العدد 189 -

السنة السابعة عشرة – شوال 1423هـ – كانون الأول 2002م

كيف تعرف أمفتون أنت أم لا

كيف تعرف أمفتون أنت أم لا

أخرج الحاكم فـي المستدرك حديثاً موقوفاً على حذيفة رضي الله عنه قال: إذا أحب أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا فلينظر فإن كان رأى حلالاً كان يراه حراماً فقد أصابته الفتنة، وإن كان رأى حراماً كان يراه حلالاً فقد أصابته. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

ـــــــــــــــــــــ

         هذا مقياس ذو شقين: أن ترى الحرام حلالاً وأن ترى الحلال حراماً. أما الشق الأول وهو أن ترى ما كان حراماً حلالاً أي أن تستحل الحرام، فإنه يعني أن تستحله دون دليل ودون اجتهاد، أما أن يتغير اجتهادك إن كنت من أهله، أو أن يتغير اجتهاد من تقلده فلا شيء فيه كأن تكون شافعياً تحرم شعر الخنـزير وجلده ثم تستحلها بناءً على اجتهاد أو تقليد صحيح لا مدخل فيه للهوى فليس هذا بفتنة، فالسلامة من الإصابة بالفتنة تقتضي الاجتهاد أي أهلية الاجتهاد، وأن يكون الاجتهاد تاماً أو تقتضي تقليداً صحيحاً والذين تصيبهم الفتنة إما أن يكونوا غير مؤهلين للاجتهاد ويظنون أنهم مجتهدون، أو أن يكونوا مؤهلين ولا يجتهدون اجتهاداً تاماً أو أن يكونوا مقلدين لا يعرفون شروط التقليد المجزئ.

         ومن الذين أصابتهم الفتنة فـي زماننا حسب الشق الأول من المقياس وهم الذين كانوا يرون بعض الأمور حراماً ثم استحلوها دون اجتهاد تام ولا تقليد مجزئ، الألوف الذين كانوا يرون الاعتراف (بإسرائيل) والصلح معها حراماً، وكانوا يقتلون على مجرد الاتصال بأحد من رعيتها ويسجنون من تعامل ولو بالتجارة، وكانوا يقولون لا صلح ولا اعتراف ولا مفاوضات ولا بد من تحرير كامل التراب الفلسطيني كل هذا كان عندهم حراماً ثم صار حلالاً، بل صار استراتيجية.

         ومنهم من كان يرى بيع لحم الخنـزير حراماً ثم أباحه للحاجة الخاصة لا العامة. وأنزل الحاجة الخاصة منـزلة الضرورة لقصاب فـي ألمانيا.

         ومنهم من كان يرى خروج المرأة المسلمة دون خمار حراماً ثم أباح لها الخروج كاشفة الرأس بعد الحادي عشر من أيلول فـي أميركا مع أنها تجب عليها الهجرة للفتنة، أي أنها يجب أن تهاجر من أميركا لأنها مفتونة فـي دينها، وما دامت تستطيع الهجرة فلا ضرورة ولا حاجة ونعني بالهجرة الانتقال إلى أي بلد لا تفتن فيه إلى أن توجد دار الإسلام فتهاجر إليها وفق أحكام الهجرة.

         ومنهم من كان يرى الانتماء للأحزاب الكافرة حراماً ثم صارت عنده من الطائفة الظاهرة لا مجرد حلال. ومنهم من كانت العصبية عنده حراماً فصارت الرابطة القومية والوطنية عنده حلالاً.

         ومنهم من كانت الفرقة عنده حراماً فصارت الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي التي تحافظ على انفصال كل بلد، صارت حلالاً.

         ومنهم من كان قتال المسلم لأخيه المسلم عنده حراماً فأباح للمسلم الملتحق بالجيش الأميركي أن يقتل أخاه المسلم فـي كابل وقندهار ومزار الشريف وللمتحالف مع أميركا أن يقتل العراقيين.

         ومنهم من كان يرى الاحتكام إلى الطاغوت حراماً ثم استحل الاحتكام لقرارات مجلس الأمن ومحكمة لاهاي ومحكمة الجرائم الدولية.

         ومنهم من كان يرى الملكية والجمهورية أنظمة كفر فصارت عنده حلالاً بل دولاً إسلامية.

         ومنهم من كان يرى دخول الوزارة فـي الأنظمة الرأسمالية حراماً فاستحلها ودخل الوزارة.

         ومنهم من كان يرى خذلان المسلم وعدم نصرته حراماً ثم أعلن الحياد عندما هاجم الكفار المسلمين فـي العراق، فهو آثم لأنه قادر على النصرة فكيف يقعد ويعلن الحياد.

         نكتفي بهذه الأمثلة على الشق الأول من المقياس ثم ننتقل إلى الشق الثاني وهو أن يرى الحلال حراماً، وهو قليل بالمقارنة مع الشق الأول:

         فمنهم من كانت الجزية عنده فرضاً أي من الحلال ثم صار يدعو إلى إلغاء الجزية ومنعها، ويزعم أنها لا لزوم لها، ولم أسمع من صرح بتحريمها ولكن يفهم من كلامهم أنها لم تعد تصلح لهذا الزمان.

         ومنهم من كانت لغة الدولة عنده هي اللغة العربية، ثم ترك ذلك واتخذ التركية أو الفارسية لغةً لدولته ومنهم من اتخذ الإنجليزية أو الفرنسية أو الروسية ومنع العربية من أن تكون لغة الدولة.

         ومنهم من كان يعتبر الناس شركاء فـي الملكيات العامة كالماء والبترول، فصارت هذه الملكيات خاصة لشعب أو جزء من شعب كماء الفرات وبترول إيران وغاز الجزائر فحرموا هذه الملكيات على غيرهم من المسلمين ولما كانت النصيحة للمسلمين فرضاً فإننا ننصح المسلمين بتغيير مفاهيمهم المغلوطة والرجوع إلى الصواب حتى لا تصيبهم الفتنة، وهذه النصيحة لا تشمل أولي الأمر فـي بلاد المسلمين ولا أعوانهم لأننا أمرنا باعتزالهم لأنهم دعاة فرقة، دعاة على أبواب جهنم، ونسأل الله أن يفرق بيننا وبينهم فـي الدنيا والآخرة إلا من تاب منهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *