الأمة الإسلامية لا تموت… والإسلام قادم
لا يشك عاقل أن الإسلام مطبقاً في دولة جامعة تجمع المسلمين تحت لواء واحد كما كانوا أصبح قريباً إن شاء الله تعالى. والمسألة مسألة وقت لا أكثر حتى يتوحد المسلمون في دولتهم الكبرى, دولة الخلافة, والتي انفرط عقدها مع بداية القرن الماضي, ما أدى إلى تشرذمهم في دول تحكم فيها المستعمر سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
أما أن نظام الإسلام مطبقاً في دولة غائب منذ بضع وثمانين سنة فسببه أن أبناء الأمة قبلوا أن ينحّى جانباً بعد أن ضعفت ثقتهم به, ما أغرى أعداءهم في النيل منهم عن طريق أساليب استعمارية معروفة أهمها ضرب فكر الإسلام في نفوسهم, خصوصاً الجانب السياسي فيه (أي تطبيق نظم الإسلام في دولة), ومنه هيمنة الغرب الكافر السياسية في بلادهم, من خلال أنظمة مأجورة تابعة له, ومنه هيمنته الاقتصادية عن طريق السيطرة على مقدرات الأمة وخيراتها.
ومنذ أن سقط نظام الأمة السياسي، والمستعمر يعمل من أجل هدفين: الأول عدم عودة المسلمين قوة واحدة في دولتهم, والثاني امتصاص ثرواتهم ليستقوي بها عليهم.
والغرب الذي يحارب الإسلام على جميع الجبهات يدرك أن وحدة المسلمين السياسية مرة أخرى من شأنها أن تهدد وجوده, وتقطع يده من أن تمتد إلى بلاد المسلمين, لذلك لا يترك سبيلاً لمنعهم إلا سلكه, فتارة يضلل المسلمين بالاستقلال المزعوم هنا وهناك, وتارة يتهم دينهم ليغرقهم بالدفاع عنه ليحرف بوصلتهم, وتارة يزرع الفتن بينهم ليمعن في تفريقهم, وتارة يشوه دولة الخلافة في أذهانهم لينفرهم منها, وتارة يضللهم (بالإصلاح) المفروض عليهم على طريقته, وتارة يتهمهم بالإرهاب (تلك الكذبة الكبرى, والنكتة المكشوفة) حتى يرفعوا الرايات البيض, وينبطحوا أمام إملاءاته, وتارة يهاجمهم عسكرياً في عقر دارهم ويقتلهم بالجملة لإطباق سيطرته عليهم كما يفعل في غير بلد من بلادنا.
والملاحظ يجد أن الغرب الرأسمالي (وهو يحارب الإسلام وأهله) لم يحمل شيئاً من فكره الفاسد للمسلمين يجعلهم يتطلعون إليه, أو يجعلهم يتشككون في فكر إسلامهم, ذلك أن الغرب الآن مفلس فكرياً, ومهزوم أمام مبدأ الإسلام في معركة الأفكار, وهو نفسه يعاني من جراء عقيدته وأحكامه في بلاده!
والغرب – والحالة هذه – يعلم قوة الإسلام, وقوة أمة الإسلام إذا هي أخذت زمام أمرها أكثر من كثير من أبناء المسلمين الذين لا يدركون ما هم قادرون على فعله, وما هم قادرون على تحقيقه, إن هم انتفضوا وقامت لهم قائمة, ولذلك نرى استعار هجومه على الإسلام والمسلمين مؤخراً, ما يدل على أنه يرتعد من فكرة عودة الأمة لدينها ودولتها, ويرتعد من فكرة أن الإسلام ما زال قوياً رغم كل ما يحاك ضده.
أما الأمة العظيمة, فبعد سنوات من التيه والضياع تلت سقوط دولتها, وبعد أن جربت كل شيء لم ينفعها, وبعد أن صار في الأمة من يعمل لعودة الإسلام … يأخذ بيدها, ويرشدها إلى عزتها, فإن أداءها باتجاه دينها وهويتها وقضاياها (والحمد لله) يرتفع باطراد, خصوصاً في السنوات الأخيرة, وهذه بشارة على أن الأمة يمكن أن تضعف, لكنها لا تموت, وإذا استمرت وتيرة وعيها على إسلامها, فالنتيجة حتمية وهي انبعاثها من جديد قوة كونية.
إن المتبصر يدرك أن العاملين الهامين في استيقاظ الأمة وصحوتها يتمثلان في:
1- عامل داخلي بين ظهراني الأمة: وهو عمل أبنائها الدؤوب والظاهر والصادق من أجل نهضتها, وعودتها خير أمة أخرجت للناس… هؤلاء الدعاة المستنيرون الواعون على قضايا الإسلام, والعارفون بما يجب على الأمة أن تسير فيه إن هي أرادت الانبعاث من جديد. فهؤلاء الدعاة السياسيون من أبناء الأمة كلها يحققون اليوم نجاحاً عظيماً في استنهاض الأمة, والسير بها لما يريد الإسلام من وحدة سياسية, وتحكيم لأنظمته بعد التخلص من دويلات الذل والهزيمة.
-
عامل خارجي: وهو محاربة الغرب للإسلام والعاملين له. وهذا عامل كشف للأمة أعداءها أكثر, وجعلها تعرف ما الذي يعزها ويرفعها, وجعلها تعرف طريق الخلاص وأسباب نهضتها. وها هم أعداء الإسلام يكررون أخطاءهم التاريخية تجاه مبدأ الإسلام وأمة الإسلام, فهم لا يدركون أن اشتداد هجومهم على الإسلام وأهله معناه شيء واحد: رجوع أهل الإسلام لإسلامهم, واشتداد عودهم … والتاريخ يقدم النماذج للعبرة.