العدد 275 -

العدد 275 – السنة الرابعة والعشرون، ذو الحجة 1430هـ، الموافق كانون الأول 2009م

توطين الحروب المحلية

توطين الحروب المحلية

 

– كل من يتابع الحروب المنتشرة في العالم الإسلامي يلاحظ أنها تبدأ ضد المحتل ثم تتحول إلى حروب داخلية بين أهل البلد، ويتحول العدو الذي أشعلها إما إلى مراقب من بعيد، أو يتحول إلى وسيط مصلح بين الطرفين، لكنه يماطل في الإصلاح، ويتظاهر أنه متلبس بالإصلاح مع أنه يعقِّد الحرب ويؤخر توقيف المجزرة الدموية، وسبب التأخير أن الذي أشعل الحرب لم يصل إلى مبتغاه من الحرب، لذلك تراه يمدد أمدها، ويؤجج نارها، دون أن تكتوي يداه بنارها، ودون أن يسقط جندي أميركي في الحرب، لأن ابن البلد هو الذي يسقط ضحية الحرب نيابة عن الأميركي (الغالي جداً).

– من الأمثلة الصارخة على توطين الحروب بين أهل البلد ما حصل في أفغانستان، فبدل أن يتوحد كل أهل البلد ضد المحتل الأميركي كما حصل ضد احتلال الاتحاد السوفياتي في ثمانينات القرن العشرين، تجد أن المحتل الأميركي خطط لكي تتحول المعركة بين نظام عميل له وبين معارضة ليست بعيدة عن لعبة الأمم، ولا يدري أحد متى تنتهي لعبة النار.

– وفي العراق بعد أن بدأت المعركة ضد المحتل الأميركي تحولت المعركة إلى معركة داخلية بين أهل البلد بغض النظر عن المذاهب والانتماءات السياسية والعشائرية، والكل يعرف الصحوات وماذا اقترفته لصالح المحتل، فبدل أن يحرق المحتل أصابعه في أتون النار جعل الآخرين يحرقون أصابعهم نيابة عنه.

– وفي الصومال تتكرر المأساة نفسها ويتقاتل أبناء البلد نيابة عن الدول الكبرى المتصارعة، وفي دارفور يتقاتل الناس نيابة عن الدول المتصارعة، وفي اليمن يتقاتل أبناء البلد الواحد نيابة عن المارينـز المدللين الغالين على دولتهم. فلماذا يموت الأميركي المدلل إذا كان هناك بديل يقدم على الموت دون تردد في المكان الخطأ والزمان الخطأ، إكراماً لسواد عيون العم سام؟

– وفي فلسطين كانت المناوشات بين كل الفصائل من جهة، وبين العدو (الإسرائيلي) الغادر من جهة أخرى. أنظروا إليها الآن لقد تحولت إلى صراع متعدد الأشكال بين أهل البلد، وتُنفق فيه الأموال وتُهدر الطاقات وساعات الإعلام، ويتم الفتك بوحدة الناس في بلد واحد، وقد عُرفت البداية ولا تُعرف متى تكون النهاية، وقد حقق العدو نجاحات لم يستطع تحقيقها بنفسه وبقواه الذاتية وبجنوده المهزومين، فهل أدرك الناس خطورة توطين الحروب، وخطورة العنتريات التي تخدم العدو أكثر مما تخدم الأمة المنكوبة بزعمائها ؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *