العدد 184 -

السنة السادسة عشرة – جمادى الأولى 1423هـ – تموز 2002م

كلمة الوعـي: انشغال يهود بالمجازر والاغتيالات وانشغال السلطة بالإصلاحات والتعديلات!

          مفارقات مضحكة مبكية تدور في فلسطين: السلطة مشغولة بالإصلاحات والتعديلات والانتخابات، تعزل هذا وتعيّن ذاك، وكلاهما لا يمت إلى تحرير فلسطين من يهود، أو بسط سلطان فعلي على أي جزء من فلسطين. ويهود مشغولون ببسط سلطانهم الفعلي على فلسطين، كل فلسطين، مشغولون بقضية لهم، جندوا كل طاقاتهم لها منذ عشرات السنين، مشغولون بارتكاب المجازر تلو المجازر ضد أهل فلسطين، وبالاعتقالات والاغتيالات. (يطهّرون) فلسطين من أهلها على طريقتهم، وبتسارع أو تباطؤ وفق ما تقتضيه الظروف والأحوال.

 اليهود يبطشون ويقتلون، والسلطة، رغم ذلك ومع ذلك، لا زالت تطالب بالتفاوض والمحافظة على الاتفاقيات المعقودة، وتستمر في تنازلاتها المعهودة، وهي كلما تنازلت عن واحدة طالب يهود بواحدة أخرى، حتى لم يبق عند أهل السلطة شيء أو كاد، فهانوا على أنفسهم قبل أن يهونوا عند غيرهم، واستوت عندهم عظائم الأمور مع صغائرها. فأصبح لا يضرهم الموافقة على المفاوضات بل طلبها حتى وكيان يهود يمعن في البطش والاغتيال والاعتقال، وقديماً قيل:

 مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الْهَوَانُ عَلَيْهِ     مَا لِجُـرْحٍ بِمَـيِّتٍ إِيـلاَمُ

 أما الحكام العرب فهم يروحون ويجيئون، يسوّقون خطاب بوش على الناس باحثين فيه عن إيجابيات مزعومة، غاضّين الطرف عن سلبياته المركومة. هذا يقول إنه متوازن، وآخر يصرح بأنه مهم وإيجابي، وثالث يعلن أنه ينقصه بعض التوضيح داعياً لالتماسه في تفسيرات باول عند مجيئه سواء أكان باول الأصيل أو الوكيل.

مفارقات عجيبة غريبة، اليهود يعملون بجد ونشاط لقضية لهم يضعونها في أعلى سلم القيم عندهم، والحكام والسلطة يمسخون قضيتهم، هذا إن عدّوها لهم قضية. مهمتهم الأساس كيف لا يغضبون أميركا، ولا يجرحون مشاعر أوروبا، بعد أن جعلوا الأرض المباركة ميداناً للصراع، تصول فيه أميركا وتجول، وتحاول أوروبا اللحاق بالسباق ليكون لها نصيب من المصالح والنفوذ. أما حكام العرب والسلطة فيصفقون للسابق ولا يقطعون الود مع اللاحق. مبلغ همهم بقاؤهم على عروشهم، لا تضرهم سيطرة يهود على البلاد والعباد ما داموا هم يلمسون كراسيَّهم باقية تحتهم. فلا غرو إذن أن ينشغل اليهود بتوسيع سلطانهم في فلسطين بالبطش والتنكيل والقتال، وأن ينشغل الحكام والسلطة في توسيع تطبيعهم مع يهود بالمفاوضات والزيارات والمؤتمرات.

أفلم يأن للحكام العرب والسلطة أن يدركوا أن المفاوضات الهزيلة والاستجداءات الذليلة لن تعيد حقاً أو ترجع أرضاً؟ وممـَّن؟ من يهود الذين قال الله فيهم: (أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيراً) [النساء].

 أَوَلم يأن لهم أن يدركوا أن الخضوع المطلق لأميركا، والارتباط المخفي أو غير المخفي بأوروبا لن يحفظ لهم عروشاً إلا بقدر تحقيقهم لمصالح الكفار المستعمرين، فإذا استُنفذت أدوارهم لفظوهم كما تلفظ النواة، وشواهد ذلك محسوسة في الأحداث الجارية، رأوها بأعينهم وسمعوها بآذانهم؟

 ثم ألم يأن لهم أن يدركوا أن فلسطين أو أي جزء من فلسطين لن يسترجع من يهود إلى سلطان المسلمين بمفاوضات أو إصلاحات أو تعديلات أو انتخابات أو بأخوات هذه السلسلة، وإنما تعاد فلسطين بجيوش تزحف نحوها تنصر أهل فلسطين وتتعانق مع الاستشهاديين داخلها، يقود تلك الجيوش حاكم مؤمن مخلص، خليفة يحكم بكتاب الله وسنة رسوله، ينظر للدنيا بعين وللآخرة بألف عين، تبايعه أمة النصر والشهادة، فيقضى على كيان يهود وتعود فلسطين كاملةً إلى ديار الإسلام؟ هكذا تعود فلسطين، وهكذا يقضى على كيان يهود، وسيخزي الله المفاوضين الخانعين للعدو، والمعترفين بكيانه، المثبتين لأركانه. إن الفطرة تلفظ الخيانة وتلعنها، وأبو رغال مثال لمن أراد المثال، والناس حينها في جهل وجاهلية، فكيف والناس مسلمون يتلون آناء الليل وأطراف النهار (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) [الأنفال]، وهل بعد تضييع الأرض والعرض خيانة؟ وهل بعد التفريط بأرض الإسراء والمعراج تفريط؟

إن الأرض المباركة تحتاج إلى معركة يهزم فيها جيش العدو، من ضربت عليهم الذلة والمسكنة. معركة يهزم فيها أتباع يهود وأزلامهم، وخونة العرب والسلطة الذين اعترفوا ويعترفون بكيان يهود. معركة يهزم فيها المفاوضون المستجدون للأعطيات من البيت الأبيض أو دولة يهود.

 هذا ما تحتاجه أرض فلسطين، وإنه لكائن بإذن الله، فقد أخبرنا الله سبحانه أنه لن تستقر ليهود شوكة بل كلما طغوْا وبغوْا ضربهم الله بأيدي عباده (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) [الأعراف/167]، كما أن مؤامراتهم وشرورهم، وفسادهم وإفسادهم، لا بد إلى زوال (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله) [المائدة/64].

 إننا مطمئنون بتحقيق ذلك، ولكن وفق سنن الله وقوانينه في هذا الكون بأن يُعدَّ المسلمون للقتال عدته، ويشمروا سواعدهم لضرب يهود وكسر شوكته. إن الله سبحانه لن ينـزل ملائكته تقاتل نيابةً عن المسلمين لتقضي على كيان يهود، ولكن الله سبحانه، بفضل منه، ينـزل ملائكته تقاتل مع المسلمين وهم يقاتلون يهود لا وهم قعود. ولقد أخبرنا الصادق المصدوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا سنقاتل يهود وننتصر عليهم، فالنصر يكون وجند المسلمين يقاتلونهم لا وجند المسلمين ممنوعون من قتالهم. إن المسلمين لن يفيقوا من نومهم فيجدون كيان يهود قد قضي عليه تلقائياً دونما جهد منهم أو عناء.

 إن أرض الإسراء والمعراج غالية في الإسلام وهي عند المسلمين الصادقين المخلصين غالية كذلك وإنها لعائدة بإذن الله بضرب الرقاب في ميدان القتال لا بالمفاوضات واللقاءات في ردهات الاستقبال. إنها لعائدة بصيحات الله أكبر لا بالخضوع والخنوع للكافر المستعمر. ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، ويخزي الله يهود ومن وراءهم، وأشياعهم وأزلامهم، المعترفين بهم والمفاوضين لهم، بالليل والنهار، سراً وعلانيةً (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) [الشعراء] .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *