اجتماع مجلس التعاون الخليجي: هموم وهواجس لا يحلها إلا الحكم بالإسلام
2010/01/20م
المقالات, كلمات الأعداد
1,574 زيارة
اجتماع مجلس التعاون الخليجي: هموم وهواجس لا يحلها إلا الحكم بالإسلام
عقد المجلس الأعلى لقادة دول مجلس التعاون الخليجي دورته الثلاثين في مدينة الكويت في 14 و15/12/2009م، وتم مع افتتاحه تدشين الربط الكهربائي الخليجي الموحد، وحمل كثيراً من التمنيات كالعزم على الدخول في البرنامج الزمني لاتفاقية الاتحاد النقدي، وإنشاء هيئة سكة حديد دول المجلس، وبدء العمل على إنشاء بنك مركزي خليجي سنة 2010م… إلا أن الهاجس الأمني كان طاغياً على هذه الدورة انطلاقاً مما يجري في اليمن، واستمرار عمليات القرصنة البحرية في الممرات المائية الدولية في خليج عدن والبحر الأحمر، والنووي الإيراني، وتهريب السلاح إلى دول الخليج، ووقفوا مع السعودية في مواجهة اعتداءات وتسلل الحوثيين لأراضيها… ومن باب التحسب من مخاطر مفاجئة أقر المجلس الاستراتيجية الدفاعية وتطوير قوات “درع الجزيرة” وقرر إنشاء قوة تدخل سريع…
إن هذا المجلس أنشأته دول الخليج سنة 1979م لحماية نفسها على أثر تحولات هامة حدثت في الخليج؛ فقد ظهرت الثورة الإيرانية وقامت على أثرها حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران استمرت ثماني سنوات، وهذه الحرب كانت وجهاً من أوجه الصراع الدولي على هذه المنطقة الاستراتيجية بامتياز. أعقبتها حرب الخليج الثانية حيث تم طرد صدام حسين من الكويت ومحاصرته وإضعاف العراق وإطلاق يد إيران في استعادة قوتها التي خسرتها في حربها الأولى وللهيمنة على المنطقة بواسطتها، وجاءت أميركا بقواها العسكرية الحية (450 ألف جندي أميركي + 50 ألف من قوات التحالف) ثم أعقبتها حرب الخليج الثالثة حيث احتلت أميركا العراق وأعدمت صدام ومكنت لإيران في العراق. فإيران تعمل بالتنسيق الخفي مع أميركا لوضع اليد على العراق تماماً على غرار ما فعلته سوريا حين وضعت يدها على لبنان وتكرس ذلك في اتفاق الطائف، وكل ذلك لمصلحة أميركا… وإيران اليوم تقوم بصنع نفسها عسكرياً وامتلاك قدرات دولة مهيمنة إقليمياً على المنطقة. فهي تسير قدماً نحو امتلاك السلاح النووي على عين أميركا، إذ تمنع أميركا من أن يؤدي أي ضغط أوروبي على إيران إلى إيقاف ما تبنيه من مفاعل نووي، وتمنع (إسرائيل) من أن تدمره، وليس هذا فحسب بل سمح لإيران كذلك بامتلاك قدرات صاروخية إلى جانب امتلاك النووي، وسمح لها أيضاً أن تؤسس لقوة بحرية (امتلاك غواصات حديثة). ثم يأتي تحرك إيران في المنطقة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإعلامياً مناسباً جداً لرياح السياسة الأميركية سواء في أفغانستان أو في الخليج أو في الصراع في المنطقة مع (إسرائيل) ومناسباً كذلك لمصلحة أن تفرض الوضع الجديد للمنطقة (شرق أوسط جديد) تفرضه حتى على (إسرائيل) إن اضطر الأمر. وإيران تثبت لأميركا أنها تستطيع أن تقوم بهذا الدور بنجاح، فهي مع (إسرائيل) استطاعت أن توجد لها ذراعاً طويلة وصلت إلى الحدود معها (حزب الله) وإلى قلبها (حماس) وهي في الخليج وصلت إلى الحدود معها (الحوثيين) وإلى قلبها (وجود شيعي في الداخل الخليجي). إن قلق دول الخليج يزداد يوماً بعد يوم لأن المخطط الأميركي في المنطقة برأيهم يسير بثبات بالرغم مما يعترضه من عقبات. إنهم يشعرون أنهم مأخوذون إلى مصير كمصير العراق، هذه هي خلفية الهاجس الأمني الذي تعيشه دول الخليج اليوم، والذي فرض نفسه على اجتماعها المذكور.
إذاً، الغاية من وجود هذا المجلس كان أن تحفظ دوله الضعيفة نفسها من التغيرات القادمة إلى المنطقة، فهل كان هذا المجلس، وهل كانت اجتماعاته السنوية التي لم تنقطع على مستوى ما أنشئ له؟ وهل تستطيع دول الخليج أن تفعل شيئاً حيال الصراع الدولي على منطقتها؟ وما الحل للخروج من هذا المأزق المصيري لهذه الدول؟… أسئلة تدفع لها دول الخليج أموالاً طائلة لمن يعرف الإجابة عليها (لأنها لا تعرف طريقة لحل مشاكلها إلا بالمال).
قبل كل شيء نقول: إن دول الخليج خطط لها أن تكون ضعيفة منذ ما قبل ولادتها. والكل يعرف كيف تعاونت مشيخات القبائل العشائر المهيمنة في الخليج في ذاك الوقت مع بريطانيا لضرب الدولة الإسلامية، وكان جزاؤهم على ذلك جزاءً موفوراً فنصَّبوا حكاماً وأصبحوا أمراء وملوكاً بعد أن كانوا شيوخ قبائل وعشائر وسميت الأراضي التي يحكمونها دولاً وإمارات وصاروا كما قال الشاعر:
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
وكانت السياسة الدولية لها، والتي كانت ترعاها بريطانيا منفردة، تقوم على استفرادها وإبقائها ضعيفة قليلة العدد تستمد أسباب حياتها من شرايين التدخل والحماية الأجنبية، هكذا أريد لها أن تكون ليسهل حكمها، وليصعب انفكاكها عنها، وليسهل استغلالها واستغلال نفطها وبالتالي حرمان المسلمين منه حتى لا يمتلكوا به قوة تعيدهم إلى مسرح الحياة من جديد.
والناظر في هذه الإحصاءات الإجمالية يستطيع أن يحكم من خلال التفاوت بينها كيف أن دول الخليج هي أشباه دول لا يمكن أن تعيش عيشاً طبيعياً بذاتها.
فمساحة دول الخليج الإجمالية هي حوالى المليونين ونصف المليون كم2.
ويبلغ عدد سكانها حوالى الـ35 مليون نسمة.
عدد الرجال الذين هم تحت السلاح حوالى 330 ألف. (نسبة 1% من عدد السكان).
الدخل القومي الخليجي حوالى تريليون دولار.
الاحتياط النفطي حوالى 485 مليار برميل (كميات غير نهائية وقابلة للاستكشاف والزيادة) ويشكل مخزونه 60% من الاحتياط العالمي.
واحتياط الغاز حوالى 1440 ألف مليار قدم مكعب (كميات قابلة للاستكشاف والزيادة).
ومن هذه الإحصاءات السريعة يظهر جلياً أن المشكلة التي تعاني منها دول الخليج هي الهوة الساحقة بين الإمكانات الاقتصادية الهائلة وبين عدد السكان المتدني وعدد الرجال الذين هم تحت السلاح،ما جعل هذه الدول عاجزة كل العجز عن حماية نفسها لذلك هي تشكو من وهن عسكري، فمن الطبيعي أن تصبح مطمع الدول الغربية الرأسمالية وأن تكون في قلب الصراع الدولي. وبسبب ضعفها أن تكون كالمركب الشراعي في وسط محيط عاصف. لقد أريد لهذا المجلس ولاجتماعاته أن تساهم في درء الخطر وقد طرحت في اجتماعات هذا المجلس كثير من المشروعات التكاملية كالتي ذكرنا في البداية ولكن معظمها كان أمنيات لم تنفذ، وحتى وإن نفذت فلن تستطيع أن تغير من مصيرها شيئاً. لقد كانت اجتماعات هذا المجلس الثلاثين اجتماعات احتفالية ومناسبات لقاء ومواعيد لا تخلف حتى لاتعطى صورة ضعيفة عن دوله… أكثر مما هي اجتماعات جدية.
لذلك لا يتوقع لمثل هذه الدول مهما فعلت أن تبعد الصراع الدولي عن أراضيها؛ ولذلك هي تحاول أن تنجح في صراع البقاء هذا تارة بمحاولة توسيع هذا المجلس وذلك بضم مصر وسوريا من قبل، واليمن حالياً، ومع هذا بقي الصراع الدولي محتدماً لأن هذه الدول هي أدوات في الصراع الدولي، حتى بما فيها دول الخليج فهي أوجدت أصلاً بحسب إرادة دولية وما تزال تتحكم بها الإرادات الدولية.
على أن آخر ما تفتقت عليه الذكاء الخليجي أنه للنجاة من هذا الخطر الذي يقترب يوماً بعد يوم من حدودها هو حل مشكلة الصراع مع (إسرائيل) لإخراج هذه الأخيرة من دائرة العداء الإسلامي إلى التحالف معها لمواجهة إيران أو إيقاف أو إفشال المخطط الأميركي وبالتالي إنقاذ أنفسهم. من هذا المنطلق تدفع السعودية بمبادرتها للسلام مع (إسرائيل) وتجاهر البحرين بضرورة الصلح والتطبيع مع (إسرائيل). ولما كان الهاجس الأمني شاغل هذه الدول في اجتماعهم الأخير فلابد أن يكون هذا الوضع هو الحديث الأبرز الذي دار النقاش حوله ولكن من غير أن يعلن عن ذلك؛ لأن الإعلان عنه مازال يقع تحت باب خيانة خيارات الأمة…
هذا هو المأزق الذي تعيشه دول الخليج الآن فما المخرج منه؟
قبل كل شيء إننا نتكلم عن أهل الخليج كمسلمين، وعن بلاد إسلامية، وهؤلاء الحكام كانوا مجرمين وعملاء وخونة منذ بداياتهم، ومتآمرون مع الغرب على الخلافة الإسلامية زمن العثمانيين وساهموا مساهمة قوية في هدمها، والوثائق باتت تكشف كل ذلك… والحل الذي يضع حداً لكل هذا الصراع الدولي في الخليج ويمسك بمقدرات النفط ويكون أميناً عليه ويوزعه بالتساوي على المسلمين وغيرهم من رعايا الدولة الإسلامية سواء في الصومال أو في السودان أو في باكستان أو في بنغلادش أو في أي مكان… كون النفط ملكية عامة، ولا يقوم بذلك إلا الدولة الإسلامية. فأدنى نظرة بالعقل وفي الواقع، يخلص كل واحد منا إلى أنه لا يمكن أن يضع حداً لهذا الصراع الدولي المتوحش إلا دولة كبرى وتكون أكبر من هذا الصراع نفسه. وذلك لا يمكن أن يتمثل إلا بدولة الخلافة الإسلامية، هذا هو الحل الإسلامي الوحيد.
إن على حكام الخليج أن يعودوا إلى دينهم، أن يصححوا خطأ آبائهم، وأن يعلموا أن التغيير آتٍ على أساس الإسلام فليكونوا ممن يساهمون في إقامة دعائمه لا أن يزدادوا غياً فوق غيهم فيفكروا بالتحالف مع (إسرائيل) ضد إيران. إن حكام الخليج يعيشون عيشة المرفهين التي يكرهها لهم ربهم والمسلمون، إنهم يتمتعون بما حرموا المسلمين منه.
إنهم يطرحون فكرة التكامل فيما بينهم ليقووا على من يطمع بهم، وحيث إن ذلك لا يفيدهم يفكرون بالتكامل مع (إسرائيل) هم بأموالهم واليهود بخبرتهم. إنهم بمثل هذا التفكير يزدادون بعداً عن دينهم وسدوراً في غيّهم. إن الحل هو التكامل مع أمتهم من خلال دولة الخلافة الإسلامية.
نعم إن أهل الخليج مسلمون، وأراضيهم إسلامية، والمال هو مال الله، والحكم يجب أن يكون بما أنزل الله. والأمة حية، ولا بقاء للغرب هنا، وآزفته قد أزفت إن شاء الله. وإننا نرى ذلك قريباً، وما على حكام الخليج إلا أن يعودوا إلى الحكم بالإسلام حيث الأمن والأمان الذي هم أحوج ما يكونوا إليه. إننا عندما نذكر حكام الخليج نستذكر قول الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [لنحل 116].
2010-01-20