العدد 199 -

السنة السابعة عشرة – شعبان 1424هـ – تشرين الأول 2003م

كلمة الوعي: حكام المسلمين… على خطا أميركا سائرون

بعد تعيين بريمر، حاكماً مدنياً أعلى في العراق، عاود إصدار الجريدة الرسمية العراقية، باسمها القديم المعروف (الوقائع العراقية). وقد حمل العدد الجديد من الجريدة إعلاناً موجهاً من بريمر إلى المواطنين العراقيين، قال فيه: “تحت قيادتي، قررت سلطة التحالف الموقتة إلغاء قوانين النظام القانوني العراقي، ونشر وسائل قانونية جديدة لإقامة نظام قضائي عادل ومنصف للشعب العراقي” وأضاف “طلبت إعادة إصدار الجريدة الرسمية متضمنةً الإجراءات والأوامر والمذكرات والبلاغات التي تصبح نافذةً فور نشرها” وفي العدد نفسه أصدر أربع قرارات وأوامر تنصّ على أن سلطته تنبع من قرار مجلس الأمن رقم 1483، الصادر في 22/5/2003م، والذي يمنح أميركا وصايةً سياسية واقتصادية على العراق.

ثم من بول بريمر هذا، صدر تشكيل مجلس الحكم الانتقالي، وأوضح أن مهمته استشارية، أي ليست له سلطات حقيقية تمكنه من التدخل فيما تمارسه سلطات الاحتلال من سلطاتٍ مطلقة في الأمن والسياسة والاقتصاد. ثم إن مجلس الحكم الانتقالي تولى، صورياً، تشكيل حكومة عراقية، ذكر أنه تمّ اختيار أعضائها من ضمن 150 شخصية رشحها بريمر. ومن ثمّ أدّت هذه الحكومة الموقتة اليمين الدستورية أمام الجلبي صنيعة أميركا، وبحضور بريمر الذي يخطّط وينفذ وينظّم الأمور جميعها بنفسه.

لقد جاءت هذه الحكومة أميركية الصنع، لا تملك من أمرها شيئاً، وزراؤها موظفون عند أميركا، وليس فيها وزارة للدفاع ولا للتصنيع الحربي، ولا للإعلام، أي لا قوة لها ولا رأي. والآن كيف تعامل حكام المسلمين المفروضين عليهم مع هذه الحكومة؟

كعادتهم في الانصياع، والانبطاح، والتبعية، والعمالة، والارتهان، رحبوا بتشكيل الحكومة العراقية تحت حجة أنها تشكّلت لخدمة الشعب العراقي، وعدّها بعضهم أنها خطوةٌ إيجابية نحو تسليم شؤون البلاد إلى الشعب العراقي، وأعلن بعضهم انه سيتعامل معها على اعتبار أن التعامل غير الاعتراف، وأعلن بعضهم عن ثقته بقدرة الحكم والحكومة الجديدة على النهوض بالعراق، وذهب بعضهم إلى حدّ الاعتراف بها…

هذا هو موقف حكام المسلمين مما رتبته أميركا حتى الآن، موقفٌ واحد موحّد في العمالة، وإن ترك لهم هامش التعبير عنه بشكلٍ مختلف. وإننا لنعلم مواقفهم مما ستقوم به أميركا من خطواتٍ لاحقة، لا رجماً بالغيب، ولكن من طبيعة العمالة المتأصّلة في نفوسهم، ومما عوّدونا عليه من مواقف مخزية. إن أميركا تريد صَوْغَ دستورٍ عراقيٍ جديد، يكون من صنع يديها باباً باباً، ومادةً مادة، وبنداً بنداً، تصدر فيه مفاهيم وأفكار علمانية، ويكون أساساً لأنظمة وقوانين تبني للعراقيين «دماغاً جديداً». إنها تريد إجراء انتخابات صورية، تأتي نتائجها أميركية. إنها تريد تشكيل حكومة تستمدّ شرعيتها من مجلسٍ نيابيٍ منتخب… فهل من الصعب التنبؤ بمواقف الحكام من هذه الأمور؟ طبعاً، لا.

إن أميركا تسير وهي مطمئنة إلى أن الحكام سيمهدون أمامها كل خطوة تخطوها، وإنهم ينتظرون من شفتها أن تتحرك ليلبوا طلبها قبل أن تنهي كلامها. إن هؤلاء الحكام قد رتبوا معاذيرهم أمام المسلمين التي ستكون: التعامل مع الحكومة الموقتة، احترام إرادة الشعب العراقي في اختيار دستوره وممثليه، الاعتراف بالحكومة المنتخبة…

هؤلاء هم حكام المسلمين المفروضون عليهم، المرفوضون منهم، الذين يطيعون أميركا في كل ما تطلبه ويقدمون لها أكثر مما تتوقعه، ويقدمون مصلحة أميركا وأمنها على مصالح المسلمين وأمنهم. ألم يقل عمرو موسى أن دول الجامعة العربية مستعدة لمساعدة بوش في تنفيذ رؤيته في العراق، وأنها مستعدة لإرسال قواتٍ عربية لحفظ الأمن (أمن الجنود الأميركيين)، وذلك قبل أن يعلن عن عزم أميركا على الاستعانة بقواتٍ عربية.

إن هؤلاء الحكام ممثلون ومخرجون ومنتجون لمآسي المسلمين. يقوم حكمهم على ديمقراطيةٍ حقيقية وهي أنهم نالوا كره وسخط الأغلبية الساحقة من شعوبهم فاستحقوا عند أميركا الرضا والتثبيت، وعند اللَّه، والمسلمين السخط والمقت. إن هؤلاء الحكام قد قطعوا الصلة باللَّه تعالى، ووصلوا أنفسهم بأميركا وسياساتها وأهدافها، واجتمعوا معها على حرب الإسلام والمسلمين. إن بوش أعلن أنه يريد تغيير عقيدة المسلمين، وأعلن باول أنه يريد صَوْغَ عقلية المسلمين، وأعلن رامسفيلد أنه يريد أن يطبق المسلمون دينهم كما يطبقه الأميركيون. فهل يستطيع كل هؤلاء أن يقوموا بذلك بأنفسهم؟ الجواب: طبعاً، لا، بل عن طريق الحكام يستطيعون أن يصلوا إلى كل زاوية،، كذلك هل يستطيع هؤلاء الحكام أن يفعلوا ذلك بأنفسهم؟ الجواب: طبعاً، لا، بل عن طريق زبانيتهم من العلماء، واهل القوة، والأحزاب والحركات التابعة له، والمثقفين ثقافةً غربية. وإنه إذا كان الأمل معدوماً من هؤلاء الحكام، وبالتالي لا يطلب منهم شيء، فإن المسلمين الذين يقفون إلى جانبهم من أهل القوة والعلماء والحركات… سيكونون معهم في الإثم. فاللَّه تعالى لم يذمّ فرعون فقط، وإنما ذمّ معه من كان معه من مثل هامان وجنودهما. قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) [القصص].

إن المسلمين إذا لم يحزموا أمرهم بأنفسهم، فلن يرحمهم أحد، لقد تولّى أمرهم شرار الخلق، والواقع أكبر شاهدٍ على ذلك، فقد أصبح المسلمون مستضعفين في كل مكان، ترتكب بحقهم أفظع المجازر، لم يبقَ لهم من مجير إلا اللَّه، وما لم يعودوا إلى سبيل ربهم الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم فلن يستطيعوا ان يرفعوا هذا الظلم الذي أحاط بهم من كل مكان.

إن سلوك طريق الرسول صلى الله عليه وسلم من شانه أن يقيم دولة الإسلام، التي بقيامها يقوم الدين وتتحقق أهداف الإسلام جميعها. إن طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم التي سلكها لإقامة دولة الإسلام، ما زالت على قدمها صالحةً للسير بحسبها، لأن الحق لا يقاس بالقدم والجدة، بل بالصلاح، أو عدم الصلاح. وما شرّعه اللَّه من أحكام شرعية تتعلق بالطريق من صفاتها الثبات والصلاح بخلاف أحكام البشر القاصرة. قال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ )[المائدة] .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *