العدد 177 -

السنة السادسة عشرة شوال 1422هـ – كانون الثاني 2002م

كيف أَخَذَ اليهودُ فِلَسطينَ و كيف يسترجع المسلمون فلسطينَ

         إن من كبريات القضايا السياسية في العالم ـ باستثناء قضية الخلافة ـ هي قضية فلسطين، أرض الرباط، أرض باركها الله في كتابه الكريم. هي كبيرة في حجمها عميقة في أبعادها التاريخية، غريبة في بدايتها، فاجعة في نهايتها ـ وإن لم تنته بعد ـ تكالبت عليها الدول والشعوب حتى الزعامات من أهلها، تدرجت في مراحل سياسية متعددة ومتباينة، طرحت بشأنها عشرات الحلول، وصدر حيالها مئات القرارات من قبل عصبة الأمم، وهيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، ومن مؤسسات دولية كثيرة.

         كم من الزعماء تسلقوا عليها صُعداً، نفاقاً وخداعاً، وكم من الدول حركت الجيوش لتنقذها فأغرقتها، وكم من الأحزاب اتخذتها قميصاً جعلته لها شعاراً ودثاراً، كم من الحروب اشتعلت، وكم من المآسي والفواجع ارتكبت، وكم من الجرائم اقترفت بحق شعبها وأهلها، بحق النساء والأطفال والشيوخ. تشريدٍ وإبعادٍ، وتشتيتٍ وتمزيقٍ، ولا تزال الأمة الإسلامية تعيش في خضم صراعاتها، وتعاني من ويلاتها.

         أرض إسلامية سُلمت للأعداء الكفار، وبلادٌ مباركة دنسها أحقر شعوب الأرض. أخرجوا منها أهلها بمؤامرات مع زعاماتها. الأدعياء الدخلاء أصبحوا أصلاء. والأصلاء غدوا لاجئين ونازحين، طريدين مشتتين تفرقوا شَذَرَ مَذَرَ.

         ساوم اليهودُ عليها الخليفةَ عبدَ الحميد رحمه الله، فرفض أن يملكهم منها شبراً واحداً. ودارت الدوائر، وهدمت الخلافة، وانتُدبت بريطانيا على فلسطين من قبل عصبة الأمم، لتكون كفيلةً بتنفيذ وعد بلفور، وتحقيق فكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين.

         صدر صك الانتداب في 24/07/1922 وصدر دستور حكومة فلسطين في 10/08/1922، وصدر الكتاب الأبيض الأول والثاني والثالث، وجاءت عدة لجان تحقيق، ثم صدر قرار التقسيم في 29/10/1947 ثم أُعلن قيام دولة (إسرائيل) في 15/05/1948، ثم وقعت اتفاقيات الهدنة في رودس سنة 49، كما اجتمعت من أجلها أكثر من خمس عشرة قمة عربية(1)، ثم أوجدوا منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964 ولحقتها منظمات أخرى.

         وقعت ثورة 29 وثورة 36 ـ 39 ووقعت حروب 48، 56، 67، 73، 82 وغيرها.

         وُقِّعَت اتفاقية كمب ديفد رقم1 بين مصر ودولة يهود ثم اتفاقية أوسلو في واشنطن، ثم اتفاقية وادي عربة، ثم اتفاقية (واي ريفر).

         فوجئت الأمة الإسلامية باتفاق (غزة ـ أريحا أولاً) ووجدت سلطة الحكم الذاتي، ودخلت قوات جيش التحرير وتحولت إلى شرطة فلسطينية لتطارد المسلمين، وتلاحق الفلسطينيين دفاعاً عن يهود، وحفا ظاً على مصالحهم.

         يجب أن لا ننسى كلمة اللورد اللنبي حينما دخل القدس سنة 1917 قال (الآن فقط انتهت حلقة الحروب الصليبية) وعندما عاد إلى بريطانيا كانت تنعته الصحف في افتتاحياتها (العائد من الحروب الصليبية) كما يجب أن لا ننسى قولة موشى دايان عندما دخل القدس الشرقية سنة 67 قال: (الآن انتقمنا لخيبر) ويجب أن لا ننسى قولة ياسر عرفات حينما ألقى كلمة في الجمعية العمومية قال: (إنه ليعز علي الدمُ اليهودي كما يعز عليّ الدمُ العربي) ويجب أن لا ننسى كلمة الشيخ عبد الحميد السائح عندما كان رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني قال: (نحن واليهود أبناء إبراهيم يجب أن نعيش في فلسطين معاً بسلام) ويجب أن لا ننسى كلمة حسين ملك الأردن السابق عند توقيع اتفاق وادي عربة قال: (لقد حققت حلم جدي منذ عشرات السنين) ويجب أن لا ننسى كلمة عبد العزيز آل سعود حينما وقع على كلمات هي: (إنني أوافق على إعطاء فلسطين لليهود المساكين).

         فكيف أخذ اليهود فلسطين؟

         عندما أخرج النصارى المسلمين من الأندلس سنة 1492م أخرجوا معهم اليهود، وقد ذهب قسم من اليهود ليعيشوا مع المسلمين في دولة الخلافة. والقسم الثاني توزعوا في البلدان الأوروبية، ولكنهم وضعوا في (غيتووات) أي حظائر خاصة بهم منفصلين عن باقي الجماعات والسكان في الدول الأوروبية. وفرق كبير بين عيشهم مع رعايا الدولة العثمانية، وعيشهم في أوروبا منعزلين منبوذين.

         أما الذين عاشوا مع المسلمين فإن قسماً منهم أعلنوا إسلامهم. وأضمروا يهوديتهم، وهم يهود الدونمة في سلانيك وغيرها، وأخذوا يكيدون للدولة التي يعيشون فيها، ويدبرون المؤامرات. وقد التقى كيدهم هذا مع مصلحة بريطانيا وكيدها، التي تحيك المؤامرات السياسية، وتتخذ أنواع الخداع لضرب الخلافة وإضعافها.

         أعطى نابليون وعداً لليهود بإعطائهم فلسطين.

         وأعطى إبراهيم باشا وعداً لليهود بإعطائهم فلسطين.

         وكلا الوعدين لم تتح الفرصة لتنفيذهما، لهزيمة نابليون في فلسطين، وإخراجه نهائياً من مصر. ولاندحار إبراهيم باشا عائداً إلى مصر بموجب اتفاقية لندن سنة 1840م.

         وفي 02/11/1917 أعطت بريطانيا وعداً لليهود (وعد بلفور) بإعطائهم فلسطين وطناً قومياً لهم، حيث إن اليهود تعاونوا مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى. وكانت الفرصة مواتية لبريطانيا سياسياً مما مكنها من وضع الخطط لتحقيق هذا الوعد المشؤوم. فبحكم تأثيرها في عصبة الأمم، فرضت من نفسها منتدبة على فلسطين. فعينت أول مندوب سامي عليها هربرت صمويل وهو يهودي. هذا بعد تنفيذها لاتفاقية سايكس ـ بيكو بينها وبين فرنسا.

         عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها سرحت بريطانيا معظم الجيوش التي جمعتها من بلدان كثيرة من مستعمراتها ومن جملتها تسريح حوالي 80 ألف جندي يهودي بأسلحتهم، وهؤلاء الذين تشكلت منهم عصابات الهاجناه واشتيرن وتسنمائي لؤمي والأرغون وقامت هذه العصابات بأعمال دموية في فلسطين وتفجيرات ونسف بعض المراكز الحكومية تنفيذاً لمخططات سياسية، ما جعل بريطانيا تعلن أنها ستضع هذه القضية في أحضان هيئة الأمم وتتخلص من المآزق التي نتجت عن ثورات العرب واليهود.

         لقد جاء إلى فلسطين العديد من اللجان الدولية للاستطلاع والقيام بدراسات ووضع التوصيات والحلول. واستقر الأمر على طرح مشروع على هيئة الأمم يقضي بتقسيم فلسطين بين أصحابها الشرعيين وبين اليهود الدخلاء.

         وبتاريخ 29/10/47 اتخذت الجمعية العامة لهيئة الأمم قراراً بتقسيم فلسطين، وهو القرار الخطير رقم (181) الذي بالإضافة إلى جريمة تقسيم فلسطين التي نص عليها، فقد جاء بجريمة أخرى وهي تدويل القدس التي هي في الأصل فكرة بابوية ليوجد مدخلاً للغرب الكافر في شئون القدس. بعد هذا القرار اتخذت بريطانيا قراراً وبتوصية من الهيئة إنهاء انتدابها على فلسطين. وفي منتصف ليل 15 أيار سنة 1948م كانت ساعة نهاية الانتداب، وفي نفس الدقيقة أعلن قيام دولة (إسرائيل)، وتبع ذلك اعتراف أميركا وروسيا وبريطانيا بها، وتبع ذلك أيضاً إعلان دخول جيوش سبع دول عربية إلى فلسطين لحمايتها ـ وليتهم لم يدخلوا ـ وبدأت المذابح واشتعلت المعارك. ثم فرضت هدنة مدة أربعة أسابيع بين الطرفين مما مكن اليهود من إدخال شحنات من الأسلحة.

         ومن ناحية ثانية بدأ الصراع بين الجيوش العربية وجرت بينها بعض المناوشات، بدل أن يشتبكوا مع الفصائل اليهودية.

         وبرزت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. وتأسست وكالة الغوث الدولية لتشغيل وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين.

         وفي أوائل سنة 1949 بدأت المفاوضات في رودس بين ما سمي (إسرائيل) وبين مصر والأردن ولبنان وسوريا، كلٍّ على حدة، ونتائج هذه الهدنة لا تزال ثابتة لليهود دولياً رغم الحروب المتعددة والخروقات التي حصلت بين هذه الأطراف، بل لقد أضيفت عليها مكاسب لليهود فيما بعد.

         فما الذي حصلت عليه دولة يهود بموجب اتفاقيات الهدنة هذه؟ وهل اتفاقيات الهدنة هذه مؤامرات وصفقات، أم هي استغفال لقيادات وزعامات؟ هل هذه الاتفاقيات تكتيك حربي لتغيير مواقع وتحصين مواقع؟ أم هي كارثة ونكبة أمضيناها بأيدينا؟

         وإليكم أيها الإخوة شيئاً من نتائج اتفاقيات الهدنة هذه التي وقعت في رودس لتعلموا أنها كارثة ونكبة وخيانة قيادات وحكام:

         1 ـ  أخذ اليهود من قضاء القدس (32) قرية مساحتها 243 ألف دونم، وكان يتبع القضاء 64 قرية عربية. وكانت مساحة القضاء في عهد الانتداب 558 ألف دونم.

         2 ـ  أخذ اليهود من قضاء بيت لحم ثماني قرى وكان فيه زمن الانتداب ثلاث وعشرون قرية.

         3 ـ  أخذوا من قضاء رام الله وكان يحتوي على (60) قرية مساحتها 686 ألف دونم، خسر العرب ما يقرب من 5564 دونماً.

         4 ـ  خسر العرب من قضاء الخليل ستاً وعشرين قرية مساحتها 1.107000 دونم من مساحة القضاء وكانت 2.176000 دونم وكان فيه 38 قرية.

         5 ـ  لقد خسر العرب يافا كلها مدنها وقراها البالغ عددها (23) قرية ومساحتها 335.000 دونم. وكان لليهود فيها قبل ذلك 129 ألف دونم.

         6 ـ  من قضاء الرملة أضاع العرب مدينة الرملة وإحدى وثلاثين قرية.

         7 ـ  من قضاء اللد: أضاع العرب مدينة اللد نفسها وتسعاً وعشرين قرية ومساحة القضائين (اللد والرملة) 870 ألف دونم.

         8 ـ  من قضاء جنين: خسر العرب ثماني قرى مساحتها 258 ألف دونم، ومجموع مساحة القضاء 838 ألف دونم.

         9 ـ  من قضاء طولكرم: خسروا تسعاً وعشرين قرية مساحتها 365 ألف دونم.

         10 ـ  قضاء نابلس: ويتبعه (90) قرية ومساحته 1.591000 دونم خسر العرب منه 26 ألف دونم من أراضي طوباس.

         11 ـ  حيفا: خسر العرب حيفا كلها مدنها وقراها وهي (41) قرية واثنتا عشرة عشيرة. ومجموع مساحته مليون وواحد وثلاثون ألف دونم.

         12 ـ  عكا وقضاؤها أصبح كله بيد اليهود ومساحته 779 ألف دونم وكان للعرب فيه خمسون قرية وثماني عشائر.

         13 ـ  قضاء الناصرة: أصبح كله بيد اليهود ومساحته 497 ألف دونم وكان فيه للعرب (24) قرية وعشيرة واحدة.

         14 ـ  قضاء صفد: أصبح كله بيد اليهود ومساحته 696 ألف دونم وكان للعرب فيه خمس وسبعون قرية وثلاث عشائر.

         15 ـ  قضاء طبريا: أصبح كله بيد اليهود ومساحته (440) ألف دونم وكان للعرب فيه ست وعشرون قرية.

         16 ـ  قضاء بيسان: أصبح كله بيد اليهود ومساحته 367 ألف دونم وكان للعرب فيه ثمانٍ وعشرون قرية وأربع عشائر.

         17 ـ  قضاء غزة: كانت مساحته حوالي 1.111.000 دونم وكان فيه ثلاث وخمسون قرية. لم يبق للعرب فيه سوى سبع قرى.

         18 ـ  قضاء بئر السبع وهو أكبر الأقضية ومساحته 12 مليون و557 ألف دونم وقد سقط بيد اليهود ولم يبق منه بيد العرب سوى زهاء 100 ألف دونم، وكان يعيش فيه سبع قبائل تتفرع منها سبع وسبعون عشيرة.

         كان في فلسطين في عهد الانتداب (822) قرية خلا المدن والعشائر استولى اليهود على (486) قرية وبقي (316) قرية في المنطقة الأردنية و(10) قرى في المنطقة المصرية.

         أما مجموع مساحة فلسطين فتساوي 27 مليون دونم و55 ألف دونم. أخذ اليهود منها لغاية هدنة رودس (20) مليون و940 ألف دونم.

         إلى هنا أي 20 مليون دونم هي حدود الرابع من حزيران وما احتل بعد ذلك هو الذي يطالبون به.

         وجاءت مؤامرة ألـ 67 ليأخذ اليهود فلسطين كلها، وحدثت نكبة جديدة ونزوح جديد. وعُجْنا إلى مجلس الأمن الدولي ليصدر قراريه رقم 242 و338. ولكن ومع هذه المهانة والخيانة فإن اليهود لم ينفذوا شيئاً منهما، ومن الذي يجبرهم على التنفيذ؟

         أخذت دولة يهود تزرع المستوطنات في المناطق الجديدة وتكثف الوجود فيها، وتشق لها الطرق، وتوفر لها الحماية، حتى أصبحت معظم المرتفعات الاستراتيجية تقام فيها القلاع والحصون، وأصبحت كل قرية وكل مدينة تحت رحمة اليهود مهددة بالاجتياح والتقتيل والتخريب.

         إن الذي أوجد هذه الدول في البلاد العربية ووزع عليها الصلاحيات المحددة، هو الذي أوجد منظمة التحرير الفلسطينية، وصار لها ممثل مراقب في هيئة الأمم يتحدث باسمها، وقامت بدور المفاوض ودخلت ساحة المساومات مع الداخلين.

         هكذا أخذ اليهود فلسطين، وجاءت فترة المرحلة النهائية وهي إجراءات التوقيع والإمضاءات من الدول العربية والمنظمة ثم السلطة.

         ذهبت الوفود والأطراف إلى مدريد بإشارة من بوش السابق، ثم انتقلت إلى واشنطن، ثم طرحت فكرة: غزة ـ أريحا أولاً، وإذا باتفاقية أوسلو تطل برأسها؛ وبدأت الهرولة: التواقيع في واشنطن، ثم التواقيع في وادي عربة، ثم تواقيع واي ريفر والمفاوضات المكثفة في كمب دافيد الثانية ثم طابا المتكررة وتنيت وخطة ميتشيل وهكذا. وقبل هذا بفترة طويلة ـ في 17/09/78 ـ وقعت مصر اتفاق كمب ديفيد رقم1. ولا ننسى اعتداءات اليهود المتكررة على لبنان ودخوله مرتين حتى وصلوا بيروت، كما دخل اليهود مصر مرتين في 56، و67 ومكثوا فترة طويلة على ضفاف القناة.

         ولكن كل هذه الاتفاقيات الخيانية والتواقيع والإمضاءات والمفاوضات، كلها لم تزد اليهود إلا غطرسة، ولم تنقص من الاحتلال شيئاً بل زادت فلسطين ضياعاً فوق ضياع.

         والآن كيف يسترجع المسلمون فلسطين؟

         بعد ما تقدم من سرد للأحداث والحالات التي أخذ اليهود فيها فلسطين. هل بقي من أمل في أي نظام من الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي عربية أو إسلامية ليقوم باسترجاع فلسطين؟ وهل بقي من ثقة في المنظمة أو السلطة أن تتولى أمر فلسطين؟ وفي الحقيقة هل هناك من أحد منهم يمتلك إصدار القرار السياسي فيما يتعلق بقضية فلسطين؟ وهل هناك من يمتلك تنفيذ ذلك القرار؟ إن الأحداث والتجارب والوثائق والمؤتمرات كلها في مجموعها تعطينا الجواب الأكيد أن لا أحد.

         لقد أدركت جموع المسلمين والملايين منهم بأن الأمل قد انتهى، وأنه لم يبق أي أمل في أي نظام من الأنظمة القائمة يعول عليه في استرجاع فلسطين، كيف لا وهم يصرحون في اجتماعاتهم ومؤتمراتهم أن فلسطين قضية لا يفيد فيها السلاح ولا لزوم له، لأننا الآن كما يقولون نسير في طريق السلام، ومع القرارات الدولية والشرعية الدولية. كما أنهم يوجهون اللوم لدولة يهود لأنها تضع العراقيل في وجه مسيرة السلام. هل بعد هذا من تخاذل؟

         إنهم تنصلوا من قضية فلسطين ورفعوا أيديهم عنها في مؤتمر الرباط، وجعلوها من اختصاص الفلسطينيين وحدهم. أليس هذا من العار؟

         إنهم أعلنوا في مؤتمر دكار إلغاء فريضة الجهاد، أليس في هذا إثم مبين وعار وبيل؟

         بعد كل هذا فإن الواقع الذي نعيشه هو أن لليهود دولة تملك القوى البرية والجوية والسلاح المتطور. ويتم تحريك هذا بقيادة تملك القرار السياسي وتملك المقدرة على تنفيذ القرار السياسي.

         هذا الواقع يفرض أن يكون هناك في الطرف المقابل دولة تملك القوة والسلاح وتملك إصدار القرار السياسي وتنفيذ هذا القرار. وبما أن الأنظمة القائمة الآن لا تملك شيئاً من هذا، فإن الحكم الشرعي والفرض الذي فرضه الله على المسلمين جميعاً هو إيجاد الدولة الإسلامية وخلافة تملك إصدار القرار وتنفيذ القرار. فالجهاد هو الطريق الشرعي والسياسي الذي فرضه الله لاسترجاع فلسطين والقضاء على كيان يهود ولحماية الأسر التي تشردت والعمل على إعادتها إلى ديارها والثأر لهؤلاء الذين سقطوا شهداء في ساحات المعارك يواجهون الدبابات والصواريخ بصدورهم العارية وحجارتهم.

         عندما اجتمعت الأطراف في باريس قبل قمة شرم الشيخ بيوم واحد اقترح أحدهم تشكيل لجنة دولية للتحقيق في الأحداث ولكن الزعيم الفلسطيني قال: لا بل لجنة تقصي الحقائق لأنها أكثر فعالية، ورفض باراك الطلب. أتدرون ما يعني هذا؟ إنه كمن يريد أن يبحث الأدلة التي تثبت أن الشمس طالعة، والحصول على هذه الأدلة فيه صعوبة بالغة!

         أليست هذه مهازل؟ أليس في هذا الطلب مخادعة مكشوفة؟

         تسلم عمر بن الخطاب مفاتيح القدس والجيوش محيطة بها واسترجعها صلاح الدين بجيوش جرارة من مصر والشام.

         (إسرائيل) تحتاج إزالتها من الوجود إلى جيوش زاحفة، ودبابات هادرة وطائرات تسد عليها الأفق، وصواريخ تنقض كالأجل المحتوم، تأتيها عن شمالها وعن جنوبها: يمنة وميسرة وتأتيها عن شرقيها ومن القلب؛ وعندئذٍ لا نترك للبحر أن يبتلعها، وإنما ينفذ فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم       (فيقتلهم المسلمون) في الحديث الذي يقول: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ» (رواه مسلم) وهذا إخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم يفيد الطلب، أي يأمر بقتالهم. قال تعالى: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) هذا ما يطلبه الله منا. والله لا يطلب أمراً فوق طاقة المخاطبين.

         فلا تسترجع فلسطين الآن إلا بجيوش جرارة يقودها خليفة المسلمين وإمامهم، ويطبق على يهود ما طبقه رسول الله صلى الله عليه وسلم   على بني قينقاع وعلى بني النضير وعلى بني قريظة. فالحكم الذي لا بد من تنفيذه فيهم قريباً إن شاء الله قد خطه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم    .

         هكذا تعود فلسطين، بإعادة الخلافة إلى الوجود وزحف الجيوش الجرارة عبر الحدود (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) (الحج/40) (لمثل هذا فليعمل العاملون) (الصافات/61) .

فتحي سليم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وبضع قمم إسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *