العدد 270-271 -

السنة الثالثة والعشرون ـ العددان 270 – 271

لورنس – فيلبي – غلوب باشا: صناع حكام مازال أبناؤهم على سيرتهم…

لورنس – فيلبي – غلوب باشا: صناع حكام مازال أبناؤهم على سيرتهم…

 

– تشارلز لورنس (1911م-1918م):

رائد في الاستخبارات البريطانية، وتابع للجنرال اللنبي قائد القوات البريطانية في الشرق الأوسط، ولما أعلنت الثورة العربية في الحجاز رافق فيصل بن الحسين عامين ونصف. أشاع لورنس لفظة «تحرير العرب من الحكم العثماني التركي الإسلامي» وبمساعدة الذهب والجهل في قادة العرب (أشراف مكة) حسين بن على وأولاده، أزالوا الخلافة من العالم الإسلامي، ليقع في قبضة الإنجليز والفرنسيين بعد أن قسموه إلى دويلات هزيلة بعضها للفرنسيين والبعض الآخر للإنجليز، عبر معاهدة سايكس-بيكو. كل هذا تم بتدبير لورنس وحمق وخيانة الزعماء.

في كتاب «أعمدة الحكمة السبعة» كشف لورنس هذا حقده على المسلمين وتاريخهم، وحاول التقليل من شأنهم ورميهم بالجهل. والملوك الذين مازالت أنسابهم وأبناؤهم حكام علينا، ومازالت ولاءات الأبناء كولاءات الآباء بل أشد، فالآباء أعانوا على القضاء على دولة الخلافة وعلى اغتصاب فلسطين، والأبناء يكملون جريمة الآباء بمحاربة العاملين على إقامة الخلافة وبالعمل على الاعتراف بـ(إسرائيل) قاتلهم الله جميعاً، ذرية بعضها من بعض.

يقول لورنس لأحبابه الذين يرقصون على دماء المسلمين ويضحكون على تفاهة حكامهم «لقد كنت أعلم أننا إذا كسبنا الحرب فإن عهودنا للعرب ستصبح (أوراقاً ميتة)… ومع ذلك فقد أكدت لهم أن بريطانيا سوف تحافظ على عهودها نصاً وروحاً، فاطمأنوا إلى هذا القول وقاموا بالكثير من الأعمال المدهشة، وكان علي أن أقود العرب وأن أستخدم حركتهم إلى أقصى حد لصالح بريطانيا في الحرب ضد الدولة العثمانية. وإذ لم أكن أقدر على التطبع بطباعهم فعليّ على الأقل أن أخفي ما عندي وأن أتسلل بنفوذي بينهم، إن الرجل إذا ألقت به الظروف إلى من لا يماثلونه عاش بينهم ولا ضمير له، لأنه يعمل ضد صالحهم أو يستميلهم إلى غير ما يحبون لأنفسهم، وهو يتحايل بدهائه ليغلب دهاءهم، وهكذا كنت مع العرب، كنت أقلد أحوالهم فيقلدونني حكاية واقتداء، وكنت أخرج على مألوفي وأتظاهر بمألوفهم».

«لقد كان بعض الإنجليز وعلى رأسهم كتشنر يعتقدون أن ثورة يقوم بها العرب على الأتراك تساعد إنكلترا وهي تحارب ألمانيا على دحر حليفتها الخلافة العثمانية، إنني لم أبلغ درجة من الحمق تجعلني لا أدرك أنه لو قضي للحلفاء أن ينتصروا وأننا لو كسبنا الحرب فإن هذه الوعود سوف تكون حبراً على ورق، ولو كنت ناصحاً شريفاً للعرب لنصحتهم بالعود إلى بيوتهم وسرحت جيشهم وجنبتهم التضحية بأرواحهم ودعوتهم إلى عدم المخاطرة بحياتهم في مثل هذه الحرب».

«أما الشرف فقد فقدته يوم أن أكدت للعرب بأن بريطانيا ستحافظ على وعدها… لقد كان قواد الحركة العربية يفهمون السياسة الخارجية فهماً عشائرياً بدوياً، وكانت طبيعة قلبهم وصفاء نيتهم وانعزالهم عن العالم الغربي تخفي عليهم ملتويات السياسة وأخطاءها، وتشجع البريطانيين والفرنسيين على القيام بمناورات جريئة يعتمدون في نجاحها على سذاجة العرب وضعفهم وبساطة قلوبهم، وكانت لهم بساطة في التفكير وثقة في العدو».

ويقول: «إنني أكثر ما أكون فخراً أن الدم الإنجليزي لم يسفك في المعارك لانتصارنا القليل الثمن في الشرق، ولاعتقادي أن كسبنا للحرب مع الحنث بوعودنا أفضل من عدم الانتصار»

وآية خداع لورنس وتآمره على العرب ما سجله (وايزمان) في كتابه “التجربة والخطأ” قوله: «وأود أن أعلن في هذا المجال تقديري للخدمات الجليلة التي أسداها لقضيتنا الكولونيل لورنس، لقد اجتمعت به في مصر وفلسطين، وقابلته فيما بعد مقابلات عدة، إن علاقته بالصهيونية علاقة إيجابية على الرغم من تظاهره بعدم ذلك».

ولما نجحت خطط الاستعمار البريطاني، اتجه بجهوده لإنجاح خطط الصهيونية وأقنع فيصل بالاجتماع بوايزمان زعيم اليهود.

وقد أهدى لورنس كتابه (أعمدة الحكمة السبعة) إلى سارة أرنسوهن الجاسوسة اليهودية التي ألقى الأتراك القبض عليها في الناصرة أثناء الحرب في فلسطين فانتحرت حتى لا تبوح بسرها.

وفي تصرف ذي دلالة على كراهية لورنس للإسلام حرص في اليوم الأول لوجوده في دمشق على تدبير أمر نهب إكليل الزهور البرونزي الذي كان القيصر الألماني فيلهلم الثاني قد وضعه على قبر الناصر صلاح الدين، خلال زيارته للمدينة قبل الحرب. وعندما أهداه إلى المتحف البريطاني كتب سبب الإهداء «إن صلاح الدين لم يعد بحاجة إليه».

ومن رسائل لورنس للمخابرات البريطانية رسالة يقول فيها: «مهما كانت نتائج تلك الحرب المجنونة، فينبغي أن تكون محصلتها الختامية تصفية السيادة الدينية للسلطان التركي إلى الأبد وبغير رجعة» وفي تقريره للمخابرات البريطانية في عام 1916م تحت عنوان “سياسة مكة” يقول: «إن مرامينا الأساسية تفتيت الوحدة الإسلامية ودحر الإمبراطورية العثمانية وتدميرها. وإذا عرفنا كيف نعامل العرب، وهم الأقل وعياً، للاستقلال من الأتراك، فسيغرقون في دوامة من الفوضى السياسية داخل دويلات صغيرة حاقدة ومتنافرة غير قابلة للتماسك…».

لم يكتف أسياد لورنس بخيانة آمال الثورة العربية الكبرى بقيام وطن موحد يحكمه (الشريف) حسين بل ضربوه في عقر داره في شبه الجزيرة العربية عندما دعموا خصمه ابن سعود وطردوه من الجزيرة. ويقول لورنس إن هذه المهمة، أي مهمة الاتصال بابن سعود كان يجب أن تؤول إليه لولا كسر في كتفه أبعده عن الساحة للاستراحة في أوروبا، وعندما عاد من إيطاليا على متن إحدى الطائرات البريطانية التقى بالمدعو فيلبي الذي كان هو الآخر اختصاصياً بالشؤون العربية، وكلف بدلاً من لورنس بمهمة الاتصال بابن سعود لإيجاد حل للصراع في منطقة الحجاز؛ لأن بعض صالحي العرب حاول لمّ شمل الأمة وقاربوا من النجاح، فاضطر الإنجليز إلى إرسال رائدين آخرين من استخباراتها.

جون فيلبي: اتجه إلى الملك عبد العزيز، ويقول في أحد تقاريره إنه وجد لدى ابن سعود نظرية تقول بأنه من الممكن التوصل إلى تفاهم ما مع أهل الكتاب. ويقول فيلبي في هذا التقرير إنه «على رغم عدم تأييدنا لبعض ما ذهب إليه إلا أنه لا بأس من دعم نظريته لأنها تخدم مصالحنا». ثم ينتقل ليتحدث في التقرير نفسه عن مدى احتياج ابن سعود لليرة الذهبية الإنكليزية لتمويل حملته ولصرف الأموال على العشائر لكسب طاعتها وتجييشها في حربه في الجزيرة… ومثّل عليه فيلبي أنه مسلم وتسمى بـ(عبد الله فيلبي). وقد قرأنا عمن سمع من بعض كبار العمر إنه كان يداوم على صلاة الجماعة في الرياض.. حتى يكسب ود ومحبة وثقة الناس حينها. وبعدما أتم تكريس القُطرية في المملكة، وأنشأ الدولة على الطريقة البريطانية.. عاد إلى لندن.. وقص لحية عبد الله وأرسلها برسالة للملك عبد العزيز قائلاً: «عدت الآن إلى جون، وهذا الدليل!! ».

– غلوب باشا (1939م-1956م):

الذي أسس ما يسمى بالجيش العربي في الأردن، ومنذ البدء كان الهدف الأول لبريطانيا إنشاء جيش من مرتزقة عرب يستخدمونهم لحفظ الأمن في الشرق وخدمة مصالح الإمبراطورية البريطانية، فأصبح غلوب باشا وزير دفاع الجيش الأردني وقائد القوات العربية المشتركة، وكان يتقاضى راتبه من الجيش البريطاني، وكان كل تمويل عمليات وإنفاق وتسليح الجيش الأردني البريطاني المنشأ بحسب اتفاقيات بين بريطانيا والمملكة الهاشمية لحفظ مصالح بريطانيا، وبهذا الاتفاق يكون الجيش تحت السلطة البريطانية وضباطها.

ليتصور القارئ: غلوب باشا (البريطاني الأصل والمولد والنشأة والوظيفة) يقود جيوش العرب لتحرير فلسطين من قبضة البريطانيين. في الحقيقة إنه كان يريد أن يمكن يهود من رقاب المسلمين في فلسطين. ففي اجتماع كشفت عنه الوثائق البريطانية، ونسخه هيكل كاملاً في كتابه “العروش والجيوش”، تم بين توفيق أبو الهدى رئيس وزراء الأردن آنذاك ومستر بيفن وزير خارجية إنجلترا أوضح فيه أبو الهدى لبيفن أن اليهود في فلسطين قد أعدوا حكومة وقوة وبوليساً وجيشاً كي يتمكنوا من تسلم السلطة فور انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، في حين لم يستعد العرب بشيء. وقبل أن يفرغ الجنرال غلوب من ترجمة العبارة الأخيرة، قاطعه بيفن قائلاً: إن ذلك هو الشيء الوحيد المعقول والمقبول من بريطانيا، شريطة ألا يتجاوز الفيلق العربي ما هو مخصص للفلسطينيين في قرار التقسيم. ثم وجه كلامه للجنرال غلوب قائلاً: كما أنني أتوقع من الفيلق العربي ما هو أكثر من ذلك، وهو أن يمنع غيره -من العرب- من اعتراض تنفيذ قرار التقسيم بالنسبة للجزء المخصص للدولة اليهودية. وهكذا كان، ومازال على ما كان، ومازال أبناء الحكام الخونة يتربعون على عرش الخيانة يتوارثونها صاغراً عن صاغر… هؤلاء هم حكامكم أيها المسلمون، يرعونكم كالذئاب. فلا خلاص لكم إلا بالتخلص منهم، وإقامة الخلافة الراشدة التي تحكم بالإسلام، وتقيم حكم القرآن، وتنتقم لكل ما حدث من طغيان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *