العدد 171 -

السنة الخامسة عشرة ربيع الثاني 1422هـ – تموز2001م

كلمة الوعي: رحم الله قائلنا: والله لا تُرَوَّعُ بكَ مسلمةٌ أبداً

          قد يفقد الإنسان العملية الفكرية الصحيحة التي ترشده إلى السبيل الناجع لقتال عدوه وتحقيق النصر، ومع ذلك فإن شيئاً من مسمى الإنسان يبقى لديه، فإذا فقد الناحية الفطرية التي فطر عليها، ففقد مظاهر غريزة البقاء، وانعدم لديه رد الاعتداء، وفقد الإحساس باتخاذ عدوه عدواً، بل وفقد النظر إلى العدو نظرة عداء، عندها يكون الإنسان قد أصبح ميتاً وإن كانت مظاهر الحياة تُرى عليه رأي العين، ويكون كالأصم وإن كانت له أذنان كبيرتان، ويكون أعمى وإن كانت عيناه تتحركان، فمن فقد العقل والفطرة فقد صار أثراً بعد عين ورسماً بعد جسم.

          إن من ينظر إلى ما جرى ويجري في فلسطين من مواقف الحكام والسلطة تجاه يهود يرى العجب العجاب، فقدْ فقدَ هؤلاء حتى مظاهر غريزة البقاء، اليهود يبطشون ويقتلون، والسلطة تقابلهم باللقاءات الأمنية والمجالس التفاوضية.

          اليهود ينتهكون الحرمات والمقدسات، ويسفكون الدماء، ويقطعون الأشجار، ويقلعون المزروعات، ويروّعون الشيوخ والنساء والأطفال ليل نهار، والسلطة تعقد اتفاقاً معهم للهدوء الأمني واعتقال من يخرق الاتفاق الأمني ثم تتخذ إجراءات معهم لبناء الثقة لكي (يحل الوئام محل الخصام).

          إن المتاجرة بدماء الناس الزكية الطاهرة وبذلها رخيصة في أسواق التفاوض، ومقايضة ترويع المسلمات بتحسين شروط المفاوضات ومقابلة توفير الأمن والأمان ليهود بالعودة إلى طاولة المفاوضات، كل ذلك لا يجرؤ على فعله إلا رجال بلغوا من السوء والخيانة ما عجز أندادهم عن بلوغه.

          يقولون إن هذا الذي يصنعون هو من أجل تطبيق توصية لجنة (ميتشيل)، وإن موافقتهم على خطة (تنت) هي مقدمة لرزمة ميتشيل ويضغطون على أسنانهم بقوة عند إخراج حروف رزمة ميتشيل! وكأنهم بذلك يمسكون بأطراف الثريا في الوقت الذي هم فيه دون الثرى.

          إن السلطة ترقص على أنغام لجنة ميتشيل، والحكام يُصفقون لها وكأن ميتشيل قد جاء بالنصر المبين.

          أليست مقترحات ميتشيل تراجعاً حتى عمّا حصلوا عليه من ثمن بخس لبيع معظم فلسطين؟ أليست هي أسوأ من سابقاتها؟ ألأنها تقول بعدم ضم أراضٍ جديدة للمستوطنات مقابل ضمان الأمن والهدوء ليهود؟ هل موضوع فلسطين قد تقزَّم إلى قضية عدم بناء مستوطنات جديدة والاكتفاء بما هو قائم؟

          إن فلسطين قضية إسلامية، أرضها خراجية، ورقبتها مملوكة للمسلمين، لا يملك كائن من كان أن يتنازل عن شيء منها، قل ذلك الشيء أو كَثُر فهو جريمة في دين الله، كما أن ضياع الجزء طريق إلى ضياع الكل، كما جرى ويجري ونراه رأي العين:

مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيْهِ                            مَا  لِجُرحٍ  بِمَيِّتٍ  إِيلاَمُ

          إن فلسطين لا تقبل التجزئة ولا القسمة على اثنين، ولا تحلها لجنة (ميتشيل) كما لم تحلها لجنة (بل) من قبل، ولا لجنة (باول) من بعد. إن هذه اللجان لا تغدو وتروح لسواد عيون أولئك اللاهثين وراءها بل هي لتحقيق مصالح أميركا أولاً، ومن بعد أوروبا ثم يهود، فالكفر ملَّة واحدة، وهم سواء في عدائهم للإسلام وأهله ودياره. أما اللاهثون وراءهم من بائعي البلاد والعباد فلا قيمة لهم ولا وزن عندهم إلا بقدر تحقيق مصالح الكفر وأهله، فإذا انتهى دورهم لفظوهم وألقوْا بهم بعيداً.

          لقد زرع الغرب الكافر يهود في فلسطين وأنشأوا لهم كياناً ليكونوا خطاً أمامياً لتحقيق مصالح الغرب الكافر، وأول هذه المصالح أن يكون هذا الكيان حائلاً بين اتصال بلاد المسلمين بعضها ببعض لضرب وحدتها، وإبعاد عودتها بلاداً واحدة في دولة واحدة. لقد ذكروا ذلك في صحفهم، قالوا إنهم انتقموا لهزيمتهم أمام صلاح الدين زمن الحروب الصليبية مرتين: الأولى عندما كانوا وراء مصطفى كمال للقضاء على الخلافة أوائل القرن العشرين، والثانية عندما زرعوا كيان يهود في فلسطين، قالوا ذلك تصريحاً لا تلميحاً، وبياناً واضحاً لا تأويلاً.

          هكذا فعلوا من قبل وهكذا تفعل لجانهم اليوم لتثبيت هذا الكيان المسخ في فلسطين، وضمان الأمن والهدوء له. لكنّ فلسطين ستبقى بإذن الله عصيَّة على يهود وعلى كل كافر، وعلى المتآمرين ممن يزعمون أنهم من أهلها وهي منهم براء. إنَّها أرض إسلامية طهور جبلت بدماء الفاتحين، فلا يخلو شبر منها من قطرة دم لشهيد أو غبار فرس لمجاهد، والقضاء على كيان يهود وإعادة فلسطين كاملة إلى ديار الإسلام فرض وفرض عظيم، وكما فتحت في عهد الراشدين، وحررت من رجس الصليبيين ستحرر بإذن الله من دنس يهود، بالطريقة ذاتها… جيوش تتسابق للاستشهاد، تقودها صيحات الله أكبر، وتظلها راية الإسلام.

          إن هذا بيِّن في كتاب الله: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) ، وبيِّن في حديث رسول الله «لتقاتلن اليهود»، حتى إن نصارى القدس عند الفتح الإسلامي قد اشترطوا على عمر رضي الله عنه أن تنص العهدة العمرية على أن لا يساكنهم في القدس يهود، هذا ويهود وقتها شرذمة لا سلطان لهم، فكيف وقد اغتصبوا فلسطين وعاثوا في الأرض الفساد، وانتهكوا الحرمات، وارتكبوا المجازر وروَّعوا الآمنين؟ كيف يكون لهؤلاء أمن وأمان، ولقاء واجتماع وبناء ثقة؟

          إن تاريخ المسلمين حافل بالمواقف العظيمة في مقاتلة العدو وقطع دابره بضربات تنسيه وساوس الشيطان، وتشرد به من خلفه، حتى لا يجرؤ عدو معلن أو مستخفٍ أن يُرَوِّع مسلماً أو مسلمة ناهيك عن ارتكاب المجازر وانتهاك الحرمات.

          ذكر الطبري في تاريخه من أحداث سنة 87هـ أن قتيبة بن مسلم الباهلي أثناء فتوحاته في منطقة بخارى، قد ظفر بأحد مجرمي العدو الذين كانوا يُجَيِّشون الجيوش ضد المسلمين، فحاول هذا المجرم أن يفدي نفسه فعرض مبلغ ألف ألف من نقدهم، وكان هذا المبلغ كبيراً جداً في نظر المسلمين حتى إن بعضهم قد أشار على قتيبة أن يقبل الفداء فهو غنيمة كبيرة للمسلمين، لكن قتيبة أبى أن يقبل الفدية ويطلق ذلك المجرم وقال قولته العظيمة: لا والله لا تُرَوَّعُ بك مسلمةٌ أبداً، وأمر به فقتل.

          هذا هو الدواء الناجع لقادة العدو ومجرميه، أن تتحرك جيوش المسلمين للقضاء عليهم وإزالة كيانهم المسخ حتى لا تُرَوَّعَ بهم مسلمةٌ أبداً.

          أما أن تُنسى جرائمهم ومجازرهم وتتخذ السلطة والحكام من ورائها خطوات بناء الثقة مع يهود، والإقرار بكيانهم، والتفاوض معهم، يجتمعون معاً ويتجاذبون أطراف الحديث، وأفواه يهود تلغ في دماء المسلمين، فإن هذا لشر المصاب، والجريمة التي لا ينفك مقترفها مضروباً عليه الذل والخزي في الدنيا والعقاب الشديد في الآخرة: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *