العدد 270-271 -

السنة الثالثة والعشرون ـ العددان 270 – 271

أين وصل حزب التحرير مع الأمة في التهيئة لمشروع الخلافة

أين وصل حزب التحرير مع الأمة في التهيئة لمشروع الخلافة

 

لقد حق القول بأن مشروعاً بناه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يظل عصياً على الاندثار. وقد حق القول بكرامة من أعاد في الأمة الحركة من جديد للنهضة بمشروع وجودها وحياتها فحق لمن اقتدى بطريقة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكون أهلاً للتجديد، فصلِّ اللهم على الباني وارضَ اللهم عن المقتدين بإحسان.

إن مسيرة الأمة اليوم هي مسيرة حزب التحرير التي يقودها فيها بشرع ربه على نفس الأسس والركائز التي أقام عليها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) البنيان.

هذه الركائز التي تقوم على:

1- العقيدة الإسلامية باعتبارها عقيدة روحية سياسية، فالعقيدة ليست انتماء فحسب بل أساس العيش وبها الحياة ومن أجلها يبذل المرء حياته رخيصة، وهذا مقتضى الوعي على حقيقتها باعتبارها فكرة كلية تحل العقدة الكبرى للإنسان حلاً يفسر من خلاله معنى وجوده في هذه الحياة وإلى أين مصيره، وباعتبارها قاعدة فكرية تنبثق عنها أنظمة الحياة ومقياس الأعمال والغاية من الحياة وتبنى عليها كل معارف الدنيا وعلومها، وباعتبارها أساس الدستور والمصدر الوحيد للقوانين ومواد الحكم حتى في شكله وأجهزته، وباعتبارها قيادة فكرية يخضع لها وتنقض بها كل عقائد الدنيا، فهي الحق والحقيقة وما سواها باطل، هي مشعل هداية لابد أن يستضيء العالم كله بنورها، فعلى هذا الأساس تؤخذ العقيدة، وبهذا الأصل بنى (صلى الله عليه وآله وسلم) نواة الأمة الإسلامية والدولة الإسلامية ألا وهم كتلة الصحابة، يقول الله عز وجل: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) [طه 123]، وقال تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) [المائدة 15].

2- الخلافة باعتبارها الطريقة الوحيدة لتطبيق مبدأ الإسلام، فهي تاج الفروض التي تجعل الدين كله قائماً، وهي التي ترعى شؤون المسلمين كلها، وتحمي بيضتهم، وتجعلهم أمة واحدة في دولة واحدة، وهي التي تقيم العدل وتنشر الحق وتدخل الناس في دين الله أفواجاً. قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة 3]، وقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ) [النساء 105].

3- الجهاد باعتباره الطريق الشرعي لحمل الإسلام، وهو وحده طريق حمل الدعوة في الدولة، وأما باقي الأساليب والوسائل فهي لا تعدو غير ذلك ولا يصح أن تكون بديلاً عن الجهاد يقول عز وجل: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة 29] وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» (متفق عليه واللفظ للبخاري)، إن مهمة الجهاد الضخمة هذه تلقي بظلال مسؤولية كبيرة على الدولة أن تقيم سياسة التصنيع فيها على أساس السياسة الحربية؛ فالدولة والأمة إنما وجدت من أجل هذه الرسالة، ولا تحيا إلا بها فهي ماؤها وهواؤها وسبب وجودها وسر طاقتها ومبعث حركتها.

إن هذه الركائز الثلاث: العقيدة، والخلافة، والجهاد، هي ثمرة العملية الصهرية في الأمة التي هي مشروع الحزب؛ فقد قام الحزب على توحيد آراء الأمة وأفكارها وأحكامها ومشاعرها ليتوحد هدفها وتتجه حركتها باتجاه الحياة الإسلامية وحمل الرسالة بالجهاد.

لقد غالب الكفار المسلمين أمة ودولة ردحاً طويلاً من الزمن بالأمور العسكرية فكانت الأمة والدولة تنتقل من انتصار إلى انتصار، إلى أن أدركوا أن هذه الأسرار الكامنة في وجود المسلمين هي قوته وسبب انتصاره فكانت الهجمة الشرسة على العقيدة والخلافة والجهاد، فكانت غزواتهم التبشيرية والفكرية والثقافية تنصب على هدم هذه الركائز من حياة المسلمين للقضاء عليهم.

أما العقيدة فقد كانت الهجمة عليها لتفريغها من حيويتها وتحويلها إلى عقيدة وراثية وجدانية روحية تفصل الدين عن الحياة، فأصبحت ترى المسلم لا يدرك فرقاً بين شركة المضاربة والشركة المساهمة، ولا يرى غضاضة من اكتظاظ الناس في البنوك الربوية، ولا يرى غضاضة أن يسمع منادي الجهاد، ولا يرى قضاء بحسب الأحكام الشرعية، ويستغرب من حديث من يعتلي المنبر بالسياسة، ولا يعجب من الدعاء للحكام بطول البقاء، وهكذا أصبحت ترى الإسلام الذي نزل على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقام بحقه الصحابة (رضي الله عنهم) من بعده غريباً… هكذا أريد للعقيدة أن تفقد حيويتها وتأثيرها في الحياة وفي الجيل. هذا من ناحية العقيدة. وأما من ناحية الإسلام كمبدأ أي عقيدة انبثقت عنها أحكامه لتتعلق بكافة شؤون الحياة، وهو باعتباره بمثابة معالجات وأنظمة تكفل بفضل الله العيش الكريم. حرص الكافر المستعمر على أن يضع أنظمته بديلاً عنها، وأن يضرب الفكرة، وأن يحرف الطريقة، وأن يطلق للعقل العنان بالزيادة والنقصان، وأن يجعل مشايخ وعلماء يحيطون بالسلطان يقضون له ما لا يقضي به الإسلام، باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، وقد كانت هناك مناداة بالحريات وبكل جرأة بفصل الدين عن الحياة وحظر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسجن وتعذيب وقتل الكثير من حملة الدعوة للإسلام وكل من حاسب أو كشف خطة أو دفع باتجاه إحباط مؤامرة على الأمة، حتى أصبحت ترى على أكبر المنابر دعوة لحل الربا أو شرب القليل من الخمر أو تسويقاً للشركات المساهمة أو استبدال قوانين العقوبات الوضعية بالعقوبات الشرعية وجواز الصلح مع اليهود وهكذا.

وأما الخلافة فإن الحقيقة الكبرى تنطق بمدى حقد الكفار عليها باعتبارها الطريق العملي الأوحد الذي به يحيا الإسلام في الوجود، وهي سبب العز والقوة في المسلمين، وفي هذا الصدد يقول وزير خارجية بريطانيا كرزون بعد هدم الخلافة آنذاك: «لقدْ قضينا على تركيا، التي لنْ تقومَ لها قائمةٌ بعدَ اليومِ .. لأننا قضينا على قوتِهَا المتمثلةِ في أمرينِ: الإسلامِ والخلافة». ولقد رميت كثير من أحكام العقوبات بالتطاول عليها من قبل مفكري الغرب لضرب ثقة المسلمين بصلاحها، فوصفوا قطع يد السارق ورجم الزاني بتجاوز حقوق الإنسان، وكذلك قتل المرتد عن الإسلام، وأما تعدد الزوجات فوصفوه بامتهان المرأة وتجاوز حقوقها…

وأما الجهاد فوصفوه بالهمجية وتجاوز حدود الناس وحرماتهم، وهكذا حتى حرصوا على تقزيم مفهوم الجهاد عن طريق تضليل مجموعة من العلماء من جهاد الأمة والدولة تحمل به الرسالة للعالمين إلى جهاد فردي أو مجموعات صغيرة ولحالة الدفاع عن النفس فحسب. وأما ارتباط الجهاد بالإسلام كطريقة وحيدة لحمله رسالة إلى العالم فهذا ما لا يلتفت إليه أحد إلا حزب التحرير، فقد انبرى لهذه القضايا كلها، وبيّن وجه الحق والحقيقة فيها، لا يدافع عنها بل يحملها كنور وحق يقذفها على الباطل. حتى أعاد لأذهان المسلمين سيرة الجهاد والدولة الإسلامية وأعطى الحكم حجمه وأعاد له قوة الطرح دون استحياء من أحد. ثم إن الحزب بيّن أن الجهاد تلازمه الدعوة إلى الله بشكل لا يجوز أن تنفصل عنه، فالجهاد ليس مشروعاً لذات الجهاد، بل من أجل إزالة الحواجز والموانع المادية التي تمنع وصول الإسلام إلى الحكم ومن ثم وصول دعوة الإسلام إلى العالمين.

إن الأمة الإسلامية في مسيرة حزب التحرير فيها قد قطعت بفضل الله وتوفيقه شوطاً صعباً طويلاً عادت من خلاله عوداً حميداً للإسلام، وخلعت عن نفسها كل دعوة جاهلية وطنية أو قومية أو مذهبية أو عصبية، فقد عاد للعقيدة عز رابطتها في المسلمين كأنهم رجل واحد في مشاعرهم يغضب ابن إندونيسيا لجرح الشيشان وفلسطين والعراق والأفغان والصومال… ونفس الغضب تراه مروراً بكل بلاد المسلمين شامهم ويمنهم ومصرهم ومغربهم وعربيهم وعجميهم لا يحول بين تحركهم إلا حكام قد حان قطافهم وآن زمن زوالهم، نعم لقد عاد للعقيدة نورها وحيويتها في عقول وقلوب المسلمين فأصبحت ترى شوق المسلمين وشدة حنينهم لعودتها قيادة فكرية وبديلاً عن المبدأ الرأسمالي، أصبحت تراهم يفاخرون بعقيدتهم على الدنيا، وما تعبير المسلمين الغاضب من إندونيسيا إلى المغرب مروراً بباكستان وفلسطين ولبنان والمغرب على إهانة المصحف الشريف والنيل من النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك بتنظيم من حزب التحرير وغير حزب التحرير إلا دليل على مدى تحرق المسلمين وتحرك العقيدة في نفوسهم، ولولا حكام المسلمين لكان فعل المسلمين أعظم ولكان ردهم أقوى وأجدى. إن حاضر المسلمين اليوم يظهر مدى تفهمهم لحقيقة مبدئهم العظيم، وأن أنظمته كفيلة برفع الظلم والضيم والفقر والقهر ليس عن المسلمين فحسب بل وفي العالم أجمع، ولعمر الحق إن ما خلّفه النظام الاقتصادي الرأسمالي اليوم من فقر لم يشهده ولم يسمعه بشر من قبل، وإن الدمار الاجتماعي واستشراء الرذيلة وضياع الأنساب والحط من قيمة البشر في كافة المجالات كل هذا قد جعل المسلمين على قلب رجل واحد يفتخرون بأنظمة إسلامهم وبعظيم ما سيصنعه عند التطبيق من سمو فكري ورخاء اقتصادي ومن أمن وسعادة، وإن ما كان يضربه حزب التحرير من أمثلة وما أنذر به وما بشر به قد التف المسلمون حوله، سواء في اتجاه الروابط فيما بين المسلمين، أم في أنظمة عيشهم، أم في استقرار حالهم وسعادتهم حوله؛ فأصبحت تسمع بين المسلمين عبارات أجمعوا عليها في أحاديثهم وفي مجالسهم وفي حلهم وترحالهم في كافة مجتمعاتهم وبلادهم من مثل «اللهم ولنا الصالحين كعمر بن الخطاب وصلاح الدين»، «اللهم أعز دينك»، «اللهم أرحنا من هذه الأنظمة»، «اللهم أعزنا بالخلافة»، «أعلنوها وأريحونا»، «والله ليس لنا إلا هذا الدين».

والناس اليوم في حال إقبال على الحزب ودعوته والتفاف حوله ويبشر بالمزيد، ما يشير إلى اتجاه الأمة بنفس اتجاه الحزب في أفكاره وغايته.

إن حالة الجهوزية بين المسلمين وعزمهم والتفافهم حول العاملين للخلافة جعلتهم يحدقون بأبصارهم ويشدون على مكامن القوة فيهم للانتقال إلى المرحلة العملية التي يعاد فيها مباشرة تطبيق أنظمة الإسلام، وتعود الخلافة هي راعيهم وقائدهم ومخرجهم والعالم مما هو فيه من انهيارات في كافة الصعد. وهذه الحقيقة قد أدركها الكافر في المسلمين حتى هالته إلى درجة جعلته ينهال بتصريحاته المنذرة بالويل والثبور إذا ما عادت الخلافة. وكلنا يرى كيف أنه قد استنفر مراكزه البحثية، وقد خلصوا جميعاً إلى محصلة أن الخلافة وعودة الأمة إليها أصبحت واقعاً مرتقباً وهاجساً مرعباً وأنه لابد من التعامل معها بشكل جدي ومستعجل. وكان التعامل مع ذلك في ثلاثة اتجاهات:

1- إعلان الحرب والنفير العام على المسلمين وبلادهم باتجاهين: الاتجاه العسكري وهو ماثل في العراق وأفغانستان والصومال… وذلك للتبكير في الوجود العسكري بالحجم الضخم، ولشحن القواعد العسكرية وتعزيزها باستمرار، وللإشراف العسكري على تقسيم المناطق المهمة مثل الخليج وآسيا. والثاني الاتجاه الثقافي والفكري لمحاولة هدم الجيل القادم وتخريب ما عمر في النظام الاجتماعي في محاولة يائسة في صراع الأفكار، وما ثورة الفساد التي تقودها أميركا في مناهج التعليم وعلى صعد عدة وخصوصاً تحريض المرأة على الترجل للقضاء على الأسرة ونشر الرذيلة في المسلمين، وفتح المجال أمام كل الوسائل لذلك عبر الفضائيات والإنترنت، إلا دليل على استعار هذه الحرب المضادة لما وصلت إليه الأمة في مسيرة حزب التحرير. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى. وهي بعدد الأيام التي نعيشها بل والساعات واللحظات، وهي بحاجة في المقابل إلى استمرار وكثرة التحدي عند المسلمين لها، وديمومة التفاعل مع كل ما ينـزله الحزب في هذا الصدد للتصدي لكل ما يطرحه الغرب الكافر من أدران ومهالك للحيلولة دون عودة الأمة إلى خيرها وبلوغ هدفها مع حزب التحرير.

2- محاربة الحركات الإسلامية، وعلى رأسها حزب التحرير لكونه الرائد في مشروع الخلافة، وكل حركة فيها إخلاص وصدق. وذلك من خلال الملاحقات المادية والمعنوية والفكرية، ومن ذلك عقد مؤتمرات ومحاضرات ودروس وخطب وحلقات وندوات إذاعية وتلفزيونية وتربوية ضد الفكر (المتطرف) و(التكفيري) و(الرجعي) كما يدعون، وكل هذا في محاولة يائسة لإيجاد النفور بين الأمة وقيادتها في ميدان التغيير والنهضة. وقد استعمل في مشروعه هذا كثيراً من علماء السوء والصد عن سبيل الله، وهذه حالة ليست غريبة على من ليس أهلاً لحمل ميراث النبوة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ». وإنا نقول لهؤلاء محذرين إياهم من سخط الله، وبأن هذه الدنيا المؤثرة عندكم قد بعتم آخرتكم بها وانحزتم إلى الدنيا وعمارها، وهي لا تساوي جناح بعوضة، بدل أن تنحازوا وتنضموا إلى رجال أمتكم وإلى خنادق عزتكم كي تكونوا في مراتب سيد الشهداء. يضاف إلى ذلك الحملة الإعلامية المقصودة السافرة للحيلولة دون وصول صوت حزب التحرير، وأخباره، وإنجازاته، وتحركاته العريضة في تحريك الأمة في مشروع نهضتها عبر القارات الخمس، وعلى الرغم من انتشار مكاتبه الإعلامية وممثليه الإعلاميين ومجموعة من الناطقين الرسميين باسمه تجري محاولات دؤوبة من أجل إحكام الطوق الإعلامي حوله للحيلولة دون تمكّنه، والإبطاء من سرعته خشية وصوله إلى هدفه، وللتعطيل عليه ما أمكن. وفي هذا إشارة على مدى تقدم الحزب في مشروعه، والله المستعان عليهم إنه سبحانه خير معين.

3- العمل على استغلال الحركات الإسلامية المعتدلة لضرب مشروع الخلافة، وذلك لإيهام المسلمين بأن وجود هؤلاء المشايخ في الحكم هو وجود للإسلام. فاستوزر المستوزرون ودخلوا الحكم هنا وهناك، وتملقوا ودخلوا البرلمانات، في محاولة من الغرب على الأقل لتمزيق الساحة عند المسلمين وضرب إجماعهم القائم على ضرورة عودة الخلافة بنظام الحكم الكامل بالإسلام، الخلافة اسماً ومسمًى في جهازها وقواعدها وأنظمة حكمها. فهيهات أن ينجح مشروع الكافرين في ضرب فكرة الخلافة ما دام فيهم حزب مثل حزب التحرير يصل ليله بنهاره، ولا يترك فرصة ولا وسيلة ممكنة إلا وحمل منها حملة لديمومة الوعي في الأمة واستمرار اليقظة كي تظل على قلب رجل واحد. وإن مما فات الكافر هو أن أصالة هذه الأمة وخيريتها تأبى الخديعة ولو كانت متسترة باللحى والعمائم، ولو كانت ممن هو في المحراب قائم، فقد لدغت الأمة من قبل وهي لن تلدغ مرتين ما دام فيها رجال الحق لا يخافون في الله لومة لائم، ولا يرف لهم جفن من ظالم متجبر، وكل هذا بفضل الله وإرادة الخير لهذه الأمة الطيبة، بل وللعالم أجمع.

لقد جمع حزب التحرير من الإسلام زاد ثقافة هي دوماً في ازدياد، وقد بذر من خلالها بذار رجال الحكم والدولة في تربة هذه الأمة لتعيد فيها حكمة الصديق، وحزم عمر وحلم عثمان وفطنة علي رضي الله عنهم أجمعين وعدل ابن العزيز واستقامة ابن المسيّب وجرأة العز بن عبد السلام وعلم الشافعي… رحمهم الله أجمعين ليعيد فيها نبض الحياة الإسلامية وليخفق فيها قلب الأمة من جديد.

لقد وصل الحزب اليوم بالخير ينشره وبالفكر الإسلامي يشرحه، وفي بلاد المسلمين يرفده، وفي كل مكان يعمل فيه في كافة أصقاع العالم يحشده… لتلتقي الجهود المباركة على أمر قد قدر، وبإذن الله بالخلافة سيقتدر، وعما قريب سينتشر قال تعالى: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف 21].

وإنه وبفضل الله قد حدد الحزب في مرحلته الآن التركيز على تحديد بوصلة الأمة نحو هدفها لاستئناف الحياة الإسلامية، فقد جلّى لها الآراء التي أشكلت على من سلف فحلها حلاً يطمئن، وقد حمل لواء الدعوة للاجتهاد وألّف في الأصول وتبنى طريقة في الاجتهاد وأنجب علماء أفذاذاً ليعيد للأمة سيرة العظماء في الفقه وأصوله والتفسير والحديث وعلومه، وخطط للأمة والدولة منهجاً يعيد لها سيرتها بفضل الله وهي أن يهزم مبدأين كاملين في ميدان الصراع الفكري هما المبدأ الاشتراكي والرأسمالي حتى شهد له بذلك، وقد برع الحزب في الوعي السياسي وهو يذود عن الأمة ويكشف المؤامرات والدسائس ويحذر مما هو قادم ويتبنى المصالح الحقيقية للأمة ويكشف هيكل العلاقات الدولية وسلاسل ارتباطات العملاء فيها سيما ممن هم حكام وممن هم في الأوساط السياسية والفكرية، وهو يعد الأمة بالمزيد ويحضر ملفات زاخرة بالوعي والإحاطة للدولة كي تقوم صلبة وقوية بأقدام راسخة تطبق الإسلام، وهي تدرك ما يحيط بها من علاقات دولية.

وإن الحزب بفضل الله فيه من الطاقات والخبرات والتجربة ما يؤهله لهذه المهمة بكل ثقة وقوة، وهو إنما يجمع هذا الخير إنما يجمعه في كنانة هذه الأمة، فهو منها ومعها وبها يصنع مجدها ويعمل على أن يسعى بذمة أعلاها أدناها ويجير أدناها على أعلاها. لقد كان الحزب من قبل يقول للأمة صادقاً وهو في أشد ظروفه بأنه يطرق باب المجتمع ليفتح له حتى فتحه الله سبحانه وتعالى له بفضله وتوفيقه، وهو اليوم يعد الأمة بوعد الله ولا يكذب الرائد أهله، فكيف به وهو يعد بوعد ربه بأنه الآن يطرق باب الحكم والدولة يتضرع إلى الله بأن يفتح على يديه في أي لحظة، حتى يتم الله له هذا الأمر الذي بدأه، وهو اليوم يثق بموعود الله أكثر من أي وقت مضى، وهو قد أخذ بكل سبب، ولم يترك باب خير لأحد من الناس إلا وطرقه ولا يزال. وكل من قرأ وسمع وجلس يشهد بذلك، فإما أن يسارع ويعاضد وإما أن يفر ويعاند، فيا لسعد من عاضد ويا لبؤس من عاند، وقد أزفت ساعة الخير إن شاء الله تعالى، وشتان ما بين من استجاب الآن ومن استجاب من بعد ورضي أن يكون مع كل قاعد.

قال الله عز وجل: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الحديد 10].

إن الشر قد وصل إلى نهاية حده فهو في إدبار إن شاء الله تعالى، وإن الخير قد بلغ به الحد إلى بداية عصره بقدرة ومشيئة الله فهو في أبهى إقبال، وإنا لن ندلس على أحد والكل يعرف هذا منا ويعلم الصدق فينا من غير أن نفخر بل نتواضع لله كل التواضع، فوعدنا وعد ربنا، وركبنا ركب الخلافة، وهل يماري في ذلك أحد؟ وإنها لهي وعد صدق وبشرى خير وعد الله بها العاملين وسيكرم بها عباده المؤمنين، فأي وعد أحق من هذا وأصدق!! فلترفع الهمم ولتلتف الجهود حول حزب التحرير لتكون الأيام المقبلة أياماً فواصل تفرّق بين أيام الجاهلية وميتتها وأيام الإسلام وعزتها.

قال الله عز وجل: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور 55] وقال جلّ من قائل: (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا) [الإسراء 51]، والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *