةُ والمعيشيةُ للسكانِ في الضِّفةِ والقطاعِ أحوالٌ سيئةٌ بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وهي وللأسفِ الشديدِ في تَرَدٍّ دائم، ويعود ذلك للأسبابِ المذكورةِ آنفاً ولخصوصيةِ قضيةِ فلسطين كونَها تمرُّ في مرحلةِ تصفيةٍ سياسية، ما دعا الأطرافَ الدولية، وبتآمرٍ مع حكام السلطة، إلى وضعِ الناسِ في حالةٍ اقتصاديةٍ ومعيشيةٍ سيئةٍ حتى يصرِفوا أنظارَ الناسِ عمّا يُحاكُ لهم ولبلادِهِمُ المقدَّسةِ من مؤامرات، ولِيَبقى الواحدُ منهم منغمساً في تحصيلِ متطلباتِ العيشِ التي أصبحت نادرةً نُدرةَ الكِبريت الأحمر، ولِيَستطيعَ المتآمرونُ تضليلَ الناسِ بدعاوَى التقدمِ والرفاهيةِ والازدهارِ التي يُمَنُّون بها العوامّ، كأنْ تصبحَ فلسطينُ سنغافورة جديدةً أو هونغ كونغ أخرى.

ونظرةٌ خاطفةٌ من فترةِ الوعودِ الكاذبةِ والأمانيِّ الخدّاعةِ التي منّى بها أبناءُ الاتفاقياتِ المشؤومةِ وحكامِ السلطةِ الناسَ عند قدومهم عام ستةٍ وتسعين، تُرِي مدى الدمارِ الاقتصاديِّ الذي حلَّ بالناس، وتُري مدى ازديادِ نسبةِ الفقرِ وتسارُعِها، وتُري كيف ازدادت نِسَبُ الغلاءِ أضعافاً مضاعفة، بينما بقيت مدخولاتُ الناس ثابتةً لا بل تناقصت، وفي كثيرٍ من الأحيانِ انعدمت.

وللوقوفِ على ذلك، نعرِضُ لكم في عُجالةٍ بعضَ الإحصائيّاتِ الصادرةِ عن الجهازِ المركزيِّ للإحصاءِ الفلسطينيّ، والمركزِ الفلسطينيِّ لحقوقِ الإنسان.

أولاً : الأرقامُ القياسيةُ لأسعارِ المستهلكِ في شهر سبتمبر في السنوات 1997م، 2000م، 2003م و 2007م بحسب المجموعاتِ الرئيسيةِ للإنفاق، وسنةُ القياسِ في هذه الأرقامِ هي 1996=100


المجموعات الرئيسية للإنفاق

الأراضي الفلسطينية

أيلول 1997م

أيلول 2000م

أيلول 2003م

أيلول 2007م

المواد الغذائية

106.70

120.61

129.56

155.10

التبغ

111.62

129.18

153.08

185.50

الأقمشة والملابس والأحذية

117.01

124.94

129.01

128.55

المسكن ومستلزماته

105.02

127.38

146.91

168.82

الأثاث والسلع والخدمات المنـزلية

113.73

122.68

122.89

130.80

النقل والاتصالات

108.02

125.57

178.92

203.67

خدمات التعليم

105.51

114.64

134.17

138.44

الرعاية الصحية

112.70

127.16

140.24

151.89

السلع والخدمات الترفيهية

109.37

91.76

96.20

90.97

سلع وخدمات متنوعة

108.40

127.33

141.40

169.77


ثانياً : نسبةُ الفقرِ في الأراضي الفلسطينيةِ كانت في تزايدٍ مستمر، والإحصائيّاتُ التاليةُ تؤكِّدُ ذلك:

السنة

الفقر %

الفقر المدقع %

1996

23.6

14.3

2003

35.5

24.3

2006

50 ضفة 70 غزة

ثالثاً : نسبةُ العاطلينَ عن العملِ ازدادت بشكلٍ ملحوظ، حيث وصلت عام 2006 إلى 34%، وكانت أحياناً تقفِزُ لترتفعَ إلى 55%.

رابعاً :معدلُ الدخلِ الفرديِّ انخفضَ ليصلَ إلى ذِروتِهِ في الانخفاض في عامِ 2006 إلى 40%.

وبنظرةٍ شاملةٍ للأمورِ الأربعةِ سالفةِ الذِّكر، نستطيعُ أن ندركَ حجمَ الكارثةِ التي حلَّتْ بالمستوى المعيشيِّ للفرد؛ فلم يَقِفِ الحدُّ عند غلاءِ المعيشةِ وارتفاعِ الأسعارِ التي بلغت بالمجملِ أكثرَ من 50%، بل صاحَبَها انخفاضٌ في مستوى الدخلِ الفرديِّ حتى وصلَ إلى 40%، ما يجعلُ الفرقَ بينَ المستوى المعيشيِّ عام 1996 وحاليّاً يقفزُ عن 90%، وترافَقَ مع ذلك ازديادُ نسبةِ الفقرِ والفقرِ المُدقِعِ، وازديادُ نسبةِ العاطلينَ عن العمل. وهذه الأرقام بمعزل عن التغيرات الحاصلة في اختلاف سعر صرف الدولار والدينار حيث اختلف سعر صرف الدينار -عملة الادخار والتخزين- قياساً إلى الشيكل ما يقارب 20% ما يزيد الطين بلّة ويرفع نسب الغلاء.

لقد كان هذا الواقعُ الاقتصاديُّ المريرُ حصيلةَ الاتفاقيّاتِ المشؤومةِ التي وُقِّعت بين من يزعُمُ تمثيلَ هذا الشعبِ وبين كِيانِ يهود، ولقد حاول المُوقِّعونَ ترويجَ فعلتِهِمُ الشّنيعةِ التي تخالفُ شرعَ ربِّنا وتُغضبُه، حاولوا ترويجَها بالدعايةِ الكاذبةِ مِنْ أنَّ هذه الاتفاقياتِ ستُريحُ الناسَ من همومِ مصارعةِ يهود، وسيتفرّغونَ لبناءِ حياتِهِمُ الاقتصاديةِ؛ فيُقيمون المشاريعَ والمصانعَ فيزدهرون اقتصاديّاً ويعيشون حياةً مِلؤُها الاستقرارُ والطُّمأنينة، ولكنْ هيهاتَ هيهاتَ أن يكونَ للمسلمينَ في مخالفةِ شرعِ ربِّهم حياةٌ، هيهاتَ هيهاتَ أن يَجْنُوا من المعصيةِ سوى الضَّنْكِ والحياةِ الشقيّةِ، فكان ما كان، وتبيّنَ لكم بالمُعاينةِ كَذِبُ هذه الدعاوَى وزورُها؛ فها أنتم تعيشون أسوأَ حياةٍ، وها هي مشاريعُكُمُ الاقتصاديةُ في تدهور، بل قد دُمِّر كثيرٌ منها عبر السنينِ الماضيةِ، وأصبحتم لا تَلْوُونَ على شيءٍ، وأصبحتم تُلاقونَ العَنَتَ في تحصيل لقمةِ العيشِ، لا في إقامةِ المشاريعِ والمصانع، وكلُّ ذلك نتيجةٌ طبيعيّةٌ لِما وَقَعَ الناسُ فيه، ونتيجةٌ طبيعيّةٌ لِمَنْ ظنَّ أنّ الكفارَ، أعداءَنا، يريدون لنا الخيرَ ويُقدِّمون لنا المساعداتِ ليأخذوا بأيدينا نحو الحياةِ المستقِرَّة، وكيف ذلك والحقُّ جلَّ وعلا يقول: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة 105]، ويقول: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنفال 36].

إن مسؤوليةَ تغييرِ هذا الواقعِ المريرِ وعدمِ السكوتِ عن مشاريعِ الكفرِ والاستعمارِ في فلسطينَ وفي غيرِها من بلادِ المسلمينَ هي مسؤوليةُ كلِّ مسلم، وإنّ التقصيرَ في هذه المسؤوليةِ إثمٌ يترتَّبُ عليه عذابٌ من الله، فيجبُ حملُ هذه المسؤوليةِ، ويجب الوقوفُ في وجه الحكامِ، ولو أدّى ذلك بالمسلمينَ إلى دفعِ حياتِهِم ثمناً لذلك، الثمنُ الذي يتضاءلُ أمامَ الثوابِ الذي أعدَّهُ اللهُ لمن يقومُ بهذا الواجب؛ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «سيدُ الشهداءِ حمزةُ بنُ عبدِ المطلب ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمره ونهاه فقتله».

إنّ فلسطينَ، بل وبلادَ المسلمينَ جميعاً، حتى وإنْ مَلَكَتِ الدعائمَ الاقتصاديةَ في ظلِّ ظرفِها الراهن، ستبقى عاجزةً عن الاحتفاظِ بثروتِها الاقتصادية؛ لأنّ الاقتصادَ جزءٌ لا يتجزأُ من النظامِ السياسي، ولا يمكنُ أن يكونَ لأيَّةِ دولةٍ شأنٌ اقتصاديٌّ إن لم يَكُنْ لها وجودٌ سياسيٌّ مبدئِيٌّ يمتلك القوّةَ القادرةَ على حفظِ الثروةِ وحمايتِها وتنميتِها، ثم توزيعِها التوزيعَ العادلَ على أفرادِ الرعيّة، وهذه القوةُ بالنسبة للمسلمينَ موجودةٌ في الإسلام، فبدون عودتِهم إلى الإسلامِ عقيدةً ونظامَ حياةٍ لا يمكنُ أن تقومَ لهم قائمة، ولا يمكن أن يكونَ لهم شأنٌ في العالمِ سياسيّاً كان أو اقتصاديّاً أو عسكريّا، مع أنهم يملِكونَ الطاقاتِ البشريةَ الهائلةَ والثَّرَواتِ المعدنيّةَ والزراعيّةَ الزائدةَ عن حاجاتِهِم. فإلى العملِ الجادِّ ندعوكُم أيها المسلمونَ في فلسطينَ وغيرِها لإعادةِ الخلافةِ بالطريقةِ الشرعية؛ لتكونوا أهلاً للنَّصرِ الذي وَعَدَكُمُ اللهُ سبحانه وتعالى به في قولِه: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور 55] فتحيوا بإذن الله حياة ملؤها الطمأنينة والاستقرار.

نسأله سبحانه أن يعجل لنا بالفرج والخلاص إنه ولي ذلك والقادر عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *