العدد 284-285 -

العدد 284-285، السنة الخامسة والعشرون، رمضان وشوال 1431هـ، الموافق أيلول وتشرين الأول 2010 م

مع القرآن الكريم

مع القرآن الكريم

 

(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ، فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)

هاتان آيتان في الصلاة أنزلهما الله خلال آيات الزواج والإيلاء والطلاق والخلع والأولاد والاسترضاع … ومما يستفاد من نزولها خلال خضم هذه الأحداث:

أولاً: أن لا ينسى المرء المحافظة على الصلاة خلال الأحداث التي تمر معه في حياته مع الزوجة والأولاد، فلا تنسيه مشاكله عماد دينه، الصلاة لله الواحد الأحد فهي ركن للإسلام عظيم.

والثاني: إنَّ الاهتمام بالصلاة والفزوع إليها أمر مهم في الإسلام وبخاصة عندما تتعاظم المشاكل والأحداث، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يفزع إلى الصلاة كلما أهمه أمر فضلاً عن أن الصلاة تقرب الإنسان من ربه وتقوي دافع التقوى عنده فيتقي الله ربه عند تعامله مع الزوجة والأولاد فيضفي على المعاملات تحرياً للحق ووقوفاً عنده في النكاح والطلاق والأولاد فيبتعد عن الظلم والإضرار بالآخرين.

الثالث: أن يتذكر المرء دائماً أن هذا الإسلام العظيم لا يفصل بين الدين والسياسة، لا يفصل بين العبادات والمعاملات أو ما يسمونه بالأحوال الشخصية أو الجهاد وبيعة الخليفة وغير ذلك، فلا فرق بين حكم وحكم ولا بين واجب وواجب، فالذي بيّن أحكام الزواج والطلاق والاسترضاع هو الذي بيّن أحكام الصلاة أو الجهاد أو الزكاة فكلها من عند الله لا يصح فصلها عن بعض ولا الإيمان ببعض دون بعض (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) البقرة/آية85-86.

ويبين الله سبحانه في هذه الآيات ما يلي:

  1. يأمر الله بالمحافظة على الصلوات ويخص منها الصلاة الوسطى، ويأمرنا كذلك بأن نؤدي الصلاة خاشعين لا نتكلم فيها ما ليس منها.

(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) أي أدوها في أوقاتها بأركانها وأحكامها. أخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه، واللفظ للبخاري، قال: «سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قلتُ يا رسول الله: أي العـمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها، قلتُ: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلتُ ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، فسكتُّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو استزدتُه لزادني».

(وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) ذكرت عدة روايات عما هي الصلاة الوسطى، فقد قيل الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء وغيرها، وبالبحث فيها يتبين أنه لم يرد أحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا في صلاة العصر وصلاة الظهر أما غير هاتين الصلاتين فوردت عنها روايات موقوفة على الصحابة – رضوان الله عليهم – وقول الصحابي رأي له وليس دليلاً شرعياً، ولذلك سنترك بحثها.

ونستعرض الآن الأدلة الشرعية الواردة في العصر وتلك الواردة في الظهر لنرى الرأي الراجح في الصلاة الوسطى.

أولاً: أخرج مسلم من حديث علي – كرم الله وجهه -: «أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله تعالى بيوتهم ناراً» (مسلم).

وأخرج الترمذي عن سمرة: «أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سئل عن الصلاة الوسطى فقال: هي العصر» (الترمذي وقال حديث حسن صحيح).

ثانياً: أخرج أحمد وأبو داوود بسند جيد عن زيد بن ثابت قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي الظهر بالهاجرة ولم تكن صلاة أشد على الصحابة منها فنزلت (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى)» (أحمد وأبو داود).

وبدراسة هذه الأدلة يتبين أن المجموعة الأولى من الأحاديث صريحة في تسمية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وفي المجموعة الثانية أن الصحابي يذكر أن سبب نزول الآية بخصوص صلاة الظهر.

والمجموعة الأولى أقوى في الدلالة على الموضوع لأنها نص صريح فيه فترجح على الثانية.

صحيح أن سبب النزول أرجح في تعيين المطلوب لو كانت الأحاديث الأولى محتملة لكنها نصّ صريح في المسألة، ولذلك فالراجح أنها صلاة العصر. وقد وردت فيها أحاديث تؤكد فضلها.

فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» (مسلم والنسائي وأحمد). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله» (البخاري، النسائي، ابن ماجه).

بذلك تكون في الآية (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) ذكر الخاص بعد العام، فقد أمر الله سبحانه بالمحافظة على الصلوات وخصّ منها الصلاة الوسطى لحكمة يعلمها سبحانه.

(وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) أي خاشعين بدون كلام من غير الصلاة. أخرج البخاري ومسلم عن زيد بن أرقم قال: «كنا نتكلم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى نزلت (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام» (البخاري ومسلم).

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: “أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي، فلما قضى الصلاة قال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أنا أمرنا أن نقوم لله قانتين لا نتكلم في الصلاة» (تفسير الطبري، الدر المنثور، النسائي).

  1. وفي الآية الثانية يبين الله سبحانه كيفية الصلاة في شدة الخوف، فإن الله سبحانه يبين هيئة الصلاة في ثلاث حالات:

الأولى: الصلاة المعتادة في الظروف الآمنة من وجوب أداء أحكامها بشروطها وأركانها، فيتمم القيام والقراءة والركوع والسجود وباقي ما يجب منها حسب الأحكام الشرعية المتعلقة بالصلاة.

والثانية: أن يكون هناك خوف من عدو وخشية من مهاجمته للمسلمين ووجوب الحراسة حتى لا يؤخذ المسلمون على غرة.

فأمر الله سبحانه بالصلاة في هذه الحالة بكيفية خاصة بينتها آية النساء (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) النساء/آية102 التي نزلت في غزوة ذات الرقاع في شهر جمادى الأولى السنة الرابعة للهجرة كما روى بيانها ابن إسحاق طبقاً لما ذكره ابن هشام في سيرته عنه.

روى الجماعة إلا ابن ماجة عن الصلاة التي صلاها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمسلمين في ذات الرقاع: “أن طائفة صَفَّتْ معه وطائفة وِجاءَ العدو، فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وِجاءَ العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته فأتموا لأنفسهم فسلم بهم» (البخاري، مسلم، أبو داود، النسائي).

وهناك أحاديث أخرى صحيحة بكيفيات أخرى وكلها تصحّ ما دامت الأحاديث الواردة فيها صحيحة على أن تنفذ الصلاة على وجوهها الواردة في الأحاديث.

أما الثالثة: ففي حال الالتحام مع العدو، وهنا حالتان:

أ. إن كان الخوف شديداً أي أن العدو يهاجم المسلمين والترقب والمناورة في المعركة مستمرة، وأمكن الصلاة من الجند راجلين أو راكبين بالإيماء – تخفيض الرأس في السجود أكثر من الركوع – إن أمكن ذلك صلوا هذه الصلاة – صلاة الخوف الشديد – كما جاء في آية البقرة (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا).

أخرج ابن ماجة عن ابن عمر (رضي الله عنه): «أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصف صلاة الخوف وقال: فإن كان الخوف أشد من ذلك فرجالاً أو ركباناً» (ابن ماجة، الموطأ) أي أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصف صلاة الخوف في سورة النساء ثم أضاف إن كان الخوف خوفاً أشد فرجالاً أو ركباناً إشارة إلى آية البقرة.

وهذا الحديث هو في البخاري في تفسير سورة البقرة بلفظ «فإن كان الخوف أشد من ذلك فصلوا رجالاً قياماً على أقدامهم أو ركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبليها» (البخاري، الموطأ) ثم أضاف البخاري قال مالك قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ب. إن كان الالتحام أشد وتحسب القتال من العدو أكبر حتى يخشى توقع الهلاك لو شغل الجند عن القتال بالصلاة حتى ولو بخفض الرأس أي إيماء، ففي هذه الحالة يجوز تأخير الصلاة حتى تزول هذه الحالة كما حصل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة الأحزاب، فقد أخرج الشافعي بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: “حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هَوِيٌّ من الليل حتى كفينا القتال وذلك قوله تعالى: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ) فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بلالاً فأمر فأقام الظهر فصلاها كما كان يصلي، ثم أقام العصر فصلاها كذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك. وفي لفظ فصلى كل صلاة ما كان يصليها في وقتها» (الأم، ابن خزيمة، الدارمي).

ولا يقال هنا إن هذا كان قبل نزول آية النساء في صلاة الخوف لأن الخندق كان في السنة الخامسة للهجرة وآية النساء في غزوة ذات الرقاع السنة الرابعة للهجرة، ولذلك فلكل حالة صلاتها كما بيناه.

وكما حدث في واقعة (تستر) مع الفرس، فقد روى البخاري عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) “حضرت مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر واشتد اشتعال القتال فلم يقدروا على الصلاة، فلم نصلّ إلا بعد ارتفاع النهار فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا، قال أنس: وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها» (البخاري، كتاب الجمعة: باب الصلاة عند مناهضة الحصون).

(فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) أي إن خفتم أن تصلوا قياماً بالأرض فصلوا رجالاً أي راجلين أو ركبانا أي راكبين حسب وضعكم، وهذا الحذف على نحو قولهم (إن خيراً فخير وإن شراً فشر) أي (إن تفعل خيراً، وإن تفعل شراً).

(فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) أي إذا زال خوف العدو فصلوا الصلاة المعتادة واشكروا الله على نعمه والتيسير عليكم في الصلاة وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمونه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *