العدد 185 -

السنة السادسة عشرة – جمادى الثانية 1423هـ – آب 2002م

إذا بويع لخليفتين

إذا بويع لخليفتين

          عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي, وسيكون خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا قال: فوا ببيعة الأول فالأول أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم» متفق عليه.

===========================================

          قوله صلى الله عليه وسلم فوا ببيعة الأول معناه فوا ببيعة من يبايَع أولاً، أما الذي يبايع بعده فلا تفوا له، فبيعة الأول صحيحة، وبيعة من بعده باطلة.

          والوفاء ببيعة الأول واجب لأنه وفاء بعقد صحيح، والوفاء ببيعة من بعده حرام لأنه وفاء بعقد باطل.

          وفوق هذا فإنه يجب قتل من بيعته باطلة إذا لم يندفع إلا بالقتل, أما إذا تنازل فلا يقتل. والدليل على وجوب قتله إذا لم يندفع حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» وحديث عرفجة عند مسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه» وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم, وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها, وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضها وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه, ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر», فهذه الأحاديث الثلاثه حديث أبي سعيد وحديث عرفجة وحديث عبد الله تأمر بقتل من يعمل على شق العصا وتفريق الجماعة ومنازعة الخليفة الأول, وهذا يدل على بطلان هذه البيعة: أي كل بيعة بعد البيعة الصحيحة الأولى، ولا يتوقف المسلمون عن قتله إلا إذا أعلن بطلان بيعته وتوقف عن شق عصا الطاعة وتفريق الجماعة ومنازعة الخليفة الأول.

          وحكى ابن حزم [الاتفاق على أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان لا متفقان ولا مفترقان ولا في مكانين ولا في مكان واحد], وهذا الاتفاق عند ابن حزم يشمل الصحابة لأنه يشترط في اجماع أو اتفاق كل عصر أن [لا يتقدم قبله في تلك المسألة خلاف] وهذا يشمل الصحابة, وما ذكره ابن تيمية من خلاف للكلاميين فإنه لا ينقض إجماع الصحابة لأنه وقع بعد عصر الصحابة، والصحابة اتفقوا في السقيفة على أنه لا يكون أميران ولا سيفان في غمد ثم اتفقوا بعد وفاة عمر على تأمير واحد من الستة، ونقل النووي في شرحه على صحيح مسلم هذا الاتفاق فقال: [واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد سواء اتسعت دار الإسلام أم لا] وقال في موقع آخر: [وفيه انه لا يجوز عقدها لخليفتين وقد سبق قريباً نقل الإجماع فيه]، فسمّي الاتفاق إجماعاً.

          هذا كله إذا علم المتقدم من المتأخر، أما إذا لم يعلم وجب رد الأمر إلى المسلمين ليبايعوا من شاءوا من الذين تمت لهم البيعة. وتكون بيعة المسلمين لهما أو لهم بمثابة حصر للمرشحين لمنصب الخـلافة. وهذا الوضع غير متصور اليوم إلا إذا قضي على ممثلي الأمة الموجودين في العاصمة عادة، لأنهم هم أصحاب الصلاحية في حصر المرشحين لمنصب الخـلافة، فإذا ضربت العاصمة بسلاح نووي أو كيماوي أو انتشر فيها وباء سريع قضى على كل سكان العاصمة بمن فيهم الخليفة والمعاونون ومجلس الشورى وغالبية ممثلي الأمة وقادتها بحكم وجودهم في العاصمة، فبادر المسلمون في عدة أقطار إلى بيعة خليفة في نفس اليوم الذي أصيبت فيه العاصمة ولم يعرف الأول من هؤلاء الذين بويعوا، ففي مثل هذا الوضع يعتبر كل من بويع مرشحاً لمنصب الخـلافة ولا تكون الخـلافة لواحد منهم. والمتصور اليوم أن يعرف وقت بيعة كل منهم بالدقيقة وذلك بمعرفة أول صفقة يد في بيعة الانعقاد لأن تلك الدقيقة هي بداية العقد، فإذا كانت البيعة تبث على الهواء وفي الإذاعات والقنوات الفضائية فغالباً ما يمكن معرفة توقيت البيعة بكل دقة، أما إذا غمّ توقيتها اعتبروا مرشحين وحصر الترشيح فيهم، لأن الخليفة الذي بويع أولاً منهم قطعاً وليس من غيرهم، فلا يضاف إليهم مرشحون من غيرهم، ولا يقرع بينهم لأن الخـلافة عقد والقرعة لا مدخل لها في العقود .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *