العدد 242 -

العدد 242، السنة الواحدة والعشرون، ربيع الأول 1428هـ، الموافق نيسان 2007م

المحافظون الجدد في بريطانيا بقيادة رئيس حزب المحافظين كاميرون

المحافظون الجدد في بريطانيا بقيادة رئيس حزب المحافظين كاميرون

 

صرح ديفيد كاميرون رئيس حزب المحافظين في خطاب ألقاه في بيرمنغهام يوم 29 يناير 2007 قائلاًً: “يعتبر أولئك الذين يسعون للحصول على دولة قائمة على الشريعة، أو يريدون معاملة خاصة وقانوناً منفصلاً خاصّاً بالمسلمين البريطانيين، في أوجه كثيرة يعتبرون، صورة لحزب الـ(بي. إن. بي) (الحزب القومي البريطاني)”. ونشر المحافظون في اليوم التالي تقريراً أعدته مجموعتهم السياسية حول الأمن القومي والدولي تتهم فيه الجماعات الإسلامية بالتشجيع على الانفصال. ذكر التقرير أن العديد من الجماعات الإسلامية “كانوا حريصين على تشجيع المبادئ بدلاً من تجميع الجاليات التي يزعمون أنهم يمثلونها” ويزعمون أن “هناك ضغوطاً كبيرة تمارس على المسلمين في بريطانيا. وهؤلاء الذين يروّجون للإسلام السياسي في المملكة المتحدة، مستغلين صورة داحضة من الفكر من أجل غايات سياسية، نشطون ومؤثّرون في الجاليات المسلمة.”

اختار التقرير “الإسلام السياسي” للفت الانتباه الخاص له، قائلاً بأنه رغم “أن الكثيرين من المسلمين في العالم” يتبعونه، إلاّ أن أتباعه “يروّجون لمفاهيم من العدل السياسي والنظام الاجتماعي الذي لا يتماشى مع الأفكار الغربية في الحرية الشخصية، ومساواة الرجال والنساء، وحقوق الإنسان الأساسية، والحكم الديموقراطي في ظل سلطة القانون.”

كتب دين جودسن، مدير مؤسسة بوليسي إكسشينج (للأبحاث) في جريدة التايمز مؤخراً يقول: “ربما يكون أوضح مظهر للتقرير هو رفضه لـ«ثقافة الضحية» التي تلوم بريطانيا والغرب كسبب لعلل الأمة الإسلامية.” وكتب أيضاً عن “خرافة كون المسلمين ضحية”.

“وعقب حملات التفتيش ضد الإرهاب التي وقعت في بيرمنغهام، زار ديفيد كاميرون المدينة ثانية للالتقاء بقادة مسجد بيرمنغهام المركزي. وذكرت جريدة التايمز أن اللقاء تطور ليصبح “شجاراً ساخناً”، فخرج كاميرون لينتقد رئيس لجنة المسجد، دكتور نسيم، بسبب قوله إن التهديد الإرهابي قد اختُرِع لتحويل بريطانيا إلى دولة بوليسية. قال كاميرون معلقاً عل كلام دكتور نسيم: “إنه مخطئ تماماً وبالكامل، وأعتقد أن هذا قول غير مسؤول أبداً. من الواضح تماماً من أحداث 7 يوليو وحوادث أخرى أن بريطانيا تواجه تهديداً إرهابياً، وأن علينا مواجهة ذلك وهزيمته. لدينا حكم القانون، ولدينا قوة شرطة مستقلة تقوم بعمل جيد تماماً”.

لقد وردت هذه الخطابات والتقارير مباشرة بعد نشر تقرير كتبته منيرة ميرزا العاملة في مركز الأبحاث اليميني، (بوليسي إكسشينج) تحت عنوان “يعيشون متباعدين: مسلمو بريطانيا ووهم التعدد الثقافي”. ذكر التقرير أن التأييد للشريعة والمدارس الإسلامية ولبس النقاب بين الشباب المسلمين في بريطانيا كان أكبر منه بين آبائهم. وذكر التقرير أيضاً بأنه كان هناك “نموّ سريع في الأصولية الإسلامية وسط الجيل الشبابي”.

كان من الواضح جداً التشابه الكبير بين محتوى خطاب كاميرون في بيرمنغهام ومحتوى الورقة السياسية الواردة في تقرير بوليسي إكسشينج. وخص تقرير بوليسي إكسشينج “الأسلمة” بالذكر واصفاً إياها بأنها “ليست مشكلة أمنية فحسب، ولكنها مشكلة ثقافية أيضا”. وادّعاء كاميرون أن المسلمين يطالبون “بمعاملة خاصة” أو “بدولة قائمة على الشريعة” قد أُخِذ مباشرة من التقرير. وكان الهجوم على التعدد الثقافي أيضاً مَعْلَماً مشتركاً بين خطاب كاميرون وتقرير مؤسسة الأبحاث.

حلقات اتصال بمبدأ المحافظين الجدد

أُنشئت مؤسسة بوليسي إكسشينج من قبل ميخائيل جوف، عضو برلماني، وصف نفسه كواحد من المحافظين الجدد، وكذلك نيكولاس بوز المرشح المحافظ للبرلمان عن منطقة هوف.  وتأثيرمؤسسة الأبحاث للمحافظين الجدد التي أُنشئت من قبل “مجموعة نوتينج هِل” على رئيس المحافظين وعلى الحزب ليس مفاجئاً. فتمويل هذه المؤسسة يأتي من “تجمع تجاري” يشمل شركات بترولية وبي سكاي بي المملوكة لروبرت مردوخ. وارتباطاتها بقيادة المحافظين قوية جداً. ولها ارتباطات أيضاً بجماعة هنري جاكسون اليمينية جداً والتي تدعو إلى اتباع منهج نشط لنشر الديموقراطية في أنحاء العالم، وهي السياسة التي جلبت المآسي على العراق وأتت بالحرب على الإرهاب عموماً.

وتعليقات كاميرون عن الشريعة تفضح ظهور فكر المحافظين الجدد في حزب المحافظين. لم يثركاميرون الحديث عن وجود المحاكم الدينية أو معالجة الشؤون الداخلية الموكولة ليهود بريطانيا والمتعلقة بالجالية، ومع هذا فهو يتهم البعض في الجالية الإسلامية بطلب “معاملة خاصة”. وعندما سعت وكالات التبني الكاثوليكية لاختيار الاستثناء من تشريع عدم التمييز(بين المثليين وغيرهم في التبني)، قال كاميرون بأن هناك حاجة “لحل وسط مقبول”، ولم يقارن بين رغبتهم في الحصول على “معاملة خاصة” وبين الحزب القومي اليميني (بي إن. بي).

وتعليقات كاميرون عن الشريعة شبيهة حقاً بتعليقات بلير ووزير الداخلية السابق شارلز كلارك. فقد قال شارلز كلارك في خطاب له عام 2005 لمؤسسة أبحاث يمينية أخرى في أميركا، وهي هريتيج فاونديشن: “لا يمكن التفاوض حول إعادة الخلافة، ولا يمكن التفاوض حول فرض تطبيق الشريعة”. وفي يوليو عام 2005 دافع بلير بأن هناك “مبدأً شرّيراً” يطالب أتباعه “بتطبيق الشريعة في العالم العربي وصولاً إلى خلافة واحدة لجميع الشعوب الإسلامية”.

الشريعة «والمعاملة الخاصة»

من المفهوم بشكل واسع أنه في الوقت الذي يدعو فيه كثير من المسلمين إلى تطبيق الشريعة كاملة في المجتمعات الإسلامية في العالم الإسلامي فإنهم لم يسعوا إلى تطبيقها في المجتمعات الغربية. لذلك فإن دوام ذكر أن المسلمين يدعون لتطبيق الشريعة في المملكة المتحدة هو من أجل إثارة الذعر.

كاميرون يشوّه الشريعة عموماً بقوله إن أولئك الذين يحبّذون الشريعة يتساوون مع الفاشيين اليمينيين. وبينما يمكن أن تحظى مثل هذه التصريحات بالشعبية، إلاّ أنها سطحية.

فالشريعة تتكون من قوانين تنظّم حياة الأفراد شخصياّ كما تنظم علاقاتهم بالآخرين في مجتمعهم. فهي تحتوي على قوانين تحكم السلوك الشخصي للمسلمين بما في ذلك الصلاة والصوم والحجّ. وتلزم الشريعة المسلمين العناية بوالديهم وجيرانهم، وزيارة المرضى، والأمانة في المعاملات التجارية، والوقوف في وجه الظلم. وفي المجال الشخصي، تؤكد الشريعة على التواضع والخلق عوضاً عن الفظاظة والبذاءة، كما تؤكد على الاحترام المتبادل والسلوك القويم بدلاً من عدم الاحترام والسلوك غير الاجتماعي.

وتفترض الشريعة أموراً تصبح بارزة في المجتمع مثل نمط اللباس. وفي التزام المسلمين بالشريعة لم يسعوا إلى “معاملة خاصة”، بل إلى نفس المعاملة التي يرون أن البعض قد منحوها في المجتمع، حيث يحترم نمط لباسهم الشخصي. وعندما اختارت النساء المسلمات لبس الخمار كحكم شرعي في الإسلام، لم يخالفن في الواقع أي قانون، ولا سعين لأي معاملة خاصة.

الهجوم على الشريعة ليس هجوماً على «الأسلمة» وإنما هجوم على الإسلام نفسه

سيبدو مستغرباً جداً لدى الكثيرين هجوم المحافظين الجدد على الفكرة القائلة بأن المسلمين يؤيدون الشريعة أو الدولة الإسلامية في العالم الإسلامي. إذ هناك دليل دامغ من العراق وفلسطين ومصر والجزائر… أنه لو أُعطِي المسلمون هناك حقّ الاختيار، فمن المتوقع جداً أنهم سيختارون الإسلام بدلاً من العلمانية. لا شك في وجود صحوة إسلامية عالمية ترفض الحقبة الاستعمارية المتمثلة في الطواغيت المدعومين من قبل الغرب، وفي الاحتلال الوحشي للعالم الإسلامي. ففي الوقت الذي جلبت فيه الحقبة الاستعمارية عدم الاستقرار وسفك الدماء في العالم الإسلامي، فإن حقبة الشريعة والخلافة قد جلبت الاستقرار وحضارة مزدهرة. فأحكام الشريعة في الاقتصاد التي تفرض توزيع الثروة بدلاً من كنـزها قد أنهت الفقر في أفريقيا بدلاً من استعبادها. أعطت الشريعة حقوقاً للنساء في وقت لم يكن لهنّ من ذلك شيء (فقد كانت أوروبا حينها لا تزال تجادل فيما إذا كان لدى النساء روح)، وأوجدت مجتمعاً عاش فيه المسلمون وغير المسلمين في وئام.  وتوطّد الشريعة مبدأ سيادة القانون بدلاً من الاستبداد والفوضى التي تميز للأسف العالم الإسلامي اليوم.

إنّ تطبيق الشريعة في الأندلس هو حقّاً الذي جعل هيوم يكتب “عاش المسيحيون واليهود جنباً إلى جنب بسلام مع الحكام الجدد. فاليهود الأغنياء من خلال التجارة والصناعة رضوا يأن ينسوا ذكرى الظلم الذي مارسه عليهم القوط بقيادة الرهبان بعد أن اختفى الآن الممارسون الرئيسون له. ولحذقهم في مختلف الفنون والعلوم، ولكونهم مثقفين ومتسامحين فقد عوملوا من قبل المورز (المسلمين) باحترام بارز، وهكذا تزايد وجودهم بسرعة في جميع أنحاء إسبانيا. وشأنهم شأن المسيحيين الإسبان، تحت حكم المورز- الذين كانوا يسمَّوْن موزأرابز- كان لديهم من الأسباب لشكر قادتهم الجدد على حقبة من الرخاء لم يكن قد عرفوها من قبل”. وكتب جيبون عن تلك الحقبة “في حقبة من السكينة والعدل لم يجبر المسيحييون على نبذ الإنجيل أو على اعتناق القرآن”.

النقاش القائل بأن يُحرَم المسلمون من حقّ تطبيق نظامهم يدل على الاستعمار الثقافي للمحافظين الجدد الذي أدى الى حرب العراق المأساوية. هناك فرضية تقول بأن قيم الغرب عالمية، وتخطئ أميركا وبريطانيا في الادعاء بأنه إذا شاركت الحكومات الغربية بشكل أفضل (في الحرب) ولو قليلاً فإنه سيُقدّر لهم الفوز “بالقلوب والعقول” في العالم الإسلامي، رغم وفرة الأدلة التي تبين أن المعركة على كسب “القلوب والعقول” قد فشلت، وأن هناك دعماً قوياً في العالم الإسلامي للإسلام لا للعلمانية الغربية. وتدل نتائج الانتخابات الأخيرة في العراق ومصر وفلسطين والخليج على الدعم القوي للأحزاب التي في مسماها الإسلام. زيادة على ذلك، فإنّ مركز الدراسات الاستراتيجية (سي. إس. إس) في الجامعة الأردنية قد نشر عام 2005 نتائج دراسة تقول إنهم يعتقدون أن لدى مجتمعاتهم قيم تقاليد ودين وعائلة أقوى مما في الغرب، وأنها أقل إصابة بالمشاكل الاجتماعية. وذكرت الدراسة أن ثلثي الذين أجابوا على الاستبيانات في الأردن ومصر وفلسطين يعتقدون أن الشريعة يجب أن تكون المصدر الوحيد للتشريع، بينما يعتقد الثلث الآخربوجوب أن تكون الشريعة مصدراً من مصادر التشريع.

من الحقائق الثابتة أن كثيراً من المسلمين إن لم يكن كلهم يريدون دولة إسلامية تحكم بالشريعة في العالم الإسلامي الذي يعتبر سكانه بشكل طاغٍ من المسلمين، وكذلك إرثه إسلامي بشكل طاغٍ. ومع ذلك فمما يثير الدهشة حقاً هذا الإصرار في الغرب على فرض “الديموقراطية الليبرالية” على العالم الإسلامي ولو بالقوة إذا اقتضى الأمر!

«الشعور بكونك ضحية»

حسب رواية بوليسي إكسشينج فإنه لا لوم على  الغرب، لا عبر تاريخه ولا حالياً، في معاملته للمسلمين. وبحسب كلام بلير فإن لدى المسلمين “شعوراً زائفاً بالتظلم”، وبحسب كلام دين جودسون الموالي لكاميرون فإن هناك “خرافة كون المسلمين ضحية”. وهذه الحكاية لا تختلف عن البلطجي الذي يصرّ على أن ضحيته يجب أن لا يبكي.

لا يذكر بلير ولا جودسن بالطبع شيئاً عن غضب المسلمين حيال فلسطين، ولا الحكام المستبدين المدعومين من الغرب، أو نتائج حرب 1991م ضد العراق التي بلغت 100,000 قتيل ووجود القوات الأميركية في الجزيرة العربية، أو نظام العقوبات الإجرامي ضد العراق الذي قتل 500,000 شخص. وليس هناك ذكر للأكاذيب المختلقة حول أسلحة الدمار الشامل والصلات بالقاعدة التي أدت إلى أكثر من 650,000 قتيل، بالإضافة إلى 300,000 صومالي ماتوا بسبب المجاعة منذ التدخل العسكري الأميركي. كما أن ضحايا العدوان الروسي والهندي على الشيشان وكشمير الذي غضت الحكومات الغربية الطرف عنه لا يستحق الذكر أيضاً. واللائحة تطول، هذه هي مقاييس الغرب الزائفة!

إن إيحاء جودسن بوضع مسؤولية مسلسل القتل والتخريب هذا على شخص آخر غير الحكومات الغربية هو خيال هروبيّ.

من الواضح أن الحكومات الغربية لا تجد بأساً في لعب دور الضحية، فموت 3,000 مدني يوم 9-11 قد استخدم من قبل هذه الحكومات لتبرير غزو واحتلال العراق وأفغانستان مما أدى إلى موت مئات الآلاف. ومن السخرية أن تستغل هذه الضحايا لتبرير الاعتقال دون محاكمة والتعذيب والسجون السرّية والإجراءات الوحشية ضد “الإرهاب” ونقل المعتقلين للاستجواب في بلاد أخرى. ولا شك أن هذه الأمور ستستخدم ثانية عند الدعوة إلى مزيد من التدخل الاستعماري في العالم الإسلامي.

ورغم التدخل العسكري الدموي في العراق وأفغانستان، والعون للعدوان الإسرائيلي ودعم الحكومات الغربية للمستبدين والطواغيت، أظهر المسلمون سيطرة على مشاعرهم بشكل فائق.

الجماعات الإسلامية

تعليقات كاميرون وادّعاء جماعة المحافظين السياسية أنّ عدداً كبيراً من الجماعات الإسلامية “كانوا حريصين على تشجيع المبادئ بدلاً من تجميع الجاليات التي يزعمون أنهم يمثلونها”توحي أنها تعتمد كثيراً على نتائج تقرير بوليسي إكسشينج الذي أعدّه مارتن برايت بعنوان “عندما يتعامل التقدميون مع الرجعيين”. وخلص برايت في تقريره إلى القول: “حتى الآن اختار الوزراء الحلّ السريع في التعامل أساساً مع ممثلي الأسلمة السياسية. وهذا لم يعد كافياً. وإلى أن تبدأ الحكومة في الوصول إلى الكثيرين من المسلمين الذين لم يُسمَع صوتهم حالياً، فسيبقى هناك خطر حقيقي باحتفاظ الأصوليين بزمام المبادرة”.

أوصى برايت أيضاً “بوضع نهاية لسياسة الحكومة في التعامل لمجرد التعامل مع (إم.سي.بي) (المجلس الإسلامي في بريطانيا)”. وخلص بعد ذلك إلى “أنّ أي هيئة ترى نفسها تتكلم بالنيابة عن الجالية الإسلامية يجب أن تبرهن أنها ليست طائفية ولا فئوية بالكامل. والـ(إم.سي.بي) قد فشل باستمرار في هذا المجال، وعلى الحكومة أن تقطع كل علاقاتها به حتى يعيد إصلاح نفسه تماماً. ولمدة طويلة اختارت الحكومة أن يكون شريكها المفضّل منظمة غير ديموقراطية، ومسببة للشقاق، ولا تمثل التنوع الكامل لمسلمي بريطانيا”.

وبناءً على تقرير منيرة ميرزا لمؤسسة بوليسي إكسشينج وتقرير جماعة المحافظين السياسية، قال كاميرون: “يجب أن يتوقف صانعو السياسة عن الافتراض بأن الأصوات العالية والعناصر المنظّمة جيداً ضمن الجالية الإسلامية تمثل بالضرورة السكان المسلمين بكاملهم. هناك خطر بأن جماعات لها مناهجها التي تهدف إلى الانفصال بدل الاندماج يجري تأجيل وقت التحدّي لها”. ويقول تقرير ميرزا: “إنّ على الحكومة تغيير سياسة تعاملها مع المسلمين. عليها أن تتوقف عن تأكيد الاختلاف، وأن تتعامل مع المسلمين كمواطنين، لا من خلال هويتهم الدينية. فالجالية الإسلامية ليست متجانسة، والمحاولات لإعطاء الجماعات حقوقاً أوتمثيلاً سيزيد فقط في تنفير قطاعات من السكان. على الناس أن يتمتعوا بمعاملة متساوية كمواطنين في المجال العام، مع الحرية أيضاً في التمتع بهوياتهم وممارستها في المجال الخاص”.

بينما يشير كاميرون إلى أولئك المسلمين الذين يريدون “معاملة خاصة”، يبدو أن المسلمين هم الذين خُصّوا “بالمعاملة الخاصة” من قبل صانعي السياسة ومن قبل السياسيين. فقد قيل للمسلمين بأنهم يجب أن يعاملوا كأفراد، ويسمح لهم فقط بجماعات “ممثلة لهم” تسير على خطى الحكومة. فلا يوجد هناك مشكلة في انضمام أطبّاء إلى الجمعية الطبّية البريطانية التي تنتقد سياسة الحكومة الصحية، ولا في تمثيل الجالية اليهودية بمجلس ممثلي اليهود البريطانيين المسيّس بشكل كبير والمناصر لإسرائيل، الذي يسعى “لدعم أمن ورفاهية وموقف إسرائيل”. لم يبادر أحد من السياسيين لحثّ اليهود البريطانيين على تشجيع أصوات أكثر “اعتدالاً” أو على التخلي عن فكرة التمثيل القائمة على العقيدة الجماعية.

ومن اللافت للنظر أيضاً أنه في الوقت الذي يُنتَقَد فيه الـ (إم. سي. بي.) والآخرون بسبب “دعوتهم للمبادئ” وبسبب تجمعهم حول “سياسة الهوية”، فإن المحافظين والحكومة يشجعون أية جماعة إسلامية تعلن سيرها وفق أهواء الحكومة البريطانية بحيث تكون إسلاميةً اسماً دون مسمىً! وليست تعليقات كاميرون في الواقع جديدة، ففي أكتوبر عام 2006 أعلنت روث كيلي، وزيرة الجاليات بأن الحكومة ستمول الآن فقط المنظمات التي تتبع خطى الحكومة.

وتهدف هذه التوصيات السياسية إلى إسكات آراء الجالية الإسلامية حول السياسة الخارجية الاستعمارية. ففي الوقت الذي لا يقبل فيه من الجماعات الإسلامية أن تدعو إلى عودة الخلافة في العالم الإسلامي تستطيع الجماعات اليهودية أن تسعى  “لدعم أمن ورفاهية وموقف إسرائيل”.

الخلاصة

في خطاب حول السياسة الخارجية والأمن القومي في المحاضرة السنوية لـ جي. بي. مورجان في المشروع البريطاني الأميركي، يوم 11 سبتمبر عام 2006 قال ديفيد كاميرون: “أنا ليبرالي محافظ لا من المحافظين الجدد”. ومع هذا، وبينما حاول كاميرون أن ينأى بنفسه عن مصطلح المحافظين الجدد، إلاّ أن التصريحات التي صدرت منه ومن جماعته السياسية ومن أنصاره في بوليسي إكسشينج ليست سوى عقيدة المحافظين الجدد.

رغم أنه يمكن القول إن عقيدة حزب بلير، العمال الجدد، لم تكن نسبياً معروفة، إلاّ أنه لا يمكن أن يقال مثل ذلك عن عقيدة المحافظين الجدد التي يحملها كاميرون. وبما أن فكرة المحافظين الجدد هي العقيدة المسؤولة عن مستنقع العراق وحقبة عدم الاستقرار ومذابح  “الحرب على الإرهاب”، فليس من المدهش كثيراً أن يحاول كاميرون أن ينأى بنفسه عن هذا المصطلح لا عن العقيدة ذاتها. وبالابتعاد بنفسه عن هذا المصطلح كان كاميرون حريصاً على استغلال رفض الناخبين البريطانيين لسياسة الحكومة الخارجية.

ومن المفيد أن نذكر أن مهندسي فكرة المحافظين الجدد في فوضى. فقد كتب فرانسيس فوكوياما، وهو واحد من الـ25 الذين وقعوا لائحة مبادئ مشروع لقرن أميركي جديد (بروجيكت فور أي نيو أميركان سينتوري) 1997 كتب مؤخراً يقول: “لقد تطورت فكرة المحافظين الجدد، كرمز سياسي وجملة من الأفكار، لتصبح شيئاً لم أعد أؤيده. ففكرة المحافظين الجدد، مهما كانت جذورها معقدة، قد أصبحت مرتبطة بشكل لا يمكن فصمه بأفكار مثل تغيير النظام بالقوة، والأحادية والهيمنة الأميركية.” ويحتمل أن السيد كاميرون لم يقفز هذه المرة على عربة الفائزين، بل على سفينة تغرق.

بقلم د. عمران وحيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *