العدد 282 - 283 -

العدد 282 – 283 ، السنة الرابعة والعشرون، رجب وشعبان 1431هـ، الموافق تموز وآب 2010م

أما آن للحركات الإسلامية التي تعترف بشرعية الأنظمة أن تصحو؟!

أما آن للحركات الإسلامية التي تعترف بشرعية الأنظمة أن تصحو؟!

 

دكتور حازم بدر- فلسطين

بعد تغييب الإسلام عن الساحة السياسية الكونية بهدم دولته, دولة الخلافة, مطلع القرن الماضي, تحركت (ولا زالت) العديد من المنظمات والحركات والأحزاب الإسلامية من أجل الإسلام, مع اختلافها في الأهداف والتصورات والأفهام وطرق العمل. وهكذا سارت هذه التنظيمات تدعو إلى دين الله حسب رؤيتها, كل منها معتقدة أنها تسير في الاتجاه الصحيح. ولا شك أن كل من قام مخلصاً للعمل للإسلام حتى لو أختلفنا معه, وحتى لو كان فهمه مرجوحاً, وطريقته وأهدافه لا تخدم الإسلام كثيراً… فمادام من قام يعمل للإسلام هجرته لله ودينه, فهو بإذن الله صادق وفي رضا الله. ولكن… ليس كل العمل للإسلام يخدم قضية الإسلام, ويخدم ما يطلبه الإسلام من أبناء المسلمين تجاه دينهم, فالإخلاص للدين مطلب شرعي أساسي حتى يقبل العمل, لكنه لا يكفي, فالوعي على أحكام الدين, ومقتضيات العمل والتغيير مهم بنفس الدرجة حتى لا نضل عن القضايا المركزية التي يجب أن يعمل لها أبناء المسلمين أثناء سعيهم للتغيير. 

ما هي قضية الإسلام؟

لا يماري أحد أن الإسلام دين فيه نظام ودولة, وأنه لا دين حق سواه. وقضية الإسلام منذ أن أرسل رسول الخير محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هي احتكام الناس إلى أنظمته في دولة الإسلام. وهذا ما حصل قطعاً على يد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أقام دولته, وما سار عليه المسلمون في دولتهم العظيمة الجامعة (دولة الخلافة) على مدار ألف وثلاثمائة سنة من الحكم بالإسلام ونشره, فكانوا خير أمة أخرجت للناس, وسعدت البشرية كلها بتطبيق الإسلام. لكن الدولة هدمت, وتفرق المسلمون وذهبت ريحهم, وتكالب العالم عليهم تقتيلاً وتفريقاً ونهباً.  وطالما أن الإسلام قطعاً دين ودولة, كان الواجب على كل من يريد اعزاز الدين, أثناء عمله للتغيير, أن يفكر في هذه القضية, ولا يتلهى بغيرها, خصوصاً وأن أعداء الدين يحرصون على تضليل من يعمل للإسلام, حتى ينصرف عن التفكير بتحكيم الإسلام في دولته مرة أخرى.

حقائق يُبنى عليها النقاش

بعد أن هدمت دولة المسلمين الجامعة, والواجب أن توجد في حياتهم, أصبحنا نعيش في دول متفرقة صنعها المستعمر, وأصبحنا نرسف تحت أغلال أنظمة تعادي الإسلام, أنظمة عميلة تحارب الوحدة, وتطبق أنظمة غير إسلامية, وتقدم بلادنا طبقاً للنهب لكل طامع, فصرنا أذلة فقراء مطاردين متهمين يضربنا أراذل الناس ليل نهار.  وعندما وجدت هذه الأنظمة أن المسلمين بدأوا يتحسسون تغيير حالهم حرصت على أن لا يعرفوا كيف ينتفضون وينهضون ويغيرون واقعهم, وعملت على أن تكون أفهام من يعمل للإسلام ضبابية إلى حد كبير, خصوصاً وأن المطلوب الأساس في التغيير والخلاص هو التخلص من سبب تردي حال المسلمين, وهو تفرقهم في دول تابعة للغرب, وعدم وجود المسلمين في كيان سياسي واحد هو دولة الإسلام. وقد نجحت الأنظمة في جعل فريق من أبناء المسلمين (يشتغل) للإسلام تحت عباءتها,  ومن خلال منظومتها الفاسدة, وبذلك احتوت عملهم وأمنت خطرهم. وبهذا انتهى المسلمون المضطلعون بالتغيير إلى فريقين أساسيين: فريق مبدئي (غير مضلل) يدرك أن الخلاص يكون بمعاداة الأنظمة والانقلاب عليها وعدم مهادنتها وقيادة المسلمين إلى تحكيم الإسلام في دولته الواحدة دولة الخلافة, وفريق أقل ما يقال فيه إنه غير واعٍ ومضلل يعترف بالأنظمة وشرعيتها ويعمل من خلال منظومتها الفاسدة التي تعادي الإسلام.

ما المطلوب من العمل الإسلامي؟

إن من لا يتعامى عن الحقائق القطعية السالفة في حال الأمة والتغيير الواحب يدرك أن المطلوب من العمل الإسلامي تغيير جذري يأخذ الأمة إلى التخلص من الأنظمة الغاشمة التي تحكمها, تغيير لا يعترف إطلاقاً بهذه الأنظمة التي تحارب الإسلام خدمة للمستعمر, تغيير يعمل من خارج منظومة هذه الأنظمة المجرمة وليس من داخلها (حكومة ومؤسسات وبرلمانات) من أجل هدمها, تغيير يعتبر حكام المسلمين أعداء, تغيير لا يبتلع طعم الأنظمة بالتصالح معها بينما هي تتصدى  – بكل شراسة- لكل من يرفع راية “لا إله إلا الله محمد رسول الله”, تغيير صادق غير مضحوك عليه,  تغيير يقود الناس إلى العود الحميد إلى فهم الإسلام الصحيح, تغيير يقود الناس إلى أن يسوسوا أمورهم بالإسلام من خلال تطبيقه في دولة الإسلام كما كانوا, تغيير يعيد للمسلمين وحدتهم الواجبة وعزتهم المسلوبة.

ماذا تريد الأنظمة من الحركات الإسلامية ؟

بعد أن أدركت الأنظمة الغاشمة في بلاد العالم الإسلامي أن هناك عاملين مخلصين واعين لإعزاز دين الله, وإعادة الحكم بالإسلام, فإنها باتت تريد شيئاً واحداً من تلك الحركات (الالتفاف على عملها): أن لا تنادي وتعمل من أجل زوالها. فإن حصل هذا (أي قبلت الحركات من حيث المبدأ التعايش مع أنظمة الجور والتبعية)  فإن الأنظمة تعتقد جازمة أن شيئاً لن يحصل ليهدد بقاءها. ولا يهم تلك الأنظمة بعد ذلك أن يرفع من (يعمل) للإسلام أي شعارات يريدها مثل “الإسلام هو الحل” أو “نريد أن نحتكم للإسلام” أو حتى “نريد خلافة” طالما أنه في جيبها ويعترف بها كأنظمة شرعية, ويعمل في مؤسساتها وتحت عينها. وهكذا يستمر التضليل للعمل الإسلامي, ولا يحقق شيئاً, بل إن مشاركة (الإسلاميين) في منظومات الحكم في العالم الإسلامي يضفي الشرعية عليها, ويصعب مهمة من يريد التخلص من هذه الأنظمة المستبدة من أبناء المسلمين المبدئيين.  وبالمناسبة, فإن موقف الأنظمة هذا مدعوم من الغرب ويحظى بمباركته.

ماذا يريد الغرب الذي يحارب الإسلام من الحركات الإسلامية؟

يدرك كل عاقل أن سياسة الغرب المعلنة تجاه من يعمل للإسلام تقوم على تقسيم المسلمين إلى أصوليين متطرفين ومعتدلين, وتقوم على مساندة ما يسمى بشبكات الإسلاميين (المعتدلين) وإبرازهم تضليلاً, وحتى إيصالهم إلى الحكم, طالما أنهم لا يشكلون خطراً على أسس وسياسات الكيانات السياسية في بلاد المسلمين, ولا يشكلون خطراً على وجود الغرب في بلادنا.  وما يحصل في تركيا (التي ظلت علمانية حتى النخاع وتنفذ سياسات أميركا و(إسرائيل) حتى بعض وصول ما يسمى بحزب العدالة والتنمية “الإسلامي” إلى سدة الحكم) أكبر دليل على مخططات الغرب التضليلية في عمل الحركات الإسلامية, حتى أصبحت هذه الحركات الدستورية, التي أوصلت إلى الحكم, عميلة للغرب وتنفذ مخططاته. والمؤلم أن كثيراً من أبناء المسلمين ينخدعون بتلك الحركات والأحزاب, ويظنون أنها تحقق إنجازات تخدم الإسلام والمسلمين.  إن قراءة بسيطة لحزب العدالة والتنمية التركي (الإسلامي) تري كيف أنه يعلن أنه بعيد كل البعد عن الإسلام, وأفكار الإسلام, وسياسة الإسلام. فهو يعلن عن نفسه أنه ليس معاد للغرب وأنه يؤمن بالديمقراطية, وأنه يريد لهوية تركيا أن تكون أوروبية, وهو حليف ليهود ويقيم معهم معاهدات عسكرية وغيرها, وأنه يريد أن يلعب دور العراب في ما يسمى محادثات سوريا ويهود السلمية, وأن قواته تشترك مع قوات الناتو في أفغانستان في حربها على الإسلام والمسلمين هناك، وأنه قبل كل شيء موال لأفكار مصطفى كمال عدو الإسلام الأول وهادم الخلافة. وبعد ذلك, وللأسف, نرى من يعتبره بطلاً إسلامياً. إن مثال حزب العدالة والتنمية يراد له أن يتكرر في غير مكان في العالم الإسلامي اليوم حتى يلتف على عمل أبناء المسلمين الواعين المخلصين ممن تحاربهم أميركا وأوروبا والأنظمة الغاشمة العميلة لها.

المواصفات التي يريدها الغرب في الحركات الإسلامية حتى يرضى عنها ويقبل بوجودها

إن الغرب تقوده أمريكا يعلن عن مواصفات يرغب ويعمل أن تكون في الحركات الإسلامية في بلاد المسلمين, حتى يناصرها في مواجهة من يصفه بالإرهاب والتطرف من أبناء المسلمين الذين لا يقبلون بالتعايش مع الأنظمة العميلة له. والغرب إذ يعلن ذلك, فإن كثيراً من أبناء المسلمين يعمى عليهم خطط وبرامج الغرب, ولا يدركون أنه يراد لهذه الحركات أن تقف بالمرصاد في طريق من يريد التغيير الحقيقي ولا يقبل أن يكون مطية للأنظمة وسياسات المستعمر. لقد آن الأوان أن يعرف أبناء المسلمين ماذا يحاك لهم, آن الأوان لأن يقرأ أبناء المسلمين ويتابعون ما يصدر عن دوائر السياسة الغربية فيما يتعلق بالحركات الإسلامية, وآن الأوان لأن يرفع كثير منا رؤوسهم من دفنها في التراب ليروا الحقائق كما هي. وأول تلك الحقائق أنه ليس كل من يظهر لنا أنه يخدم الإسلام وشكله إسلام وحديثه بعض إسلام هو في الحقيقة يقدم خيراً للإسلام! إن من لا يهدد (من الإسلاميين) الأنظمة التي يعمل من تحت سقفها وبمباركتها وبمباركة أميركا والغرب, ولا يشكل خطراً على وجودها, لا يجب أن يضحك على ذقون المسلمين, ولا يجب أن يحظى بثقتهم. وعلينا أن نكون أكثر وعياً في الحكم على تلك الحركات الملونة والمشبوهة, وما (تنجزه) للإسلام. كفانا مكابرة واستهتاراً بقضايانا وتعطيلاً لعقولنا. دعونا نرى الحقائق كما هي. ومن تلك الحقائق أن الأنظمة ومن ورائها الغرب يحرك بعض الحركات لمصالحه, ومن الحقائق أن هذه الحركات تقدم خدمات للكفار والأنظمة علمت بذلك أم لم تعلم, ومن الحقائق أن تلك الحركات لا تحقق شيئاً في أرض الواقع مع أنها تظن ذلك, ومن الحقائق أن الواقع ينطق أن تجاربها بالتحالف مع الأنظمة والاعتراف بها لا توصلها إلى شيء, ومن الحقائق أنه لا يكفي أن تحب تلك الحركات الإسلام بل أن تكون واعية على عملها, وأن لا تكون مغفلة مضحوك عليها وتستخدم. وأخيراً من الحقائق أن الله سيحاسب تلك الحركات على أفعالها وأقوالها وسياساتها وليس فقط على نواياها, فالنوايا وإن كانت صادقة لا تكفي عند لله, كمبرر للارتماء في أحضان الأنظمة والسير في ركابها ومهادنتها, كما أن الصلاة والصيام والقيام وإرخاء اللحى ليست مسوغاً يتخذ للتدليل على صدق العمل للإسلام, بينما نقف في صف الأنظمة ونعمل معها.

إن الغرب يريد إسلاميين (معتدلين) يتعايشون مع الكفر, ومع الأنظمة الغاشمة في بلاد المسلمين, إسلاميين لا يختلفون عن الليبيراليين العلمانيين إلا في الشكل. والناظر بتدبر في طروحات بعض الحركات الإسلامية المحتواة من الأنظمة يرى جلياً أنها لا تختلف عن طروحات الحركات العلمانية, وكفانا تشويهاً للحقائق ولعباً بالألفاظ، دعونا نحاكم الأعمال والأقوال والسياسات بعيداً عن المسميات والشعارات والأشكال.  وإن مثال حزب العدالة والتنمية التركي (الإسلامي) أكبر شاهد نقيس عليه. إن حزباً كحزب العدالة يدعي الإسلام, بينما هو في سياساته وطروحاته يتفوق على أبشع العلمانيين… إن حزباً كهذا أصبح أخطر على الأمة الإسلامية ألف مرة من أي حزب تركي علماني.

كيف تفكر الحركات الإسلامية التي تعمل مع الأنظمة وتحظى برضى الغرب؟

1- إن هذه الحركات حركات واقعية تسعى لمعالجة القضايا بمعزل عن مبدأ الإسلام, جاعلة الواقع الفاسد  الميزان والحكم والمرجع, وصولاً إلى عدم القدرة في النهاية على تصور الحلول لقضايا المسلمين إلا من خلال الواقع نفسه, وعدم تصور المنهج إلا الذي عليه الواقع الفاسد, وهذه هي القاصمة التي تقصم الدين.

2- وهذه الحركات لا تحدد أفكارها, وهي تسير بوسائل مرتجلة وملتوية, وهي تدعو إلى الإسلام بشكل مفتوح, محاولة تفسيره تفسيراً يتفق مع الأوضاع القائمة, الأوضاع التي ترضي الأنظمة والغرب.

3- وهذه الحركات لا تسعى للانقلاب على الواقع الفاسد, وتكتفي بترقيعه تجميلاً لصورة النظام البشع الذي تعمل من تحت عباءته على أساس أنه شرعي عندها لا يمكن الخروج عليه.  وقيادات هذه الحركات تعلن وعلى الدوام أنها لا تستهدف النظام, وأن أقصى ما تطلبه هو في أن يتحسن أداؤه تجاه بعض القضايا في هذا الوطن أو ذاك. وهي  بذلك لا تدرك عوامل تغيير المجتمعات, ولا تعي على ما يجب أن يكون عليه موقفها من النظام  والقوى السياسية وأعداء الإسلام. فهي, كما قلنا, تنطلق من أن النظام الفاسد -الذي تحكم به الأنظمة الموالية للغرب في بلاد المسلمين- لا يحتاج لأن يهدم كلياً, بل يمكن أن يرقع, وكفى الله المؤمنين القتال, وأنه يمكن أن نتحالف مع أية قوة سياسية, علمانيها قبل إسلاميها, وأن الكفار يمكن أن تلتقي مصالحنا معهم, فرأي العالم الحر الطيب عنا مغنم! وبذلك, فإن هذه الحركات تحافظ على الأوضاع القائمة, مستهدفة شكلاً من أشكالها, في بعض إصلاح وترقيع لا ينال إلا الجدران, ولا يتعرض للأسس والثوابت. إن مشكلة قيادات هذه الحركات أنهم يقومون على دعوة مفتوحة لأي شيء يحسبون أنه يخدم الإسلام, دون أن يعرفوا مقومات التغيير المطلوب, ودون أن يأخذوا بأسبابه وسننه, ولذلك  نراهم يقصرون الأمر على سبل لا تغير الواقع في الحقيقة, وهو أمر ينطوي على تضليل وتيئيس, وينطوي على سذاجة من جهة, وعلى المحافظة على مكاسب وجودهم في الساحة, ورضا النظام الفاسد عنهم من جهة أخرى.

4-  وهذه الحركات الواقعية محلية النظرة والعمل. وعالمية التصور والتحرك التي تستغرق الأمة كلها لا تعنيها.  وهي في إقليميتها, لا تقدم لجماعة المسلمين الخلاص, فهي لا تعرف شيئاً عن قضايا الأمة المصيرية (كتطبيق الإسلام في دولة جامعة للمسلمين توحدهم مرة أخرى), وتخلط بين أحجامها وأهميتها, وديدن تلك الحركات تقزيم القضايا, وبالتالي الحلول, في سبيل إنجازات آنية مستعجلة.

5- وهذه الحركات تحاول أن تظهر على أنها معاصرة ومعتدلة, متذرعة بمرونة الإسلام ومطواعيته. ولأن التوجه الفكري والسياسي لديها لا يمكن التراجع عنه لأنه مرسوم  لها,  فلا بد إذن من توجيه اللوم إلى من يتشددون في أمر الدين, ولا يقبلون المساومة, فهؤلاء (المتشددون) بحسب تلك الحركات, يريدون الفتنة, لأنهم يدعون للخروج على الأنظمة, وتطبيق الإسلام تطبيقاً انقلابياً. وبهذا فإن تلك الحركات تؤصل لمنهج تبريري يساوم على كثير من أحكام الإسلام, ولا يحصل على أية مكاسب لنفسه في ظل سلطة النظام الفاسد, إلا بمقدار ما يتنازل عن الإسلام, الأمر الذي يقدم للناس مثلاً سيئاً يعلمهم النفاق. وهكذا, فإن تلك الحركات مستعدة  لتطويع الإسلام, ليقبل أن يكون فيه ما ليس منه, مؤولة لأحكامه لكي تتناسب مع مقتضيات الواقع, ومتأثرة بالأفكار والأحكام والمقاييس المناقضة للإسلام, حتى غدت تلك الحركات من أدوات الواقع الذي يستغله أعداء الإسلام, فتراها تقبل أن يتهم الإسلام ما يؤدي إلى الركون إلى قوى الشر كشيء لا مناص منه. أما أبرز ما تدعو إليه تلك الحركات التي تعمل مع الأنظمة, تأصيلاً لمنهج التبرير والتأويل والانبطاح الذي تقوده: العقلنة, وفقه الواقع, وفقه المصالح, والضرورات والموازنات, وأن الصحوة الإسلامية عندها هي حركة تقدم وتوجيه وليست موجهة ضد أحد، لا في الشرق ولا في الغرب «وهي لا تريد أن يفهمها أحد خطأ, فمن قال إنها تريد أن تطبق الإسلام وحدوده؟! ومن قال أنها تريد دولة إسلام؟» وأن التقارب الحضاري مطلوب حتى لو قتل آخر مسلم على يد الجنود الأميركيين «وإننا نأمل أن تكون سياسة أوباما أفضل من غيره, ونرجو أن يكون عادلاً وأن يستمع للمسلمين حتى ينصفهم», وإن مهمة العمل الإسلامي (تجديد) الدين, وأن العمل الإسلامي مع الحرية والديمقراطية والحوار مع العقلاء من العلمانيين والحكام والغرب, والتعايش بين الحركات الإسلامية والسلطات القائمة في بلاد المسلمين, والاستعانة بدول الكفر في دعم قضايانا, والتحاكم إلى (الشرعة) الدولية  (والرباعية) كمظلة للجميع, ومداهنة الحكام والسكوت عنهم «بينما هم في حرب شرسة ضدنا, لكن مهما حصل منهم فهم ظهرنا وأخوتنا؟!», والدخول في برلماناتهم, والتذرع باتخاذ ذلك وسيلة لإقامة الدين وربما الخلافة, وغير ذلك.

6- هذه الحركات شخوصية, لأنها تقدم الأشخاص على الأفكار, وهي تدفع أصحابها لتقديس قياداتها, معطلين التفكير الجدي والمنتج, فتصبح الكلمة النهائية عندهم ليست للفكرة, بل لتلك القيادات التي طغى عليها فساد الواقع. ولأن تلك الحركات ليست مبدئية, فهي تصر على مواقفها ولو عرفت الحق. وهي سريعة النسيان وتتنكب باستمرار, فمهما أثبتت الوقائع والحوادث خطأ مواقفها, فهي لا تتعلم  من الدرس. ولذلك تراها  تتهم المبدئيين (ممن لا يقبلون بالتعايش مع الأنظمة الفاسدة) وتناوئهم, وتتهمهم بالتحجر والانغلاق وعدم التعاون في الانضمام إلى العاملين في الساحة؟!

سياسة الأنظمة تجاه هذه الحركات

إن الأنظمة الغاشمة في بلاد المسلمين سعيدة أن من أبناء المسلمين (ممن يظن أنه يعمل للإسلام) من لا يدعو للقضاء عليها, والتخلص من جرائمها في حق الإسلام والمسلمين خدمة لأعداء الدين. والنظام الفاسد في بلاد العالم الإسلامي يستخدم أبناء هذه الحركات أبشع استخدام لاحتوائهم والترويج لهم, لصرف أنظار الناس عن العمل الإسلامي المبدئي. فتارة يبرزهم النظام, وتارة يشركهم في منظومة حكمه لإفسادهم وحرفهم ومراقبتهم قبل أن ينبذهم نبذ النواة. وهذا الاستخدام شوه صورة العمل الإسلامي, وأوجد انقسامات بين المسلمين حول قضايا هامشية, وضاعف من حجم الصعوبات التي تواجه حركة التغيير الصحيح. ولا شك أن مشاركة أبناء تلك الحركات الواقعية  في الحكم طاعة للطواغيت, وركون إليهم وإطالة في أعمارهم, وهذا ما يميع الحل الصحيح, ويخلط فهم الناس عن النظام الفاسد, بعد أن يروا أبناء تلك الحركات يرتمون في أحضانه, متخذهم زينة يحلي بهم قبحه, وممرراً من خلالهم كفره وفجوره. وإن من غريب ما نرى اليوم وجود حركات إسلامية, تسمي نفسها معتدلة, يقبل بها ويروج لها الغرب, تتعامل مع ما أوجد الغرب من كيانات مصطنعة في بلاد المسلمين, تعامل الإصلاح وليس الاجتثاث.

هل تستيقظ هذه الحركات التي تعمل مع الأنظمة؟

أقول, وبكل المرارة, لا يتوقع أن تستيقظ هذه الحركات, فالخلل فيها في أساس فكرها وطرقها, فمن يقوم وينطلق في (الدعوة) إلى الإسلام على أساس أن الأنظمة – التي يرزح المسلمون تحت وطأة عمالتها وحربها على الإسلام- شرعية, ولا يلزم الخروج عليها, لن يحصد إلا بوار العمل وسخط الله حتى لو كانت نواياه صادقة, ومراده مخلص.

أخيراً أقول ما قاله عز وجل: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الملك 22] وقال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) [الفرقان 73]. أسأل الله العظيم أن يوفقنا لأن نستقيم على دينه ودعوته, حتى نلقاه وهو عنا راض. اللهم إنا نسألك الإخلاص الخالص لك في الفكر والعمل إنك سميع مجيب, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *