توريث الحكم في بلاد المسلمين
2010/07/17م
المقالات
4,745 زيارة
توريث الحكم في بلاد المسلمين
محمود أحمد المحمود
إن من أعظم ما ابتلي به المسلمون هو إقصاء الإسلام عن الحكم، ثم تولي حكام روبيضات أمور المسلمين، وهؤلاء بلغ شرهم مشارق المسلمين ومغاربهم، وعاثوا في أرض المسلمين فساداً وإفساداً وضلالاً وإضلالاً، حتى لم يبق حجر ولا شجر إلا ضاق بهم. واليوم يقوم فريق من هؤلاء الحكام الذي يدعي إيمانه بحق انتقال السلطة بالطريقة الديمقراطية (الزائفة) أو يسمي دولته “الشعبية” أو “الجمهورية” بتعميم أسلوب توريث الحكم تأسياً بالأنظمة الملكية الأخرى ليكمل الشر وتضيق الحلقة على أعناق المسلمين. وهذا المقال يكشف بعضاً ممن سعى ويسعى إليه أمثال هؤلاء الحكام الزائفين. ويبين كيف أن الغرب الذي يدعي نفاقاً أنه يؤمن باستبدال السلطة عبر صناديق الانتخابات، ويضعه شرطاً على الإسلاميين ليعتبرهم معتدلين، هذا الغرب اللعين يوافق على هذا التوريث، بل لا يحدث إلا إذا كان موافقاً عليه.
الحكم الشرعي في توريث الحكم
– روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما بألفاظ متقاربة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً عضوضاً».
– وفي صحيح ابن حبان بسنده عن سفينة قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «الخِلاَفَةُ بَعْدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً».
– وفي مسند أحمد بسنده عن النعمان بن بشير قال كنا قعوداً في المسجد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان بشير رجلاً يكف حديثه، فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد، أتحفظ حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأمراء؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَت».
– وفي سنن البيهقي الكبرى بسنده عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إنَّ اللهَ بدأَ هذا الأمرَ نبوةً ورحمةً، وكائناً خلافةً ورحمةً، وكائناً ملكاً عضوضاً، وكائناً عنوةً وجبريةً وفساداً في الأمة، يستحلُّونَ الفروجَ والخمورَ والحريرَ، ويُنْصَرُونَ على ذلك ويُرْزَقُونَ أبداً حتى يَلقُوا اللهَ عزَّ وجلَّ». وجاء مثله بالمعجم الكبير للطبراني، ومسند أبي داود الطيالسي، ومسند أبي يعلى.
إنه وفقاً لقواعد اللغة وقاموسها فإن العضوض هو كثير العض أو ما يعض عليه ويؤكل، وهو يدل على الذم الشديد. ويطلق العضوض على الكلب أو الذئب المسعور، كما يطلق على الفريسة التي وقعت بين أنيابه. و الكلمة جاءت حالاً من المُلك فهو وصف مباشر للملك.
وعندما يتعلق العض بالمُلك فإنه يعني أنه أصبح -حسب تعبير الرسول حرفياً- احتكاراً للملِك العاض، لا يسمح للآخر بالاقتراب مما هو بين أسنانه أي يديه، وفي نطاق المُلك ومصطلحاته: يصبح المُلك استئثاراً وغنيمة، كما يصبح قاصراً على العاض: مَلِكا معيناً كان أو نسلاً معيناً أو عنصراً معيناً أو قبيلة معينة، لا يتعداه إلى غيره من غير العاضين إلا بمعركة كما بين الكلاب المتصارعة، ومن ثم يسود التذلل للعاض، وتنتشر حوله مجموعات المتلهفين على فتاته، وتسود أشكال الشورى الهزلية النفاقية الداعمة لاستمرار حالة العض، وتختفي بالضرورة الشورى الجادة الحقيقية وينتفي حكم المحاسبة، ويترتب على ذلك انتشار الفساد كنتيجة لممارساته، ويصبح من ضرورات وجوده واستمراره.
ومن ثم فإنه وفي كلمة بليغة واحدة وتشبيه بالغ الدلالة حكم بتحريم توريث المُلك لا لكونه ناتجاً عن العض الكريه المنبوذ المستبشع كما صوره الحديث فحسب، ولكن أيضاً لأن العضوضية فيه تتضمن قطعاً عملية اغتصاب للحكم محرمة أصلاً وفقاً لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من طريق البخاري بسنده عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَنْ أَخَذَ مِنْ الأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ». ولا يغير من هذا الحكم أي انتخابات أو استفتاءات أو مبايعات يحصل عليها الملك -وهو جالس على كرسيه- اغتصاباً فجاً، أو اغتصاباً بتشريع التوارث، لأنها -أي هذه الانتخابات أو الاستفتاءات أو المبايعات- إنما تأتي -في هذه الأحوال- مزورةً فعلاً أو حكماً، وتأتي جبراً بتهديد ظاهر أو مقنع ، لتثبيت أسنان العاض على المعضوض.
«توريث» الحكم في الأنظمة الجمهورية العربية
في سنواتها الأولى، كانت الجمهوريات العربية تفاخر بأنها ليست وراثية، وكان قادة الجيل الأول لهذه الجمهوريات، وأجهزتها الإعلامية، وتحديداً في سوريا ومصر وليبيا، ينتقدون بعنف ما يسمونه بـ”أنظمة الحكم الملكية الرجعية” وكانت العلامة الفارقة لهذه “الرجعية”، حسب الطرح الجمهوري حينها، أن الحكم فيها وراثي. المفارقة أن فكرة توريث الحكم في الجمهوريات العربية ظهرت أول ما ظهرت في هذه الدول الثلاث، وعلى مقربة منها اليمن، فضلاً عن التجربة العراقية التي لم تكتمل بنهاية نظام حكم صدام حسين في العراق ورحيل نجليه عدي وقصي اللذين توليا سلطات كثيرة تمهيداً لوراثة أحدهما الحكم بعد والده
في أواخر العام 2009م أصدر معهد كارنيجي لأبحاث السلام الدولي في الولايات المتحدة، دراسة حول سيناريوهات توريث السلطة في كل من مصر وليبيا واليمن تحت عنوان: “الولد مثل والده: الجمهورية الوراثية في مصر وليبيا واليمن”، تناول فيها احتمالات انتقال السلطة من الرؤساء الآباء إلى “الرؤساء الأبناء”، في الدول العربية الثلاث.
وذكرت الدراسة، التي أعدها الباحث التونسي وأستاذ العلوم البريطانية، العربي صديقي، أن أنظمة الحكم المستبدة في الدول العربية أتقنت مهارات العلاقات العامة ومفردات الديمقراطية وحقوق الإنسان والاقتصاد الحر، في حين احتفظت بكل الآليات الاستبدادية في صناعة القرار. وأضافت أن “النـزعة الاستبدادية” في الأنظمة الجمهورية العربية وصلت إلى درجة تحويل الدول إلى “وسيلة لتحقيق مصالح عائلية محددة وليست مصالح عامة”، وصولاً إلى محاولة إقامة أسر حاكمة في أنظمة جمهورية. ومن ذلك:
سوريا: من الأسد الأب إلى الأسد الابن
كانت سوريا صاحبة السبق قبل غيرها في ملف التوريث السياسي، حيث يبدو أن فكرة الإعداد لانتقال الحكم من الأب، حافظ الأسد لابنه باسل الأسد قد بدأت منذ أواخر الثمانينات. وعندما توفي باسل في حادث سير بدأ التحضير ليكون الابن الآخر، بشار هو الوريث بعد أبيه. وهو ما حصل بالفعل بعد وفاة الرئيس الأب في تموز/ يوليو 2000م.
ولضمان تغيير القيادة في سوريا المخطط له مبكراً مهد حافظ الأسد لانتقال السلطة تمهيداً محكماً. وقبل وفاته قام في الوقت المناسب بإقصاء الشخصيات القوية داخل الحكومة والتي قد تكون خطراً على ابنه. وفي حزيران/ يونيو 2000م ترك مجموعة قيادية تقف خلف بشار، وبهذا تم التوريث دون مشاكل. فبعد إعلان خبر وفاته قام البرلمان بجعل الحد الأدنى لعمر الرئيس 34 عاماً بدلاً من 40 عاماً، وبعد أسبوع عين حزب البعث بشار الأسد سكرتيراً عاماً له ومرشحاً للرئاسة وقائداً أعلى للقوات المسلحة. وبعد شهر تم انتخابه عبر استفتاء، حصل فيه على 97% من الأصوات، وفي 17/7/2000م أدى بشار الأسد قسم اليمين الدستورية كرئيس للبلد
مصر: جمال مبارك
“مولود وفي فمه ملعقة من ذهب”.. هذه العبارة يطلقها الكثير من المصريين على جمال النجل الأصغر للرئيس مبارك، فمنذ ولوجه الأول إلى عالم السياسة، وانضمامه عام 2000م إلى عضوية الحزب الوطني الحاكم الذي يرأسه والده، كان ذلك مقدمة لصعود نجمه سريعاً مخترقاً عالم السياسة في طريقه للوصول لقمة الهرم السياسي في مصر.
وعن سيناريوهات التوريث في مصر، تقول دراسة معهد كارنيجي إن المسرح يعد لتقديم جمال مبارك باعتباره المرشح الوحيد للحزب الوطني الحاكم، ولكن الأمر لن يكون سهلاً إذا لم تتم عملية نقل السلطة إليه في وجود والده.
الخلفيات السياسية المتواضعة لنجل الرئيس دفعته لاختيار الدخول إلى معترك السياسة من باب “البزنس” (عالم الأعمال)، وبسرعة التفّت حوله جيوش من رجال الأعمال المتعطشين لبناء ثروات سريعة، وهؤلاء شكلوا مخزونه الاستراتيجي في معركته الصامتة نحو مزيد من الصعود السياسي.
ويقول معارضون مصريون إن الحزب الوطني جاء مدخلاً شبه قانوني لتبرير الدور السياسي المتنامي لجمال مبارك في التأثير على السياسة الداخلية المصرية بشكل تدريجي، حتى وصل دوره إلى حد اختيار أكثر من نصف وزراء الحكومة الحالية، فضلاً عن تأثيره في اختيار رؤساء التحرير في الكثير من الصحف الحكومية.
تنامى دور جمال مبارك داخل الهيكل التنظيمي للحزب الوطني، منذ حصوله على عضوية الأمانة العامة للحزب الحاكم في عام 2000م، قبل صدور قرار في 17/9/2002م بتعيينه رئيسًا لأمانة السياسات بالحزب، التي وصفها حينئذ صفوت الشريف، الأمين العام للحزب، بأنها “قلب الحزب النابض”، في إشارة واضحة لدورها المرتقب أو المرسوم لينتقل بذلك مركز القوة عملياً إلى الأمانة المستحدثة، ورئيسها الجديد جمال مبارك، وليس إلى الأمانة العامة، بعد إقصاء يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة عن منصب الأمين العام للحزب، وبعد تقليص صلاحيات منصب كمال الشاذلي أمين التنظيم، ليصبح مبارك الابن بذلك هو الرجل القوي عمليًّا داخل الحزب الوطني.
وقد أوردت صحيفة واشنطن بوست تقريرًا تناول الحالة السياسية في مصر، وذكر التقرير أن الرئيس المصري حسني مبارك يعمل على توفير المناخ الملائم لتولي نجله جمال مبارك الأمين العام المساعد للحزب الوطني الحاكم منصب الرئاسة بعد أن يتخلى عنها الرئيس مبارك.
ولا حديث يشغل الأوساط السياسية المصرية سوى عن ترشح جمال مبارك للرئاسة في الانتخابات المقبلة عام 2011م دون وجود مرشحين لهم ثقل أمامه، ليكون وصوله إلى السلطة في شكل ديمقراطي، وليس “توريثاً”.
ليبيا: تسويق سيف الإسلام القذافي من باب «الإصلاح»
مع تكليف سيف الإسلام القذافي رسمياً بمنصب منسق القيادة الشعبية الاجتماعية في ليبيا، يكون قد أصبح الرجل الثاني في البلاد بعد والده، ومن الناحية الشكلية، رئيس الدولة. وبحسب اللوائح الداخلية للقيادات الشعبية الاجتماعية (تعتبر المرجعية العليا للنظام الجماهيري الليبي الذي يدار عن طريق مؤتمرات شعبية تقرر ولجان شعبية تنفذ)، فإن كلاً من مؤتمر الشعب العام (البرلمان) واللجنة الشعبية العامة (الحكومة) والأجهزة الأمنية ستكون تحت مسؤولية سيف الإسلام القذافي.
وأنشأ سيف الإسلام مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية التي أنشئت سنة 1998م. حيث ساهم في حل الكثير من المشاكل الدولية لمصلحة بلاده، ومن بينها قضية الممرضات البلغاريات وعودة عبدالباسط المقرحي المتهم بتفجير طائرة لوكربي إلى ليبيا.
ويقود سيف الإسلام القذافي مؤخراً “تياراً إصلاحياً”، حيث دعا في أغسطس 2006م إلى استحداث دستور ثابت لليبيا، كما دعا في خطاباته إلى التحول السياسي مما وصفه “ليبيا الثورة” إلى “ليبيا الدولة”، ووجه انتقادات حادة للنظام السياسي الليبي.
اليمن: صراع نجل الرئيس مع رفيق دربه.
تؤكد تقارير غربية أن الرئيس اليمني يمهد الطريق لابنه أحمد علي صالح لتولي السلطة من بعده، وخصوصاً بعد تعيينه قائداً للحرس الجمهوري، وللقوات الخاصة بمكافحة الإرهاب وهو الوتر الذي يستجلب دعم الغرب.
وفاز عام 1997م بعضوية مجلس النواب عن إحدى دوائر العاصمة صنعاء. وهو رئيس مجلس الإدارة في مؤسسة الصالح الاجتماعية الخيرية للتنمية، ورئيس فخري لكل من: نادي التلال الرياضي في مدينة عدن، وجمعية المعاقين حركياً (ليكسب التأييد الشعبي).
ويقول المحلل السياسي اليمني عبدالسلام محمد أن الرئيس صالح ونجله استغلا الحروب الخمسة الفاشلة مع الحوثيين في إضعاف القدرات العسكرية لعلي الأحمر الملقب بـ”الجنرال” (وهو أخ غير شقيق للرئيس علي عبد الله صالح ورفيق دربه) من خلال الزج بجميع آليات وجنود الفرقة الأولى “مدرع” التي يرأسها “الجنرال” في حين برز دور الابن في الانتصار على الحوثيين في الحرب السادسة، كما يقرب الابن من الحكم على حساب عمه… وهذا الاحتمال قد تعززه محاولات متعددة لاغتيال “الجنرال” في أثناء وجوده بين جنوده في مناطق المعارك، رغم أنه ظل على مدار الـ30 سنة الماضية مساهماً بقوة في توطيد أركان حكم الرئيس صالح.
يمكننا القول، ونحن مطمئنون، إن الشر كله اجتمع في أمثال هؤلاء الحكام، ومن سبقنا من المسلمين ممن لم يعيشوا مرحلة الحكم الجبري، كانوا ليتصورون أن هؤلاء الحكام سيحكمون بالإسلام ولكنهم وصلوا إلى الحكم بصورة جبرية، بيد أنهم من حيث الواقع فإن حكام اليوم أعطوا كل دليل على أنهم الأسوأ في كل شئ فهم:
– حكام وصلوا إلى الحكم بالقوة والقهر والغلبة والويل كل الويل لمن يعارضهم.
– حكام يحكمون بغير ما أنزل الله.
– حكام يأكلون أموال الناس بالباطل ، وينشرون الفساد ، ويفرضون الظلم والذل والفقر على شعوبهم
– حكام أعداء لشعوبهم ولدينهم.
– حكام عملاء للغرب يسخرون إمكانات وثروات البلاد له.
– حكام لا يتخلون عن الحكم إلا بالموت، حتى لو كان ظاهر حكمه جمهورياً أو ديمقراطياً أو شعبياً…
– والآن الحكام يفتحون على الأمة باب شر جديد. وهو توريث الحكم لأولادهم، وإن لم يكن عندهم أولاد أو كان أولادهم قاصرين فلأقاربهم… وبهذا استطاع هؤلاء الحكام، لسعة شرهم، أن يضيفوا إلى الحكم الجبري الحكم العاض وذلك بإضافة التوريث في الحكم إليه.
طبعاً نحن لم نذكر الجميع، فهناك زين العابدين المريض بالسرطان ووريثه صهره لابنته صخر الماطري، وإذا تم ذلك فسيحدث تعديل دستوري لجهة العمر، إذ إن عمره 34 عاماً والدستور ينص على أن المرشح للرئاسة يجب أن يبلغ الـ40 عاماً.
وهناك محاولة الرئيس الجزائري بوتفليقة لفرض أخيه السعيد بوتفليقة كرئيس قادم للجزائر… وهكذا لن يكون باب التوريث مقفلاً على من ذكرنا بل هو باب سيفتح على مصراعيه. هذا في البلاد التي تسمي نفسها نفاقاً جمهورية وشعبية وديمقراطية. وتمارس الاستبداد والنفاق على شعوبها. والعمالة للغرب أعداء الأمة.
وما ذكرناه لا يطال الأنظمة الملكية التي لا تقل إجراماً عن سابقاتها والتي تمارس توريث الحكم جهاراً نهاراً معتبرين أن الأرض والشعب والمال ملكاً لهم ، وهؤلاء وإن كانوا أقل نفاقاً إذ يتوارثون الحكم جهاراً ولكنهم ليسوا أقل إجراماً. إذ يسلمون أمر شعوبهم إلى عدوهم من الغرب كالفريق الأول سواء بسواء، وبستبدون بثروات الأمة ويصرفونها على ملذاتهم ويوزعونها على أفراد أسرهم وكأنها ملكية خاصة لهم، مع أن الشرع جعلها ملكية عامة تستحق للأمة كلها غنيها وفقيرها، وأبيضها وأسودها، وحقيقة الأمر أن هؤلاء ناهبون مختلسون…
إن هؤلاء الحكام لم يكتفوا بإذلال الأمة، وجعلها في مؤخرة الأمم وإيصالها إلى الحضيض في كل شيء، بل هم يصرون عن طريق توريث الحكم إدامة الأوضاع السيئة والاحتفاظ بكعكة الحكم الدسمة.
أما الغرب ذلك المنافق الكبير الذي يدعي حماية الشعوب المستضعفة ونشر الحريات والسلام، فإنه يقف وراء كل مسرحيات انتقال الحكم وتوريثه. إذ إنه يعتبر نفسه صاحب المصلحة الأولى في هذا، ولا يجري شئ من كل ما ذكرناه إلا بإرادته. وكل حاكم لا بد له أن يؤمن رضى الدول الغربية التي هو عميل لها قبل أن يقدم على ذلك، فإذا ما جاءه الضوء الأخضر فإنه يسلك طريقه وإلا فلا، وقد ذكرت شبكة المحيط الإلكترونية في 28/3/2010 تحت عنوان: “إدارةأوباما توافق على توريث حكم مصر لـ”مبارك الابن”: فجر خبير أميركي فى الشأن المصرى مفاجأة من العيار الثقيل بكشفه النقاب عن موافقة الإدارة الأميركية الحالية والسابقة على توريث حكم مصر، لجمال مبارك نجل الرئيس المصري والأمين العام المساعد للحزب الوطنى الحاكم وأمين لجنة السياسات، رغم أن ذلك يعد انتهاكاً للقيم الأميركية وهو ما يثير الاشمئزاز»، على حد قوله. وقال جيسون برونلى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تكساس – أوستن: “إن جمال مبارك حصل على مباركة آخر رئيسين لأميركا، حيث زار واشنطن عام 2006م والتقى بالرئيس الأميركى فى ذلك الوقت جورج بوش الابن، ثم التقى بالرئيس الحالى باراك أوباما عندما زار الأخير القاهرة، كما أن جمال مبارك يحظى بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي فى واشنطن”. وأضاف برونلي لصحيفة “الشروق” المستقلة: “إنه خلال عام 2006م ذهب جمال مبارك للبيت الأبيض وقابل مستشار الأمن القومى الأميركى ونائب الرئيس ديك تشينى، وقابل سريعاً الرئيس الأميركي حينذاك جورج بوش. كذلك قابل السيناتور جون كيرى، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي”.
وأشار إلى أن “الرئيس مبارك لم يسمح طوال سنوات حكمه الثلاثين بظهور أى شخص يمكن أن يكون رقم 2، حتى عندما لمع نجم وزير الخارجية السابق عمرو موسى أبعده عن الحكومة”.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإننا نمد نظرنا إلى أمثال حكامنا الحقيقيين الذين نفتقدهم في مثل هذه الأيام الحالكة ونقول:
رحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): لما كانت صلاة فجر الثالث والعشرين من ذي الحجة في السنة الثالثة والعشرين من هجرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، وفعل عمر كعادته، فما هو إلا أن كبر حتى سمُع يقول: قتلني الكلب، وقد طعنه أبو لؤلؤة ست طعنات، وفقد عمر بعد ذلك وعيه، وكان عمر (رضي الله عنه) يخشى ما هو قادم عليه، فالمؤمن بين الخوف والرجاء، فيخاف عمر أن يكون قد قصر بحق الرعية ومسؤوليته، ويقول لمن كان حاضراً “وما أصبحت أخاف على نفسي إلا بإمارتكم هذه”. وكان ابن عباس (رضي الله عنهما) يريد أن يطمئنه ويخفف عنه، فيذكره بمكانه عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعند أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بشره بالجنة، فكان عمر (رضي الله عنه) يقول “والله لوددت أني نجوت منها كفافاً لا علي ولا لي، والذي نفسي بيده، لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها لا أجر ولا وزر. فقال ابن عباس: لقد كان إسلامك عزّاً، وإمارتك فتحاً، ولقد ملأت الأرض عدلاً. فقال عمر: أتشهد لي بذلك يا ابن عباس؟ فقال علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لابن عباس: قل نعم وأنا معك. وكان عمر (رضي الله عنه) لا يريد أن يستخلف إلا أن ابنه عبد الله قد أقنعه بذلك. قال عمر: قد رأيت من أصحابي حرصاً شديداً، وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النفر الستة الذين مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو عنهم راض، ثم قال: لو أدركني أحد رجلين، فجعلت هذا الأمر إليه لوثقت به. سالم مولى أبي حذيفة وأبو عبيدة بن الجراح فإن سألني ربي عن أبي عبيدة قلت: سمعت نبيك يقول: إنه أمين هذه الأمة، وإن سألني عن سالم قلت: سمعت نبيك يقول: إن سالماً شديد الحب لله. قال: المغيرة بن شعبة: أدلك عليه عبد الله بن عمر؟ قال: قاتلك الله، والله ما أردت الله بهذا، لا أرب لنا في أموركم، وما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي، إن كان خيراً فقد أصبنا منه، وإن كان شراً فبحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد ويسأل عن أمر أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أما لقد جهدت نفسي، وحرمت أهلي، وإن نجوت كفافاً لا وزر ولا أجر إني لسعيد».
رحم الله عمر, مات وكل همه كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم ولم يقبل بتوريث ولده. فأين أمثاله اليوم؟ اللهم أرنا في حكام هذا الزمان من طواغيت الكفر وأذنابهم آية. لقد جار علينا الزمان، وانقلبت علينا الأمم تتداعى علينا كما تتداعى الأكلة على قصعتها، يحكمنا أمراء سفهاء، ويتكلم في أمورنا الرويبضات يحللون ما حرّم الله ويحرمون ما أحلّ الله. إن السبيل الأوحد لتغيير هؤلاء السفهاء، وإراحة الناس من شرورهم كلياً وقطع دابرهم من أولادهم وأقاربهم وكل ما يمت إليهم بصلةٍ يكون بإقامة حكم الله في الأرض عن طريق الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تحفظ على الناس دينهم ونفوسهم وكراماتهم وأموالهم واّخرتهم. وعلى الله قصد السبيل.
2010-07-17