العدد 191 -

السنة السابعة عشرة – ذو الحجة 1423هـ – شباط 2003م

الإرهاب الدولي .. ودول الإرهاب

الإرهاب الدولي .. ودول الإرهاب

لم تكن السيادة الآن في العالم للمبدأ الرأسمالي، إلا لغياب المبدأ الإسلامي عن العمل والتطبيق في واقع الحياة حيث لا سلطان له ولا دولة تطبقه. ولم تتزعم أميركا قيادة هذا المبدأ إلا بعد تسخيرها لحفائها من دول هذا المبدأ، وزجهم في أتون حرب ضروس أتت على ما لديهم من الأخضر واليابس، فأنقذتهم من بين حطام مخلفات الحرب ووضعتهم تحت حماية مظلة ترسانتها وأحلافها، وتمادت في غطرستها وجبروتها بتوليها أدوات التشريع وأدوات التنفيذ عالمياً.

         وقد أدت بها الغطرسة والشراسة التي لا حد لها لأن تتحلل من القيم والمثل، وأن تنفلت من الضوابط والروادع، وقامت بعملية مسح لهذه المعمورة،فرأت أنها جديرة بتولي إدارة هذه المزرعة، والاستئثار بما فيها من خيرات وثمرات، ولا بأس من أن يكون الناس كل الناس – إلا حفنةً من رجال المال في أميركا – لا بأس أن يكونوا عبيداً في هذه المزرعة، بل لا بد أن يكون هناك أصناف يداسون بالأقدام لا وزن لهم ولا قيمة، لأنها تحتكر امتلاك القوة والآلة التي تفرض بها هذه الهيمنة وهذا التسلط والتجبر والبلطجة.

         ترى ما الذي أوصلها إلى هذا الحال؟ وما الذي دفع بها لأن تصول وتجول، وتسوق الناس معها لتحقيق ما تريد؟ إنه طبيعة المبدأ الرأسمالي الذي جعل إطلاق الحريات أرضية لممارسة السلوك عند الناس، كما جعل النفعية هي مقياس للأعمال.

         من طبيعة بني الإنسان أن يكون لديهم أحاسيس تدفعهم إلى العمل للتخلص مما أحسوا به من ظلم أو تسلط، ومن طبيعة بني البشر أن يكون بينهم أناس يرون من واجبهم رفع الظلم عن المظلومين، ومنهم من يتطلعون لنهضة أمتهم وسيادة مبدئهم، كل هؤلاء يقومون بتكتلات ويقومون بتحركات إما فكرية وإما مادية، ليتحرروا من الظلم، ويقوِّموا المعوج، ويعيدوا الناس إلى الصراط المستقيم. هذه الأصناف من الناس صاروا يسمون أصوليين إرهابيين، متطرفين.

         لقد جرت مناقشات عديدة واجتماعات ولقاءات لوضع تعريف محدد للإرهاب فلم يتوصل إلى نتيجة، ومع هذا فإنهم وضعوا حركات أو تنظيمات كثيرة في قائمة الإرهاب بصورة مزاجية فقط، وهذه في معظمها حركات إسلامية. كما جرت محاولات سابقة داخل منظمة الأمم المتحدة لتعريف الإرهاب، ولتحديد التدابير المناسبة لمقاومته، بيد أن أولى الصعوبات التي واجهت المنظمة الدولية هي تقديم تعريف موحد موضوعي للإرهاب. وأمام تزايد موجة الإرهاب والعنف الرسمي، وخطورة النتائج الناجمة عنها، دفعت بالأمين العام للأمم المتحدة (كورت فالدهاريم) في 18/09/1972م إلى تقديم تقرير حول الموضوع، مشيراً إلى أن (قضية الإرهاب صعبة الحل لأنها قضية شديدة التعقيد) ثم تابع التقرير: (ومن الواضح أنه لا يستحسن البحث عن هذه الظاهرة المعقدة من دون أن نأخذ بالاعتبار الخلفيات المسببة للإرهاب والعنف في أنحاء عديدة من دول العالم) وقد حمل الأمين العام الدول الكبرى القسط الأكبر من مسؤولية ظاهرة الإرهاب نفسها لأسباب منها:

         1 –  ممارسة حق النقص في مجلس الأمن الدولي، وتهاون الدول الكبرى عن القيام بواجباتها التي نص عليها ميثاق الأمم المتحة.

         2 –  تواطؤ الدول الكبرى وتحيزها أدّيا إلى فشل المنظمة الدولية في تحقيق التعاون الدولي وحل المشاكل.

         3 –  اغتصاب الشعوب المستضعفة، ألحق بها ظلماً وحرماناً أخفقت الأمم المتحدة في التعويض عنها.

         وأكد الأمين العام فالدهايم أمرين أساسيين:

         الأول هو: أنه إذا كانت هناك أعمال إرهابية تستحق العقاب، فإن هناك أعمالاً أخرى ترتبط بقضايا سياسية واجتماعية نابعة من المظالم التي تعاني منها بعض الشعوب المقهورة.

         الأمر الثاني هو: أنه إذا كان لا بد من القضاء على الإرهاب فإنه يتحتم التعرف على مسبباته أولاً.

         ثم قررت الجمعية العامة تعيين لجنة خاصة بالإرهاب الدولي تضم (35) دولة، وقد تقدمت الدول الأعضاء في المنظمة الدولية ب (ملاحظات حول الإرهاب) إلى اللجنة الخاصة المذكورة تناولت بعضها الإرهاب الدولي وبعضها الآخر الإرهاب الرسمي. ولكن مناقشات اللجنة التي دارت ما بين 23 تموز و11 آب 1973م تكشفت عن خلافات عميقة بين أعضاء اللجنة تمحورت حول الإرهاب الرسمي والأسباب الخلفية للإرهاب، وحول الإجراءات المناسبة لمكافحة الإرهاب، وفي ختام أعمالها رفعت اللجنة تقريراً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يعكس الخلافات. وقد تضمن التقرير توصيات إلى الدول الأعضاء بأن تأخذ كل دولة: (الإجراءات المناسبة على الصعيد الوطني من أجل إزالة المشكلة بصورة سريعة ونهائية).

         وفي سنة 1977م ما بين 14 و25 آذار عادت اللجنة الخاصة إلى مزاولة أعمالها المتعلقة بمشكلة الإرهاب. وكالسابق جاء تقرير اللجنة ليعكس الخلافات نفسها المتعلقة بمكافحة الإرهاب.

         ثم إن الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت بالقرار رقم (7XX 2625) أن الدوافع الإنسانية لا تبرر حكماً التدخّلات التي تستخدم القوة.

         وقد أدانت محكمة العدل الدولية العملية العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة ضد إيران لتخليص الرهائن الأميركيين المحتجزين في السفارة الأميركية في طهران. وكان هذا التدخل الأميركي قد جرى أثناء وضع المحكمة يدها على القضية، فقابلتها أميركا بهذه اللامبالاة. ولا ننسى أن أميركا فقدت جميع العوامل الإنسانية التي كثيراً ما تتذرع بها للتدخل عندما قصفت مدمرتها الطائرة المدنية الإيرانية وأسقطتها في مياه الخليج في 3 تموز 1988م راح ضحيتها أكثر من ثلاثمائة من المدنيين.

         إن العنف والإرهاب والتدخل العسكري وانتهاك حقوق الإنسان لا نراه يحصل إلا من الدول الكبيرة القوية على الدول الضعيفة. لقد قال طوني بلير رئيس وزراء بريطانيا عندما ثارت احتجاجات في مجلس العموم حول غارات مكثفة على العراق شنتها الطائرات الأميركية والبريطانية من قاعدة (إنجرلك) التركية قال: (إن هذا من إجراءات الدفاع عن النفس) فكأن الطائرات العراقية قامت بقصف مواقع مدنية في لندن وواشنطن فقامت هاتان الدولتان بعمليات الدفاع عن النفس!! هذا هو منطق القوة وهذه هي شريعة الغاب.

         كذلك قال بوش العبارة نفسها وهو يقصف أفغانستان بقنابل ثقيلة.

         وقامت (إسرائيل) بغزو لبنان مرتين بجيوش جرارة فما سمعنا أحداً قال إن هذا إرهاب، وقامت بمذبحة قانا التي قتل فيها أكثر من ماية من المدنيين ولم يقل أحد إن هذا إرهاب، وهذه مجزرة صبرا وشاتيلا عندما دخلت الكتائب وبتسهيل من شارون ولم يقل أحد إن هذا إرهاب. وقد عرضت الصورة التي تقشعر لها الأبدان للأشلاء والقتلى وقتل الأطفال وبقر البطون من أجل أن يتلذذ برؤيتها ذوو القلوب المتحجرة ومن أجل التشفي والحقد. ثم ما جرى ويجري حالياً في فلسطين من مجازر رهيبة كما حدث في مخيم جنين ونابلس القديمة والخليل وغيرها كل ذلك لم تطلق عليه أميركا إرهاباً بل اعتبرته دفاعاً عن النفس أو في أقصى القول إنه دفاع عن النفس مع تجاوز قليل!

         في الحقيقة لا يوجد ما يسمى إرهاب دولي، ولكن يوجد دول إرهابية وعلى رأس دول الإرهاب أميركا.

         أميركا اعتقلت رئيس دولة بنما (نوريكا) وأخذته إلى أميركا وحاكمته في محاكمها وسجنته هناك وهو رئيس دولة من دول المنظومة الدولية!!

         أميركا قاتلت فيتنام خمس عشرة سنة وقد كانت حصيلة تلك الحرب 58 ألف جندي أميركي لماذا؟

         أميركا دخلت جزيرة كرينادا بجيوشها لماذا؟

         أميركا قصفت ليبيا بالقنابل في موقفين لماذا؟

         بريطانيا وفرنسا قامت بضرب الأرجنتين في جزر الفوكلاند لماذا؟

         وها هي أميركا ضربت أفغانستان بالقنابل وأدخلت إليها قواتها لماذا؟

         وهي تستمر بالعدوان على العراق فيما يسمى مناطق الحظر وتهدد وتتوعد وتحشد الجيوش لحرب مدمرة على العراق.

         أليس كل هذا إرهاباً؟ وإلاّ ما هو الإرهاب؟ ومن الذي يمارس الإرهاب؟

         لقد ضربت أميركا ملجأ العامرية في بغداد الذي قتل فيه أكثر من ثلاثماية معظمهم من الأطفال ولم يقل عنه أحد إن هذا إرهاب.

         ضربت أميركا هوريشيما ونيازاكي بالقنابل النووية وأبادت أكثر من مايتي ألف من البشر ولم يقل أحد إن هذا إرهاب.

         دخلت العراق الكويت وضمتها إليها باعتبارها ولاية من ولاياتها، فأشعلت أميركا حرباً من أجل ذلك جمعت لها أكثر من ثلاثين دولة، واعتبرت عمل العراق عدواناً صارخاً وانتهاكاً للشرعة الدولية.

         ولكنها أمضت خمسة عشر عاماً وهي تضرب فيتنام بالصواريخ حتى دمرتها ولم يقل أحد إن هذا إرهاب.

         قامت بغزو كوبا في خليج الخنازير ولم يقل أحد إن هذا إرهاب.

         قامت بغزو جزيرة جرينادا ولم يقل أحد إن هذا إرهاب.

         إنها ضربت في أفغانستان بشراسة ودمرت بلا رحمة وتقول: إن هذا دفاع عن النفس.

         ألم تروا كيف تفعل أميركا بالمسلمين الذين تأخذهم إلى قاعدة كوانتنامو في كوبا ولم تعترف بأنهم أسرى حرب وهم مكبلون في أيديهم وأرجلهم معصوبة عيونهم في أقفاص حديدية؟

         قالت أميركا من لم يكن معنا فهو مع الإرهاب، فهرعت الدول جميعاً بما فيها الأنظمة العربية والأنظمة الإسلامية تقف بجانب أميركا ضد الإرهاب. ولكن أي إرهاب هذا؟

         هذا الإرهاب الذي تعنيه أميركا هو الإسلام، لأن بوش قال: إنها حرب صليبية، أفلم يأنِ للمسلمين في جميع أصقاع الأرض أن يحددوا عدوهم؟

         ألم يأنِ لهم أن يدركوا حساً ولمساً وواقعاً أن عدوهم يمعن فيهم قتلاً وذبحاً وتشريداً وتجويعاً، وأنه يجمع قوى العالم ويحشد التحالفات لينكل بهم.

         ألم يأنِ للمسلمين أن يكفوا عن تصنيف الدول: الدول الشقيقة، والدول الصديقة؟

         ألم يأنِ للمسلمين أن يدركوا أن هيئة الأمم ومجلس الأمن الدولي هي أدوات تضفي بقراراتها مشروعية الضرب والتنكيل والتقتيل والتشريد الذي تنزله أميركا و(إسرائيل) وغيرهما بالمسلمين؟

         ألم يأنِ للمسلمين أن يدركوا ضرورة وجود الدولة الإسلامية دولة الخلافة للبدء بالعمل وتحديد العمل وتحديد العدو؟

         ألم يأنِ للمسلمين إعلان المفاصلة بين مجتمع الكفر ومجتمع الإسلام؟

         ألم يأنِ للمسلمين أن يحددوا محل الجهاد مكاناً وزماناً وأن يعلنوها كما أعلنها بوش حرباً صليبية؟ ولكن لنشر الإسلام والجهاد في سبيل الله.

         لماذا يناط تحقيق السلام والأمن الدوليين بمجلس الأمن، ومجلس الأمن هذا هو الشرطي الذي يتألف من الدول دائمة العضوية وصاحبة النقض وهذه الدول كلها عدوة للإسلام وللأمة الإسلامية؟

         ولماذا يوافق المسلمون على هذه الإجراءات وهي في حقيقتها ضدهم؟

         ألم يأنِ للمسلمين أن يلتزموا بالآية الكريمة ويجعلوها موضع العمل وهي قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال/60]؟

         إن ما يسمى بقوة الردع أو سلاح الردع، وهو السلاح النووي، هو في حقيقته قوة الإرهاب المذكورة في الآية الكريمة. فالقوة بيدهم يسمونها قوة ردع، ولكنها وهي بيد المسلمين تسمى قوة الإرهاب.

         إن ما يوجد حقيقة ليس إرهاباً دولياً وإنما الموجود هو دول إرهابية وهي التي تمارس الإرهاب فعلاً. وعلى رأس هذه الدول أميركا، لأنها تتصدر الساحة الدولية، وتريد أن تزيل من أمامها كل ما يؤثر على بسط نفوذها وهيمنتها، والأولوية عندها هي الحرب على الإسلام والعمل الإسلامي.

         فهل يدرك المسلمون هذا الأمر؟

         وهل يعي ذوو العقول الرشيدة هذه الحقيقة؟

         (إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين) .

فتحي سليم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *