حكام البلاد الإسلامية:
ولاة أمور تجب إطاعتهم، أم حكام جبريون تجب إطاحتهم؟
أبوبكر عبد الرحمن الغماري
أوجب الله تعالى طاعة أولي الأمر بقوله سبحانه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء 59]، وبقول رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ» رواه مسلم، وجعل طاعة أولي الأمر إن التزموا بالشرع من طاعة الله ورسوله ، فالطاعة في المعروف سواء أكانت في المنشط أو المكره، في اليسر أو العسر بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» متفق عليه، وبقوله عليه الصلاة والسلام: «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ إِلا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ» رواه مسلم، وأمر عليه الصلاة والسلام بالصبر على طاعة الإمام ولزومها وعدم مفارقة الجماعة وإن ظلم فأكل المال وجلد الظهر، وحرّم منازعته الأمر أو الخروج عليه أو بيعة أحد على بيعته بقوله عليه الصلاة والسلام: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ للأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ» رواه مسلم، «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رواه البخاري ومسلم، «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا» رواه مسلم، فهذا هو حكم الله، ولن تجد لحكم الله تبديلاً أو تحويلاً ما بقيت السموات والأرض.
علماء هذ الزمان
– ولقد قام علماء في زماننا هذا، زمن الفتن والشرور، فتن كقطع الليل المظلم، كل فتنة تلعن أختها وتجعل الحليم حيراناً، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، و يخوّن فيها الأمين ويؤمّن فيها الخائن، قام هؤلاء فقالوا وأفتوا على سيف المعز وذهبه بانطباق هذه الأحكام على حكام هذا الزمان، وقالوا بثبوت ولايتهم على بلاد الإسلام، فأوجبوا طاعتهم، وحرموا معصيتهم، وأجازوا قتل من ينابذهم بل أوجبوا ذلك، ووصفوهم بأقبح وصف، ونعتوهم بخوارج العصر. فكان لزاماً علينا نحن ثُنّاء الركب، طلاب العلم ودُرّاس الشريعة أن نقوم فنقول لهم: حسبكم لقد قلتم بغير ما أراكم الله، ونطقتم بكلام يغضب الرب سبحانه، فضللتم وأضللتم، فكتم العلم في موطن يجهل فيه الجاهل إثمه عظيم، فما بالكم بقولكم الباطل في موطن يجهل فيه الجاهل! فمنكم إن لم يكن جُلكم أهل شيب، والشيب نذير الموت، فهو نذيركم إلى ربكم في وقفة بين يديه تشيب رأس الوليد.
وكان لزاماً علينا كذلك عملاً بقوله سبحانه: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) [الأحزاب 39]، وحرصاً على العلم وأهله من أن تشوبهم شائبة ممن ضَلّ وأضل، وحرصاً على تبصرة العامة، ونزع الغشاوة عن أعينهم، ومعذرة إلى ربنا، أن نبين الحق في هذه المسألة مستعينين بحول الله وقوته، سائلين الله التوفيق والسداد والرشد في الرأي:
1) إن ثبوت ولاية الحاكم تكون بالبيعة فقط، فلا تثبت الولاية بمجرد الاختيار، وهذا ما جاءت به النصوص الشرعية، فعن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ تَكْثُرُ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» رواه مسلم، وعن عبادة بن صامت قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ» رواه البخاري، وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رواه مسلم، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ» رواه مسلم، فهذه الأحاديث وغيرها، وحوادث بيعة الخلفاء الراشدين من قبل الصحابة رضوان الله عليهم تدل دلالة قطعية على أن البيعة هي التي تثبت بها الولاية للحاكم على المسلمين، وليس بمجرد حصول الاختيار من قبل المسلمين لشخص الحاكم، فالبيعة يجب أن تعقب الاختيار. والبيعة هي عقد، كعقد البيع والنكاح والإجارة، ودليل ذلك ما رواه البخاري في باب بيعة الصغير عن أبي عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام وكان قد أدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت يا رسول الله بايعه فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «هُوَ صَغِيرٌ فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ»، ودلالة الحديث أن الصغير لا تؤخذ منه البيعة، ولا تؤخذ له، بصفتها عقد كباقي العقود الشرعية لا تصح أن تصدر من الصغير، فهي عقد بين الحاكم والأمة، عقد مراضاة واختيار، إيجاب وقبول بين طرفي العقد، المسلمون أو من يمثلهم أو أهل الحل والعقد فيهم من جهة، ومن اختاره المسلمون لمنصب الحكم من جهة أخرى، بموجبه يستلم الحاكم سلطان المسلمين ليحكمهم بالإسلام، وبموجبه يستحق السمع والطاعة من قبل المسلمين.
فالبيعة عقد كسائر العقود الشرعية، له أركان وشروط، وهذا ما دلت عليه أحاديث البيعة سالفة الذكر، وهذه الأركان والشروط سنذكرها بشيء من التفصيل، فأركان عقد البيعة هي:
-
العاقدان، (الأمة والحاكم).
-
المعقود عليه، (تطبيق الإسلام).
-
صيغة العقد.