العدد 354-355 -

رجب وشعبان 1437هـ – نيسان / أيار 2016م

حتى لا تضيع البوصلة: إقامة الخلافة هي الحل، ومنهج الرسول في التغيير هو الطريقة لإقامتها

حتى لا تضيع البوصلة:

إقامة الخلافة هي الحل، ومنهج الرسول في التغيير هو الطريقة لإقامتها

 

إن الأوضاع الشاذة التي تحياها أمتُنا من الفقر رغم امتلاكها ثروات هائلة، والتجزئة والانقسام والشتات رغم شغفها بالوحدة والاجتماع على قلب رجل واحد، والضعة والهوان رغم تجلي العزة في عقيدتها وشريعتها وتاريخها وقيمها، إضافةً إلى احتلال الغرب لأجزاء واسعة من بلادها مع أنها هي أمة الفتح والتحرير … إنّ هذه الأوضاع تجعل التغيير ضرورة فوق أنه فريضة. وقد استقر في وجدان جموع المسلمين أن مرجع هذه الأوضاع هو غياب دولةِ الخلافةِ الإسلاميةِ، تلك التي تطبقُ شرعَ الله وتُوحِّدُ الأمة وتحرر إرادتها وتعتقها من استعبادِ الغربِ لها، بل وتمنحُ العالم نموذجًا للتأسي به في بناء مجتمعاتٍ إنسانية سوية.

لذلك فإنَّ الاشتغالَ بما يحققُ إقامة الخلافة، هو المـُعوَّلُ عليه في تغيير أوضاع الأمة حقًا. ويكون ذلك فكريًا من خلال إظهار الحجة على صدق العقيدة الإسلامية وبلورة أحكام الإسلام، وعرضها كأنظمة تعالج جميع شؤون الحياة الفردية والجماعية، في العبادات والمعاملات والأخلاق، كما في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والتعليم والعقوبات، وببيانِ تفرد الإسلام في تحقيق الطمأنينةِ والسعادةِ للبشرية من خلال تنفيذ شعائره وتطبيق شرائعه وبلورة تميزها. بهذا يتم التصدي فكريًا للأنظمة الرأسمالية العلمانية المتعفنة، بمختلف ألوانها وأشكالها، سواء منها القومية والوطنية والقبلية، أم تلك المعولمة التي تحاول فرض نماذج مشوهة لحقوق للإنسان تنسيه نفسه وتحوله إلى مجرد حيوان شهواني مادي بشع. كما يكون العمل لإقامة الخلافة بالتأسي بطريقة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في إقامة دولة الإسلام، فاستلام الحكم لوضع الإسلام موضع التطبيق إنما يكون من خلال تقصد أصحاب النفوذ والتأثير في الكيانات المؤهلة للقيام بأعباء الخلافة، لكسبهم أنصارًا، مؤيدين وعاملين لتطبيق الرؤيةِ الإسلاميةِ للإنسان والمجتمع والدولة.

لا شكّ بأن هموم الأمة كثيرة، واحتياجاتها الملحة لمعالجات سريعة كبيرة جدًا، كما أن المسؤوليات جسيمةٌ والحملَ ثقيلٌ والمخاضَ الذي تمرّ به الأمة الإسلامية عسير، إلا أن العمل لإقامة الخلافة هو أوجب الواجبات وأهمها وهو تاج الفروض، لأنه المعوَّل عليه في وضع الأمور في نصابها الصحيح؛ لذلك كان لا بدّ من التصدي لكل الحملات التي تحاول النيل من الخلافة أو تأجيلها أو الالتفات عنها إلى غيرها بذرائع الظروف أو المتغيرات أو الأولويات. وتغيير الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين وتطبيق الإسلام هو السبيل العملي لاستعادة سلطان الأمة وسيادة الشرع في حياتها، ومن ثم تحرير بلاد المسلمين، وإيقاف العبث بها، والحفاظ على ثرواتها وتحقيق عزتها وكرامتها، بخاصة مع إدراك القاصي والداني بأن الأمل بإصلاح تلك الأنظمة المقيتة المركبة بعناية ورعاية من الغرب مفقود، مع سدورها في غيّها بشكلٍ مذهلٍ ومهولٍ، ضاربةً بعرض الحائط كافة مُسلَّماتِ الأمة ومصالحها.

أخيرًا وليس آخرًا، إن العمل الجاد الواعي يقتضي تنبيه شباب الأمة إلى التوقف عن خوض التجارب العقيمة التي تعتمد الأعمال المرتجلة وتستند في جلها إلى ردات الأفعال العبثية المدمرة والمسببة للإحباط، كما ينبغي الحذر من الاستغراق في الأعمال الجزئية التي تستهلك العاملين فيها وتجعلهم يدورون في مطحنة الظروف التي تصطنعها الأنظمة الخبيثة. وأنه لا بدّ من العمل على استعادة سلطان الأمة الذي يُحكِّمُ شرع الله في الحياة ويعلن العبودية الصرفة له دون سواه بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهذه هي الخطوة السليمة الأولى فيما ينبغي البدء به لتحقيق خلاص أمتنا مما ابتليت به من أوضاع مأساوية شاذة.

قال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *