(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم* قال يا ءادم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) [البقرة].
بعد أن بيّن الله سبحانه أنه المحيي والمميت وأنه الخالق للسموات والأرض وأنه بكلّ شيء عليم، ذكّر الله سبحانه بالمزيد من نعمه على الناس، كلّ ذلك من باب التعجب والتوبيخ لأولئك الذين يكفرون بالله بعد كلّ هذه النعم التي أنعمها الله عليهم، فبدل أن تكون دافعا لهم ليؤمنوا ويستقيموا يكفرون ويضلون، ومن مزيد نعمه هي التي أنعمها الله على آدم ـ عليه السلام ـ بتأهيله للخـلافة في الأرض. وقد استفسرت الملائكة من الله سبحانه عن هذا الأمر الذي يؤهل آدم للخلافة بدلاً منهم وهم الذين يعبدون الله آناء الليل وأطراف النهار بالتسبيح والتقديس في حين أن بني آدم يفسدون ويسفكون الدماء كما علموا من حالهم التي أعلمهم الله إياها؟! فأجابهم الله بأنه سبحانه اختصّ آدم بنعمة لم يختصهم بها، وكانت تلك النعمة أن علّم الله آدم الأسماء كلها أي المسميات من حيث خواصّ المخلوقات ومدلولاتها ولم يعلمها الله للملائكة حتى يتمكن آدم من استعمال هذه المعلومات لإنشاء أفكار يعمر بها الأرض فتؤهله للخلافة فيها، عندها تبين للملائكة أن آدم علم بفضل الله ما لا يعلمون، وأن أمر الخـلافة لله يضعه حيث يشاء فييسر كلّ مخلوق لما خلقه له، فالملائكة مخلوقون لغير ما خلق له آدم ـ عليه السلام ـ والله يعلم الغيب ويعلم ما يبدون وما كانوا يكتمون.
وهنا لا بدّ من وقفة لنتبين كيف تعقل الأشياء وتُدرك وكيف يفكر الإنسان وينشئ أفكاراً جديدة.
إن المتدبر لهذا الأمر يتبين له أنه لا بدّ من توافر أمور أربعة حتى تتمّ العملية العقلية أو الفكرية:
-
واقع الشيء المطلوب إدراكه أو عقله أو التفكير فيه.
-
حواس سليمة عند الإنسان تمكنه من الإحساس بهذا الواقع.
-
دماغ سليم يتم نقل الواقع بالحواس إليه.
-
معلومات سابقة تفسر هذا الواقع.