العدد 12 -

العـدد الثاني عشر – السـنـة الأولى – رمضان 1408هـ – أيار 1988م

مع القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

صدق الله العظيم

ابن كثير:

يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزاله القرآن العظيم فيه وقد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية السابقة تنزل فيه على الأنبياء.

وقوله: (هُدًى لِلنَّاسِ) هذا مدح للقرآن الذي أنزله الله هدى لقلوب العباد ممن آمن به وصدقه وتبعه. (وَبَيِّنَاتٍ) أي ودلائل وحجج بينة واضحة جليه لمن فهمها وتدبرها دالة على صحة ما جاء به الهدى المنافي للضلال والرشد المخالف للغي، ومفرقاً بين الحق والباطل والحلال والحرام. وقوله: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) هذا إيجاب حتمي على من شهد استهلال الشهر أي كان مقيماً في البلد حين دخل شهر رمضان وهو صحيح في بلده، أن يصوم لا محالة.

الشوكاني:

(رَمَضانَ) مأخوذ من رمض الصائم ـ يرمض: إذا احترق جوفه من شدة العطش، والرمضاء محدود: شدة الحر. قوله: (أُنْزِلَ فيهِ القُرْآنُ) قيل أنزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم كان جبريل ينزل به نجماً نجماً، والقرآن اسم لكلام الله تعالى، وهو بمعنى المقروء كالمشروب سُمِّي شراباً، والمكتوب سمي كتاباً. وقوله (هُدىً للنَّاسِ) منتصب على الحال: أي هادياً لهم. وقوله (وبَيِّنَاتٍ منَ الْهُدَى) من عطف الخاص على العام إظهاراً لشرف المعطوف بإفراده بالذكر، لأن القرآن يشمل محكمه ومتشابهه، والبينات تختص بالمحكم منه. والفرقان: ما فرق بين الحق والباطل وإخراج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما سمي رمضان لأن رمضان يرمض الذنوب».

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: حق على الصائمين إذا انظروا إلى شهر شوال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم، لأن الله يقول: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ).

النسفي:

(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) فمن كان شاهداً أي حاضراً مقيماً غير مسافر في الشهر فليصم فيه ولا يفطر (يُرِيدُ بِكُمُ اليُسْرَ) حيث أباح الفطر بالسفر والمرض (وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ) ومن فرض الفطر على المريض والمسافر حتى لو صاماً تجب عليهما الإعادة فقد عدل عن موجب هذا. (ولِتكْمِلوا الْعِدَّةَ) عدة ما أفطرتم بالقضاء إذا زال المرض والسفر. وعدى التكبير بعلى لتضمنه معنى الحمد كأنه قيل لتكبروا الله أي لتعظموه حامدين على ما هداكم إليه.

القرطبي:

قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضانَ) الآية فيه إحدى وعشرون مسألة: الأولى: الشهر مشتق من الإشهار لأنه مشتهر لا يتعذر علمه على أحد يريده، ومنه يقال شهرت السيف إذا سللته. الثانية روى ابن نافع عن مالك، في الإمام لا يصوم لرؤية الهلال ولا يفطر لرؤيته، وإنما يصوم ويفطر على الحساب: إنه لا يقتدي به ولا يُتَّبَعْ. الخامسة عن الشافعي، من رأى هلال رمضان وحده فليصمه، ومن رأى هلال شوال وحده فليفطر، وليخف ذلك وروى، ابن وهب في الذي يرى هلال رمضان. ومن رأى هلال شوال وحده فلا يفطر. وقال عطاء وإسحاق: لا يصوم ولا يفطر. قال ابن المنذر: يصوم ويفطر. السادسة: إذا ثبت عند الناس أن أهل بلدٍ قد رأوه فعليهم قضاء ما أفطروا هكذا قال الليث بن سعد والشافعي: أن البلاد إذا تباعدت كتباعد الشام من الحجاز فالواجب على أهل كل بلد أن تعمل على رؤيته دون غيره، وإن ثبت ذلك عند الإمام الأعظم، ما لم يحمل الناس على ذلك، فإن حَمَل فلا تجوز مخالفته. [هذا رأيهم وكانوا في ذلك الوقت لا يعرفون المناط كما نعرفه اليوم. وبعد علمنا عرفنا أن أبعد نقطتين على سطح الكرة الأرضية لا يمكن أن يكون الفرق بينهما أكثر من اثنتي عشرة ساعة. وهذا يتطلب توحيد الصوم وتوحيد العيد في العالم الإسلامي كله بيوم واحد].

السادسة عشرة: ولا اعتبار برؤية هلال شوال يوم الثلاثين من رمضان نهاراً بل هو لليلة التي تأتي، هذا هو الصحيح: كتب عمر إلى عتبة ابن فرقد «إذا رأيتم الهلال نهاراً قبل أن تزول الشمس لتمام ثلاثين فافطروا، وإذا رأيتموه بعدما تزول الشمس فلا تفطروا حتى تُمسوا». وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً صبح ثلاثين يوماً فرأى هلال شوال نهاراً فلم يفطر حتى أمسى (أخرجه الدار قطني). التاسعة عشر: قوله تعالى: (ولِتُكَبّرُوا الله) عطف عليه، ومعناه الحض على التكبير في آخر رمضان في قول جمهور أهل التأويل. وروي عن ابن عمر: أن رسول الله كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى. الحادية والعشرون: قوله: (عَلَى ما هَدَاكُمْ) قيل: لما ضل فيه النصارى من تبديل صيامهم، وقيل: لتعظموه على ما أرشدكم إليه من الشرائع، فهو عام.

الطبرسي:

وقوله: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصمْه) فيه وجهان: ثانيهما من شهد منكم الشهر مقيماً مكلفاً فليصم الشهر بعينه، وهذا نسخ للتخيير بين الصوم والفدية… وقوله: (ومَنْ كَانَ مَرِيضاً) حد المرض الذي يوجب الإفطار ما يخاف الإنسان معه الزيادة المفرطة في مرضه، واخْتُلِفَ في العدة من الأيام الأخر.

وقال أبو حنيفة: مُوَسِّعٌ فيها. وعندنا موقت فيما بين رمضانين وتجوز متتابعة ومتفرقة التتابع أفضل، فإن فرط حتى لحقه رمضان آخر لزمه الفدية والفضاء، به قال الشافعي وقوله: (يُرِيدُ الله بكُمُ اليُسْرَ) أي في الرخصة للمريض والمسافر إذ لم يوجب الصوم، وقيل: يريد الله بكم اليسر في جميع أموركم (وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ) أي التضييق عليكم. وقوله: (وَلِتُكَبّرُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ) المراد به تكبير ليلة الفطر، وقيل المراد به: ولتعظموا الله على ما أرشدكم له من شرائع الدين (ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي لتشكروا الله على نعمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *