العدد 194 -

السنة السابعة عشرة – ربيع الأول 1424هـ – أيار 2003م

إيه يا دنيا! رجل عظيم يرحل عنا في هدوء.

إيه يا دنيا! رجل عظيم يرحل عنا في هدوء.

 

رجل عظيم، يقود حزباً عظيماً، ويعمل لهدف عظيم، يعيش غريباً، مجهول حقيقة الاسم أو الرسم حتى عن بعض أحبائه. يراه الحفيد بعد طول الغياب، فلا يضمه إليه يداعبه ويلاعبه، كما يفعل الجد مع الحفيد، خشية أن ينكشف أمره بكلمة من هنا أو هناك فتصل إلى شياطين الإنس والجن من جواسيس الظالمين.

         رجل عظـيم يحمل روحـه على راحته فـي عمل دؤوب لإنهـاض الأمة وإعزاز دينها وتحقيق عزتها وصون كرامتها. قضى حياته يطلب الخير للأمة طلباً حثيثاً، صابراً على صدّها، مشفقاً على حالها، وهو يراها توطأ من الظالمين، فلا تتحرك أو تنتفض، بل تصحو وتنام على الضيم، تتجرع مرارة الظلمة وسوء الرعاية، وضنك العيش وثقل الجباية.

         ويتوفى الرجل العظيم فلا يحتشد الناس عند وفاته، ولا تتزاحم أكتافهم فـي حمل جنازته، فالركب خلفه قليل، والحشد ضئيل.

         يتوفى الرجل العظيم، فلا يسير خلفه إلا بضع عشرات من الرجال لا يزيدون، فلا ينضم الناس لجنازته وهي تمر بهم، بل لا يلقون لها بالاً، ولا يصاحبونها. إنهم لا يعلمون أن فيها من كان اسمه يهز الظالمين، ويصعق الهدفُ الذي يعمل إليه، الخــلافـةُ الراشدة، الكفّـارَ المستعمرين، فـي واشنطن ولندن وباريس وموسكو وروما، فضلاً عن أتباعهم العملاء الصاغرين.

         يتوفى الرجل العظيم فيخشى الظالمون مماته كما كانوا يخشون حياته، فيوعزون لصحفهم أن لا تنشر خبر نعيه كي لا تقع أعينهم على اسمه فيصيبهم دُوارٌ كما كان يصيبهم قبل موته.

@  @  @

         لا تحزن أبا يوسف فإنك تنتقل إلى دار خير من هذه الدار، دار عالية لا سلطان لأحد فيها إلا رب العالمين، وإنك لواجد فيها بإذن الله أحباءك رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه رضوان الله عليهم والتابعين بإحسان والذين سبقوك بالإيمان. ولنعم الدار هي ولنعم الساكنون هم.

         لا تحزن أبا يوسف لقلة من تبعوك من الناس عند موتك، فما عند الله خير، ستتلقاك ملائكة الرحمة فـي رياض الجنة، وتحيط بك رحمة الله ومحبته ورضوانه.

         لا تحزن أبا يوسف فإن الحزب الذي بناه سلفك الصالح، ورفعت بنيانه بيديك الكريمتين، سيستمر صاحبك من بعدك فـي رفع بنيانه حتى تُـغرس فـي قمته راية العقاب راية لا إله إلا الله  محمد رسول الله.

         لا تحزن أبا يوسف فإن قادة الجند سيأتونك زائرين وقد عقدت لهم ألوية بأسماء الرسول وصحبه والتابعين بإحسان، ستأتيك كتيبة محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين وخالد والمعتصم وصلاح الدين والظاهر والفاتح، ستأتيك كتيبة تقي الدين وكتيبة عبد القديم وكلها ترفع اللواء الذي عقد لها، يأتيك جندها أرسالاً منصورين، يزورون قبرك وقبر صاحبك من قبلك مكبرين، وفـي عزة ومنعة قائلين: لقد أقيمت الخــلافـة، دار قوم مؤمنين، وقضي على كيان يهود، وفتحت روما وجاء الحق وزهق الباطل وعز الإسلام والمسلمون وذل الكفر والكافرون.

         لا تحزن أبا يوسف فإن من تركت خلفك من الشباب الغر الميامين لمستمرون على الطريق نفسه الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي من رب العالمين، يتسنَّمون خطوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يحيدون عنها، يدعون الله لك آناء الليل وأطراف النهار أن يتغمدك الله بواسع رحمته وينزلك المنزل الذي أعده الله لخالص أوليائه، الفردوس الأعلى مع الرسول وصحبه، فأنت بإذن الله من أهل طاعته وأهل محبته (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً)  [النساء] .

صاحبك من بعدك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *