العدد 187 -

السنة السادسة عشرة – شعبان 1423هـ – تشرين الأول 2002م

إلى متى يُنتصر على المسلمين بأيدي المسلمين؟!

إلى متى يُنتصر على المسلمين بأيدي المسلمين؟!

لم يمر على البشرية على مدار التاريخ من مآسي وأهوال وخيانات مثل ما مر عليها خلال القرن الماضي وما زال يحدث. هذه الحقبة تستحق أن يطلق عليها حقبة الشر حيث سيطر الغرب الكافر وقيادته سيطرة كاملة على المنطقة. ففي هذه الحقبة ظهر الفساد واستشرى الظلم على كافة الأصعدة والمستويات إلا من رحم ربي. تتميز هذه الحقبة بسيطرة النظام الرأسمالي على العالم ومقدراته, وسحقه لكل حركة أو دولة تحاول الانفلات من طاحونة هذا النظام الفاسد. ولكن قبل الدخول في صلب الموضوع لنعد الى الوراء لنستعرض بعض الحقائق التاريخية التي ستكون أساسا نعتمد عليه في بحثنا هذا. فمنذ ظهور الإسلام على وجه البسيطة، وبداية الاحتكاك مع بني الأصفر (الروم) الذي استفتح بمعركة مؤتة حيث برزت خصال الجندي والمقاتل المسلم من قوة وشجاعة وصبر عند اللقاء، أدرك بنو الأصفر حينئذ قوة هذه الأمة الفتية التي لم يألفوها من قبل مع أعدائهم الأشداء مثل الفرس وغيرهم من الأمم. ومن الناحية الأخرى فقد أدرك الجندي المسلم نوعية الجندي الروماني واستحقره لما وجد فيه من الصفات الذميمة, وتجلى وصفهم في معركة مؤتة من فبل جعفر بن أبي طالب حين ارتجز خلال المعركة قائلاً:

يا حبذا الجنة واقترابها                   طيبة وبارد شرابُها

والروم روم قد دنا عذابُها              كافرة بعيدة أنسابُها

عليَّ إنْ لاقيتها ضرابُها

         وتتالت المعارك بعدها بين المسلمين وبني الأصفر حتى دك المسلمون واستولوا على معظم إمبراطوريتهم في بلاد الشام وشمال إفريقيا ومعضم جزر البحر الأبيض المتوسط. عندها تحوصلت الإمبراطورية الرومانية في بلاد الأناضول (تركيا الآن). ثم بعد ذلك بقليل انسلخت عنها مقاطعاتها في أوروبا وأصبحت ممالك مستقلة مثل فرنسا وجرمانيا والجزر البريطانية وغيرها. بعد خمسة قرون استجمعت أوروبا قواها بقيادة رومية (روما) ودخلت مرحلة الحروب الصليبية التي انكشف فيها الروم أو الفرنج، كما سماهم المسلمون, وبان عوارهم مرة أخرى ودحروا عن بلاد المسلمين، وانهزموا شر هزيمة، ورحعوا إلى بلادهم بخفي حنين.

         عندئذٍ بدأ مفكروهم وقادتهم بالتفكر مليا بتجاربهم السابقة مع المسلمين، واستنتجوا أنه لا قبل لهم بمواجهة الجندي المسلم وجهاً لوجه, وبدؤا يفكرون بالعودة إلى ديار الإسلام ومحاربته فكرياً وعسكرياً في آن واحد لنزع العقيدة الإسلامية من نفوسهم حتى تسهل هزيمتهم على أرض المعركة. وللأسف تمكن الغرب من أرض الإسلام قبل قرن من الزمان بعد أن أضعف العقيدة الإسلامية في نفوس الناس عن طريق زجه بالعملاء والخونة من الكتاب والمفكرين والعلماء وغيرهم من بني جلدتنا. فهؤلاء الخونة أضعفوا عزيمة الجندي المسلم، وبلبلوا أفكاره ومبادئه، وشتتوا قدراته، وجعلوا بلاد الإسلام لقمة سائغة للغرب يستعبدونهم ويمتصون خيراتهم ويذلوهم شر مذلة.

         الغريب في الأمر ما لاحظناه في العقود الماضية أن الغرب خاض معاركه في بلاد الإسلام بطريقة غير مباشرة, فلم يزج بقواته وجيوشه كما كان يفعل في السابق وذلك لسببين: أولهما ان الغرب أدرك أن مواجهة المسلم وجهاً لوجه سيترتب عليه خسارة أعداد كثيرة من الجنود الغربيين حتى ولو انتصر الغرب في النهاية. فالجندي المسلم, من التجارب السابقة, يتميز بصفات محمودة، وهو عندما يحمى الوطيس وتشتد المعركة يسترجع إيمانه وعقيدته ويصبر ويصول ويجول ويكبد عدوه خسائر جسيمة. ثانيا: إن الغرب ليس مستعداً ولا يتحمل أن يقتل أعداد كبيرة من جنوده. فالمجتمع الغربي ليس مستعداً للتضحية بالنفوس ولا بأي شكل من الأشكال, فالحياة عندهم إنما هي الحياة الدنيا ليس بعدها حياة, لذا فأن يقتل أو يموت رجل أو جندي فهو يعتبر خسارة كبيرة حيث لم يتح لهذا الشخص الاستمتاع بحياته كاملة. إن نظرة الغرب إلى الإنسان والكون والحياة هي نظرة مادية بحتة دون روحانيات, لذا فالحياة عندهم عزيزة ويهابون الموت. أما على الصعيد الشعبي فإن حكومات الغرب إذا دخلت معركة أو حرب طاحنة يقتل فيها جنود كثيرون, هنا تقف الشعوب بالمرصاد وتضغط على حكوماتها لإيقاف هذا النزيف الدموي حفاظاً على أرواح أبنائها. وخير مثال على ذلك ما حصل في حرب فيتنام. ذلك لأن المجتمع الغربي يعيش في دعة ورخاء ومن الطبيعي أن هذا الأمر انعكس على جنوده ومقاتليه فيوهن من عزيمتهم القتالية ويضعف قدراتهم. النتيجة أن الجندي الغربي (من بني الأصفر) ليس أهلاً للمواجهة والمجابهة وجها لوجه في ساحة الوغى. ولقد رأينا أمثلة كثيرة حيث كنا نرى عبر التلفاز الجندي الغربي الضخم الجثة القوي البنية الفائق التسليح والتدريب والمدعوم بكل أنواع الأسلحة المتطورة, كنا نراه عندما تشتد الملاحم يبكي وينوح وينهار عندما يتعرض لضغط القتال والمواجهة.

         أدرك حكام وعلماء ومفكرو الغرب هذه الحقيقة ووعوها جيداً وأدركوا ماهية ومعدن الجندي الغربي وقدراته المحدودة في ساحة المعركة. في الوقت نفسه أدركوا أن هناك مصالح حيوية للغرب في بلاد المسلمين يجب أن تصان وتحفظ لخدمته. ولكن المشكلة أنه في بلدان وأقاليم كثيرة يكون من الضروري اللجوء إلى القوة العسكرية لحماية وصيانة هذه المصالح. ولكن كيف وجنودهم ليسوا مؤهلين لقتال المواجهة المباشرة, بل هم مؤهلون للقتال عن بعد أي بقيادة الطائرات الحربية المتطورة وإطلاق الصواريخ الموجهة من بعد مئات بل آلاف الأميال وغيرها من الوسائل القتالية الحديثة. أما أن يرسلوا قوات برية لزجها على أرض المعركة فهذا أمر غير مقبول حتى يتأكدوا ويضمنوا سلامة هذا الجندي وخلو المنطقة من الأعداء. واعجباه, أليس المفروض أن يؤمن هذا الجندي نفسه أرض المعركة ويخليها من الأعداء؟ أليس هذا عمله الأساسي؟ لقد انعكست الآية عندهم, فبدلاً من أن يحمي هذا الجندي غيره من الناس يجب أن يحميه آخرون حتى يؤمنوا له أرض المعركة!! بالإضافة إلى ذلك أجمع الخبراء والمحللون العسكريون أن القصف الجوي والصاروخي ودك الحصون والقلاع كل هذا لا يغني عن زج قوات برية لاستثمار نتائج القصف وكسب الأرض. وهنا تأتي النقطة الحساسة القاتلة لهم لأنه يجب إنزال الجيوش على الأرض في مرحلة من مراحل المعركة.

         بعد حرب فيتنام بدأ خبراء الغرب وعلى رأسه أميركا بإستخدام عقيدة عسكرية جديدة وهي أن تستعمل قوات موالية له لخوض المعارك البرية الدموية بدون تعريض الجيوش الأميركية للخطر.

         وما حصل ويحصل في أفغانستان الآن لخير دليل على ما نقول. فلقد ضربت أميركا أفغانستان وشردت حركة طالبان وأهلكت الحرث والنسل معتمدة على المرتزقة من تحالف الشمال واعتمدت أيضاً على فتح أجواء عدة بلدان إسلامية لطائراتها وفتح القواعد العسكرية في باكستان وطاجيكستان وأوزبيكستان وغيرها من الدول. دعمت أميركا تحالف الشمال الذي زج بقواته في المعارك البرية ضد الطالبان. وجدير بالذكر أن تحالف الشمال خسر أعداداً كبيرة من جنوده خلال هذه المعارك الطاحنة قبل بدء الزحف الأميركي البري. ولم تكن أميركا لتضحي بلآلاف من جنودها للوصول إلى مبتغاها ولم تكن لتطأ أرض أفغاتستان بدون هؤلاء المرتزقة الذين قاموا بالعمل الوسخ بقتال المسلمين وقتلهم بدعم من أقوى سلاح جوي في العالم. إن الكفار يستخدمون المسلمين أو لنقل المرتدين من أهل البلاد من بني جلدتنا لبلوغ مآربهم. فلولا هؤلاء الخونة والعملاء ما استطاع الغرب أن يحرز هذه الانتصارات السهلة على المسلمين والوصول إلى عقر دارنا. أما آن لهذه المهزلة أن تنتهي؟ أما آن للمسلمين أن يفيقوا ويحبطوا هذه المؤامرات الخسيسة التي تحاك ضدهم ليل نهار؟ أم أنَّ هذا سيتكرر إذا ما قررت أميركا ضرب العراق، فتفتح أجواء وأرض ومياه بلاد المسلمين لطائرات أميركا وصواريخها وقواعدها ومدمراتها لتنطلق منها لضرب المسلمين في العراق، بل وتستعمل جيوش المسلمين لضرب المسلمين كما فعلت في حرب الخليج الثانية؟ أم تصحو الأمة الإسلامية فتزيل العملاء عن رقابها، وتعيد الحكم بما أنزل الله وتنطلق مجاهدةً في سبيل الله فتعز الإسلام وأهله وتذل الكفر وأهله وتحرر بلاد المسلمين من نفوذ الكفار؟

         وختاماً نقول:  الكفر يصول والظلم يجول والحق يقول واإسلاماه .

بقلم: عبد الرحمن البدري – محلل سياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *