العدد 286 -

العدد 286، السنة الخامسة والعشرون، ذو القعدة 1431هـ، الموافق تشرين الأول 2010م

رسالة إلى أهل القوة والمنعة في السودان: في كل زمان أنصار لله.. فكونوا أنصار الله في هذا الزمان

رسالة إلى أهل القوة والمنعة في السودان:

في كل زمان أنصار لله.. فكونوا أنصار الله في هذا الزمان

 

الشيخ عوض خليل- أم درمان

هذه الكلمات نخاطب بها كل من منّ الله تعالى عليه بشيء من نفوذ أو قوة يستطيع أن ينصر بها أمة الإسلام، ونخص منهم ضباط القوات المسلحة في السودان والشرطة والأمن؛ التي من ضمن شعاراتها (الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والموت في سبيل الله أغلى أمانينا).

نخاطبهم وهم يشهدون مخطط تمزيق السودان الذي أضحى وشيكاً عبر الاستفتاء على حق تقرير المصير المزمع إجراؤه في 09/01/2011م، هذا المخطط الذي ظهر للقاصي والداني أن وراءه أميركا التي تريد أن تقيم دويلة ذات صبغة نصرانية في جنوب السودان؛ لتتخذ منها قاعدة لها لتكون وكراً جديداً من أوكار الصهيونية في العالم الإسلامي، يضاف إلى الكيان الصهيوني (الإسرائيلي) الذي أنشأه الإنجليز منتصف القرن الماضي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تقطع بها الطريق أمام المد الإسلامي في أفريقيا.

فهل تسمحون لهذا المخطط اللئيم أن يتم وأنتم شهود تتفرجون، فينطبق عليكم ما انطبق على الذين شهدوا الجريمة النكراء التي ارتكبت بحق أصحاب الأخدود وسكتوا عنها، فتوعد الله الجميع بعذاب جهنم وعذاب الحريق؛ المرتكبين للجريمة والذين شهدوا ارتكابها على السواء! قال تعالى: (وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ(7)وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(8)الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(9)إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) [البروج].

أيها الضباط

أتريدون أن ينطبق عليكم ما انطبق على الذين خذلوا نبي الله موسى عليه السلام حين رفضوا تحرير الأرض المقدسة من الجبارين، فكان أن حرّم الله عليهم دخول الأرض المقدسة لمدة أربعين سنة عاشوها يهيمون على وجوههم أذلاء بلا عزة ولا كرامة لأن موسى عليه السلام قد تبرأ منهم! قال تعالى: (قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ(22)قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(23)قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ(24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ(25)قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) [المائدة 22-26].

أتريدون أن تكونوا كأولئك الجبناء المتخاذلين الذين تبرأ منهم الأنبياء والمرسلون، ومن ثم استحقوا غضب الله وعذابه!

أم تريدون أن تكونوا أنصاراً لدين الله في هذا الزمان فتدخلون في منظومة الأنصار الذين نصروا أمة الإسلام ودينها عبر الحقب والأزمنة المختلفة؟! فما من زمان ادلهمت فيه الخطوب على أمة الإسلام وعلى دينها وعرضها وأرضها إلا وظهر من أبنائها ممن غلت دماء العزة والكرامة في عروقه فيثأر لكرامتها. ففي زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين ضاقت عليه الأمور، ووصل الحال بكفار مكة أن يخططوا لتصفية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جسدياً كما حكى القرآن الكريم: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال 30]، في تلك الأثناء تصدى قادة الأوس والخزرج الذين سموا بالأنصار فيما بعد، تصدوا لأخطر مهمة؛ ألا وهي نصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحابته الكرام فكانت الهجرة، وأعلنت دولة الإسلام من هناك، وعملوا على حمايتها والمحافظة عليها وحمل رايتها إلى العالم، مع علمهم التام لما يترتب على ذلك من مخاطر، فقد روي أن القوم، لما اجتمعوا لبيعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قام العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري، ثم أحد بني سالم بن عوف، فقال: «يا معشر الخزرج، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم، قال: إنكم تبايعون على حرب الأحمر والأسود من الناس، وإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلى أسلمتموه، فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة، قالوا: فإنا والله نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا؟ قال : «الجنة» ، قالوا : ابسط يدك فبسط يده، فبايعوه»، فكانت نتيجة ذلك الموقف الخالد أن فازوا بعزي الدنيا والآخرة، وكان من بين قادتهم من اهتز عرش الرحمن لموته؛ سعد بن معاذ.

أو ليس منكم أيها الضباط رجل رشيد يقف مثل موقفهم فنسمع صوته عبر أثير الإذاعات والفضائيات يقول مهنئاً إن قواتكم المسلحة الباسلة قد قطعت صلتها بالنظام العلماني الحاكم في السودان، وتبرأت منه، وأعلنت استيلاءها الكامل على السلطة، وألغت الدستور العلماني، واتفاقية نيفاشا المشؤومة، وإنها تعلن استعدادها لحماية نظام الخلافة والمحافظة عليه، والقتال تحت راية خليفة المسلمين، وإنها لا تكره قتال المتمردين ومن وراءهم من القوى الدولية المتجبرين؛ لأن جنودها صبر في الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريكم منهم  أيها المسلمون ما تقرّ به أعينكم.

أليس فيكم أيها الضباط رجل رشيد يفعل ذلك لتكون كلماته صنو كلمات سعد بن معاذ التي يقول فيها مخاطباً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «فاقطع حبل من شئت، ولو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً! إنّا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك».

وعندما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ارتدت العرب واشرأبت اليهود والنصرانية، ونجم النفاق، وأعلنت كثير من القبائل المسلمة التمرد على الدولة، فكان أن تصدى أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) لتلك المهمة، فاستخدم قوة السلطة التي كانت في يده لنصرة الإسلام، ورفض التنازل عن أي حكم شرعي حتى لو كان ذلك الحكم يبدو في نظر الناس صغيراً، فقال قولته المشهورة في شأن مانعي الزكاة لبيت المال حين عد ذلك نقصاناً في الدين فقال (رضي الله عنه): «أينقص الدين وأنا حي، والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقاتلتهم عليه».

فما بالكم وأنتم ترون أحكام الله تقصى عن الحكم والمجتمع، لدرجة أن دستور نيفاشا المشؤوم كان هناك اعتراض أن تكتب فيه «بسم الله الرحمن الرحيم»!

وما بالكم وأنتم ترون بلادكم تقتطع من أطرافها وتمزق!

في زمن العباسيين دخل المغول والتتار بغداد؛عاصمة الخلافة آنذاك، وقتلوا خليفة المسلمين، وأذلوا الأمة الإسلامية أيما إذلال، فكان أن ظهر القادة العظام الذين سخروا قوتهم لنصرة الإسلام ولم يبخلوا عليها، فظهر سيف الدين قطز والظاهر بيبرس، وكان ختام المسك صلاح الدين الأيوبي الذي وحّد بلاد المسلمين التي كانت مقسمة، وطرد الصليبيين من بيت المقدس.

فأولئك هم أسلافكم أنصار تلك الأزمنة، استخدموا قوتهم لنصرة قضايا أمتهم، وحالوا بينها وبين الفناء، فكان أن سطّر التاريخ أسماءهم بأحرف من نور.

 فماذا يكتب عنكم التاريخ أيها الضباط وأنتم تشهدون أمتكم في السودان تتعرض لأخطر جريمة في العصر، وهي التمزيق بأيدي بعض أبنائها؟!

أترضون أيها الضباط أن يسجل التاريخ عنكم أنكم أصبحتم ألعوبة في أيدي السياسيين الخونة الذين سعوا لإضعافكم حين قبلوا بتخفيض الجيش، وحين قبلوا بأن تغير عقيدة الجيش، وحين قبلوا ببدعة تعدد الجيوش في البلد الواحد، وما سبقهم عليها إنس ولا جان إلا في اتفاقية نيفاشا؟!

ثم ماذا أنتم قائلون أيها الضباط للأجيال القادمة التي ستسألكم عن سكوتكم عن أم المهازل التي تمت في زمانكم وأنتم قادرون على إيقافها؟!

وماذا أنتم قائلون لرب العالمين، رب العرش الكريم، في يوم الموقف العظيم حين يسألكم عن هذه الرتب والنياشين التي أنعم بها عليكم؟! بل ماذا أنتم قائلون لرب العرش العظيم حين يسألكم عن تفريطكم في وحدة بلد من بلاد المسلمين رواها إخوانكم وأجدادكم من المجاهدين بدمائهم الزكية الطاهرة؟!

مهــــازل لم تــر الدنيـــا لها شــــبها

مما نـراه تكـــــــــــاد الأرض تنفطـــــــــر

يوماً ســــنصبح للتاريخ مســـــخرة

ماذا ســــــــيكتب بل عنــا ســـــــــــيعتذر

مـــاذا نقــول لأجيـــــــال ستســـــألنا

يندي جبينــــــهم لو غيــرهم فخــــروا

ماذا نقـــول لرب العرش يســــــألنا

يوم اللقاء ويوم الناس قد حشروا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *