الأمة الإسلامية لا تموت… والإسلام قادم
2010/02/20م
المقالات
2,705 زيارة
الأمة الإسلامية لا تموت… والإسلام قادم
لا يشك عاقل أن الإسلام مطبقاً في دولة جامعة تجمع المسلمين تحت لواء واحد كما كانوا أصبح قريباً إن شاء الله تعالى. والمسألة مسألة وقت لا أكثر حتى يتوحد المسلمون في دولتهم الكبرى, دولة الخلافة, والتي انفرط عقدها مع بداية القرن الماضي, ما أدى إلى تشرذمهم في دول تحكم فيها المستعمر سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
أما أن نظام الإسلام مطبقاً في دولة غائب منذ بضع وثمانين سنة فسببه أن أبناء الأمة قبلوا أن ينحّى جانباً بعد أن ضعفت ثقتهم به, ما أغرى أعداءهم في النيل منهم عن طريق أساليب استعمارية معروفة أهمها ضرب فكر الإسلام في نفوسهم, خصوصاً الجانب السياسي فيه (أي تطبيق نظم الإسلام في دولة), ومنه هيمنة الغرب الكافر السياسية في بلادهم, من خلال أنظمة مأجورة تابعة له, ومنه هيمنته الاقتصادية عن طريق السيطرة على مقدرات الأمة وخيراتها.
ومنذ أن سقط نظام الأمة السياسي، والمستعمر يعمل من أجل هدفين: الأول عدم عودة المسلمين قوة واحدة في دولتهم, والثاني امتصاص ثرواتهم ليستقوي بها عليهم.
والغرب الذي يحارب الإسلام على جميع الجبهات يدرك أن وحدة المسلمين السياسية مرة أخرى من شأنها أن تهدد وجوده, وتقطع يده من أن تمتد إلى بلاد المسلمين, لذلك لا يترك سبيلاً لمنعهم إلا سلكه, فتارة يضلل المسلمين بالاستقلال المزعوم هنا وهناك, وتارة يتهم دينهم ليغرقهم بالدفاع عنه ليحرف بوصلتهم, وتارة يزرع الفتن بينهم ليمعن في تفريقهم, وتارة يشوه دولة الخلافة في أذهانهم لينفرهم منها, وتارة يضللهم (بالإصلاح) المفروض عليهم على طريقته, وتارة يتهمهم بالإرهاب (تلك الكذبة الكبرى, والنكتة المكشوفة) حتى يرفعوا الرايات البيض, وينبطحوا أمام إملاءاته, وتارة يهاجمهم عسكرياً في عقر دارهم ويقتلهم بالجملة لإطباق سيطرته عليهم كما يفعل في غير بلد من بلادنا.
والملاحظ يجد أن الغرب الرأسمالي (وهو يحارب الإسلام وأهله) لم يحمل شيئاً من فكره الفاسد للمسلمين يجعلهم يتطلعون إليه, أو يجعلهم يتشككون في فكر إسلامهم, ذلك أن الغرب الآن مفلس فكرياً, ومهزوم أمام مبدأ الإسلام في معركة الأفكار, وهو نفسه يعاني من جراء عقيدته وأحكامه في بلاده!
والغرب – والحالة هذه – يعلم قوة الإسلام, وقوة أمة الإسلام إذا هي أخذت زمام أمرها أكثر من كثير من أبناء المسلمين الذين لا يدركون ما هم قادرون على فعله, وما هم قادرون على تحقيقه, إن هم انتفضوا وقامت لهم قائمة, ولذلك نرى استعار هجومه على الإسلام والمسلمين مؤخراً, ما يدل على أنه يرتعد من فكرة عودة الأمة لدينها ودولتها, ويرتعد من فكرة أن الإسلام ما زال قوياً رغم كل ما يحاك ضده.
أما الأمة العظيمة, فبعد سنوات من التيه والضياع تلت سقوط دولتها, وبعد أن جربت كل شيء لم ينفعها, وبعد أن صار في الأمة من يعمل لعودة الإسلام … يأخذ بيدها, ويرشدها إلى عزتها, فإن أداءها باتجاه دينها وهويتها وقضاياها (والحمد لله) يرتفع باطراد, خصوصاً في السنوات الأخيرة, وهذه بشارة على أن الأمة يمكن أن تضعف, لكنها لا تموت, وإذا استمرت وتيرة وعيها على إسلامها, فالنتيجة حتمية وهي انبعاثها من جديد قوة كونية.
إن المتبصر يدرك أن العاملين الهامين في استيقاظ الأمة وصحوتها يتمثلان في:
1- عامل داخلي بين ظهراني الأمة: وهو عمل أبنائها الدؤوب والظاهر والصادق من أجل نهضتها, وعودتها خير أمة أخرجت للناس… هؤلاء الدعاة المستنيرون الواعون على قضايا الإسلام, والعارفون بما يجب على الأمة أن تسير فيه إن هي أرادت الانبعاث من جديد. فهؤلاء الدعاة السياسيون من أبناء الأمة كلها يحققون اليوم نجاحاً عظيماً في استنهاض الأمة, والسير بها لما يريد الإسلام من وحدة سياسية, وتحكيم لأنظمته بعد التخلص من دويلات الذل والهزيمة.
-
عامل خارجي: وهو محاربة الغرب للإسلام والعاملين له. وهذا عامل كشف للأمة أعداءها أكثر, وجعلها تعرف ما الذي يعزها ويرفعها, وجعلها تعرف طريق الخلاص وأسباب نهضتها. وها هم أعداء الإسلام يكررون أخطاءهم التاريخية تجاه مبدأ الإسلام وأمة الإسلام, فهم لا يدركون أن اشتداد هجومهم على الإسلام وأهله معناه شيء واحد: رجوع أهل الإسلام لإسلامهم, واشتداد عودهم … والتاريخ يقدم النماذج للعبرة.
إن هذا الهجوم الكبير على الإسلام والمسلمين في الشرق والغرب يؤكد أن الأمة الإسلامية حية, ولو أن الأمة ميتة, ما ضربها أحد أو هاجمها أحد. وإن هجوم الغرب علينا وعلى ديننا دليل على صحوتنا. ففي مقال نشرته صحيفة (ذا بوليتان) يوم الجمعة 15-5-2009 حذر الكاتب الأميركي هيرب دنينبيرج مما أسماه بـ”الغزو الإسلامي” لأوروبا قائلاً «إن هدف المسلمين حالياً ربما يقتصر على النيل من إسرائيل، ولكن هدفهم الأساسي يتمثل في السيطرة على أوروبا», وأضاف أنه إذا كانت أوروبا في الظاهر تعتبر “قارة غربية مسيحية” إلا أنها قريباً ستكون خاضعة للسيطرة الإسلامية، معتبراً أن «انهيار أوروبا المسيحية يمضي بخطى متسارعة”, وأن انحسار الثقافة الأوروبية يعود إلى “تراجع الإيمان بالقيم الغربية، في الوقت الذي يستميت فيه آخرون (في إشارة إلى المسلمين) في سبيل إعلاء قيمهم وثقافتهم», وحذر دنينبيرج من أن «الهيمنة الإسلامية سوف تغزو الولايات المتحدة بعد أوروبا باعتبارها الهدف النهائي للمسلمين». وهذا ما أكدته مقررات مؤتمر عقد مؤخراً في الغرب حضره مفكرو الغرب وسياسيوه, الذين باتوا مقتنعين أكثر من أي وقت مضى أن الإسلام قادم قادم, لذلك أعلنوا في مؤتمرهم متسائلين: إن الإسلام قادم إلى الغرب فماذا نحن فاعلون؟! أما بات بوكانان, وهو جمهوري أميركي محافظ فيقول: “الحقيقة هي أن ثبات الإسلام وقدرة الاحتمال لديه شيء مبهر حقاً. فقد تمكن الإسلام من البقاء رغم قرنين من الهزائم والإذلال… لقد تحمل الإسلام أجيالاً تعاقبت على الحكم, واقتبست النمط الغربي، برغم ذلك صمد الإسلام أمام الملوك والحكام التابعين للغرب، بل وتصدى الإسلام بسهولة للشيوعية … وبرهن على قدرته على التحمل أكثر من الوطنيات التي سادت في العالم العربي. وما نراه الآن هو أن الإسلام يقاوم الولايات المتحدة آخر قوة عالمية كبرى… وطالما تمكنت فكرة الحكم الإسلامي من السيطرة على الشعوب الإسلامية، فلن يتسنى آنذاك لأضخم جيوش الأرض الحيلولة دون ذلك”. إن كلام بوكانان يؤكد الحقيقة التي قالها الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون: “نحن نؤخر خروج المارد الإسلامي من القمقم.”
نعم… سياسيو الغرب يدركون أكثر من غيرهم خطر الإسلام عليهم وعلى مبدئهم, فهم يعيشون لمنعه من الانبعاث من جديد في دولته, وتصريحاتهم التي تدل على هذا أكثر من أن تحصى في هذا المقام, فكم مرة صرح بوش الابن أنه لن يسمح “بقيام الخلافة الإسلامية”؟, وكم مرة أعلن بلير أن “مشكلتنا” هي “مع العاملين لإعادة الخلافة”؟ ولكن… هل يصح أن يعرف أعداء الإسلام عن قوته وخطره عليهم أكثر منا, نحن أبناء المسلمين؟ وإلى متى يظن البعض منا أن الأمة غير قادرة على النهوض مرة أخرى لتقتعد مكانتها الطبيعية بين الأمم, وهي مقام الريادة والقيادة؟ متى يدرك أبناء الأمة أن دينهم ينتصر كل يوم, وأن أسهم الأمة الإسلامية في صراعها مع أعدائها في ارتفاع, وأن الغرب الرأسمالي في انحدار وانحسار؟ ومتى لا يتلفت بعض أبناء الأمة إلى الأقلام العلمانية المأجورة التي تشكك في مبدأ الإسلام, وعودة الأمة إلى سابق مجدها؟ متى يدرك أبناء الأمة أن أميركا نمر من ورق؟ ألا يرون ما يحصل لها وحلفاءها في العراق وأفغانستان, على أيدي مجموعات ولا أقول دول؟ هل أدرك هؤلاء أن لا سبيل لأميركا علينا إذا ما قامت دولة المسلمين الجامعة الواحدة؟ ألا يرون كيف تعاني الرأسمالية اليوم من جراء أفكارها الفاسدة, وكيف تترنح ؟ ألا يرون كيف أن كثيراً من رجال ونساء الغرب اعتنقوا الإسلام على الرغم من حملات التشويه الرسمية والمبرمجة هناك؟ ألا يرون انحسار كل الأفكار التي كانت رائجة في بلاد المسلمين لصالح فكر الإسلام الصحيح؟ ألا يرون تقدم المد الإسلامي, في العالم كله, من خلال عودة الناس إلى الوعي على الإسلام, ومن خلال عمل من يقود الأمة نحو وحدتها, وتحكيم نظم إسلامها في خلافتها؟ ألا يتفكرون في ما تعلنه الأوساط السياسية والاستخبارية في الغرب من أن ما يحصل الآن من حراك سياسي في العالم الإسلامي, على أيدي أبنائها المخلصين, سيقود خلال سنين إلى دولة تجمع شمل المسلمين, وأن هذا أصبح واقعاً لا يمكن إيقافه؟ ألا يرون كيف يتعرض الإسلام والمسلمين للملاحقة في الشرق والغرب؟ وكيف يستهدفون حتى يجبنوا ويتراجعوا عن نصرة دينهم, ومع ذلك يرفعون لواء التحدي؟
إننا كأمة إسلامية لن نبقى مزرعة للدول الاستعمارية, ولن نبقى ممزقين إلى بضع وخمسين دويلة كرتونية, ولن نقبل أن تطبق علينا أنظمة الكفر والضلالة التي يسمونها القيم الغربية, فنحن قادرون على تجسيد هذا الرفض, وهذا التحدي, وإبرازه إلى حيز الوجود من خلال إحداث الانقلاب المطلوب على أوضاعنا, لنقود العالم مرة أخرى قيادة لا تقوم على استغلال الشعوب, ومص دمائها, بل قيادة تقود العالم إلى الهدى, وإلى مساواته بأنفسنا حين يحمل عقيدتنا وقيمنا, فقيادة العالم رسالة اختار الله الأمة الإسلامية وحدها بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لحملها للناس, وهو القائل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) [آل عمران 110].
إن الأمة اليوم قادرة على إقامة المنهاج الإسلامي من جديد, واستئناف حياتها الإسلامية في دولتها, وقادرة على حمل الدعوة إلى العالم وذلك من خلال الأمور التالية:
1- إنه لا يوجد في البلاد الإسلامية اليوم نظام يحمل له المسلمون الولاء, فالحكام في واد والناس في واد آخر.
2- لقد ثبت فشل كل الأنظمة التي طبقت علينا من اشتراكية، وقومية, وبعثية، وملكية، وجمهورية، وعلمانية, وفشلت الأنظمة البوليسية, والأنظمة الليبرالية الغربية, وأدرك المسلمون أن لا خلاص لهم إلا بنظام الإسلام ودولة الإسلام.
3- إن المسلمين يتحركون من أجل إعادة النظام الإسلامي, وغالبية المسلمين الساحقة يريدون الخلافة, ولا يمنع إقامتها إلا وقوف الأنظمة المأجورة القمعية ومن لف لفها من علماء السلاطين في طريقها خدمة للغرب.
4- إن المسلمين مستعدون للتضحية في سبيل دينهم. ظهر هذا جلياً في مناسبات كثيرة, ما يبشر أنهم قادرون على إحداث التغيير والدفاع عنه. وما تحرك الأمة أثناء حرب غزة وفي موضوع الصور المسيئة للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم), وما يحصل على أيدي المجاهدين في العراق وأفغانستان إلا أمارات على قوة كبيرة كامنة في الأمة ستظهر عما قريب ظهوراً جلياً مزلزلاً في دولة كونية كبرى للمسلمين تقود البشرية لما فيه خيرها.
5- إنه بعد أن أدرك الغرب أن العاملين للتغيير يسيرون بالأمة نحو عزتها, وبعد أن أدرك أنهم مصممون على إرجاع وحدتهم السياسية المتمثلة في الخلافة, وأنه لا يستطيع إيقافهم, بدأ بالالتفاف على عملهم من خلال صناعة دين جديد روج له في بلاد المسلمين أسماه (الإسلام المعتدل) ليقف للأمة بالمرصاد, لكن مكره أصبح مكشوفاً للكثير.
إن الأمة الإسلامية يجب أن تعلم أن مصيرها بيدها وأنها يجب أن تعمل باتجاه وحدتها بإقامة دولتها وأن ذلك أصبح قريباً بإذن الله, وهذه حقيقة راسخة يعلمها العدو قبل الصديق, ولا ينكرها إلا مكابر.
لتعلم الأمة أنها تمرض ولكن لا تموت, وتضعف ولكن لا تنتهي ولا تنهزم وذلك بسبب قوة الإسلام وحيويته… والمسلمون اليوم في مشارق الأرض ومغاربها بدؤوا بالاستيقاظ الحقيقي من غفلتهم وسباتهم العميق, وأخذوا بالتململ والتحرك الرشيد, والإسلام قادم إن شاء الله ليسود مرة أخرى حتى ينقذ البشرية مما هي فيه من شقاء وظلم. والمسألة مسألة وقت حتى يحصل هذا, وهو وإن لم يحصل اليوم ففي الغد إن شاء الله وإن غداً لناظره قريب…، فالله تعالى يقول: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور 55].
دكتور حازم بدر- فلسطين
2010-02-20