العدد 178 -

السنة السادسة عشرة ذو القعدة 1422هـ – شباط وآذار 2002م

( كلمةٍ سـواءٍ )

          قال الله سبحانه: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)  [آل عمران].

          هذه آية من كتاب الله عظيمة في معناها ومبناها، فالقرآن كلام الله سبحانه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من عزيز حميد. وهي تدل دلالة واضحة على دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام، دعوة صريحة تفرق بين الحق والباطل، فإن قبلوا فهم مسلمون وإن رفضوا فقد أقمنا عليهم الحجة بأنا مسلمون وهم كافرون.

          لكن بعض (المشايخ) من المسلمين يستعملون هذه الآية الكريمة في غير موضعها، ويحرفون الكلم عن مواضعه، فيقولون إن الآية دعوة لما يسمونه بحوار الأديان. يقولون إن كلمة (سواء) أي مستوية بيننا وبينهم فلا ننكر عليهم دينهم ولا ينكرون علينا ديننا، فالأديان كلها دين الله وهي سواء، وأننا مأمورون بمحاورتهم لنسمع منهم ويسمعوا منا دون أن نحسم الأمر ونبين الحق من الباطل، ودون أن نبين أن الإسلام هو الحق وأن الأديان غيره الموجودة حالياً باطلة بطلاناً تاماً وهي كفر صاحبها مخلد في النار.

          والحقُّ إنَّ (سواء) المذكورة في الآية الكريمة تعني الحق والعدل أي هي دعوة للنصارى واليهود إلى كلمة حق ونصفة وعدل، ثم بينها الله سبحانه بما ورد في الآية الكريمة (ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله) .

          يقول القرطبي في تفسيره (والسواء العدل والنصفة قاله قتادة، وقال زهير:

أَرُوني خُطّةً لا ضَيْمَ فيها              يُسَوّي بيننا فيها السَّواءُ

وقال الفراء يقال في معنى العدل سِوى وسُوى، فإذا فتحت السين مددت “سواء” وإذا كسرت أو ضممت قصرت).

          ومعلوم أن النصارى واليهود قد أشركوا بالله سبحانه واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله يشرعون لهم، يحللون ويحرمون بمنطوق الآية الكريمة (وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون @ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) (التوبة)، وأنَّهم كفار بنص القرآن الكريم (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث  ثلاثة)  (المائدة/73)، (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) (المائدة/17)، (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة) (البينة).

          ولقد بين الإسلام كيف تكون دعوتهم للإسلام، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم          موصياً أمير الجيش الذي يرسله للقتال: «… وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين… إلى أن يقول فإن هم أبوْا فاستعن بالله وقاتلهم».

          ويقول صلوات الله وسلامه عليه في كتابه إلى هرقل ملك الروم: «أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فعليك إثم الأريسين...».

          وهذا ما سار عليه الصحابة رضوان الله عليهم في تطبيق الإسلام وحمله إلى العالم على النحو الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم          فتقام الحجة عليهم بدعوتهم للإسلام فإن أبوْا كانت الجزية وإلاَّ فقتالهم في سبيل الله.

          إنَّ من مصائب هذا العصر أن وجد حكام في بلاد المسلمين عطَّلوا شرع الله وخانوا الله ورسوله والمؤمنين فوالوا الغرب الكافر وفتحوا البلاد لثقافته المضللة، ثم ساعدهم في ذلك (علماء) ضالون مضلون يزيِّنون السوء ويحرفون الكلم عن موضعه فيسوّون بين الحق والباطل، بين الإسلام والكفر، ويستعملون الأدلة الواردة في وجوب دعوة الكفار بمن فيهم أهل الكتاب إلى الإسلام بالطريقة التي بينها كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم    ، يستعملون هذه الأدلة في الحوار بين الأديان وأنها عند الله سواء (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً) (الكهف).

          إن فكرة الحوار بين الأديان هي فكرة غربية خبيثة دخيلة لا أصل لها في الإسلام لأنها تدعو إلى إيجاد قواسم مشتركة بين الأديان واعتبارها كلها سواءً عند الله وأن أصحابها مؤمنون، وهذا كفر وضلال يخالف كل المخالفة دعوة الكفار إلى الإسلام المبين في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم    .

          فالحوار دعوة لتذويب الإسلام في الأديان الأخرى بضرب عقيدته وحضارته، وأما دعوة الكفار إلى الإسلام فتكون ببيان بطلان عقائد الكفار وضلالهم وفساد حضارتهم وإقامة الحجة عليهم ليدركوا ويعلموا أن الإسلام هو الحق وأنه الواجب الاتباع.

          فالبون شاسع بين دعوة الكفار إلى الإسلام وبين محاورتهم في مؤتمرات حوار الأديان، ولا يُضَيِّق من هذا البون تضليل مشايخ السلاطين بتحريفهم للكلم عن مواضعه، فالحق أبلج، (فماذا بعد الحق إلا الضلال) (يونس/32) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *