العدد 309 -

العدد 309 – السنة السابعة والعشرون، شوال 1433هـ، الموافق أيلول 2012م

مع القرآن الكريم

مع القرآن الكريم

 

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)  وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)

جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه

عطاء بن خليل أبو الرشته

أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:          

في هذه الآيات يخاطب الله سبحانه اليهود الذين كانوا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخاطبهم بأن يتذكروا النعم التي أسبغها الله على آبائهم الذين آمنوا مع موسى – عليه السلام – والذين كانوا في وقته وفيها يتبين ما يلي:

  1. في الآية الأولى تأكيد للآية التي سبقتها ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ) فقد كرر الله سبحانه التذكير بالنعم، ومن ثم عدّد أنواعاً منها لربط ذلك بالوعيد الشديد والعقوبة التي أصابتهم عندما كفروا بتلك النعم، فقد عاقبهم الله بأن فرض عليهم قتل أنفسهم ومسخ بعضهم قردة وخنازير، هذا فضلاً عن الخلود في النار للذين ماتوا على الكفر منهم.

  2. إن النِّعَم التي ذكّرهم الله بها هي تلك التي حدثت للمؤمنين بموسى – عليه السلام – المعاصرين له، بدلالة القرائن في الآيات المذكورة التي تذكر آل فرعون وفرق البـحـر والنجاة من الغرق واتّخاذ العجل، كذلك ذكر موسى – عليه السلام – والمواعدة له.

  3. أول هذه النـعـم أنه سبحـانـه فضّل موسى – عليه السلام – والذين آمنوا معـه على عالمي زمانهم بأن اختـارهم من بينهم لحمل التوراة والعمل بها وتبليغها في ذلك الزمان.

  4. أعلم الله سبحانه يهود الذين في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلمأن إيمان آبائهم الأوائل لا ينفعهم ما داموا على كفرهم، بل عليهم أن يؤمنوا هم ليتقوا بذلك عذاب يوم القيامة (وَاتَّقُوا يَوْمًا) أي ما في ذلك اليوم من عذاب، «استعمال مجازي» ففي ذلك اليوم لا تجزئ أي لا تغني نفس عن نفس شيئاً فلا تنوب مكانها كما قال سبحانه (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)) المدثر/آية38 كذلك لا يقبل منها شفاعة، والشفيع هو الذي ينضم للفرد فيصير معه شفيعاً أي زوجاً، وعدم قبول الشفاعة يعني أنه لو حضر معها من يشفع لها فلن يسمح له أن يتحمل شيئاً من العذاب عنها، وفي ذلك اليوم كذلك لا يؤخذ منها فدية بدل العذاب، والعدل هو الفدية، وكلّ ذلك لتأكيد عدم إغناء نفس عن نفس شيئاً يوم القيامة، بل من أراد اتّقاء عذاب ذلك اليوم عليه أن يؤمن ويعمل صالحاً فينفعه بإذن الله وغير ذلك لا ينفعه. وقد ختم الله الآية (وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي لا يستطيع أحد أن يمنعهم من عذاب الله – عز وجل -. وقد وردت ( يُنْصَرُونَ ) بصيغة الجمع لأنها عائدة إلى كلمة ( نَفسٌ ) وهي نكرة في سياق النفي (لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا ) فتفيد العموم (أي في معنى الكثرة) فكان الجمع.

وهنا نقول إن هذه الآية الكريمة واردة في اليهود، غير أنها وردت بصيغة العموم فتشمل كلّ نفس، إلا أن هناك تخصيصاً بأن من مات على الإسلام فالشفاعة تنفعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ورد تخصيص الآية السابقة في كثير من الأدلة، مثلاً من أذن له فتنفعه الشفاعة كما قال سبحانه ( يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) ) طه/آية109. وكذلك بينت السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع في أمته يوم القيامة “وأعطيت الشفاعة»(متفق عليه)، «كلّ نبي لا يشفع إلا محمّد صلى الله عليه وسلم فيشفع” (متفق عليه).

  1. ثمّ ذكّرهم الله سبحانه بنعمه الأخرى:

أ. فهو الذي نجاهم من آل فرعون الذين كانوا يذيقونهم أشد العذاب وأفظعه – سوء العذاب – فقد كانوا يذبّحون أبناءهم ويبقون بناتهم دون ذبح ( وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ) ثم ختم الله سبحانه الآية ( وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) والبلاء في لغة العـرب الاختـبار والامتحان، ويستعملونه في الخير والشر ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ) الأنبياء/آية35 وهي من الألفاظ المشتركة، وقد استعملت في الآية الكريمة في المعنيين، فإن عادت ( ذَلِكُمْ ) على ( نَجَّيْنَاكُمْ ) كان البلاء هنا في الخير أي تلك النعمة عليكم، وإن عادت ( ذَلِكُمْ ) على العذاب والذبح كانت في الشرّ أي تلك المحنة. وهذا من عظمة كلام الله – سبحانه وتعالى – أن يستعمل اللفظ المشترك في جميع معانيه كلها في الآية نفسها كما قال سبحانه ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) الأحزاب/آية43 يصلي الله عليكم يرحمكم، والملائكة تدعو لكم فذكر سبحانه ( يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ) في أكثر من معنى.

ب. ثم إن الله سبحانه قد فرق بهم البحر ففصل بين بعضه وبعضه حتى صار فيها مسالك لهم، وقوله سبحانه ( فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ ) أي أن الفرق كان من أجل أسلاف المخاطبين غير الموجودين وقت الخطاب أي موسى وصحبه لأن العرب تقول: غضبت لزيد إذا غضبت من أجله وهو حي، وتقول: غضبت بزيد إذا غضبت من أجله وهو ميت، وهنا نجاهم الله سبحانه من الغرق في حين أغرق فرعون وآله، وقد كنّى الله سبحانه بآل فرعون عن فرعون وآله كما قال سبحانه في آية أخرى ( فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا) الإسراء/آية103 ( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ) الذاريات/آية40 وقد تمّ كل ذلك على مرأى من موسى – عليه السلام – ومن معه.

ج. ثم يذكّرهم الله سبحانه بنعمة أخرى، فقد وعد الله موسى حين أهلك فرعون وآله أن ينزل عليه التوراة وضرب له ميقاتاً أربعين ليلة فخلف موسى على قومه أخاه هارون وذهب للميقات إلى الطور، وهناك أنزل الله عليه التوراة، وخلال ذلك اتخذ قومه بعد ذهاب موسى لميقات ربه عجلاً إلهاً لهم وكانوا بذلك ظالمين.

قُرِئت ( وَاعَدْنَا ) وكذلك «وَعَدْنا»  وكلاهما بمعنى واحد، فالوعد من الله – سبحانه وتعالى – والمجيء للميقات من موسى – عليه السلام – والمجيء للميقات يعتبر قبولاً بالوعد أو وعداً مجازاً فلذلك يصح ( وَاعَدْنَا ) من باب المفاعلة أو المشاركة، فالوعد من الله على الحقيقة ومن موسى مجازاً، ويصح «وَعَدْنا» لأن الله – سبحانه وتعالى – هو الواعد حقيقة.

د. ويذكّرهم الله بما منَّهُ عليهم من قبول توبتهم والعفو عنهم لعلهم يشكرون.

هـ. كذلك يبين لهم سبحانه نعمته بإنزال التوراة على موسى – عليه السلام – ليهتدوا بها ويصفها الله سبحانه بالكتاب والفرقان من باب الجمع بين كونه كتاباً منزلاً وفرقاناً يفرق بين الحق والباطل، وذلك على أسلوب العرب في كلامهم: رأيت الغيث والليث يريدون رؤية الرجل الجامع بين الجود والقوة وليس رؤية رجلين أحدهما الغيث والآخر الليث.q

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *