العدد 173 -

السنة الخامسة عشرة جمادى الآخرة 1422هـ – أيلول 2001م

صـنم الحـريـات

   صنم جديد غزا العقول في العقود الأخيرة وصل التشبث به إلى حد الهوس المجنون، وأصبح مثل صنم التمر الذي كان العرب في الجاهلية يصنعونه بأيديهم ثم يسجدون له ثم يأكلونه إذا جاعوا. هكذا هي (الحريات) هذه الأيام، شعار ترفعه السلطة أو من يسمون بالمعارضة إذا اقتضت المصالح السياسية أو المادية ذلك، فإذا تغيرت هذه المصالح قمعوا هذا الشعار وداسوه.

   مؤخراً حصلت في لبنان اعتقالات لأشخاص ينتمون إلى ميليشيا القوات اللبنانية المنحلة، وإلى جماعة ميشال عون بتهمة قيامهم بإجراء اتصالات مع اليهود والتنسيق معهم لإثارة القلاقل وإعادة فتح ملف الحرب من جديد، فثارت ثائرة العديد من الوزراء والنواب والحلفاء المراهنين معهم على التغييرات الإقليمية تحت ستار «الحفاظ على الحريات»، وكان حجم الضجيج أكبر من المعتاد حتى بعد أن بثت وسائل الإعلام المرئي اعترافات توفيق الهندي بعمالته لدولة يهود.

   إن القاصي والداني يعرف أن هناك فئات داخل لبنان لا تزال تراهن على دولة يهود حتى لو لم تعتقلهم السلطات وحتى لو لم يعترفوا، فتاريخهم يشهد عليهم بأنهم جبلوا على العناد والكيد والتآمر السري والعلني، ولا تزال الغرائز تحركهم وتعشش في رؤوسهم أحلام الفدرالية، والانفصال عن غيرهم لأنها أفضل وأميز لمصالحهم ومصالح يهود.

   لم يتعلم هؤلاء من دروس الماضي حينما تخلى عنهم اليهود في جبال الشوف فهجّروا منها، ثم تخلوا عنهم في قرى شرقي صيدا وهجروا منها، وحينما تخلوْا عنهم في الشريط الحدودي المحتل فرحلوا مع المحتل فأسكنهم في خيم مع ما لحقهم من إذلال بعد أن حموه بأرواحهم أكثر من عشرين عاماً. ثم يأتي هؤلاء ومن لفّ لفّهم ليتباكوْا على الحريات. وهم قد داسوا هذه الحريات عندما كانت الدائرة لهم.

   إننا ندرك أن الدولة لم تعتقل عملاء يهود بدافع إخلاصها المبدئي ضد يهود فإن هؤلاء العملاء كانوا موجودين، يسرحون ويمرحون منذ سنين، وإنما اعتقلتهم لأن الظروف السياسية الآن تقتضي ذلك، ولو اقتضت الظروف السياسية غير ذلك لألغوا هذه الاعتقالات اليوم قبل الغد. ومع ذلك نقول إن العمالة لليهود من أخطر المخاطر، ولن تغفر الأمة لكل من يمدّ يده لليهود الأنجاس وسوف تحاسبه على صنيعته عاجلاً أم آجلاً، ولن يفيده الصراخ على (الحريات)، ولن يفيده التلطي وراء المراجع الكبيرة والأسماء اللامعة والصحف المشهورة، وستكشف الأيام حجم الاختراق اليهودي بدلالة كثرة الشخصيات التي تصرخ بكاءً على «الحريات» كلما وجه الاتهام لأحد عملاء يهود .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *