العدد 149 -

السنة الثالثة عشرة – جمادى الآخرة 1420هـ – تشرين الأول 1999م

المخاطر التي تحف بالخــلافـة عند قيامها وكيفية اتقائها (2)

بقلم: أبو أسيد ـ ألمانيا

إستعرضنا في الحلقة السابقة، بعض المخاطر التي نتوقع أن تحيق بدولة الخلافة عند قيامها، ونواصل في هذه الحلقة عرض بقية المخاطر، ثم نختم بالأعمال والإجراءات التي ننصح دولة الخلافة بأن تباشرها من أجل احتواء هذه المخاطر، والتقليل من آثارها، وربما الحيلولة دون حدوثها، مع التذكير بأن الله هو القادر الناصر، وأن الله منجز وعده: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين ) .

 5 ـ           تأسيس جماعات ذات صبغة إسلامية تعمل على تشويه سمعة الدولة الإسلامية والتشكيك في مدى تطبيقها للإسلام، وكذلك تسخير بعض الجماعات الإسـلامية القائمة حالياً وخاصـة المذهبية أو ذات النزعات القوميـة والوطنية. فمثلاً ستقول بعض الحركات إن الخليفة يجب أن يكون قرشياً، أو هاشمياً أو يكون من آل البيت، وأخرى ستقول إن إعلان الخلافة استباق للمهدي ويجب أن ننتظره. أو إن دولة الخلافة تخالف الإسلام وتعارضه لأنها تخالف اجتهاداتهم وآراءهـم، إلى غير ذلك من الاتهـامـات والادعاءات. وستثير أتباعها ومؤيديها ضد الدولة، وستكون عوناً للدول الإقليمية ولمن وراء هذه الدول، كما كانت بعض الحركات عوناً للسعودية وللعراق ضد إيران في إثارة النعرة المذهبية. وإن كانت إيران ارتكبت الخطأ نفسه عندما أكدت صبغتها المذهبية والقومية في دستورها وفي تصرفاتها.

                وقد حصل في الدولة الإسلامية سابقاً أن قامت مجموعات تنادي بالخلافة لآل البيت، فقامت خلافة فاطمية في مصر، ووقفت في وجه الخلافة العباسية، وأخرى صفوية شيعية في إيران وأذربيجان ووقفت في وجه العثمانيين. وفي نهاية الدولة العثمانية قامت بعض المجموعات العربية ونادت بإرجاع الخلافة للعرب، لأن الخلافة يجب أن تكون في قريش، وكان الهدف منها تمزيق الدولة خدمة للإنجليز. وقد أنشأ الإنجليز حركات مثل القاديانية والبهائية تـنادي بتعطيل الجهاد، والاستسلام للإنجليز وللحكام مهما كانوا بدعوى أنهم أولو الأمر، وغير ذلك من الأفكار المنحرفة والمخالفة للإسلام.

 6 ـ           تحريك إسرائيل لضرب الدولة الإسلامية، فإسرائيل ما أوجدها الإنكليز ورعاها الأميركان إلا  لمحاربة إقامة الدولة الإسلامية، ولتمنع وحدة المسلمين ونهضتهم، ولتشغل المسلمين بها عن قضيتهم المصيرية، وتمكن الدول الاستعمارية الكافرة من السيطرة على البلاد الإسلامية ونهب ثرواتها. وقد ورد عن تشرشل رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية أنه قال: «إن الهدف من تأسيس إسرائيل هو أن تكون قاعدة متقدمة للغرب في قلب العالم الإسلامي». فكما أنهم يحققون اليوم مآربهم عن طريقها في العالم الإسلامي، كذلك سيستخدمونها ضد الدولة الإسلامية عند قيامها. لأن من واجبات الدولة الإسلامية الملحة العمل على تحرير فلسطين لتطهيرها من اليهود. وستقوم دول الكفر وخاصة الدول الكبرى الاستعمارية بالوقوف بجانب كيان اليهود لتحميه، وسيتخذون في مجلس الأمن قرارات التدخل لحماية عضو من أعضاء المجموعة الدولية. وستكون حرب صليبية أكبر من سابقاتها. وقادة اليهود كلهم يدركون أن الخطر الوحيد عليهم هو الإسلام.

7 ـ           ستعمل أميركا وبريطانيا على إيجاد طوابير من العملاء من المنافقين ومرضى النفوس وضعيفي الإيمان وطلاب السلطة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والدينية للتحضير لزعزعة الاستقرار في الدولة، وإحداث القلاقل والفتن، وإضعاف الثقة بالدولة وبالإسلام، وصلاحيته لمعالجة الأمور، ومن ثم التحضير لإسقاط الخلافة، وتفتيت الدولة والأمة، كما فعلوا في السابق، في أواخر الدولة العثمانية ونجحوا فيه. بل إن المنافقين بدأوا عملهم منذ قيام الدولة في عهد مؤسسها رسول الله ، وقد ركز القرآن الكريم على هؤلاء الأعداء الخطرين، الذين لا نعلمهم ويعلمهم الله. وسيتسترون تحت عمائم الشيوخ وجلابيبهم، وتحت ألقاب مختلفة، وبدعاوى الإصلاح وعمل الخير فكان أول عمل لأؤلئك المنافقين بناء مسـجـد ضـرار. وسـيعمـل المنافقون الجدد والعملاء على التسلل إلى الجيش والوسط السياسي والأحزاب والتكتلات وفي مختلف وظائف الدولة.

 8 ـ          بعد أن يستقر أمر الخلافة، فلا يستبعد أن تعلن دولة أخرى الخلافة أو تقوم انقلابات وثورات مصطنعة وترفع شعار الخلافة.  ولا يستبعد أن تعلن إيران الإمامة، وتقول إنها مساوية للخلافة أو أن تعلن السعودية مثل ذلك ويلقب ملكها نفسه خليفة كما لقب نفسه خادم الحرمين إذ أخذه من الخليفة العثماني، السلطان سليم الذي لقب نفسه هذا اللقب. وملك المغرب يلقب نفسه أمير المؤمنين فإنه سيدعي أنه خليفة. وقبل عدة سنوات ذكر القذافي في ليبيا أنه مستعد لإعلان الخلافة. وهو ممثل يتقن دوره على المسرح. فعندما قام في العام الماضي بزيارة نيجيريا صلى بالناس وجاء الكثير من زعماء القبائل والمشايخ يبايعونه. وكانت محطة تلفزة الجماهيرية تبث ذلك مباشرة، ومن هؤلاء الزعماء أو المشـايخ من قال نبايعـك على كتـاب الله وسـنة رسـوله. ولا ننسى أن بعض زعماء الحركات الإسلامية قد أعلن نفسه خليفة، مثل قبلان، المفتي السابق لأضنة، وقد أعلنها في كولونيا في ألمانيا.

                والجدير بالذكر أن أميركا كانت قد شجعت الثورة الشيوعية في الصين عام 1949 لتقام دولة شيوعية منافسة للاتحاد السوفياتي. ونجحت في ذلك وانقسم المعسكر الاشتراكي وحصل بين الطرفين صراع سياسي حاد، تحوّل إلى اشتباكات عسكرية عام 68، وتآمرت روسيا مع أميركا في حرب فيتنام ضد الصين من أجل تحجيمها وتطويعها وإدخالها في النظام الدولي.

 9 ـ           ستواصل الدول الاستعمارية الكافرة محاربة الأفكار الإسلامية وتشويهها، والتشكيك بها. وستعمل على نشر الأفكار الرأسمالية وأنظمتها وإيجاد الدعاية لها وتزيينها واستخدام جميع الوسائل لذلك بواسطة المروجين أو بوسائل الإعلام والنشر. وستعمل على إيجاد التضليل الفكري والسياسي والمغالطة والبلبلة في الأفكار والآراء وهزِّ الثقة بأفكار الإسلام وأحكامه. كما فعلت تلك الدول الكافرة في ظل الدولة الإسلامية على مدى قرنين حتى استطاعوا في النهاية أن يُضعفوا ثقة المسلمين بالإسلام، وبقدرتـه على حل مشــاكـل العـصـر وبذلك استطاعوا أن يدخلوا أفكارهم، ويجعلوا المسلمين يقبلون بها، وتقبل بها دولتهم بحجة توافقها مع الإسلام. فأدخلت الدولة قوانين الدول الغربية، وسمحت لحضارتها بدخول البلاد، ووجد المروجون ووجدت لهم أحزاب علمانية عميلة سيطرت على الدولة عام 1908.

                هذه هي أهم المخاطر التي يمكن أن نتصورها الآن حول المستقبل المتعلق بالدولة الإسلامية بعد استقراء الماضي والتفكير في الحاضر.

                ويمكننا على ضوء ذلك أن نتصور حلولاً للتغلب على هذه المخاطر واتقائها فمنها ما يلي:

 1 ـ           تقوم الدولة الإسلامية بمباشرة تطبيق الإسلام كاملاً بدون تدرج وبدون تأخير. فأي تدرج وأي تأخير يفشل الدولة الإسلامية في تطبيقها للإسلام، ويضيع الكثير عليها وعلى المسلمين، فتُطمع الآخرين بها، وتصدق أكاذيبهم وادعاءاتهم، عن عدم قدرة الإسلام على معالجة المشاكل. وأن تتمسك بالتطبيق الكامل له مهما واجهت من صعوبات، فالخليفة الصديق، عندما أصر على تطبيق الإسلام كاملاً وبدون تأجيل وحارب مانعي الزكاة والمرتدين، كان ذلك نصراً ما بعده نصر. وإلا فالمتربصون في الداخل من المنافقين كانوا  ينتظرون الفرصة للانقضاض على الحكم فعمَـلُ أبي بكر رضي الله عنه أرعبهم وفوت عليهم الفرصة. ولم يوقف أبو بكر الجهاد ضد الروم ولو لفترة فأنفذ جيش أسامة مع العلم بأن الدولة كانت ضعيفة، والكثير من الناس في الجزيرة قد ارتدوا أو منعوا الزكاة. حتى إن مانعي الزكاة عندما رأوا إصرار الخليفة على محاربتهم، وبدأت الهزائم تلحق بهم قالوا للخليفة نحن نجمع الزكاة ونوزعها على فقرائنا، فرفض الخليفة وأصر على إحضارها إليه، لأنه هو صاحب الأمر وهو الذي يرعى الشؤون، فلا يعترف بحكم ذاتي لهم وفي النهاية خضعوا أو انهزموا في المعارك أمام الدولة بفضل الله. وعاد جيش أسامة مظفراً فأدى واجب الجهاد ضد الروم. وهذا الموقف أخذه الصديق عن مؤسس الدولة، رسول الله، حين طلبت ثقيف إعفاءها من الصلاة، وترك اللات ثلاث سنوات، فرفض النبي  وأصر على هدم اللات وعلى إقامة الصلاة، فخضعوا في النهاية وأرسل رئيس الدولة رسول الله اثنين ليهدما اللات فهدماه. والذي يكون مبدئياً في حمل الدعوة ومصراً على تطبيق الإسلام كاملاً فسيكون مبدئياً بعد إقامة الدولة. فأملنا كبير في الحزب المبدئي الذي يدعو للخلافة أن يكون موقفه مثل موقف أبي بكر، فهو لم يتنازل منذ تأسيسه عام 1953 حتى اليوم وأصر على موقفه رغم الضربات القوية من قبل الأعداء له، والتي كادت تقضي عليه لولا حفظ الله له.

 2 ـ           إظهار أن الدولة الإسلامية هي فعلاً محررة الشعوب من الاستعمار، وأن الإسلام هو محرر العالم من الضـلال، وهو الذي يمـلك الحل الصحيح لكافة مشاكل الدول والشعوب. ويكون ذلك بإحسان تطبيق الإسلام في الداخل، وإظهار عظمته وعظمة أفكاره، بشرحها للناس وحملها إليهم بكافة الوسائل، وجعلهم يلمسون ذلك لمس اليد، وذلك عن طريق من يأتون لبلادنا وبوسائل الإعلام، وبإرسال حملة الدعوة إلى البلاد الأخرى لإطلاع الناس على حلول الإسلام وعلى عظمة أفكاره، ومحاولة كسب وسائل إعلام في البلاد الأخرى، وكسب عاملين فيها، وكسب مفكرين وكتاب من أهل البلاد الأخرى، وكسب مؤيدين وأنصار منهم. لأن كسب أمثال هؤلاء في الدول الأخرى له تأثير على شعوب تلك الدول بل على الحكام فيها.

 3 ـ           تقوم الدولة الإسلامية بدعوة الحكام في العالم الإسلامي، للانضمام للدولة الإسلامية ولمبايعة الخليفة. فانضـمـام البلاد الأخرى بقناعتها وقناعة الحكام فيها، له أثر كبير على الدولة وعلى الدول الأخرى، ويشجعها على الانضمام إلى الدولة الإسلامية، ويسحب البساط من يد الكفار، في أن الدولة خارجة على القانون الدولي، لأن أهل البلاد أنفسهم وبدون إكراه، يقررون الانضمام إلى دولتهم الإسلامية. فالرسول  أرسل لملوك الجزيرة، فاستجاب ملك اليمن وملك البحرين، وتركا موالاتهما لدولة فارس، وأسـلمـا وانضـمـا للدولة الإسـلامية، وضما بلديهما لها.

 4 ـ           تقوم الدولة الإسلامية بالاتصال بكافة دول العالم، لشرح وجهة نظرها، ومحاولة إقناعها بعدم معاداة الدولة، وكفهم عن مناصرة أعداء الدولة المباشرين، وتحضهم على إقامة علاقات جيدة وحسـنة مع الدولة، مع حمل الدعوة الإسلامية لهم، ومحاولة إقناعهم بأن الإسـلام لا يشكل خطراً عليهم بل هو لخيرهم وخير الدنيا كلها. فالأعمال الدبلوماسـية، والاتصـالات السياسية، مع الدول الأخرى وحكامها لها تأثير كبير في تحقيق الهدف. فلا يجـوز لنا أن نكـون جامديـن في بلدنا، والدول الكـبـرى تتحـرك وتقـوم بالأعمال الدبلوماسية والاتصـالات السـياسـيـة لتقنع الآخرين بمعاداتنا، بل يجب أن نبادر نحن بالاتصال بالآخرين، من أجل الوقوف معنا ضد الدول الاستعمارية، ونظامها الدولي الجائر، والمؤسـسـات الدولية، التي هي أدوات بيد أميركا والدول الكافرة.

 5 ـ           على الدولة أن توطد علاقاتها مع الدول الأخرى بعقد معاهدات تجارية أو معاهدات ثقافية أو علاقات حسن جوار، أو علاقات دبلوماسية. فتنظر الدولة إلى كل دولة وما يصلح معها من علاقة. فعندما عقد الرسول صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية، وهو عبارة عن هدنة مؤقتة، أسلم بنتيجته الكثير من أهل مكة، والذي لم يدم سوى سنتين. فعقد مع خيبر وبني النضير وبني قريظة علاقات حسن جوار. وكان يركز على عدو واحد، ويحيّد الآخرين بكافة الوسائل والعلاقات والمعاهدات. فعندما كان يحارب مكة حيّد الآخرين من اليهود والعرب، وأقام معهم علاقات معينة. وعندما أراد أن يحارب يهود خيبر عقد صلحاً مؤقتاً مع مكة. وعندما حارب الروم حيّد القبائل المجاورة لهم. والفتح والضم يكون أولاً للدول المجاورة، وهذه من بدهيات الحرب، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار).

 6 ـ           يجب على دولة الخلافة أن تقوم بكشف خطط الدول الاستعمارية، وتآمرها على الشعوب، وفضح سـياسـتها وتعريتها، فتتصل بكافة الدول، وخاصة الضعيفة منها والمستهدفة من قبل الدول الاستعمارية، وتحاول أن تكتلها تحت رايتها ضد تلك الدول، وتعمل على تأليبها وتحريضها عليها. وتعمل على زحزحة الدول الكبرى وخاصة الدولة الأولى في العالم عن مواقعـهـا وعن مركزهـا في الموقف الدولي. فدولة الخلافة يجب أن تكون دولة كبرى، بل يجب أن تكون هي الدولة الأولى في العالم، لأنها تحمل رسالة للعالم وتريد أن تنشرها في الأرض وتجعل الناس يؤمنون بها، أو يخضعون لها. ولهذا يجب أن تتصدى للدول المهيمنة على الدول والشعوب، وأن تتصدى لمعالجة مشاكل الناس في العالم، قال تعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمسـتضـعفين من الرجال والنساء والولدان).

 7 ـ           الاتصال بكافة الجماعات والأحزاب الإسلامية، في البلاد وفي العالم، ومحاولة كسبها أو كسب مناصرتها للدولة، حتى تسهل حمل الدعوة من قبل الدولة، وتسهل عملية الضم، أي ضم البلاد الإسلامية الأخرى للدولة. وإذا وجد فيها عملاء أو ترأسها عملاء تقوم الدولة بفضحهم وكشفهم حتى تبعدهم تلك الجماعات والأحزاب من صفوفها، وخاصة القادة والمؤثرين فيها. ويقوم الحزب المبدئي الذي أسس من أجل استئناف الحياة الإسلامية، وحمل الدعوة عن طريق إقامة الخلافة، بدور كبير في كافة البلاد من أجل ضم البلاد الإسلامية إلى الدولة، وخاصة أن هذا الحزب انتشر في كافة البلاد الإسلامية، وفي كثير من دول العالم، وهذا بفضل الله وتوفيقه. مع علمنا أن الأحزاب هي التي تؤثر في الدولة وفي الأمة. فإذا كسبنا هذه فإنها ستؤثر في الدول والشعوب التي تعمل فيها.

 8 ـ          إذا رفض حاكم بلد إسلامي الانضمام وعادى الدولة فعلى الدولة الإسلامية أن تثير الشعب عنده ضده وبيان أنه خارج على الحكم الشرعي حتى يعي الشعب عليه، فيضغط عليه لمبايعة خليفة المسلمين الواحد والواجب الطاعة. ولا تستخدم الدولة القوة لتحقيق الضم إلا بعد استنفاد كافة الوسائل. ويجب أن تضن بدماء المسـلمين، وتدخرها لمحاربة الكفار ونشر الإسـلام، وتوسـيع دار الإسـلام.

 9 ـ           المناورات السياسية من أهم الأعمال التي يجب أن تحـذق فيها الدولة، وذلك بإعلان أعمالها، وإخفاء أهدافها، فكم من عمل سياسي أغنى عن حرب مدمرة، وحقق أعظم المكاسب، دون إراقة قطرة دم واحدة، فأميركا قضت على الاتحاد السوفياتي، من خلال الأعمال السياسية، في حين كان يتوقع الكثيرون، أن حرباً عالمية ثالثة هي القادرة على تفـتـيـت الاتحاد السوفياتي، ولكن هذه الحرب حققت نتائجها قبل أن تبدأ، وواقع دول الاتحاد السوفياتي سابقاً، وواقع روسيا بالذات خير شاهد على ذلك. والأعمال السـياسـيـة توجـد الهيـبـة للدولة وحكامها عند الشعوب والحكام، وهذا يسهّـل انضمام الدول القائمة في العالم الإسلامي إلى دولة الخلافة، لأن المسلمين سيلمسون أن دولتهم أصبحت حقيقة واقعة، ودولة قوية ومحترمة في المجتمع الدولي، فينفضون عن الدول المستكبرة المستغلة.

10 ـ         معالجة موضوع احتلال اليهود لبعض الأراضي الإسلامية، وذلك بردّ الموضوع إلى صعيده، وهو الصـعيد العسـكري، وأن اليهود جاء بهـم الإنجليز، فذهب الإنجليز، ولذلك يجب أن يرحلوا خلفهم، وأن النجاح في معالجة هذا الاحتلال وتصفية آثاره، يحقق للدولة ثقلاً واعتباراً لدى شعوب الأمة الإسلامية، ولدى شعوب العالم، ويلمس المسلمون زيف حكامهم الذين تعاقبوا على حكمهم، وقتلوا خيرة أبنائهم، واستنزفوا خيرات بلادهم، في حروب تآمرية مع دولة اليهود، وكيف أن أعمالهم كانت تركيزاً للوجود الغاصب، وأنهم لم يعالجوا هذا الوجود على صعيده العسكري الواجب، وإنما على الصعيد السياسي، من أجل تركيع الناس وتطويعهم للقبول بهذا الكيان الغاصب، وعقد الصلح معه، ومن ثم القبول بتطبيع العلاقات معه. وإن اجتثاث اليهود ودولتهم من بلاد المسـلمين سيوجد الرهبة في نفوس الأعداء، ويبعث فيهم الرعب والوهن، ما يسهل للدولة الإسلامية ضمهم. فغزوة تبوك، وغزوة مؤتة، هما اللتان فتحتا بلاد الروم أمام المسلمين قبل أن يتكرس الفتح في معركة اليرموك العظيمة.

11ـ         محاربة كافة الأفكار والمفاهيم والمقاييس الغربية، وكذلك أنظمتهم الديمقراطية والرأسمالية ونقضها وكشف فسادها وبيان بطلانها للناس كافة. وتستخدم الدولة كافة وسائل الإعلام والنشر بكافة اللغات كما تحارب الأحزاب والتنظيمات القائمة على تلك المفاهيم والأفكار سواء الأحزاب الديمقراطية أو القومية أو الوطنية أو الاشتراكية وسواء التنظيمات السرية مثل الماسونية ونواديها أو العلنية التي تتستر خلف أهداف إنسانية أو أسماء إنسانية مثل منظمات حقوق الإنسان والمنظمات التي تتخذ أسماء علمية أو خيرية أو اجتماعية أو طبية وغير ذلك، ولكنها في حقيقتها قائمة على وجهة النظر الغربية، وتخدم المفاهيم الغربية، والاسـتـعـمـار الغربي، فقد كانت المحافل الماسونية في أواخر العهد العثماني أوكاراً للتآمر على دولة الخـلافة، ولتخريج أفواج من المتآمرين عليها من أمثال مصطفى كمال وزمرته.

12ـ         العمل على فضح الأمم المتحدة ومجلس أمنها ومنظماتها الأخرى وبيان كيف أن الدول الكبرى وخاصة الدولة الأولى في العالم تتحكم في هذه الهيئة ومجلسها ومنظماتها وتسخرها لمآربها وتتدخل في شؤون الدول الأخرى من خلالها. ودعوة كافة الدول إلى الانسحاب منها. وتدعو الدولة الإسلامية الدول للاحتكام إلى أعراف مستندة إلى الإسلام وجعل إدارة دولية لها لتنظيم العلاقات بين الدول حسب هذه الأعراف، وتجعل الدول تلتزم بها أدبياً ومعنوياً من نفسها وتقوم الدولة الإسلامية بحراسة هذه الأعراف وتشجيع الدول على الالتزام بها وتثير الرأي العام ضد من يخالفها.

13ـ         أحداث الثورة الصناعية وإيجاد التكنولوجيا الحديثة والتقدم في كافة المجالات العلمية والصناعية وخاصة الصناعات الثقيلة والعسكرية الاستراتيجية ومنها الصناعات الذرية والنووية وغزو الفضاء. فيجب إيجاد الصناعة التي توجد الهيبة والاعتبار لدى الدول الأخرى والسلاح الذي يرهب الأعداء. فكل ذلك كفيل بأن يوجد للدولة الهيبة منها والاعتبار لها عند الشعوب والدول. وسيسهل انضمام كافة البلاد الإسلامية وشعوبها إلى الدولة. وهذه حقيقة نلاحظها في الواقع. فكل دولة متقدمة علمياً وصناعياً تكسب التقدير والاحترام، وكل دولة تملك الصناعات الثقيلة ومنها الصناعات العسكرية الثقيلة والاستراتيجية توجد لها الهيبة عند الآخرين. وفي السابق عندما حققت الدولة التقدم العلمي كسبت الاعتبار والتقدير، وكان ذلك دليلاً على نجاح قيادتها الفكرية. فيرى الناس أن هذا التقدم دليل على صحة الفكرة. وتستغل الدول المبدئية التقدم العلمي والصناعي للتدليل على صحة مبادئها، وعلى نشرها وإقناع الناس بها وهذا ما تفعله الدول الغربية، وذلك ما فعله الاتحاد السوفياتي في غزو الفضاء، والصواريخ الباليستية.

14ـ         محاربـة الحركات الانفصـالية وفضـحهـا وفضح قادتها وبيان عفنها وفسادها، سواء أكانت قومية أو وطنية أو مذهبية، والتأكيد على وحدة الأمة وانصهارها في بوتقة الإسلام والتركيـز على عالمية الإسـلام ورسـالته الإنسانية، وأنه هدىً ورحمة للعالمين. ودعوة الحركات المنحرفة عن الإسلام إلى العودة إلى حظيرة الإسـلام، وإلا تقوم بكشفها وبيان خطورتها وعمالتها ومحاربتها.

15ـ         إذا حصل هجوم على الدولة من قبل دول العالم أو من قبل قسم كبير منها ورأت الدولة الإسلامية أنها لا تستطيع دفعه يجوز لها أن تعقد معاهدات اضطرارية مثل منح بعض الدول تسهيلات تجارية كبيرة. كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يعطي غطفان ثلث ثمار المدينة مقابل أن تترك غطفان مكانها في الاتفاق مع الأحزاب التي كانت تحاصر المدينة في معركة الخندق وتنسحب من الحصار.

16ـ         تعمل الدولة من أول يوم على تحقيق سياسة الاكتفاء الذاتي. بحيث لا تحتاج لاستيراد الغذاء والدواء والسلاح كما هو حال دول المسلمين اليوم، وبذلك تستطيع أن تصمد أمام أي حصار اقتصادي تفرضه الدول الأخرى على الدولة الإسلامية، ويجب أن تدخل الدولة كل بيت، فتحدث فيه التغيير، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين آخى بين المهاجرين والأنصار، وبذلك يلمس المسـلمـون أن الدولة دولتهم جميعاً، وتجب عليهم المحافظة عليها.

                هذه هي أهم الأعمال التي نتصورها الآن للحفاظ على كيان الدولة الإسلامية، ولتمكينها من تطبيق الإسلام كاملاً، ومن تحقيق النهضة، ومن توحيد البلاد الإسلامية ومن تحرير فلسطين وغيرها من البلاد الإسلامية وبالتالي لتمكينها من حمل رسالتها إلى العالم كله، لتحريره من الكفر والضلال والطغيان، ولتمكينها من الوقوف بصلابة واقتدار في وجه المؤامرات التي تحاك ضدها، ولتمكينها من أن تصبح دولة كبرى بل لتصبح الدولة الأولى بلا منافس.

                ومن الضمانات لتحقيق ذلك إيجاد حشد كبير من السياسيين المفكرين المبدعين الذين يتمتعون بصـفات رجل الدولة القادرين على الإبـداع وتطوير الأساليب وأن يكونوا أصحاب إرادة فولاذية مصـمـمـة تكـون أقـوى من الجبـال في وجه العواصف الشديدة.

                ومع ذلك يجب أن يتجلى التوكل على الله حق توكله والاستعانة به سبحانه وتعالى حتى لا نضعف ونتنازل أمام قوى الكفر. فيجب أن نتصور بأن الله عز وجل هو القادر على كل شيء فهو خالق القوى والدول والقادر على تحطيمها وتدميرها وإزالتها. فلله جنود السماوات والأرض فهو الذي أرسل الريح فقلعت جذور الأقوام التي كذبت الأنبياء والرسل. وقد أرسلها يوم الخندق على الأحزاب الكافرة فنصر الله رسوله والمؤمنين وهزم الأحزاب وحده .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *