كما تبحث الولايات المتحدة عن استراتيجية لها في أفغانستان، فليبحث المسلمون عن استراتيجية واحدة لهم في كل مكان
2009/12/21م
المقالات, كلمات الأعداد
1,553 زيارة
كما تبحث الولايات المتحدة عن استراتيجية لها في أفغانستان،
فليبحث المسلمون عن استراتيجية واحدة لهم في كل مكان
كما هو معروف، فإن أوباما وصل إلى الحكم، وفمه ملآن في حملته الانتخابية بضرورة القضاء على القاعدة وحلفائها طالبان. وفي أواخر أيام بوش، وفي فترة انتقال الحكم إلى أوباما انشغلت القيادة العسكرية الأميركية بدراسة استراتيجية لمواجهة الفشل هناك… وأعلنت هذه الاستراتيجية في شهر آذار/ مارس 2009م. ثم بعد ستة أشهر أعلن عن فشلها وذلك بالإعلان عن البحث عن استراتيجية جديدة وواسعة و(أكثر ذكاء). وفي سبيل ذلك شكل أوباما مجلس حرب ضم: نائبه بايدن، ووزيرة الخارجية كلينتون، ووزير الدفاع غيتس، ومستشار الأمن القومي جونز، ورئيس الاستخبارات الوطنية دينيس بلير، وقائد الأركان المشتركة مولن… وذكر في بداية تشرين أول/ أوكتوبر أن المراجعة ستستغرق أسابيع من غير تحديد موعد انتهائها، وأنها ستدرس كل الخيارات، وستشارك فيها القيادات العسكرية والمدنية، وأعضاء الكونغرس، وسفراء أميركا في المنطقة، وحلفاءها مثل بريطانيا وأوستراليا.
والناظر في تصريحات مختلف المعنيين بمراجعة هذه الاستراتيجية لا يرى فيها جديداً من حيث بنود الخطة عن الاستراتيجية السابقة التي أعلن عن فشلها، فهي تدعو إلى القضاء على القاعدة وطالبان وضرب رؤوسها وأشرس المقاتلين فيها، واستمالة قسم منهم وشراء ولائهم والعمل على نقل البندقية إلى الأفغان بتوريط سائر القبائل في النـزاع ضد طالبان. وتدعو إلى إيجاد حكم عادل وصالح والضغط على كارازاي وشلة الحكم الفاسدة معه بهذا الاتجاه، وتدعو إلى إيجاد مشاريع مدنية واقتصادية لتحسين حياة الناس من باب استمالتهم وتدعو إلى زيادة عدد القوات الأميركية 40 ألفاً لتصبح 108 آلاف ومع قوات التحالف 140 ألفاً. وصاحب هذا الاقتراح هو ماكريستال الذي يؤيد استراتيجية واسعة النطاق لمكافحة طالبان، ويكون من أهدافها تحرير وحماية سكان عشرات المدن الأفغانية من اعتداءات طالبان ومنع القاعدة من دخول المناطق الحضرية. وفي الوقت نفسه بناء الجيش والشرطة والإدارات البلدية والحكومة المركزية بشكل يسمح بالسيطرة على حركة طالبان من غير أي مساعدة خارجية…
أما في باكستان، فالمطلوب من الجيش الباكستاني أن (ينظف) باكستان من طالبانها، فهو قام بذلك في وادي سوات حيث سيطر على معظم أجزائها، ويقوم به الآن في جنوب وزيرستان. وفي خطوة ذات دلالة مهمة، فقد دفع الجيش الباكستاني آلاف الباكستانيين من المدرسين والأطباء وملاّك الأرض والمزارعين… إلى تشكيل ما يعرف بـ(لاشكار) أو الصحوات القبلية هدفها منع عودة طالبان من جديد، فمثلاً تقوم مجموعة قوامها 4 آلاف رجل بقيادة القائدة الميداني سبحان علي بمهمة حماية مدينة “كانجو”، وكذلك مدينة “بانو” في وزيرستان شهدت تشكيل (لاشكار) فيها.
ويقول غيبس الناطق باسم البيت الأبيض: «علينا الحصول على استراتيجية صلبة ومناقشتها والتأكد من أننا نسير على الطريق الصحيح، ومن ثم تطبيق التكتيكات التي تكمل هذه الاستراتيجية».
هذه هي مجمل بنود الخطة، ولن يكون فيها أي جديد عن الخطة السابقة سوى إجراء بعض التعديلات في ترتيب بعض البنود، والتركيز على بعضها، ويمكن القول إنها خطة لا تحمل أملاً كبيراً لأصحابها، وإنما تحمل عزماً أكيداً على عدم الاعتراف بالفشل، وتحمل عزماً أكيداً على مزيد من القتل والمآسي للمسلمين. ويمكن القول إن هذه الخطة ستقوم تقريباً على ما يلي: يقوم الجيش الباكستاني بتحرير المناطق القبلية المتاخمة للحدود مع أفغانستان من طالبان باكستان ويتبع ذلك إقفال الحدود على طالبان أفغانستان وبالتالي محاصرة طالبان من الزاوية العسكرية. (وهذا ما بدأ وتنتظره الآن معارك قاسية يتوقع حدوثها عندما يبدأ الهجوم الواسع على جنوب وزيرستان). ومن ثم إيجاد لاشكار في المناطق الباكستانية (المحررة) حيث ستمد لهم الدولة الباكستانية يد المساعدة (الأميركية) لتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية (كسب الناس إلى جانبهم لمحاصرة طالبان باكستان من الزاوية الاجتماعية والفكرية).
وسيقوم بمثل هذه المهمة تقريباً الجيش الأميركي في أفغانستان حيث يقوم باحتلال عشرات المدن الحضرية وتحريرها عسكرياً من طالبان، ومن ثم جعلها مناطق مقفلة على طالبان، ليس بقوتهم العسكرية فحسب وإنما بإيجاد لاشكار فيها، يتولون مهمة الدفاع عنها ومنع القاعدة وطالبان من العودة إليها. وبالتالي إيجاد مشاريع تنموية فيها لتحسين أوضاع الناس المعيشية فيها، ومن ثم استمالة قسم منهم وشراء ولائهم (وهذا عندهم غاية في الأهمية لأنه به وحده يستطيعون أن يوجدوا العملاء لهم ويتجذر وجودهم فيها) ومن ثم دعم حكومات محلية وبلديات لتعزيز الحياة المدنية فيها. وفي هذا يقول أوباما: «ولكي نتقدم في أهداف استتباب الأمن واستغلال الفرص وإحقاق العدل ليس في كابول فقط بل في كل الولايات، نحن بحاجة لخبراء في الفلاحة، بحاجة لمعلمين، وكذلك مهندسين وقضاة، وبهذا نستطيع أن نساعد الحكومة الأفغانية في خدمة شعبها… ولهذا السبب أمرت بزيادة معتبرة لعدد العاملين المدنيين على الأرض، ولهذا السبب أيضاً علينا أن نطلب من شركائنا وحلفائنا في الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية دعماً في المجال المدني» ومن ثم تشجيع الـ(لاشكار) على الانضمام لصفوف الجيش والشرطة الأفغانيين لتصل أعدادها إلى 134000 للجيش و82000 للشرطة. ومن ثم العمل على تدريبهم وجعلهم تحت قبضتهم ورهن أوامرهم. وعندها تنتقل المهمة الأمنية لهم. وفي الوقت نفسه تضغط أميركا بقوة على كارزاي وشلة الحكم الفاسدة معه (لا يوجد غيرهم ممن تستطيع الاعتماد عليهم) لإصلاح أداء الحكم ولإرساء حكم عادل ليؤيد الناس هذا الحكم ويسيروا مع هذه الخطة. ومن ثم تستفيد أميركا من هذا التجاوب والنجاح في الخطة في الحصول على معلومات استخبارية عن أماكن وجود رؤوس القاعدة الأساسية لقتلهم، ورؤوس قادتها الميدانيين، ورؤوس قادة طالبان لتقوم الطائرات بدون طيار بمهمة القضاء عليهم. هذا ولا يخفى أنه تجري اتصالات سرية بزعماء حركات مسلمة أخرى كزعيم الحزب الإسلامي حكمتيار وكذلك حقاني وغيرهما من أجل شراء ذممهم. هذه هي ملامح الخطة الأميركية المرتقبة. ويُظهر مختلف المعنيين العسكريين والمدنيين نوعاً من الارتياح عنها، ويعتبرونها جادة وتستحق المحاولة. ويمكن القول إن هذه آخر محاولة لأميركا في أفغانستان، فإما أن تنجح وإما أن تجرجر ومعها دول الناتو ومجلس الأمن الخزي والعار والهزيمة؛ لأن الشعب الأميركي لن يتحمل هذا وسيصل الرأي العام الأميركي إلى درجة الغليان التي ستدفع إلى تغيير استراتيجيتها بالكامل والخروج من أفغانستان.
هذا ما تعده أميركا اليوم للمسلمين: مزيداً من مثل القضاء على القاعدة التي اعتدت على أميركا وإرساء الديمقراطية واستعادة الحريات والرفاهية للشعب الأفغاني والدفاع عن مبادئ الحضارة الغربية وحقوق الإنسان… حجج واهية كاذبة تخفي وراءها أهدافاً استعمارية تتعلق بمنطقة هي من أخطر مناطق الصراع الدولي، حيث تتقاطع مصالح دول إقليمية ودولية فيها. هذه هي ملامح الخطة على الورق، ولكن الواقع أقسى بكثير مما يتصور. والنتائج لن تكون محسومة للأميركيين، وطالبان تعد نفسها لمواجهته ولعل أخطر بند في هذه الخطة كلها هو التغلغل في الداخل الأفغاني والتعرف إلى حقيقة العلاقة القائمة بين القبائل المتنافسة هناك واستغلال خلافاتها العرقية بشرائها ومدها بالسلاح والمال لاستمالتها إلى جانبها وإشراكها في الحكم. ومثل هذا ما حدث في العراق عن طريق ما سمي بالصحوات، ومثل هذا ما ينطبق على حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الله سبحانه لم يعطِ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجعل بأس أمته بينهم.
إن ما ينتظر المسلمين في أفغانستان مأساة في سلسلة المآسي المتجددة التي تخوضها أميركا على المسلمين في كل مكان. فإلامَ نبقى كمسلمين نغزى ولا نغزو، وتشن علينا الحروب ونقف موقف التصدي والدفاع، ونتحمل الخسائر البشرية والمالية وكأن بشرنا ليسوا بشراً وحياتنا ليست حياة؟! إلامَ سيبقى جل ما نحققه هو عدم تمكين الأعداء: الغرب وعلى رأسهم أميركا وروسيا والصين والهند… وزبانيتهم من الحكام وقود الجيوش الذين لا تقل جريمتهم عن جريمة الحكام، وحكام باكستان وقائد جيشها هم أوضح مثال لخيانة شعوبهم، عدم تمكينهم من النصر علينا. في لبنان استطاع المسلمون ألا يمكنوا يهود من احتلاله، وفي غزة… والآن في أفغانستان؟! هل هذا هو النصر في الإسلام، أم أن النصر هو أن نجعل كلمة الله هي العليا والتي تمامها يكون بالغلبة وحكم الناس بالإسلام وإدخالهم فيه عن قناعة؟
إن واقع المسلمين اليوم أنهم أمة واحدة في دول مقسمة، وأعداؤهم مع حكامهم وقادة جيوشهم يستفردون كل عمل مخلص جهادي يقوم في كل دويلة، والمسلمون لا يمكنهم التخلص مما يخطط لهم إلا بمواجهته على مستواه، ولا يمكن التغلب على أميركا أو غيرها، والقضاء على (إسرائيل) حقيقة، إلا بإقامة الخلافة الراشدة التي تجمع المسلمين كل المسلمين على صعيد واحد: إقامة شرع الله والجهاد في سبيل الله. فلتكن للمسلمين استراتيجية في ذلك تقوم على إقامة الخلافة وذلك بالتطرق للبنود التالية بحسب الترتيب التالي:
– تهيئ جماعة نفسها ليمتلك أفرادها القدرة على الحكم بما أنزل الله وحمل الإسلام رسالة خير إلى العالم فتحمل الدعوة بين الناس لإقامة هذا الأمر وذلك بسلوك مثل طريقة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)… وهذا موجود بإذن الله تعالى ومتمثل بحزب التحرير.
– يتكون رأي عام لدى الأمة الإسلامية لإقامة الخلافة الراشدة على مثال خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي (رضي الله عنهم). وهذا موجود بحمد الله تعالى إذ أصبحت الأمة تتشوق لذلك وتنتظره بفارغ الصبر.
– يقوم أهل النصرة والقوة والمنعة المخلصين من الذين تغلي دماء عروقهم غيرةً على الإسلام باستلام الحكم وهؤلاء موجودون والأمة بانتظار تخطيطهم وتحركهم لاستلام الحكم.
– يقوم أهل النصرة بعد استلامهم الحكم بتسليمه إلى الجماعة التي هيأت نفسها لهذه المهمة العظيمة لمهمة إقامة الدين، إقامة الحكم بما أنزل الله. وعودة هؤلاء الضباط إلى ثكناتهم ليتوجهوا هم وأفراد جيوشهم إلى ساحات الوغى ويحققوا فيها أروع قصص البطولة والشهادة كما كان الأمر من قبل.
– تضم سائر الأقطار الإسلامية وتلحق بركب الخلافة فتنشأ دولة خلافة مترامية الأطراف، ذاخرة بالإمكانات المادية والقدرات البشرية لتصبح في وقت قليل دولة كبرى ثم دولة أولى في العالم إن شاء الله تعالى.
– مواجهة أميركا والغرب والصين والهند وروسيا وكل دولة لا تقبل الإسلام بسياسة خارجية قائمة على أساس الدعوة إلى الإسلام والجهاد في سبيل الله.
وعندئذ، وليس قبله، وليس بغير ذلك، يتحقق للمسلمين ما يريده الله سبحانه لهم من إتمام لنور الإسلام ولو كره الكافرون. من إظهار للدين ولو كره المشركون وتعود أمتهم خير أمة أخرجت للناس.
هذه هي استراتيجيتنا للتغيير، وهي قابلة للتحقيق، قال تعالى: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف 21].
2009-12-21