العدد 242 -

العدد 242، السنة الواحدة والعشرون، ربيع الأول 1428هـ، الموافق نيسان 2007م

مؤتمر بغداد: بداية هجوم ديبلوماسي أميركي شامل عصبه دول جوار العراق

مؤتمر بغداد: بداية هجوم ديبلوماسي أميركي شامل عصبه دول جوار العراق

 

إن فشل إدارة بوش في العراق فرض عليها تعديل سياستها في التفرد في حكم العالم عن طريق الحروب الوقائية والاستباقية والعودة إلى انتهاج السياسة الواقعية، والعمل من خلال المؤسسات الدولية والقانون الدولي والمجتمع الدولي، والرجوع إلى سياسة الاحتواء بدل القضاء على الأنظمة المناوئة لها… وبناء على هذا يمكن القول إن الاحتلال الأميركي للعراق يمر الآن بمرحلة جديدة هي مرحلة تنفيذ توصيات لجنة بيكر هاملتون… ويمكن القول كذلك إن بوش هذا وإدارته وضع تحت ما يشبه (حجر السفيه) وهو إن أظهر الممانعة في السير بحسب مقررات هذه اللجنة؛ فلأن طريقة سيره الجديدة تخالف طيبعته في التفكير وسياسة الأمور. من هذا المنطلق تم تغيير أهم مساعدي بوش القدماء من المحافظين الجدد رامسفيلد وبولتون… ويتم تنفيذ خطة «أمن بغداد» حتى تستطيع أن تقبض على حكم وأمن تستطيع أن تتحكم به عن بعد. وافتتح في الكويت منفذ حدودي بمساحة مليوني متر مربع، ويعتبر من أكبر المنافذ الحدودية في العالم، تتوافر فيه خدمات التصدير والشحن والدعم اللوجستي الأميركي في الكويت والعراق، ويأتي استصدار قرار في الكونغرس يطالب بسحب القوات الأميركية سنة 2008م. والآن يأتي مؤتمر بغداد ليعلن بدء هجوم أميركا الديبلوماسي الشامل الذي اقترحته اللجنة، والذي ستكون أداته الرئيسية: مجموعة دولية يكون عصبها دول جوار العراق بما فيها سوريا وإيران… ويمكن القول أكثر إنه يمكن الرجوع إلى تقرير بيكر – هاملتون لمعرفة الخطوط العريضة لما ستقوم به الإدارة الأميركية المريضة، خلال الفترة المتبقية لها.

لقد انعقد مؤتمر بغداد في 10/3 تحت هذا المنظور، وسمي بالمؤتمر الدولي حول الأمن والاستقرار في العراق، واعتبر أنه كان مهماً جداً كونه كسر الجليد بين الولايات المتحدة وكل من إيران وسوريا، حيث أعلن عن بدء حوار إيجابي وبنّاء، بعيد عن الأضواء، يُتكلم فيه بالكلام الحرام، ويتم فيه توزيع الأدوار والمهام. وأشار وزير خارجية الاحتلال الأميركي في العراق زيباري أن «الخطوات المقبلة ستكون أهم»، وأعلن الحاكم المدني الأميركي في العراق السفير خليل زاد أن «مؤتمراً وزارياً مقرراً لقوى إقليمية ودولية في شأن العراق سيعقد في إسطنبول في نيسان المقبل لتعزيز جهود الاستقرار في العراق، ما يمكن أن يجمع بين وزارة خارجية إيران وسوريا والولايات المتحدة». وأعلن أن رايس ستحضره أي ستقوده.

إن هذا الـ«مؤتمر بغداد» الأميركي من الخطوات التي تصب في «تحسين الفرص» الذي أشار إليه تقرير بيكر، فأميركا الآن منشغلة في كيفية ترتيب البيت العراقي قبل انسحابها بشكل يبقي الأمور بعد الانسحاب في يدها. فهي تريد من حكام العراق أن يكونوا تحت أوامرها لا يشركون معها في الطاعة غيرها، وتريد أن تربط الأحزاب السياسية، وخاصة الكبرى والفاعلة، بها، وتريد أن تشكل الجيش العراقي فتعين على رأسه ضباطاً يدينون بالولاء الكامل لها. وتكوّن فيه فرقاً ووحدات على عينها، وتوضع فيها القوى الضاربة، وتريد أن تبقي لها قوات أميركية قومها 20 ألفاً للقيادة والتوجيه والتجسس ومكافحة التجسس والدعم الجوي واللوجستي، وتريد أن تربط العراق باتفاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية تكون ملزمة دولياً وبشكل يجعل نفوذها فيه كبيراً وأوحدَ، وفي هذا الإطار يجري الحديث عن العمل حالياً على وضع تشريع أخطر قانون يقضي بوضع يد الشركات الأميركية على النفط العراقي الذي يعتبر أنه يشكل أكثر من 90% من الاقتصاد العراقي… والآن هي تريد عن طريق «مؤتمر بغداد» أن تساعدها دول الجوار العراقي فيما تنوي وضع اليد عليه، فهو بداية لخطوات لاحقة ستتبعه وتكون أهم منه كمؤتمر إسطنبول الذي سبق ذكره. أما عن إشراك أطراف دولية فيه (الأمم المتحدة، والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا ودول الخليج ومصر…) فلكي تغلف قراراته وتطبيقها بالشرعية الدولية، ويجعل ما تحققه أميركا عن طريق هذا المؤتمر معترفاً به دولياً. وأهمية هذا الممؤتمر الآن أنه أدخل سوريا وإيران ضمن فريق اللعب الأميركي ليشتركا معه في تسديد الأهداف لمصلحته. وعن الاجتماعات التي ذكر خليل زاد أنها ستكون بعيدة عن الأضواء، سيتفق فيها كابتن الفريق الأميركي مع لاعبيه سوريا وإيران على خطة اللعب، حتى إذا ما أتى مؤتمر إسطنبول تكون الأدوار قد وزعت والمهام قد حددت…

أما لماذا سوريا وإيران بالذات، مع أن العلاقات بظاهرها تشهد توتراً شديداً، حتى بلغ الأمر ببوش إلى تهديدهما أكثر من مرة بعدما اتهمهما بالإرهاب وبدعمه، ووصفهما أنهما من محور الشر؟! بل أكثر من ذلك، لماذا لحظ تقرير بيكر – هاملتون أهمية وضرورة الاستعانة بهذين النظامين؟! فهل يستعان بالعدو أم بالصديق؟!

إن من يراقب مجريات الأحداث السياسية في المنطقة ويتابعها من غير أن تؤثر فيه تلبيسات التصريحات، ولا تحليلات الإعلام الزائف، ولا المواقف السياسية الخادعة التي يقفها الحكام يعلم يقيناً من كثرة القرائن أن هذين النظامين ليسا على ما يصور من أنهما معاديان للولايات المتحدة، وليست هي معادية لهما… نعم الحقيقة على غير ما يصور، بل على عكس ما يصور. فبالأمس القريب وقف الإيرانيون بقوة إلى جانب أميركا في احتلال أفغانستان حتى بلغت الجرأة برفسنجاني إلى إعلان هذا الأمر صراحة في وسائل الإعلام، وحتى تقرير بيكر هاملتون ذكر أنه «ينبغي البحث في إمكان تكرار التعاون الإيراني – الأميركي في أفغانستان لتطبيقه على الحال العراقية». كذلك تكرر الأمر نفسه في العراق، فإيران ساعدت أميركا في احتلاله، ومنعت القوى السياسية الموالية لها من أن تشكل مقاومة عسكرية ضد المحتل الأميركي، بل ساعدته ومكنت له، وهو، أي الاحتلال الأميركي، مكّن لها، ولعب لعبته الطائفية التي غلب فيها فريقاً على فريق، والآن تدعي أميركا أنها تريد أن تعيد الأمن والاستقرار إلى العراق، فهل الأمن الغائب هو بسبب الجهات التابعة لإيران أم العكس؟ وما الذي يمنع إيران من أن تسير مع أميركا فيما تنويه من إعطاء دور لها عبر مؤتمر بغداد وما سيعقبه من مؤتمرات وتكون هي إحدى أدوات أميركا في هجمتها الديبلوماسية التي ذكر تقرير بيكر – هاملتون.

أما النظام في سوريا فإنه يشن حملة اعتقالات شديدة بحق الإسلاميين، وهو خائف على نفسه من التغيير منهم، وسجونه مليئة بهم، ويمارس عليهم أشد أنواع التحقيق والتعذيب، وهو متحسب منهم ويدرك أن التهاون معهم أو السكوت عن قتالهم في العراق سيرتد عليه… بل إنه يجند بعض أتباعه المتمسلمين لكشف المقاتلين. ثم إن النظام السوري هذا يشهد هجمة شرسة عليه من الخارج، وتحديداً من الأوروبيين وأعوانهم الإقليميين من الدول العربية، وهي هجمة باتت مكشوفة للجميع، ولولا الحماية الأميركية له لولّى ولم يلبث إلا قليلاً.

أيـّها المسلمون

إن ما دعا لهذه الكلمة إنما هو لكي يعرف المسلمون في العراق وخارجه أن أميركا لا يمكن أن تخرج من تلقاء نفسها بل لا بد من أن تُخرج بالقوة. ولكي يعرف المسلمون أن أميركا يجب أن تُخرج من العراق، ومن كل بلد إسلامي، فعندما تخرج من العراق إلى مكان آخر فليس معنى هذا أنها خرجت بل بدلت موقعها فقط. ولكي يعرف المسلمون أنه لن يستقيم لهم حال مع وجود أمثال هؤلاء الحكام الذين يمدون أميركا في غيها وإجرامها، ويساعدونها في شرذمة الأمة وبعث الفتن الطائفية بينها. ولكي يعرف المسلمون في العراق أنهم لو وقفوا وقفة واحدة في وجه بوش لما احتل العراق أصلاً، وأنهم لو عادوا إلى وحدتهم على أساس الإسلام لفرّت أميركا من العراق كما فرّت من فيتنام سابقاً.

أيـّها المسلمون

إن الصراع الدولي في المنطقة محتدم ولن يتوقف، وحكامكم أدواته، ويجعلون منكم وقوده، ومشكلة العراق أصبحت أكبر من قدرة أميركا على حلها، إن أميركا تملك أن تهدم ولا تملك أن تبني، ولن يستطيع أحد أن يحل قضية العراق، كما قضية فلسطين، كما سائر قضايا المسلمين سوى الخلافة التي تجمع المسلمين على صعيد إرضاء الله وحده، وتنفيذ شرعه، وإيجاد اللحمة بين المسلمين، وتنظيف أرض المسلمين من كل غاصب أو معتدٍ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *