العدد 284-285 -

العدد 284-285، السنة الخامسة والعشرون، رمضان وشوال 1431هـ، الموافق أيلول وتشرين الأول 2010 م

هل مفاوضات واشنطن هي مفاوضات الاعتراف بدولة (إسرائيل)؟

هل مفاوضات واشنطن هي مفاوضات الاعتراف بدولة (إسرائيل)؟

 

انطلقت في 2/9/2010م مفاوضات واشنطن لإنهاء الصراع (الإسرائيلي) – الفلسطيني كما تسميه الولايات المتحدة بحضور عباس ونتنياهو كطرفي نزاع، وحاكمي مصر والأردن بوصفهما يقيمان علاقات رسمية مع يهود، وهي انطلاقة تعتبر خجولة جداً قياساً لما أعلنه أوباما في برنامجه الانتخابي وما بعد فوزه من أنه يريد جاداً إنهاء هذا الصراع الذي بات يشكل خطراً على وجود وجنود الولايات المتحدة في المنطقة، وعبئاً على مصالحها… وهي انطلاقة لا تتناسب مع الاندفاعة القوية لما أعلن سابقاً من أنه سيكون مؤتمر سلام شاملاً على غرار مؤتمر مدريد يجمع كل الأطراف وينهي القضية كاملة، فإذا به يقتصر على من ذكرنا وسط توقع الجميع أن لا تسفر عن شيء يذكر، وليس كما يروج الأميركيون ويردده الببغائيون من أنها فرصة قد لا تتكرر… فما الذي خفف من اندفاعتها حتى جعلها أقل من عادية؟

إن كل رئيس أميركي يقوم مع حزبه الذي ينتمي إليه بتحقيق سياسة بلده من خلال اتباع سياسة التزاوج بين تحقيق مصالح بلده ومصلحته ومصلحة حزبه الانتخابية، وخاصة إذا كان رئيساً من الدورة الأولى. وحيث إن السياسة الخارجية للولايات المتحدة غالباً ما تكون واحدة؛ لذلك يطغى المظهر الانتخابي على ما عداه؛ ولذلك غالباً ما يتأخر تنفيذ الخطط أو تتبدل بسبب هذا العامل، وهذا ما يحدث الآن مع أوباما، إذ لم يعد للانتخابات النصفية لمجلسي النواب والشيوخ سوى شهرين حتى قال المحللون: إن أوباما مهتم بالشروع بالمفاوضات وليس بنتائجها. وبهذا تكون ورقة الضغط الأميركية على (إسرائيل) قد ضعفت، بل يمكن أن يقال إنها انتقلت إلى يد (إسرائيل) سواء على أميركا أم على عباس. وبهذا سيكون عباس في المفاوضات بين فكي الضغوط الأميركية – (الإسرائيلية)، ثم إنه أعطيت مدة سنة واحدة لتحقق المفاوضات أهدافها، ومعلوم أنه بعد سنة لن يبقى إلا سنة واحدة تقريباً لموعد الانتخابات الرئاسية في أميركا، ما يعني أنها مفاوضات سوف لن تسفر عن حل أميركي شامل، بل عن حل (إسرائيلي) جزئي.

وهذا ينقلنا إلى الحديث عن خطورة مثل هذه المفاوضات والمؤتمرات والمعاهدات، إذ يشكل عقد كل واحد منها حلقة من حلقات تصفية القضية الفلسطينية. ففي كل مؤتمر من مؤتمرات القمم التي تناولت القضية الفلسطينية أو المفاوضات أو المعاهدات أو الاتفاقات التي أبرمت عقب كل مفاوضات بشأنها كان يتم التنازل عن مسألة من مسائل الصراع، وذلك تحت شعار تنازلات مؤلمة، فيلتزم الجانب الفلسطيني فيما يتعلق به بقوة، ولا يلتزم الجانب (الإسرائيلي) فيما يتعلق به بشيء، وهذا يؤدي إلى أن يصبح التنازل ملزماً بحق الجانب الفلسطيني والعربي، ويصبح شرعياً بحسب الشرعة الدولية ولا يحق الرجوع عنه، فمع مثل هذه المؤتمرات سابقاً، سواء منها مؤتمرات القمم أم مؤتمرات السلام، أم المعاهدات التي أبرمت عقب مثل هذه المفاوضات أصبحت قضية فلسطين عند هؤلاء هي قضية الفلسطينيين فقط بعد أن كانت قضية المسلمين جميعاً، ومعها أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين، ومعها تم التنازل عن تحرير فلسطين من النهر إلى البحر وعن أراضي فلسطين ما قبل الـ67، ومعها أنشئت السلطة الفلسطينية، ومعها قزمت القضية الفلسطينية حتى أصبح يعبر عنها بقضايا الحل النهائي الست. وتقوم (إسرائيل) بتفكيك هذه القضايا واحدة واحدة وضعضعتها وفكفكتها وبعثرتها حتى لا يمكن جمعها… وتأتي هذه المفاوضات لتصب بهذا المنظور (الإسرائيلي)؛ لذلك هي لن تكون لإيجاد الحل النهائي، وإنما لتصفية مسائل الحل النهائي، فمثل هذه المؤتمرات مزقت القضية الفلسطينية كل ممزق، ومن هنا خطورة عقد مثل هذه المفاوضات لأنها تجري بين طرفين: (إسرائيلي) متمسك بتصوره لتصفية القضية الفلسطينية، وفلسطيني مفرط لا يحمل نفس تصور دينه وشعبه وبالتالي قدسية قضيته.

هذا هو الكلام العام في مثل هذه المؤتمرات، أما ما يتعلق بخصوصية هذا المؤتمر من هذا الجانب الذي ذكرناه، فقد طرح نتنياهو في المؤتمر الصحفي الذي عقد في 2/9 عقب الاجتماع الأول مع عباس وبحضور كلينتون نقاط البحث التي يسعى لحلها في هذه المفاوضات وتختصر في أربع: الأمن، يهودية دولة (إسرائيل)، عباس شريك سلام، الشرعية، وهذه النقاط الأربع تبين بشكل واضح أن لا سلام نهائياً منشوداً (إسرائيلياً) فالأمن المقصود به (إسرائيلياً) هو لحماية يهود وضبط أي عمل مقاوم ضدهم وتحميل المسؤولية عنه لعباس، وهو يعني فيما يعني إبقاء الخصام الفلسطيني – الفلسطيني وتسعيره. وأما يهودية دولة (إسرائيل)، وهي نقطة يتبناها الأميركيون كذلك، فإن أقل ما تعنيه هو التخلي عن عودة اللاجئين، فهي تحول النظرة إلى الصراع تحولاً جذرياً، إذ يصبح الكيان (الإسرائيلي) المغتصِب، بمجرد الاعتراف بها دولياً، هو الأصل، واليهود هم أصحاب الحق والأرض، والوجود الإسلامي الفلسطيني هو العارض. وتصبح كل مجازر (إسرائيل) بحق أهل فلسطين (كانت ومازالت) تصب في خانة الدفاع المشروع عن الحق والأرض ويهود، وكل عمليات المقاومة هي المعتدية. ويصبح لـ(إسرائيل) الحق في تهجير مسلمي فلسطين من أراضي الـ48 للحفاظ على خصوصية يهودية الدولة… أما ما ذكره أن عباس شريك سلام فحتى يكون توقيعه لأي اتفاق يتم التوصل إليه من حيث يهودية دولة (إسرائيل) ملزماً فلسطينياً لأنه قد صدر من شريك سلام. وأما الشرعية فحتى يكون هذا الاعتراف ملزماً من زاوية الشرعية الدولية. وبهذا يمكن اختصار مفاوضات واشنطن بأنها سعي (إسرائيلي) للاعتراف الفلسطيني بيهودية دولة (إسرائيل) حتى يكرس عالمياً.

أما عباس فقد طرح في المؤتمر الصحفي نفسه نقاط رؤيته: فعن كونه شريك سلام فقد أعلن أنه يمثل في هذه المفاوضات منظمة التحرير الفلسطينية ليعطي لنفسه حق تمثيل الشعب الفلسطيني، وحتى يكون أي اتفاق معه ملزماً لشعبه. وعن الأمن فقد أعلن أنه «قضية أساسية بيننا وبينكم» وذكر أن لديه أجهزة أمنية (يقودها الجنرال الأميركي دايتون) تقوم بعملها بقوة رغم أنها في بداياتها، وأعطى مثالاً على ذلك القبض على منفذي العملية الأمنية الأخيرة التي أسفرت عن مقتل أربعة مستوطنين، هذا عدا عن اعتقال المئات من المتهمين بأنهم ضد سياسته. وعن الشرعية فقد أعلن أنه ملتزم بها قائلاً: «ونجدد التزامنا بتنفيذ كل ما ترتب علينا من التزامات» وعن التزام الاعتراف بدولة (إسرائيل) ذكر أنه في 9/9/1993م وقع ما يسمى بوثيقة الاعتراف المتبادل، وفيها الكافي من أجل أن تعرفوا نوايانا الكاملة الطيبة فيما يتعلق بالاعتراف بدولة (إسرائيل) وذكر أنه كذلك في كمب ديفيد كان هناك التزامات قمنا بتنفيذها كلها لأننا نحترم الالتزام… فهذه نقاط ثلاث مشتركة وبقيت النقطة الرابعة والتي يتوقع أن تدفع (إسرائيل) المفاوضات لتبدأ بها، وتجعلها مفتاح الحل النهائي ويكفيها أن تحققها في هذه المفاوضات، وسيساعدها على ذلك اقتناع الأميركيين بها، وحتى عباس نقل أنه مع بعض تفاصيلها، وهي قبوله بعدم عودة اللاجئين وقبوله بتعويضهم وترتيب أوضاعهم حيث هم، وجعل العودة إفرادية لا جماعية وما شاكل ذلك…

وهكذا يمكن القول بتحول الإعصار الأميركي لتحقيق السلام إلى عاصفة (إسرائيلية) عادية ستسفر عن التنازل عن حق عودة اللاجئين، وبهذا يتم تصفية هذا البند، بل والأخطر من ذلك هو أنها ستسفر عن الاعتراف بيهودية دولة (إسرائيل).

وإننا لا نغالي إذا قلنا إن اجتماع القمة الخماسي الأول الذي عقد في 2/9 الذي افتتحت به المفاوضات، إن كل واحد من الحاضرين كان يحمل سكينه لغرسها في جسم القضية الفلسطينية وتقطيعها. فالجانب الأميركي يريد السلام الأميركي الذي يؤمن السيطرة الأميركية ويحقق المصالح الأميركية في المنطقة، و(إسرائيل) تحضر المفاوضات حاملة ورقة التنازل المتعلقة بيهودية دولة (إسرائيل) وتريد من الجانب الفلسطيني التوقيع عليها، لتصبح فيما بعد ملزمة وشرعية ويبنى عليها مقتضاها. أما الجانب المصري فلا يهم مبارك الفاني إلا الرضا الأميركي و(الإسرائيلي) عنه لمصلحة توريث ابنه جمال الحكم بعده. أما الجانب الأردني فإن ما يهمه هو حدوث اتفاق -أي اتفاق- يسفر عن دولة فلسطينية ولو على مزرعة حتى يبعد عن دولته كأس الوطن البديل. أما الجانب الفلسطيني فستتم عملية ابتزازه حتى يتشجع ويوقع من غير خوف من العواقب. وهكذا تتجمع العوامل من جديد، على تصفية القضية الفلسطينية، وهكذا هي الحال مع كل مفاوضات تحدث.

إن مثل هذه المفاوضات تنازلية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بالتدريج لمصلحة يهود، وخيانية تحقق أهداف أعداء الأمة على حساب المسلمين ودينهم، وفي هذه المفاوضات بالذات ظهر عباس ممثلاً ضعيفاً على شعبه لا ممثلاً لشعبه. وذلك عندما أعلن أنه لن يقبل بالدخول في المفاوضات إذا لم يتم تمديد تجميد (إسرائيل) للاستيطان الذي ينتهي في 26/9. فلماذا لم يعلن أنه لن يقبل الدخول في مفاوضات إذا عرضت (إسرائيل) بند يهودية الدولة؟ أو إذا لم تعترف (إسرائيل) اعترافاً أولياً بالقدس عاصمة للدولتين (بحسب قناعاته)؟ أو إذا لم يتم اعتراف (إسرائيل) بحق عودة اللاجئين؟…

إن عباس يحضر المفاوضات وهو مثقل مع زمرته بالفضائح (جنسية ومالية وتجسسية) وهو مهتوك الستر يخشى من كشفها، وهناك ابتزاز مارسته (إسرائيل) ضده في الداخل إذ كشفت رئيس ديوانه بفضيحة جنسية مصورة عبر وسائل إعلامها وهددت بكشف المزيد، فهل يعقل أن يمثل أشرف قضية للمسلمين أمثال من هم في السلطة الآن؟ أيعقل أن تكون بيد سماسرة وتجار دماء وأموال وأعراض، بيد أشخاص يتجسسون على بعضهم (كما حدث مع دحلان وتناولته وسائل الإعلام) أو يتخلون عن بعضهم (كما حدث مع عرفات وتناولته وسائل الإعلام) ويسكتون عن جرائم (إسرائيل) على شعبهم مقابل صفقات مالية ومواقع سياسية (كما حدث مع غزة وتناولته وسائل الإعلام)… إن من ينظر إلى مدى تغلغل اليد (الإسرائيلية) في العبث بالسلطة يعرف أن ما من واحد من مسؤوليها أبقي فيها إلا لرضا يهود عنه حتى ليقول الواحد منا إن (إسرائيل) عندما تفاوض هذا الطرف فكأنها تفاوض نفسها.

وإننا في هذا المجال نقترح أموراً عساها تلقى قبولاً عند أهل فلسطين وتشكل رأياً عاماً بينهم تجعل من لا يلتزم بها مرفوضاً، وتفوت على من يدعون تمثيلهم كل مؤامراتهم وتواطؤاتهم:

– إن قضية فلسطين هي قضية إسلامية يفصل بها الإسلام وحده، وهي قضية تهم كل المسلمين وليس أهل فلسطين فحسب.

– إن دولة (إسرائيل) وجود مغتصب لا يجوز الاعتراف به، ومجرد التفاوض معه، بغض النظر عن النتائج، حرام لأنه يعد اعترافاً به، بل يجب القضاء عليه.

– أن لا السلطة الفلسطينية، ولا منظمة التحرير الفلسطينية، ولا غيرهم من الأطراف يمثلون القضية الفلسطينية ويتكلمون باسمها.

– إن يهود أعداء حقيقيون للأمة الإسلامية، ولا لقاء معهم إلا في ساح الجهاد، والواجب شرعاً هو طردهم والقضاء على دولة (إسرائيل) والابتعاد عن التفاوض السياسي أو الدخول في حالة سلام أو صلح معها، والابتعاد عن التجاذبات السياسية لحكام العرب؛ لأن تجاذباتهم هي امتداد للصراع الدولي وهم أدوات فيه.

– إنه إذا كان لا يوجد من حيث الواقع من لا يستطيع أن يحرر فلسطين، فيجب أن لا يقبل أن يكون هناك حل بديل غير شرعي، بل يصبر حتى يوجد الواقع الذي يمكنه من ذلك، وهو أن يعمل مع العاملين لإقامة الخلافة التي هي بمستطاعها أن تقيم الدولة القوية، وتضم سائر الأقطار الإسلامية بعد أن تقضي على الكيانات المصطنعة، وتعيد الأمة الإسلامية أمة واحدة تقف في وجه أميركا و(إسرائيل).

إن الوقائع السياسية تشير بوضوح إلى اتجاه حل القضية الفلسطينية نحو هذا الحل وهو الحل الذي ذكرته النصوص في القرآن والسنة.

هذا الحل نعرضه في كل مرة، وفي كل مرة نعرضه فيها نزداد وثوقاً أن قضية فلسطين هي أشرف القضايا الإسلامية لخصوصيتها وحلها أكبر من الولايات المتحدة وأوروبا وكل من دار في فلكهم، إن قضية فلسطين لن يحلها إلا دولةعلى مستوى الخلافة الإسلامية فإذا أردتم اختصار المآسي، وتقريب تحقيق الهدف فليس أمامكم إلا إرضاء الله في إقامة دولة الخلافة الراشدة التي تقاتل يهود فتقتلهم وتقضي عليهم، وإن ذلك لكائن إن شاء الله بوعد رسول الله الصادق المصدوق: «ثم تكون خلافة راشدة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *