حكام البلاد الإسلامية: ولاة أمور تجب إطاعتهم، أم حكام جبريون تجب إطاحتهم؟
2016/07/17م
المقالات
4,540 زيارة
حكام البلاد الإسلامية:
ولاة أمور تجب إطاعتهم، أم حكام جبريون تجب إطاحتهم؟
أبوبكر عبد الرحمن الغماري
أوجب الله تعالى طاعة أولي الأمر بقوله سبحانه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء 59]، وبقول رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ» رواه مسلم، وجعل طاعة أولي الأمر إن التزموا بالشرع من طاعة الله ورسوله ، فالطاعة في المعروف سواء أكانت في المنشط أو المكره، في اليسر أو العسر بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» متفق عليه، وبقوله عليه الصلاة والسلام: «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ إِلا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ» رواه مسلم، وأمر عليه الصلاة والسلام بالصبر على طاعة الإمام ولزومها وعدم مفارقة الجماعة وإن ظلم فأكل المال وجلد الظهر، وحرّم منازعته الأمر أو الخروج عليه أو بيعة أحد على بيعته بقوله عليه الصلاة والسلام: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ للأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ» رواه مسلم، «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رواه البخاري ومسلم، «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا» رواه مسلم، فهذا هو حكم الله، ولن تجد لحكم الله تبديلاً أو تحويلاً ما بقيت السموات والأرض.
علماء هذ الزمان
– ولقد قام علماء في زماننا هذا، زمن الفتن والشرور، فتن كقطع الليل المظلم، كل فتنة تلعن أختها وتجعل الحليم حيراناً، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، و يخوّن فيها الأمين ويؤمّن فيها الخائن، قام هؤلاء فقالوا وأفتوا على سيف المعز وذهبه بانطباق هذه الأحكام على حكام هذا الزمان، وقالوا بثبوت ولايتهم على بلاد الإسلام، فأوجبوا طاعتهم، وحرموا معصيتهم، وأجازوا قتل من ينابذهم بل أوجبوا ذلك، ووصفوهم بأقبح وصف، ونعتوهم بخوارج العصر. فكان لزاماً علينا نحن ثُنّاء الركب، طلاب العلم ودُرّاس الشريعة أن نقوم فنقول لهم: حسبكم لقد قلتم بغير ما أراكم الله، ونطقتم بكلام يغضب الرب سبحانه، فضللتم وأضللتم، فكتم العلم في موطن يجهل فيه الجاهل إثمه عظيم، فما بالكم بقولكم الباطل في موطن يجهل فيه الجاهل! فمنكم إن لم يكن جُلكم أهل شيب، والشيب نذير الموت، فهو نذيركم إلى ربكم في وقفة بين يديه تشيب رأس الوليد.
وكان لزاماً علينا كذلك عملاً بقوله سبحانه: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) [الأحزاب 39]، وحرصاً على العلم وأهله من أن تشوبهم شائبة ممن ضَلّ وأضل، وحرصاً على تبصرة العامة، ونزع الغشاوة عن أعينهم، ومعذرة إلى ربنا، أن نبين الحق في هذه المسألة مستعينين بحول الله وقوته، سائلين الله التوفيق والسداد والرشد في الرأي:
1) إن ثبوت ولاية الحاكم تكون بالبيعة فقط، فلا تثبت الولاية بمجرد الاختيار، وهذا ما جاءت به النصوص الشرعية، فعن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ تَكْثُرُ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» رواه مسلم، وعن عبادة بن صامت قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ» رواه البخاري، وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رواه مسلم، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ» رواه مسلم، فهذه الأحاديث وغيرها، وحوادث بيعة الخلفاء الراشدين من قبل الصحابة رضوان الله عليهم تدل دلالة قطعية على أن البيعة هي التي تثبت بها الولاية للحاكم على المسلمين، وليس بمجرد حصول الاختيار من قبل المسلمين لشخص الحاكم، فالبيعة يجب أن تعقب الاختيار. والبيعة هي عقد، كعقد البيع والنكاح والإجارة، ودليل ذلك ما رواه البخاري في باب بيعة الصغير عن أبي عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام وكان قد أدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت يا رسول الله بايعه فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «هُوَ صَغِيرٌ فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ»، ودلالة الحديث أن الصغير لا تؤخذ منه البيعة، ولا تؤخذ له، بصفتها عقد كباقي العقود الشرعية لا تصح أن تصدر من الصغير، فهي عقد بين الحاكم والأمة، عقد مراضاة واختيار، إيجاب وقبول بين طرفي العقد، المسلمون أو من يمثلهم أو أهل الحل والعقد فيهم من جهة، ومن اختاره المسلمون لمنصب الحكم من جهة أخرى، بموجبه يستلم الحاكم سلطان المسلمين ليحكمهم بالإسلام، وبموجبه يستحق السمع والطاعة من قبل المسلمين.
فالبيعة عقد كسائر العقود الشرعية، له أركان وشروط، وهذا ما دلت عليه أحاديث البيعة سالفة الذكر، وهذه الأركان والشروط سنذكرها بشيء من التفصيل، فأركان عقد البيعة هي:
-
العاقدان، (الأمة والحاكم).
-
المعقود عليه، (تطبيق الإسلام).
-
صيغة العقد.
أولاً: العاقدان، (الأمة والحاكم).
الطرف الأول: الأمة:
فالأمة هي صاحبة السلطان، فهي التي تختار من يشغل منصب الحكم، وهي من تعقد له البيعة، وهذا ما دلت عليه أحاديث البيعة، فالمسلمون يباشرون هذا الحق إما بالانتخاب المباشر لشخص الحاكم، أو بأن يعهدوا للحاكم السابق أن يختار بالنيابة عنهم، فيعقد له المسلمون بعد موت الأول، أو أن يعهدوا لأهل الحل والعقد فيهم، أو أن ينتخبوا ممثلين عنهم فيباشرون الاختيار والعقد للحاكم بالنيابة، على أنه يشترط فيهم أن يكونوا جمعاً يتحقق في نصبهم للحاكم رضا المسلمين، بأي أمارة من أمارات التحقق، سواء أكان ذلك بكون المبايعين أكثر أهل الحلّ والعقد، أم بكونهم أكثر الممثلين للمسلمين، أم كان بسكوت المسلمين عن بيعتهم له، أم بمسارعتهم بالطاعة بناء على هذه البيعة، أم بأي وسيلة من الوسائل، ما دام متوفراً لهم التمكين التام من إبداء رأيهم، لأن السلطان حق للأمة كما أسلفنا، فيجب أن يتوفر رضا المسلمين لمن يحكمهم. الطرف الثاني: الحاكم:
قلنا بأن الأمة هي صاحبة السلطان، فهي من تختار شخص الحاكم، وهي من تعقد له البيعة، وقد اشترط الله في كتابه وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) شروطاً يجب توفرها في من يلي أمر المسلمين، فالمسلمون مقيدون في اختيارهم للحاكم بهذه الشروط، وهي سبعة شروط، وهي أن يكون مسلماً، ذكراً، بالغاً، عاقلاً، حراً، عدلاً، من أهل الكفاية قادراً على القيام بأعباء الحكم.
ثانياً: المعقود عليه، (تطبيق الإسلام).
لقد فرض الله سبحانه على المسلمين أن يحكموا ويتحاكموا إلى ما أنزل الله، فقال سبحانه وتعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) [المائدة 48]، وحرم عليهم حكم الطاغوت فقال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء60]، وقال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة 44]، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [المائدة 45]، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [المائدة 47]، فالأمة تتنازل عن سلطانها بموجب عقد البيعة للحاكم ليحكمها بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فكان المعقود عليه هو تطبيق الإسلام.
وتطبيق الإسلام من الحاكم على المسلمين يظهر في تطبيق الإسلام في الداخل وذلك بإقامة نظام الحكم على أساس الإسلام، وبإقامة النظام الاجتماعي والاقتصادي وسياسة التعليم، وفي الخارج عن طريق إقامة سياسة خارجية تتمحور حول نشر الدعوة والجهاد:
ثالثاً: صيغة العقد.
صيغة العقد هي ركن من أركان العقد، لا يتم العقد إلا به، فلكل عقد من العقود الشرعية ألفاظ تعبر عن ماهيّته وعلى ماذا يكون، فللبيع ألفاظ تعبر عنه، وللنكاح ألفاظ تعبر عنه، والبيعة كذلك لها ألفاظ تعبر عنها، فالبيعة عقد مراضاة واختيار، إيجاب وقبول بين طرفي العقد، المسلمون أو من يمثلهم أو أهل الحل والعقد فيهم من جهة، ومن اختاره المسلمون لمنصب الحكم من جهة أخرى، فتتنازل الأمة عن سلطانها بموجب العقد للحاكم ليحكمها بالإسلام، بألفاظ تدل دلالة صريحة على ذلك، كأن تقول له : بايعناك لكي تحكمنا بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلينا السمع والطاعة لك في المنشط والمكره والعسر واليسر وأثرة علينا، ويتم القبول من الحاكم.
هذه هي أركان وشروط عقد البيعة، ولا بد من صحتها حتى تنعقد البيعة للحاكم من قبل الأمة، وبذلك تثبت ولاية الحاكم شرعاً، فيستحق السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر، ويحرم على المسلمين منازعته أو الخروج من طاعته أو الخروج عليه مادام يطبق الإسلام، وما دامت الشروط الشرعية متوفرة فيه.
هذه هي الأحكام الشرعية التي جاءت تتعلق بالحكم بالإسلام وبالحاكم من حيث ولايته وثبوتها شرعاً، وطاعته وعدم منازعته الأمر أو الخروج عن جماعته، وكيفية تنصيبه من المسلمين أو عزله، والتي جاءت النصوص الشرعية مبينة ومفصلة لها، وليس للعبد أن يحيد عنها أو يتخير فيها، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب 36].
وقد طُبقت هذه الأحكام والتزم بها المسلمون طيلة عيشهم، منذ العصر الأول للدولة الإسلامية، ومروراً بالعصر الأموي، ثم العباسي، وحتى أواخر العصر العثماني، وبعد أن أعلن مصطفى كمال هذا اليهودي المجرم إلغاء الخلافة في إستانبول، وساعده في ذلك خونة الترك والعرب بزعامة بريطانيا رأس الكفر آنذاك، فهدمت دولة الإسلام، وغُيبت هذه الأحكام، ومزقت بلاد الإسلام، واحتلت من قبل الكافر المستعمر، وقبيل خروجه منها ظاهرياً نصب على كل مزقة منها حاكماً يوالي الكفار، يأتمر بأمرهم، وينتهي بنهيهم، وجعلوا له راية وسلطان عميين.
وعلى ضوء ما ذكرناه يجد الناظر في واقع حكام بلاد المسلمين اليوم أنه لا تثبت لهم ولاية شرعاً، ولا يعتبرون حكاماً شرعيين للمسلمين، وليسوا بولاة أمر للمسلمين، فلا تجب طاعتهم، ولا إثم في عصيانهم فيما جاء الشرع فيه، ولا اعتبار لجماعتهم، وذلك لما يلي:
1- لم يأت هؤلاء الحكام إلى السلطة ببيعة شرعية من قبل المسلمين، وإن جاؤوا باختيار من قبل بعض المسلمين عن طريق صناديق الاقتراع، ولا نريد أن ندخل في بحث حقيقة هذه الانتخابات وصناديق الاقتراع، هل كانت صورية أم حقيقية، فصناديق الاقتراع أصبحت مشهورة بصناديق التزييف والتزوير والخداع والتي ينال فيها الحاكم 99% من الأصوات.
2- إن الأمة هي صاحبة السلطان، وهي تختار من يحكمها، واختيارها مقيد بأحكام شرعية، فلا بد لمن تختاره الأمة للحكم أن يكون قد توفرت فيه الشروط الشرعية الواجب توفّرها لمن يشغل هذا المنصب، وهي سبعة شروط أسلفنا ذكرها، وحقيقة حكام اليوم أنهم فاقدون لبعض هذه الشروط إن لم يكن جُلها، ونذكر أبرزها:
إننا وإن كنا لا نكفر مسلماً إلا ببينة شرعية وقطعية وحكم يصدره صاحب صلاحية شرعية، إلا أن حكام اليوم قد صدرت عنهم أعمال وأقوال جعلت كثيراً من المسلمين لا يثقون بدين هؤلاء ويكفرونهم، فهؤلاء في أفضل الأحوال ليس لهم من إسلامهم إلا أدناه.
أ) الإسلام : فبعض هؤلاء الحكام قد خرج من الإسلام لتلفظه وقيامه بأعمال تخرج من الملة، ونحن يلزمنا الظاهر ولم نؤمر بشق القلوب والكشف عن السرائر.
ب) العدالة: هي شرط لازم توفّره كما أسلفنا في الحاكم، فلا يصح ولاية الفاسق، وحكام اليوم قد ظهر عليهم الفسق وجاهروا به.
ج) الحرية: أي أن يكون الحاكم حراً، وهي ضد العبودية، فيستطيع أن يملك نفسه أو أن يتصرف بحسب إرادته، وهذا لا يتوفّر في حكام البلاد الإسلامية اليوم، فحكام البلاد لا يملكون إرادتهم، ولا يستطيعون أن يتصرفوا في حكمهم وفي إدارتهم للبلاد كما يريدون، فإرادتهم محكومة بإرادة الدول الكافرة المستعمرة، فلا يبتون في أمر، ولا يقيمون تصرفاً إلا تحت بصر وسمع الغرب الكافر، فهم أشبه بالعبد الذي يملكه سيده.
3- لا يطبقون الإسلام، فلا يحكمون بالكتاب والسنة، وهذا يظهر كما يلي :
أ) نظام الحكم وشكله تجده جمهورياً أو ملكياً، وهذا لا يقره الإسلام، فنظام الحكم في الإسلام هو نظام الخلافة.
ب) السياسة الداخلية ليست على أساس الإسلام، فلا يحكمون بأنظمته، ولا يتحاكمون لنظمه.
ج) السياسة الخارجية ليست على أساس الإسلام، فلا يقومون بنشر الإسلام بالدعوة والجهاد، بل تجدهم يتحالفون مع أئمة الكفر على ضرب الإسلام وأهله.
4- لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان، لا متفقان ولا مفترقان، ولا في مكانين ولا في مكان واحد، وحكام اليوم قد مزقوا البلاد وفرّقوا العباد بعدما كانوا جميعاً على إمام واحد، روى مسلم عن عرفجة قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ» وعليه فحكم الشرع بهم معروف من كونهم مفرقين لأمر هذه الأمة.
وبالتالي فإن حكام اليوم لا تتوافر فيهم صفات الحاكم المسلم، ولا الأمة أنابتهم للحكم عنها بما أنزل الله ببيعة شرعية، ولم يكن المعقود عليه في البيعة هو التزام الحاكم بالحكم بما أنزل الله والتزام المحكوم بالسمع والطاعة، بل على العكس يلتزم الحاكم بالعمل بموجب أحكام الدستور الوضعي الذي فيه الحكم بغير ما أنزل الله (الطاغوت) ويأخذ الشرعية الزائفة من هذا الطاغوت ويلزم الأمة بطاعته ومعاقبة من يخرج عنه.
إن هذا كله يشير بشكل واضح أن حكام اليوم، جميعهم بدون استثناء، هم حكام جبريون، أخذوا الحكم بغير إرادة المسلمين، وأنشأ لهم الغرب دولاً غير إسلامية، وسنَّ لهم دساتير وضعية ألزموا الناس بها، وفرقوا المسلمين في دول… فكان على المسلمين خلع هؤلاء الحكام وإقامة دولة إسلامية يحكمها حكام مسلمون يتبنون الإسلام رسالة دولة، ويصلون إلى الحكم بواسطة الأمة الإسلامية أو من يمثلها تمثيلاً إسلامياً حقيقياً فيبايعها على الحكم بما أنزل الله وتبايعه على السمع والطاعة…
وبما أن هذا غير موجود الآن، وبما أن الأمر ليس مقتصراً فقط على كون الحكام هم حكاماً شرعيين أم غير شرعيين، بل على الحاكم والحكم وطريقة الوصول إلى الحكم وإقامة دار الإسلام؛ لذلك فإنه وجب على المسلمين إيجاد دار الإسلام، إيجاد المجتمع الإسلامي، إيجاد الدولة الإسلامية، وهذا يتطلب العمل تماماً كما عمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لإيجاد الدولة الإسلامية الأولى في المدينة.
وإن هذا العمل الجليل لا بد له من حزب تتوفر فيه الكفاية، ويقوم في الأمة على أساس قوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران 104]، ويتبنى فكرة العمل لإرجاع سلطان المسلمين من هؤلاء الحكام الجبريين، واستئناف الحياة الإسلامية بإيجاد الإمام وبيعته على الحكم بالكتاب والسنة وإقامة الدولة الإسلامية على أنقاض عروش الظالمين. وعمل هذه الجماعة وتأسياً بعمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يجب أن يقوم على ثلاثة أمور:
1- العمل على إعداد ثلة من المؤمنين العاملين وإنضاجهم على الفكرة الإسلامية المتعلقة بالتغيير، حتى يكونوا رجال دعوة ودولة في آن واحد، وهذا ما ظهر في المهاجرين مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد كانوا رجال دولة من طراز رفيع، أعدهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على عين بصيرة وقاموا من بعده بولاية أمر المسلمين وكان منهم الخلفاء الراشدون.
2- العمل على تثقيف المسلمين بثقافة الإسلام، ونشر هذه الأفكار والأحكام في مجتمعاتهم، ودعوتهم لعدم قبول ولاية هذه الطُغمة الحاكمة في البلاد الإسلامية، ووجوب الإطاحة بهم، وإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على أنقاض دولهم البالية، وعلى المسلمين بعلمائهم وأصحاب الفكر والرأي فيهم أن يلتفوا ويحتضنوا هذه الجماعة ودعوتها، وأن يناصروها بالجهد والمال والولد.
3- العمل في أوساط العسكر والجند في البلاد الإسلامية، فهم مكمن قوة الأمة المادية، كما أن الأمة هي مكمن قوتهم المعنوية، فلابد من دعوتهم لفكرة الإسلام والعمل لها، حتى يرجعوا إلى حضن أمتهم الدافئ، ويلتفوا ويناصروا الجماعة العاملة لإعادة سلطان الأمة، فهم أي الجند والعسكر درع الأمة وسيفها ورمحها، فلا بد لهم أن يقفوا مع أمتهم في هذه العمل الجليل، وهذا الموقف النبيل.
بهذا تجتمع القوة مع الفكرة في الحزب الذي يسعى لإقامة الخلافة، وبهذا تتحقق الغاية، فبانفضاض الأمة عن هؤلاء الظلمة، وتخلي الجيش والعسكر عنهم، يجعل الإطاحة بهم سهلاً ميسوراً، وهذا ما يسعى إليه 000 000 سعياً جاداً، لينال مع من يقومون معه من أهل النصرة بشرف قيام هذا الفرض العظيم.
وفي الختام نسأله تعالى أن يجعل كلامنا هذا سبباً للهداية لمن زاغ عن جادة الصواب ووالى حكام الضرار فيؤوب إلى رشده ويلتزم بحكم ربه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق 37].
2016-07-17