العدد 186 -

السنة السادسة عشرة – رجب 1423هـ – أيلول 2002م

كلمة الوعـي: إرهـاب أميركا تجاوز البشر إلى الشجر والحجر

          إن من مساوئ هذا العصر، الموغلة في السوء، أن يكون المبدأ الرأسمالي هو السائد فيه، وأن تكون الدولة التي تملك أكثر وسائل القوة، تكون متبنية لهذا المبدأ. إن الرأسمالية لا تقر قيمة إلا القيمة المادية، وتلقي بجميع القيم، روحية أو أخلاقية أو إنسانية خلفها. فالخير عندها هو ما زادها طغياناً وتخمةً في المتع والشهوات، والشر عندها هو ما سلبها حقاً اغتصبته، أو أنصف مظلوماً ظلمته.

          إن أميركا، وهي تتبنى الرأسمالية، لا ترى في الأرض غيرها. فهي ترى الأرض أرضها، والسماء سماءها، والماء ماءها، تسير على خُطا فرعون (قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) [الزخرف/51] ترى رأيه وتقول قوله (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى) [غافر/29] وهكذا تقول أميركا اليوم تتوعد وتتهدد من لم ير رأيها لأنه بلغتها مع الإرهاب، عدو لها.

          تمارس الإرهاب، أشد أنواع الإرهاب، إن كان يحقق لها نفعاً، ولو كان فيه كل التدمير والتفجير كما صنعت في هيروشيما وناكازاكي، ما دام ذلك يحقق لها علواً في الأرض وفساداً. وارتكبت المجازر والفظائع في فيتنام ما دام ذلك يحقق شهوةً عندها في الولوغ بدماء الآخرين، والتلذذ بآلامهم. وتقتل وتفتك بكل ما يتحرك في أفغانستان، وتملأ ترسانة يهود بكل سلاح قاتل للأطفال والنساء والشيوخ، وفيه تدمير للبيوت وتجريف للمزروعات، وتتهدد وتتوعد العراق لنـزع سلاحه، وتمزيق أرضه بحجة عدم تنفيذ القرارات الدولية، وربيبتها دولة يهود تضرب بكل قرار عرض الحائط دون أن يمسسها أذىً أو سوء. ثم إنّ أميركا تلاحق كل من لا يسلك دربها أو يؤازر سربها بذريعة (مكافحة الإرهاب).

          ثم هي لم تكتف بتدمير البشر، بل تجاوزت ذلك لتخريب البيئة، وكما أعطت (مكافحة الإرهاب) تفسيراً خاصاً مميزاً، فكذلك أعطت تلويث البيئة مثله. فما دام هذا التلويث يحيي صناعتها، وينعش ترسانتها فهو تلويث طيب محمود، أما إن كان في غير جهتها فهو مخيف رهيب مؤذٍ للبيئة ضار بالإنسان.

          لقد اتضح هذا من مجريات الأمور في ما سميت (مؤتمرات قمة الأرض). فمنذ أول مؤتمر عقد في ريو دي جانيرو سنة 1992 تحت شعار (عالم أكثر اخضراراً وأشد عدلاً)، إلى المؤتمر الأخير الذي عقد في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا ما بين 26/08 و06/09/2002 تحت شعار (التنمية المستدامة)، منذ أول مؤتمر إلى آخر مؤتمر وأميركا ترفض الأرض إلا أن تكون أرضها بطريقتها الخاصة.

          إن الأهداف التي أعلنت للمؤتمر كانت معالجة مشاكل الاختلال البيئي، وما نتج عن ذلك من فيضانات قياسية، والحرائق الضخمة، والاحتباس الحراري، وانحسار البيئة الطبيعية، وانتشار التصحر، والتلوث، والتغير المناخي، وبعض الأمور الأخرى.

          وعلى الرغم من أن مشاكل البيئة هذه تهم الإنسان كإنسان ليعيش في ظروف بيئية مناسبة، إلا أن الولايات المتحدة اعترضت عليها بشدة، وبخاصة (الاحتباس الحراري)، لأن معالجة هذه المشاكل تحتاج إلى إجراءات يجب اتخاذها للحدّ من السموم التي تقذفها مصانع الولايات المتحدة، سواء منها ما كان مقاماً في أميركا نفسها أم تلك المقامة في أماكن أخرى عن طريق العولمة. وهذا بدوره سيؤدي إلى إقفال بعض الصناعات أو تحويلها مما يقلل الكسب المادي لأرباب الصناعات، ولأن القيمة المادية هي في سلّم القيم عندهم لذلك رفضت أميركا بشدة، سواء اختنق الناس أم هلكوا، وسواء زاد التلوث أم استفحل، فكل ذلك لا قيمة له ما دام النفع المادي متحققاً.

          ثم أليس من المفارقات المبكيات أو المضحكات أن يكون إقفال بعض مصانع الصابون ومسحوق الغسيل وأشباهها أو تغيير أماكن بعضها في دول العالم الثالث أو دونه حفاظاً على البيئة وحفاظاً على حقوق الإنسان التي يزعمون، في الوقت الذي لا تكون السموم المنبعثة من مصانع أميركا المنتشرة فيها وتوابعها في مناطق العولمة، لا تكون مضرة بالبيئة وبصحة الإنسان وحقوقه؟!

          لقد أهمل بوش المؤتمر وغاب عن مؤتمر قمة الأرض الأخير معتبراً إياه ضد مصالح أميركا، ومع ذلك فلم يخرج أي قرار للمؤتمر يندد بموقف أميركا المعارض لمعالجة تلوث البيئة والانحباس الحراري، لا بل إن الشرطة لاحقت المظاهرات التي قامت بها المنظمات غير الحكومية التي حمَّلت أميركا مسئولية ما يحدث في العالم ومنعت أصحابها من الاستمرار في لبس القمصان التي كانوا يلبسونها لأنه مكتوب عليها (ماذا سنفعل بشأن الولايات المتحدة) مما اضطر المتظاهرين إلى تغيير العبارة على الشكل التالي (ماذا سنفعل بشأن … تعرفون من)!

          هذه هي أميركا، الدولة الأولى في العالم، لم ينج من شرها لا البشر ولا الشجر ولا الحجر، وهي سادرة في غيها، تقود العالم إلى الهاوية، ولا تجد من الدول الحاضرة من يحد من هيمنتها أو يزيل صلفها وطغيانها، وذلك لأن الدول النافذة الحاضرة لا تملك فكراً صادقاً صحيحاً تصرع به أميركا، بل هي تأخذ من المائدة نفسها أو من بقايا المائدة التي تأخذ منها الولايات المتحدة، فالرأسمالية هي قاسمهم المشترك وهي سبب الشقاء في هذا العالم وسبب (شريعة الغاب) السائدة فيه.

          إن العالم لن ينعم بالسعادة والأمان ما دامت الرأسمالية تتحكم في شئونه، ولن ينقذه من هذا الشقاء إلا الإسلام، المبدأ الصحيح الذي أنزله الله سبحانه على رسوله صلى الله عليه وسلم لينقذ الناس من الظلمات إلى النور، ومن شقاء الرأسمالية إلى نعيم الإسلام. وعندها لن يحتاج هذا العالم إلى مؤتمر قمة من أجل الأرض لأن الإسلام كفيل بتعميرها لا بتدميرها كما تفعل الرأسمالية وجنودها.

          إن العلو والفساد والطغيان الذي يتربع على رأس الرأسمالية، وزعيمتها أميركا اليوم، ما هو إلا نذير فناء للرأسمالية كما فنيت قبلها الشيوعية. إن وعد الله لآتٍ بإذنه، إذا ما أدرك المسلمون أن الإسلام هو سبيل عزتهم ومبعث قوتهم وأساس نهضتهم، وإذا ما عملوا له وجدّوا، وأخلصوا واجتهدوا، وعندها سيعلو كعب الإسلام، ويعود سلطانه، ولعله قد قرب زمانه (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق] .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *