العدد 191 -

السنة السابعة عشرة – ذو الحجة 1423هـ – شباط 2003م

مفهوم مضلِّل «لا مؤامرة بل مصالح»

مفهوم مضلِّل

«لا مؤامرة بل مصالح»

 

         من المضللين من ينكر وجود ما يسمى بنظرية المؤامرة، أي تآمر دول الكفر على الإسلام وأهله، ويقولون إن هذه الدول إنما تسيرها المصالح، وقبل البحث في معنى المؤامرة ووجودها أو عدمه، يكفي أن نطرح سؤالاً هو: أليس من مصلحة الكفر ودوله القضاء على الإسلام حتى يردوا المسلمين عن دينهم إن استطاعوا فيؤمن المسلمون بفصل الدين عن حياتهم على الأقل، إن لم ينبذوه وراء ظهورهم ويؤمنوا بديموقراطية الكفار؟ إن الكفار لا يكتفون بالتفريق واقتطاع أراضي المسلمين ونهب ثرواتهم، نعم إنهم لا يكتفون بهذا النوع من مصالحهم بل يتعدون ذلك إلى المصلحة الأساسية لهم وهي إبعاد المسلمين عن دينهم بالكلية أو بفصله عن حياتهم. ألا ترون ما تنفقه أميركا على عملائها لنشر الديموقراطية بإلغاء سيادة الشرع وإعطاء البشر حق تشريع القوانين في بلاد المسلمين؟ ألا ترون ما تشترطه أوروبا على تركيا لضمها إلى الاتحاد الأوروبي؟

         هذا الواقع ظاهر للعيان لكنهم يخفون الغرض منه وهو تحويل المسلمين عن دينهم، فلا يصرحون بهذا الغرض، ولا نسمع منهم قولهم: إننا نريد القضاء على الإسلام، بل ربما سمعنا من رؤوسهم مدحاً للإسلام وحضارته، إمعاناً في الكيد والمكر والخديعة، ومن فضل الله أن مكرهم في هذه الأيام أصبح ظاهراً لكثير من المسلمين، وإن بقي فينا من يدعو إلى الديموقراطية الكافرة، أو الديموقراطية المغطاة زوراً بثوب الإسلام، وإن بقي فينا من ينطلي عليه هذا المكر والكيد الخفي، لأن المكر هو الكيد الخفي.

         أما نحن فالكيد والخديعة محصورة في الحرب لأن الحرب خدعة، أما في غير الحرب فإننا واضحون وضوح الشمس ولا نمكر ولا نكيد ولا نخادع في خطابنا لهم، بل نصرح بأنهم كفار وأننا ندعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو السيف، وحتى في جدالنا لهم المأمورين به فإننا نصرح بأنهم على الباطل وأننا على الحق، ونحن نقصد من جدالنا لهم تحويلهم عن دينهم إلى الدين الحق، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، قال المعقيلي في الواضح: “الغرض بالجدل من المنصف نقل المخالف من الباطل إلى الحق ومن الخطأ إلى الإصابة” وقال: “اعلم أن سؤال الجدل هو الذي يقصد به نقل الخصم عن مذهبه بطريق المحاجّة” وقال الشوكاني في الإرشاد: “المقصود من الجدل تضييق الأمر على الخصم” وقال السلمي في القواعد الصغرى: “لا يحوز الجدل والمناظرة إلا لإظهار الحق ونصرته ليعرف ويعمل به فمن جادل لذلك فقد أطاع وأصاب ومن جادل لغرض آخر فقد عصى وخاب”.

         أما المؤامرة فتعني المشاورة وأمر المتشاورين بعضهم بعضاً، قال الزجاج: “معنى قوله يأتمرون بك يأمر بعضهم بعضاً بقتلك” وقال أبو عبيده: “يتشاورون” وقال ابن قتيبة: “يهمّون بك”، والائتمار أو المؤامرة تكون بالخير أو المعروف، وهذا ما هو مطلوب شرعاً، وقد تكون بالشر، وهي كالمكر يكون بالخير ويكون بالشر (ويمكرون ويمكر الله) [الأنفال/30]. وعليه فإن الأصل في المسلمين بل في الناس جميعاً لأنهم مخاطبون بالشرع أن يأتمروا بالمعروف، ولكن الكفار لا يعرفون المعروف حتى يأتمروا به، ولا يعرفون إلا الشر، وحتى ما يظهر منهم أنه ائتمار بالمعروف فإنه مسخر لخدمة الشر.

         والمقصود بنظرية المؤامرة في اصطلاحهم اليوم الائتمار بالشر، فهل هناك تآمر من دول الكفر على الإسلام وأهله؟ هل يأمر بعضهم بعضاً بإيقاع الضر بالإسلام وأهله؟ هل يأمر بعضهم بعضاً بالشر؟ هل يتشاورون في كيفية القضاء على الإسلام وحضارته؟ هل يتشاورون ويأتمرون في كيفية نهب خيرات المسلمين وهدم أي كيان مخلص لهم؟ هل يتآمرون على النساء المسلمات؟ هل يتآمرون ويتشاورون على تفريقنا ودوام نزع أسلحتنا؟ إن كان كذلك فالتآمر موجود والمؤامرة دائمة.

         فإن قيل إن التآمر لا يكون إلا خفية من وراء الكواليس وما يجري ليس خافياً فلا مؤامرة، قيل إن التآمر بمعناه اللغوي أي التشاور وأمر الكفار بعضهم بعضاً لا يشترط فيه الخفية لغة، فقد يتشاورون علناً وخفية ويأمر بعضهم علناً وخفية، فإن كانت المؤامرة خفية كالكيد والمكر، فإنها ثابتة أيضاً، فقد تآمر الإنجليز مع يهود الدونمة على هدم الخلافة وكان ذلك خافياً، وتآمرت بريطانيا على تسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين، وتآمرت بريطانيا على تقسيم الهند باسم استقلال الباكستان، وتآمرت على تقسيم قبرص، وتآمرت على تسليم الضفة الغربية، وتآمرت على فك الوحدة بين مصر وسورية، وتآمرت على فصل بنغلادش عن الباكستان، وتآمرت في إقامة مملكة آل سعود والقضاء على ابن رشيد، وتآمرت في فصل السودان عن مصر، وتآمرت في تسليم الجولان، وتآمرت في أوسلو ووادي عربة، ولا زالت تتآمر وتكيد ولكن كيدها اليوم ضعيف. أما أميركا فقد تآمرت مع الضباط الأحرار أو من سموا بهذا الاسم لطرد النفوذ الإنجليزي من مصر لتحلَّ هي محلّها، ولا زال هذا خافياً على كثير من الناس، وتآمرت على قتل الملك فيصل العميل الإنجليزي، وتآمرت مع حافظ أسد ضد عملاء الإنجليز، وتآمرت في حرب رمضان لجر مصر إلى الاعتراف بإسرائيل، وتآمرت لفصل تيمور الشرقية، كل هذا كان تآمراً وكيداً خفياً، أما اليوم فإنها تتآمر علناً دون مواربة كما فعلت في الأفغان، وكنزولها في كثير من بلاد المسلمين وإنشاء قواعد لها جهاراً نهاراً، وتصريح رئيسها بأنه يقود حرباً صليبية ضد الإرهاب، وهي تتشاور وتساوم وتأمر سراً وجهراً في الجمع لهذه الحملة، وهي إن كانت تخفي شيئاً فإنها تخفي أن حربها ضد الإسلام، أما ما عدا هذا فإن تآمرها مكشوف لا تخفيه. أما تآمر دول الكفر على مسلمي يوغوسلافيا فمحفور في الذاكرة لا أظن أن مسلماً ينساه.

         فالمؤامرات تكون سرية، وهي غالباً ما تكون كذلك، وبعض هذه المؤامرات تبقى طي الكتمان لا تكشف ولا يسمح بنشرها إلا بعد عقود من الزمن وإنكارها نوع من التضليل والمغالطة .

ع.ع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *