العدد 252 -

العدد 252- السنة الثانية والعشرون، محرم 1429هـ، الموافق كانون الثاني 2008م

سياسة الصراخ والمقاعد النيابية

سياسة الصراخ والمقاعد النيابية

 

يُصاب من يتابع السياسيين الجدد في كل من العراق وفلسطين ولبنان بالخيبة والدهشة والاستغراب، وتصعقه سياسة الصُّراخ العالي، والسباب، والشتائم، وتساعده في إيصال صوته بعض الفضائيات وكأنها جزء من (الأوركسترا) المرسومة لهذه الأمة المنكوبة. ويتساءل المرء عن سبب هذه النبرة العالية في الخطاب السياسي والتي لم نعهدها قبل دخول البرلمانيين الجدد؟ ولماذا هذا السيل من الكلمات التي لا تليق بهم؟

l ويتساءل المرء عن سبب عدم اللجوء إلى هذا النمط من الحدّة في الخطاب، أو هذا الانفلات بالكلمات الهادرة بالتهديد وبالوعيد قبل السماح بخوض الانتخاب تحت حراب المحتل في فلسطين وفي العراق، وقبل انسحاب المحتل اليهودي من لبنان.

 l الجواب بكل بساطة هو: حينما فُتح باب الانتخابات وقرر البعض خوض حرب سياسية بدل الحرب العسكرية،وحصد بعض المقاعد البرلمانية المهمة، فإنه ذاق طعم الزعامة والسلطة والشهرة، وظن أن العودة إلى المقاعد النيابة في الانتخابات القادمة يلزمه الحفاظ على الأصوات التي أوصلته إلى البرلمان. والحفاظ على تلك الأصوات يلزمه مداومة دغدغة العواطف والمشاعر، والمزيد من الصراخ العالي، وتهييج الشارع الانتخابي، والشتائم والتهديد وتحريك الغرائز والعشائرية، والفئوية.

l إن الخطباء الذين يمارسون سياسة الصراخ لايستهدفون بخطابهم المثقفين والمفكرين والسياسيين، لأن هؤلاء لاينفع معهم هذا النوع من الخطاب الهابط، بل يأنفون سماعه، ويشمئزون من أصحابه، هم يستهدفون عوام الناس، والعاطفيين الغرائزيين الذين يرقصون في كل مناسبة، فتحرك غرائزهم العبارات الطنانة، وكلمات التحدي، والخطيب المفوّه لا فُضَّ فوه، عينه الأولى على المقعد النيابي المنتظر في السنوات القادمة، والعين الأخرى على “شعبية الشارع” كما يُقال، والانتخابات على الأبواب، والتملق للناخب يلزمه بعض الإثارة في حلبة الصراع.

l قبل دخول البرلمانيين الجدد إلى البرلمانات كان التأييد الشارعي لهم يحصل نتيجة مهاجمة الأطراف المتصارعة للعدو الإسرائيلي، والعدو الأميركي، وبعد دخول البرلمانات أصبحت عدّة الشغل تتطلب أن يهاجم بعضهم البعض الآخر، وأصبح الحرص على وحدة الأمة آخر همهم، بل أصبحت الشعبية الشارعية أهم من كل القضايا المصيرية… فهنيئاً للبعض ببضعة أصوات، وبضعة مقاعد، ولكن هذه التعبئة الشعبوية لن تدوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *