العدد 286 -

العدد 286، السنة الخامسة والعشرون، ذو القعدة 1431هـ، الموافق تشرين الأول 2010م

يا أهل السودان… أنتم قادرون… فامنعوا تمزيق بلدكم

يا أهل السودان…

أنتم قادرون… فامنعوا تمزيق بلدكم

 

كنا نتمنى أن يصدر هذا العدد الخاص عن السودان يبشر المسلمين في أرجاء المعمورة ببزوغ شمس الخلافة من مقرن النيلين -الأزرق والأبيض- الخرطوم، مؤذنة بفجر جديد يشرق سناها ليضيء الكوكب الأرضي، فينقشع ظلام الرأسمالية الجائرة، لكن شاء الله تعالى أن يصدر هذا العدد بين يدي الاستفتاء المزمع إجراؤه في يــــنــــايــــر 2011م، ليعيد صياغة خارطة السودان، حيث يراد من هذا الاستفتاء إقامة دولة ذات صبغة نصرانية في جنوب السودان الذي يشكل ثلث مساحة السودان والغني بالثروات، ثم لن يتوقف الأمر عند ذلك، بل يراد لهذه السابقة أن تستخدم لسلخ دارفور ثم شرق السودان، فالمتابع للأحداث يجد ارتفاع دعاوى حركات التمرد في دارفور مطالبة بحق تقرير المصير. بل إنه في أكتوبر 2008م استقبلت جنداي فريزر مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية، رئيس مؤتمر البجا للإصلاح والتنمية -إحدى جماعات التمرد في شرق السودان غير الموقعة على اتفاقية الشرق، ويتخذ من جوبا مقراً له- حيث وعدته المسؤولة الأميركية بمنح حق تقرير المصير لشرق السودان!!

إن حزب التحرير؛ النذير العريان والرائد الذي لا يكذب أهله، ظل يتابع تطورات هذه القضية منذ نشأته في العام 1953م؛ يكشف غموضها ويجلي خفاياها منذ أن بدأت بريطانيا الماكرة تضع لبناتها من خلال مواقف رجالاتها الذين سلمتهم الحكم في السودان عندما خرجت جيوشها وظل نفوذها، إذ بحث هؤلاء الساسة قضية جنوب السودان على أنها بين شعبين شمالي وجنوبي، فركزوا بأقوالهم وأفعالهم وسياساتهم الانقسام، حيث عقّدوا المشكلة ووضعوا السودان في طريق التمزيق. ثم مروراً بالتحول السياسي بتركيز النفوذ الأميركي الذي ورث السودان وخطة تمزيقه من بريطانيا، هذا وقد سار رجال أميركا في ذات الطريق المفضية إلى فصل الجنوب، حيث كان الحكم الذاتي بعد اتفاقية أديس أبابا عام 1972م، ثم كان سِفر تمزيق السودان -بإجماع الغرب الكافر- اتفاقية نيفاشا الموقعة في العام 2005م، والتي نصت على إجراء استفتاء في بداية عام 2011م ليحدد مصير جنوب السودان من خلال تصويت أهل الجنوب للوحدة أو للانفصال.

إن حزب التحرير، وهو عين الأمة البصيرة ولسانها الصادق وقلبها الحي النابض، كان قد بيّن فداحة الجرم وحقيقة المؤامرة، مستشرفاً ما وراء الجدر، وذلك من خلال فضحه لعلاقة السفاح بين أقطاب الصراع الدولي وأنظمة الكفر في بلاد المسلمين، تلك الأنظمة التي تعتبر خندق الدفاع المتقدم عن مصالح الغرب الكافر، ومنذ أن كان هذا الجنين نطفة وضعت في غير موضعها سفاحاً، ثم تخلقت مسخاً مشوهاً يراد أن يحتفل بميلاده في بداية العام القادم من خلال الاستفتاء المزمع.

يا أهل السودان:

إنه لم يبقَ لمعتذر من عذر بعد أن تكشفت فصول المؤامرة التي تتولى كبرها أميركا وأدواتها.

أما أميركا فقد أصبحت تتحدث بشكل علني مفضوح عن سعيها لانفصال الجنوب وتأييدها لاستقلاله كما تزعم، ففي ندوة معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن بتاريخ 14/07/2010م قال المبعوث الأميركي للسودان سكوت غرايشن: «لدى المجتمع الدولي أقل من عام لنشوء دولة جديدة في أفريقيا»، بل إن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أبلغ سلفا كير رئيس حكومة الجنوب عند لقائه به في نيروبي في 09/06/2010م قائلاً: «إن أميركا ستعترف بقيام دولة الجنوب، وإنها ستدعم الدولة الوليدة وتعمل على استقرارها». وكذلك قال علي عثمان محمد طه نائب الرئيس في مؤتمره الصحفي بتاريخ 04/10/2010م، حيث قال: «إن الموقف الرسمي لأميركا يدفع نحو الانفصال، ويهيئ المجتمع الدولي لقبول قيام دولة جديدة».

 أما أدوات أميركا فهم كما وصفهم سكوت غرايشن المبعوث الأميركي الخاص للسودان، حيث قال: «إن كبار المسؤولين في الخرطوم أصدقاء لنا» [جريدة الشرق الأوسط 20/09/2010]، لذلك فقد امتنّ هؤلاء الأصدقاء على أخلائهم الأميركيين بأنهم قدموا لها ما لم يقدمه نظام آخر، جاء ذلك في تصريحات نائب الرئيس السوداني علي عثمان في البيان الذي وزعته سفارة السودان في واشنطن حيث قال: «حكومة البشير أول حكومة تعترف رسمياً بحق الجنوب في تقرير المصير، فعل البشير ذلك بطريقة لم يفعلها أي رئيس سوداني مدني قبله» [الشرق الأوسط 19/09/2010م]. بل إن رئيس الجمهورية عمر البشير في جلسة مجلس الوزراء في 30/09/2010م قال: «لقد عرّضنا وحدة البلاد للخطر مقابل تحقيق السلام عن طريق انفصال الجنوب».

أيها المسلمون من أهل السودان:

هذا ما يريده الغرب الكافر وعلى رأسه أميركا، فماذا أنتم فاعلون يا أهل القوة والعلماء والمفكرين وعامة الناس؟ هل تتركون أميركا تنفذ مشروعها الإجرامي بتمزيق البلاد على جماجمكم وبحور من دمائكم، قتالاً يقتل فيه المسلم أخاه المسلم! أم تثوبون لرشدكم وترجعون لربكم لتقفوا سداً منيعاً يحول بين أميركا وتمزيق بلدكم؟!

إن أميركا لن تستطيع تمزيق السودان إلا بحبل منكم، فهي إنما ترغبكم في دنيا متوهمة، من تطبيعٍ لعلاقات معها، وزعمها رفع العقوبات الاقتصادية، والتوسط لإلغاء ديون السودان الربوية الخارجية، وما إلى ذلك من وعودٍ وأمانٍ، ففي المؤتمر المتعلق بالسودان والذي عقدته الأمم المتحدة في مقرها بنيويورك الجمعة يوم 24/09/2010م قال أوباما: «إن الولايات المتحدة ستنظر في بعض الإجراءات لتطبيع العلاقات مع السودان، ورفع القيود تدريجياً عن بعض المواد المحظورة»، وكل ذلك محرم لأن أميركا العدو الطامع في بلادنا؛ التي تقطر يداها بدماء المسلمين الزكية، تخوفكم بمن هم من دون الله (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) [الزمر 36] وتخوفكم بالحروب وقتل الملايين منكم… تخوفكم بحمامات الدماء كما قال أوباما مهدداً بلغة ديبلوماسية مكشوفة وذلك في المؤتمر ذاته: «ما يجري في السودان خلال الأيام المقبلة قد يقرر ما إذا كان هؤلاء الناس الذين عانوا من حروب كثيرة سيقدمون نحو السلام أم سيغرقون مجدداً في حمام دم».

أيها المسلمون من أهل السودان:

أنتم أمة الجهاد والاستشهاد، أحفاد الصحابة والفاتحين، وقد رأيتم بسالة أبنائكم الدبابين؛ شباباً مجاهدين عرفوا بتفجيرهم لدبابات الحركة الشعبية المتمردة خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، ورأيتم ثبات إخوانهم في ميادين القتال قبل توقيع اتفاقية تمزيق السودان، فهل ترغبون بأموالكم وأولادكم وأنفسكم عن سبيل الله؟!

إن أميركا أعلنت صراحة على لسان مبعوثها غرايشن أن أهل السودان لو استعدوا لخوض الحرب فإن أميركا لن تستطيع فصل الجنوب فقد قال: «ليس لدينا في الحقيقة تاريخ طويل من إنشاء الدول، بكل تأكيد لا نريد دولة فاشلة أو دولة في حالة حرب»، لذلك فإن أميركا التي لا تريد في الجنوب دولة في حالة حرب، يكفي أن نعلن الحرب حتى تتراجع عن مخططها الإجرامي، لذلك فإنها ستبذل كل ما في وسعها لأخذ ضمانات من الحكومة بإجراء الاستفتاء وفصل الجنوب بهدوء كما قال أوباما في نفس المؤتمر «نريد إجراء الاستفتاء في موعده وبهدوء».

أيها المسلمون من أهل السودان:

إنكم تملكون القوة اللازمة لإفشال مخططات الكفار لتمزيق بلدكم، هذه القوة الحقيقية متمثلة بامتلاككم للعناصر الآتية:

1- مبدأ الإسلام العظيم، بعقيدته التي تقنع العقل وتملأ القلب طمأنينة بأن الخالق هو الله سبحانه، وأن المحيي والمميت هو الله سبحانه، وأن الرزاق ذو القوة المتين هو الله سبحانه، وأن القاهر فوق عباده والناصر هو الله سبحانه، فماذا يملك لكم الغرب الكافر مقابل ذلك؟!

وكذلك أحكام الإسلام العظيم التي هي من لدن حكيم خبير، هذه الأحكام التي ظلت على مدار التاريخ هي وحدها التي تؤلف بين الناس وتجمعهم: (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، [الأنفال 63] فعار عليكم أن تتسولوا المعالجات في اتفاقيات التمزيق والإذلال، أو في دهاليز أوكار التآمر الغربي الكافر مما تسمى بالمنظمات الدولية.

2- قوى مسلحة، من جيش وشرطة وأمن، عريقة متمرسة في القتال في أطراف البلاد ووسطها يرفدها رجالٌ ورجال صابرون على القتال ما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا… إنه ما فرّط في البلاد ولا في وحدتها إلا خيانات  الحكام والساسة العملاء الساعين بالمكر السيئ، ليحافظوا على كراسي المعصية والصغار التي عليها يجلسون.

3- السودان بلد بكر فيها من الثروات ما يغني أهلها، بل وكل المسلمين، وهي قادرة على توفير الأمن الغذائي من خلال (250) مليون فدان من الأراضي الزراعية، يجري فيها (85) مجرى مائي ينزل عليها ترليون متر مكعب من مياه الأمطار سنوياً. أما عن الذهب والمعادن والبترول، فالقائمة تطول وتطول… وهذا ما أسال لعاب الغرب الكافر المستعمر فأراد أن يمد يده ليسرقها، فهل أنتم ساكتون عن حقكم، مغضبون لربكم؟!

هذه أبرز عناصر قوتكم؛ التي لا يقول عاقل يملكها بأنه ضعيف ذليل حري به أن يسلّم كل أمره لعدو لا يرقب فيه إلّاً ولا ذمة (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة 8].

فاستعينوا بالله، وتوكلوا عليه حق التوكل، فإن الأرض لله يورثها من عباده من كان تقياً (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف].

 إن مؤامرات الغرب الكافر التي يأخذ بعضها برقاب البعض، ومكر حكامكم وسياسييكم غير المخلصين، كل ذلك لينطق بأنه لا مخرج لهذه الأمة الكريمة إلا على يدي هذا الحزب العظيم؛ حزب التحرير ومشروعه النهضوي على أساس عقيدة الإسلام؛ الخلافة الراشدة التي تطبق الإسلام، وتقيم العدل بين جميع رعاياها من مسلمين وغير مسلمين، وتوحد بلاد المسلمين، وتطهرها من رجس الكافرين المستعمرين، وتمنع تدخلهم في بلاد المسلمين، و(لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ) [الصافات 61].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *