العدد 173 -

السنة الخامسة عشرة جمادى الآخرة 1422هـ – أيلول 2001م

البطـالة نتيجة حتمية للنظام الرأسمالي

          الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

          خلق الله الإنسان وبين له سر وجوده في هذا الكون حيث يقول تعالى في كتابه العزيز: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)  وبعث له رسلاً ليبينوا له كيف تكون عبادة الخالق المدبر وختم سبحانه الرسالات على يد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكانت الرسالة الجامعة لكل جوانب الحياة إن هو أخذها سعد في الدنيا والآخرة.

=========================================

          لكن هناك من الناس من أبى إلا أن يكفر بربه ويتعالى عن طاعته ويشرع لنفسه نظاماً يعيش به حسب هواه يقول تعالى: (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً) وآخر أنظمة الكفر وأخطرها على الإنسانية هو النظام الرأسمالي القائم على عقيدة فصل الدين عن الحياة والذي انفرد حالياً بقيادة العالم. فأصبحت الإنسانية تعيش في شر مستطير وقلق وخوف على لقمة العيش بعد أن أصبح مقياسها الأساسي في الحياة هو الربح المادي في كل الأحوال مهما كلف ذلك من شقاء وتعاسة للإنسانية. واستطاع النظام الرأسمالي اقتحام بلاد المسلمين بقوة النار والحديد وعمالة المضبوعين والخائنين من أبناء المسلمين، فأصبحت الأمة الإسلامية كباقي العالم تحكم بالكفر وتسير حياتها حسب قوانينه وأنظمته في كل جوانب حياتها وإن بقيت العقيدة عندها. وسبب ذلك يرجع إلى عدم فهم غالبية المسلمين أن الإسلام عقيدة انبثق عنها نظام يحوي تنظيماً لكل جوانب الحياة ولا يمكن فصله عنها في أي حال من الأحوال. إن هذا الفصل يظهر جليا في الجانب الاقتصادي, فلا يوجد بلد إسلامي واحد يسير اقتصاده حسب أحكام الإسلام. ومن مصائب النظام الرأسمالي على الإنسانية مصيبة البطالة التي عمت العالم كله وأدت إلى شقاء مئات الملايين من البشر القادرين على الكسب والعمل, وجعلتهم عالة على المجتمعات التي يعيشون فيها, وفشلت كل المحاولات والحلول الوهمية للقضاء على هذا الداء المعضل وإن كثرت النظريات والاقتراحات, بل أصبح كثير من الاقتصاديين والسياسيين الرأسماليين ينادي بقبول نسبة معينة من البطالة كأمر عادي في المجتمع الرأسمالي.

          ومن أهم المدارس الاقتصادية الرأسمالية التي اهتمت بمشكلة البطالة وحاولت إيجاد تفسير وحلول لها مدرسة كينـز (Keynz) 1883 ـ 1946 ومدرسة التقليديون الجدد (new Clasicer).

          مدرسة كينـز:

          يرى أصحاب هذه النظرية بأن الطلب المنتظر لسلعة شركة ما هو الذي يحدد طلبها للأيدي العاملة, فكلما ازداد الطلب ازداد الإنتاج وكلما ازداد الإنتاج ازداد تشغيل العمال فيؤدي ذلك بدوره إلى انخفاض مستوى البطالة. إذا فالطلب على السلع أي الاستهلاك هو المؤثر المباشر على مستوى البطالة.

          مدرسة نيوكلاسكر:

          يرى أصحاب هذه النظرية أن السبب الرئيسي للبطالة هو عدم وجود منافسة حرة وتامة في السوق فتحرير الأجور من كل القيود والقوانين يجعلها تتحرك إلى الأعلى والأسفل حسب العرض والطلب, فتجد الشركة عمالاً يرضون بأجور تضمن لهم لقمة العيش وتضمن للشركة ربحاً يضمن لها البقاء في السوق. إذاً فموضوع الأجور هو المؤثر المباشر على مستوى البطالة.

          وهناك أسباب أجمع عليها جميع الاقتصاديين الرأسماليين تؤدي حسب زعمهم للبطالة منها:

          l التطور التكنولوجي.

          l ضعف النمو الاقتصادي.

          l ازدياد عدد السكان وخصوصاً في البلدان المتخلفة.

          أما الحلول التي يقترحونها لعلاج مشكلة البطالة فإن:

          مدرسة “كينـز” تدعو للرفع في الطلب على السلع والخدمات وذلك برفع أجور العمال واستثمار الدولة “وإن اضطرت للاقتراض” في مشاريع كبيرة لامتصاص الأيدي العاملة المتوفرة في السوق. فبرفع الأجور للعمال يرتفع استهلاكهم فيؤدي إلى ارتفاع الإنتاج فتضطر الشركات لتشغيل العمال لمسايرة هذا الطلب,وكذلك بالنسبة للمشاريع الكبيرة للدولة فالطلب يرفع الإنتاج والإنتاج يقلص مستوى البطالة.

          أما مدرسة “نيوكلاسكر” فترى الحل في حرية ومنافسة تامة في السوق والحد من دور النقابات والدولة في التدخل في سياسة الأجور مما يجعل السوق يحدد أوتوماتيكيا أجر العمل فيجد كل عامل عملا حسب الأجر الذي يقبل به.

          وأما سبب فشل كلتا المدرستين في القضاء على البطالة فيعود لأمور شتى:

          أولاً فشل مدرسة “كينـز”:

          l إن اقتراض الدولة للأموال من أجل استثمارها في مشاريع كبيرة يرفع من ثمن السلع التي تحتاجها هذه الاستثمارات فيرفع التكلفة على المستثمرين الصغار والمستهلكين لهذه السلع فتضطر الشركات الصغيرة لتسريح العمال فيتم تعويض العاطلين الذين امتصتهم مشاريع الدولة بعاطلين سرحتهم الشركات الصغيرة.

          l كذلك فإن اقتراض الأموال يزيد من الطلب على المال في الأسواق المالية فتزداد الفائدة على هذه الأموال مما يجعل المال غاليا على الشركات والخواص فيحجم الخواص عن الاستهلاك والشركات عن الاستثمار لارتفاع تكاليف هذه الاستثمارات ويسعون إلى توظيف هذه الأموال في سوق المال لأنها تعود بفائدة أكبر.

          l عند قلة الطلب تكون عند الشركات سلع كثيرة مخزنة, وعندما يرتفع الطلب على السلع باستثمارات الدولة مثلاً, فإن هذه الشركات تبيع السلع المخزنة أولاً قبل أن تزيد الإنتاج أي قبل تشغيل عمال جدد.

          l تستطيع الشركة أن تزيد من الإنتاج دون تشغيل عمال جدد وذلك بالزيادة من سرعة العمل والضغط على العمال والزيادة من “الورديات”.

          l الأخطر من ذلك مشكلة التضخم فإن الشركات بارتفاع الطلب على السلع والخدمات لا ترفع من مستوى الإنتاج وإنما من ثمن السلع, فتغلى السلع على المستهلكين.

          l أما رفع أجور العمال فإن الشركات الكبيرة تنقل وحدات الإنتاج إلى مناطق أخرى في العالم المتخلف حيث الأجور زهيدة جداً, فتستفحل البطالة في البلدان ذات الأجور العالية.

          ثانياً فشل مدرسة “نيوكلاسكر”.

          l إن تحرير الأسواق من كل القيود ومن تدخل النقابات والدولة في سياسة الأجور يجعل العمال تحت رحمة أصحاب رؤوس الأموال والشركات لأنهم هم الأقوى في هذه المعادلة, فيفرضون أجوراً تضمن لهم أكبر ربح ممكن وفي حالة وجود عاطلين بالملايين فإنهم دائما يجدون من يقبل بأي أجر من أجل سد الرمق.

          l إن هذه السياسة تؤدي على المستوى البعيد إلى انخفاض الاستهلاك وبالتالي إلى انخفاض الإنتاج فتزيد أزمة البطالة.

          l إن العامل الذي يشعر بأنه مستغل من طرف صاحب العمل لا يخلص في عمله فتقل جودة السلع وتقل المبيعات فترتفع تكاليف الإنتاج وربما أدى ذلك إلى إفلاس الشركة.

          l إن الأجير الذي لا يضمن أجراً جيداً لا يستطيع أن يقوم بمشاريع على المستوى الطويل كشراء بيت أو سيارة فلا يوجد قانون يحميه من البطالة في أي وقت فالدولة والنقابات لا دور لها في سياسة الأجور.

          l وأما القول بأن التطور التكنولوجي والعلمي من أسباب البطالة فباطل من وجوه:

          أ ـ إن نسبة البطالة في الدول المتخلفة التي لا تملك العلم والتكنولوجيا أكبر من نسبة البطالة في الدول التي تملك هذه التكنولوجيا.

          ب ـ إن التطور التكنولوجي والعلمي أمر طبيعي عند الإنسان لما فيه من غرائز وحاجات عضوية, والإنسانية عرفت دائماً تطوراً علمياً وتكنولوجياً ولكنها لم تعرف البطالة.

          وأما القول بأن قلة النمو الاقتصادي من أسباب البطالة فهذا غير صحيح لأن هناك دولا عرفت نمواً اقتصادياً كبيراً في آسيا وأمريكا الجنوبية ومع ذلك تعاني من أزمة بطالة وفقر حادة.

          وأما القول بأن ازدياد عدد السكان يؤدي إلى البطالة فهذا الكلام يُردّ لأن ارتفاع عدد السكان, كما هو يؤدي إلى ارتفاع عدد الباحثين عن العمل فكذلك يؤدي إلى ارتفاع عدد المستهلكين للسلع والخدمات.

          إن حقيقة أمر البطالة وتفشيها في النظام الرأسمالي لا تعود إلى هذه الأسباب التي ذكرها الاقتصاديون الرأسماليون وإن كل الحلول التي اقترحوها قطعا ستفشل لأنهم جهلوا أو تجاهلوا أن البطالة سببها النظام الرأسمالي عينه, أي أن النظام الاقتصادي الرأسمالي وطريقة تفكير الرأسماليين هي التي تؤدي حتماً إلى البطالة, فالمشكلة ليست في الاستهلاك ولا في الإنتاج ولا في الأجور ولا في عدد السكان ولا في التطور التكنولوجي… أو غيرها من الأسباب الواهية التي يقول بها الرأسماليون ولا عجب في ذلك فإنهم لا يمكنهم الاعتراف بفشل نظامهم في حل مشاكل الإنسان خصوصا وأنهم لا يملكون البديل.

          ولبيان ذلك نقول:

          l إن النظام الرأسمالي مبني على نظرية الندرة النسبية للسلع والخدمات وذلك يعني أن الإنسان له حاجات متجددة غير محدودة وأن الموارد الموجودة محدودة وغير متجددة فعلاج المشكلة الاقتصادية التي تواجه المجتمع عندهم إنما يكون بزيادة الإنتاج وكذلك مشكلة البطالة فكل الحلول التي يقترحها الاقتصاديون الرأسماليون على اختلاف مدارسهم متعلقة بالإنتاج ولا يضعون نظرية الندرة النسبية للسلع والخدمات محل تفكيرهم للحكم عليها هل هي صحيحة أم خاطئة؟

          فهي عندهم قطعاً فكرة صحيحة مع أن الواقع يبين أنها خاطئة لأن المشكلة ليست في الندرة النسبية للسلع والخدمات وإنما هي في توزيع هذه السلع والخدمات على الأفراد في المجتمع أي أن المشكلة مشكلة توزيع وليست مشكلة ندرة لأن حاجات الإنسان الأساسية هي حاجات معدودة عند جميع الأفراد، والموارد الموجودة في الأرض كافية لإشباع جميع الحاجات الأساسية وكثير من الكماليات للجميع فرداً فرداً في كافة أصقاع الأرض, فالبحث عن حل لمشكلة البطالة في الإنتاج بناء على فكرة الندرة النسبية للسلع والخدمات محكوم عيه بالفشل قطعاً.

          إذ إن مشكلة البطالة لها علاقة بالنظام الاقتصادي وليست بالإنتاج الذي هو من علم الاقتصاد أي أن الاقتصاديين الرأسماليين خلطوا بين النظام الاقتصادي الذي هو سياسة الدولة في تسيير الاقتصاد وعلم الاقتصاد الذي يبحث في تطوير وسائل الإنتاج والاستهلاك ولا علاقة له بالنظام الاقتصادي.

          l من الأسباب الرئيسية لمعضلة البطالة في العالم الرأسمالي النظام المالي القائم في جميع الدول الرأسمالية والذي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد الرأسمالي ولهذا فلا عجب أن نرى أعين المراقبين السياسيين والاقتصاديين في العالم أجمع متجهة نحو بورصة نيويورك وصندوق النقد الفدرالي الأميركي. هذا النظام المالي يحمل في طياته ما يمكن اعتباره جرثومة الاقتصاد العالمي ألا وهو نظام الفائدة أو الربا وإن العاطلين عن العمل يحتاجون إلى سد حاجاتهم الأساسية والدولة تحتاج إلى المال لتسيير شؤون البلاد والشركات تحتاج للمال للاستثمار والإنتاج, والمال موجود في السوق ولكنه لا يصل إلى من يحتاجه إلا إذا دفع مقابل ذلك وهذا المقابل هو الفائدة, فالشركات والدولة تقوم باقتراض المال من المؤسسات المالية التي هي ملك لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة بفائدة كتعويض حسب زعمهم لهذه البنوك على قبولها الإحجام عن التصرف بهذه الأموال وبالتالي الاستهلاك لمدة محدودة. وهذا الزعم خطأ لأن أصحاب هذه الأموال لم يحجموا عن الاستهلاك وإنما هذه الأموال تزيد عن ما يستهلكونه فهم قد استهلكوا وبقي عندهم زائد عن حاجاتهم. يقوم البنك المركزي بطبع الأوراق النقدية والنقود المعدنية ولا تصبح نقوداً يتعامل بها الناس إلا عند قبولهم لها لثقتهم بالجهة التي أصدرتها. والبنك المركزي يقوم بإقراض الناس هذه النقود ويأخذ عليها فائدة تفوق تكاليف الطبع والتوزيع. وهذه النقود لا توجد لها تغطية مقابلة لها من الذهب والفضة وإنما هي عبارة عن أوراق موثوق بها فرضتها الدولة كنقود. وعندما يفوق المال المتوفر لدى شخص حاجاته الأساسية فإنه إما أن يصرفه في الكماليات أو يكنـزه في البيت أو يفعل ما يفعله البنك المركزي حيث يقرض بنفسه لمن يحتاج مقابل فائدة, فيضعه غالباً في البنك مقابل فائدة, ويقوم البنك بدوره بإقراض المال للخواص والشركات مقابل فائدة أعلى. وهذه النسبة العالية من الفائدة لها علاقة مباشرة بما يسمى الفائدة المركبة وذلك أن الربا نفسه يضاف إلى رأس المال ويدفع عليه الربا، أي ربا على الربا وهذا الأمر لا يوجد إلا في المال، والربا على الربا هذا لا يسمح به إلا للبنوك والمؤسسات المالية, ولنبين ذلك نعطي مثلاً “10.000 بـِ 3% ربا تصبح بعد 50 سنة 43.839, و بـِ 4% ربا 71.066, و بـِ 11% 1.845.464, و بـِ 12% 2.850.019″. إن النمو الطبيعي لأي شئ له حدود إلا أن هذا الحد الطبيعي لكل شئ في الحياة ينعدم في النظام المالي الرأسمالي, فأصحاب رؤوس الأموال يزدادون غنى فيقرضون أموالا أكثر, فيزداد غناهم أكثر, وكلما أقرضوا مالاً عاد عليهم أكثر وهذا المال يأتي طبعاً من الذين اقترضوه للحاجة من الخواص والشركات والدولة. والدولة تزيد من الضرائب المباشرة وغير المباشرة لدفع الفوائد والشركات تزيد من ثمن السلع لدفع هذه الفوائد فيتحول المال من الفقراء إلى الأغنياء فيزداد الأغنياء غنىً والفقراء فقراً, هذه الظاهرة تلاحظ كذلك بين الدول فتزداد الدول الغنية غنىً والفقيرة فقراً.

          ويزداد الأمر تعقيداً بأن البنوك الخاصة توجد مالاً جديداً في السوق فالبنوك الخاصة تضع عند البنك المركزي نسبة من المال مخصصة لدفع أموال زبائنها في حالة مطالبتهم بذلك. إلا أنها تعلم أنه شبه مستحيل أن يسحب كل الزبائن كل أموالهم دفعة واحدة ولذلك فإنها تقوم بإقراض جزء من هذا المال الذي هو أصلاً ليس ملكاً لها بفائدة, طبعا هذا المال هو عبارة عن رقم في حساب, عادة لا يسحبه المقترض دفعة واحدة وحتى إن فعل فإنه إما أن يعود لها ـ البنوك ـ عن طريق زبون آخر أو أن يعود إلى بنك آخر تقترضه منه في حالة الاضطرار. فيؤدي ذلك إلى معضلة أخرى وهي التضخم أي إلى إنتاج المال بكثرة في السوق فتنخفض قوته الشرائية الأمرالذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع الأسعار, فتغلى المعيشة على المستهلك وتغلى السلع على الشركات, فتحجم الشركات عن الاستثمار وخلق فرص جديدة للعمل. إلا أن هذه الدائرة الجهنمية لها حدود عند المستهلكين فتقوم الدول الغنية باستغلال مستهلكي الدول المتخلفة بتقديم قروض بفوائد, وفتح أسواق هذه الدول لمنتجاتها, لأنها مضطرة لنمو اقتصادي دائمي لدفع فوائد القروض في بلادها, أي أن النمو الاقتصادي يخدم أولاً أصحاب رؤوس الأموال الذين يزدادون غنىً يوما بعد يوم دون أي مجهود يذكر. هذا كله يؤدي إلى أن يصبح المال دولة بين الأغنياء أي يذهب لمن ليس في حاجة إليه ويدفعه من هم محتاجون إليه فيقع كساد في الاقتصاد يؤدي بنفسه إلى البطالة. ومما يزيد الطين بلة أن الكثير من هذا المال يستخدم للمضاربة في أسواق المال (البورصة) بأسهم الشركات, هذه المضاربة تدر أرباحاً طائلة على هؤلاء الأغنياء فتصبح المضاربة أنفع من الاستثمار في الإنتاج, وهؤلاء المضاربون لا يشترون إلا أسهم الشركات التي تدر أرباحاً طائلة, فتضطر الشركات لتسريح العمال المستخدمين للرفع من أرباحها وهكذا عند تتبع أخبار البورصة, فإن المراقب يلاحظ ارتفاع سعر أسهم شركة معينة لأنها سرحت بضع آلاف من مستخدميها, وبالتالي ترتفع البطالة.

          إن النظام الرأسمالي هو السبب الرئيسي والمباشر للبطالة وبالتالي الفقر في الدول التي تحكم بالرأسمالية. إن البطالة مشكلة نظام وليست مشكلة إنتاج.

          وهنا نتساءل أين الحل؟ والجواب واضح وهو إن الحل يكمن في تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي.

          تختلف نظرة الإسلام إلى الاقتصاد عن النظرة الرأسمالية, ففي حين ينظر الرأسماليون إلى المشكلة الاقتصادية بوصفها تكمن في الندرة النسبية لمادة الثروة ـ مجوع المال والجهد ـ فإن الإسلام تختلف نظرته إلى مادة الثروة عن نظرته إلى الانتفاع بها. فحين حث الإسلام على إنتاج مادة الثروة ورغب فيها بالكسب بشكل عام, لم يتدخل ببيان كيفية زيادة الثروة والإنتاج ومقدار ما ينتج بينما تدخل في الانتفاع بالثروة تدخلاً مباشراً, فحرم الانتفاع ببعض الأموال كالخمر ولحم الخنـزير, كما حرم الانتفاع من بعض جهود الإنسان كالرقص والبغاء وأما من حيث كيفية حيازتها فقد شرع أحكاماً متعددة لحيازة الثروة, كأحكام الصيد والإرث والإجارة وغيرها.

          فالمشكلة الاقتصادية في الإسلام تكمن في حيازة الثروة وتوزيعها بين الناس.

          والسياسة الاقتصادية الإسلامية تهدف إلى ضمان تحقيق الإشباع لجميع الحاجات الأساسية لكل فرد إشباعاً كلياً. وتمكينه من إشباع الحاجات الكمالية بقدر المستطاع. فهي تحل مشكلة كل فرد بعينه لا مجموع الأفراد الذين يعيشون في البلاد, فالإسلام يشرع أحكاماً اقتصادية للفرد أي يعالج مشكلة تمكين الناس من الانتفاع بالثروة فيبني اقتصاده على قواعد:

          l الملكية.

          l التصرف في الملكية.

          l وتوزيع الثروة بين الناس.

          بهذه النظرة الإسلامية للمشكلة الاقتصادية يستطيع الإسلام القضاء على مشكلة البطالة في العالم بالقضاء على أسبابها.

          لقد بينا في ما سبق أن المشكلة تكمن في النظام الاقتصادي الرأسمالي عامة وفي النظام الرأسمالي المالي خاصة ويمكن تلخيصها في:

          l الربا (الفائدة) والبنوك.

          l التضخم.

          l كنـز المال.

          l أسواق المال (البورصة) وشركات المساهمة الرأسمالية.

          لقد سد الإسلام منافذ الشر هذه فقد حرم الله الربا حرمة تامة مهما كانت نسبته سواء أكانت كثيرة أم قليلة قال تعالى في سورة البقرة…: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) .

          ويقول تعالى في سورة البقرة: (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين @ فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) .

          ولقد بينا كيف أن الربا أكل لأموال الناس بالباطل من طرف أصحاب رؤوس الأموال حيث إنه استغلال لجهودهم وجزاء من غير بذل جهد. هذا التحريم يؤدي إلى الاستغناء عن البنوك الربوية الموجودة في العالم لأن وظيفتها كمؤسسة مالية تقرض الناس بفائدة قد انتهت فلم يعد هناك سبب لوجودها.

          ويبقى وحده بيت المال أو الأغنياء يقرضون الناس بغير فائدة. وهنا قد يطرح السؤال لماذا سيقرض الأغنياء الناس أموالاً إذا لم يحصلوا من وراء ذلك على منفعة؟ والجواب على ذلك أن المسلمين مقياسهم في الأعمال ليس المنفعة وإنما يسيرون أعمالهم حسب أوامر الله ونواهيه. ثم إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة”.

          ثم إن الإسلام حرم كـنـز الذهب والفضة أي النقود يقول تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) ، فهذا وعيد من الله بالعذاب الأليم لمن يكنـزون الذهب والفضة وهو دليل على أن الله تعالى طلب ترك الكنـز طلباً جازماً فأصبح الكنـز حراماً.

          فتحريم الربا وتحريم كنـز النقود وفرض زكاة المال تحل مشكلة تداول الأموال بين الناس في المجتمع حلاًّ صحيحاً وذلك أنه لم يعد أمام الأغنياء سوى إقراض الناس المال بدون فائدة أو التصدق بها أو استثمارها في مشاريع اقتصادية متنوعة تعود بالنفع على الجميع فيحدث بذلك خلق فرص عمل جديدة وهائلة للعمل, وإلا فإن الزكاة ستأكل هذه الأموال. وأما الربا وكنـز المال فإنه يجلب غضب الله تعالى ومن الممكن تصور أساليب ووسائل كثيرة تمكن الدولة الإسلامية من منع مثل هذه التصرفات في البلاد.

          أما التضخم فإن الحل الوحيد والناجع للقضاء عليه هو اتخاذ قاعدة الذهب والفضة كأساس للنظام النقدي في الدولة وهذا هو النظام الذي أقره الإسلام للدولة الإسلامية وذلك أنه من الأسباب الرئيسية للتضخم أن البنوك المركزية والحكومات تصدر ورق نقد بكميات هائلة حتى تمكن السوق من الحصول على المال اللازم للحركة الاقتصادية في البلاد خصوصا عند ظهور مؤشرات كساد اقتصادي فيؤدي ذلك حتما إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات وبالتالي للتضخم, في حين أنه عند الالتزام بقاعدة الذهب والفضة فإن الدولة تعجز عن ذلك خوفاً من تزايد الطلب على الذهب والفضة.

          وأما البورصة المالية التي هي سوق لأسهم شركات المساهمة الرأسمالية فإن عقودها حرام لأنها تخالف عقود الشركات في الإسلام لأنه من شروط صحة عقد الشركة في الإسلام هو وجود بدن من الشركاء يقوم بأعباء مباشرة أعمال الشركة وهذا غير وارد في عقد شركات المساهمة التي هي شراكة أموال فقط.

          بعد أن تبين ما وقعت فيه البشرية من ضنك في العيش وظلمة في الدنيا بسبب نظام الطاغوت هذا (الرأسمالية) المطبق في الأرض وبعد أن أدركنا سر وجودنا في الأرض وبعد أن أنعم الله علينا بالفهم الصحيح للإسلام وامتلاك البلسم الشافي لكل أمراض البشرية لا يسعنا إلا العمل الدؤوب لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخـلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تطبق الإسلام كاملاً من اقتصاد وحكم واجتماع لنيل رضوان الله سبحانه وتعالى بإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

          قال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) التوبة 

أ. ر ـ المغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *