العدد 309 -

العدد 309 – السنة السابعة والعشرون، شوال 1433هـ، الموافق أيلول 2012م

الخليفة هو الدولة

الخليفة هو الدولة

 

ابن النصرة- باكستان

يختار المسلمون في الإسلام خليفة لهم من بينهم، ويعطونه البيعة. والخليفة هو المسؤول عن تنفيذ الإسلام داخل الدولة وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، وهو «الإمام لجميع المسلمين» وهو «أمير المؤمنين». وتلتزم الأمة الإسلامية بطاعته طالما حفظ الأمانة التي أؤتمن عليها، وإذا انحرف عن الإسلام، تقوم الأمة بمحاسبته حتى يصحح اعوجاجه، وإلا وجب عزله، وبالقوة إذا لزم الأمر.

ومن أجل حمل هذه المسؤولية الكبيرة، فإنّ للخليفة السلطة الكافية في الدولة، وتستمد جميع مؤسسات  الدولة سلطتها منه وحده، ولهذا السبب كان الخليفة في الإسلام هو الدولة، والسلطات المخولة للخليفة هي ما يلي:

أ) تبني النظام الإسلامي قانوناً في الدولة.

ب) إدارة شؤون الحكومة الداخلية، وإدارات الولايات والمسائل الإدارية والشرطة، بما في ذلك تعيين رؤساء الإدارات والولاة.

ج) إدارة جميع الشؤون الخارجية، والعلاقات مع الدول الأخرى، والمعاهدات وإعلان الحروب، وتبادل السفراء.

د) القيادة الكاملة والمباشرة للقوات المسلحة، بما في ذلك التعيينات وانتشار الجيش.

ه) تعيين والإشراف على السلطة القضائية، من خلال رئيس مجلس القضاء الأعلى، بما في ذلك المحاكم العامة وقضاء الحسبة، وقضاة المظالم.

و) الإشراف على جميع المسائل المالية المتعلقة بالميزانية، والتي تشمل الإيرادات والنفقات.

ولهذه السلطات أدلة منصوص عليها في القرآن والسنة، فضلاً عن شمولها في الأدلة العامة، ومن ذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته».

مونتسكيو والفصل بين السلطات

كان تركز السلطة في رئيس الدولة الإسلامية محل انتقاد شديد من قبل أولئك المغرمين بالأنظمة الغربية من الحكومات القائمة على فكرة الفصل بين السلطات، وقد دعا إلى هذه النظرية الفرنسي، مونتسكيو، في عام 1748م، في وثيقة «روح القوانين»، حيث اعتبر أنّ الحكومة تتألف من ثلاث وظائف منفصلة: التشريعية والتنفيذية والقضائية. وانتقد مونتسكيو في كتابه الخلافة العثمانية حيث قال «…هذه السلطات الثلاث مختزلة في شخص السلطان» وفي رأيه فإنّ هذا يمكن أن يؤدي إلى «القمع الفظيع» فمن خلال الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية والتشريعية، فإنّ مونتسكيو يرى أنه سيتم التحقق من شفافية سير هذه السلطات من قبل الآخرين، فعلى سبيل المثال، إن حاولت السلطة التنفيذية أن تتجاوز فإنّ السلطة القضائية أو السلطة التشريعية يمكنها أن تعمل على تقييدها، وقد أصبحت هذه الفكرة مقبولة على نطاق واسع في الغرب، ومبدأ الفصل بين السلطات أصبح مبدأ رئيسياً عند جميع الحكومات الديمقراطية.

الدستور الأميركي في معظمه يعتمد بوضوح على فكرة الفصل بين السلطات، حيث يرأس السلطة التنفيذية الرئيس الذي يُنتخب بشكل مستقل عن السلطة التشريعية أي الكونغرس، والسلطة القضائية لديها تسعة قضاة في المحكمة العليا يعينهم الرئيس ولكن بعد موافقة الكونغرس عليهم، بعد ذلك تظل مدى الحياة. وبالإضافة إلى استقلال السلطات النسبي عن بعضها البعض، فقد تحددت صلاحيات كل فرع منها بهدف الحفاظ على التوازن بين الثلاث: فيستطيع الرئيس أن يستخدم الفيتو ضد مشروع قانون من الكونغرس، ولكن يمكن أن يمرر القانون بالأغلبية العظمى، ويمكن للمحكمة العليا إبطال القوانين على أسس قانونية، كما يمكن للكونغرس عزل الرئيس. أما التوزيعات الأخرى للسلطات فهي ما بين مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس، بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشكل رئيسي، وبين الولايات الاتحادية في الولايات، ويستند النظام بأكمله على فكرة التوازنات، والذي قيل بأنها للسيطرة على المصالح الخاصة، من أجل خدمة الصالح العام.

المحاسبة وليس التوازن

من الخطأ الفادح الظن بأنّ أي نظام للحكم يمكن أن يحاسب نفسه بنفسه ويحافظ على توازنه بنفسه. فبالرغم من وجود صراع حقيقي بين مختلف فروع الحكومات الغربية، إلا أنّ هذا الصراع يرتبط في العادة بالحفاظ على مصالح النخبة، وليس المحافظة على مصالح الشعوب، فعلى سبيل المثال، فإنّ غالبية الناس في الولايات المتحدة يعارضون الحرب على أفغانستان والعراق، في حين الحكومة الأميركية بكامل فروعها ما زالت ملتزمة بهاتين الحربين، فالفصل بين السلطات ببساطة يضمن أنه أن لا تهيمن سلطة على غيرها، والفصل بين السلطات لا يمكن أن يحول دون سيطرة النخبة على عامة الناس. وفي الواقع، فإنّ معارضة الحكومة تصبح أكثر تعقيداً في ظل الفصل بين السلطات. فإذا أخفق الكونغرس فإنّه يضع اللوم على الرئيس، وإذا أخفق الرئيس فإنّه يضع اللوم على الكونغرس، وفي النهاية فإنّ الناس يضيقون ذرعاً بالسياسة وجميع محتواها ويقبلون بالقليل الذي بين أيديهم.

الإسلام وحده يمنع وجود حكومات استبدادية من خلال اشتراط التزام خليفة المسلمين بأحكام الشريعة الإسلامية، ومن خلال منح جميع السلطات للخليفة، فقد جعل الإسلام الخليفة وحده الهدف المباشر والنهائي للمساءلة في حال وجود أي ظلم داخل الدولة؛ لذلك لا يمكن نزع فتيل الضغوط السياسية من خلال إلقاء اللوم على الآخرين. وعلاوة على ذلك، فإنّه من خلال اشتراط الحكم بأحكام الشريعة الإسلامية، فقد أوجد الإسلام معياراً لا يقبل الجدل على تصرفاته، هذا فضلاً عن وجود محكمة للمظالم تملك صلاحيات عزل الخليفة إن استوجب العزل، كما يوجد مجلس الأمة الذي من مهامه محاسبة الخليفة والولاة، وكذلك الأحزاب السياسية التي كفل الإسلام الحق في تأسيسها دون الحاجة إلى إذن من الدولة حتى، إلا أنّ المجالس التشريعية في الغرب، كلها تقريباً تهيمن عليها النخبة، وتعدل القوانين لصالحها وعلى حساب الشعب.

على الرغم من ادعاءات مونتسكيو، فقد كان الحكم الإسلامي شهيراً. فحتى في ذلك الوقت، فقد كان الأكثر تسامحاً على وجه الأرض، وهو التسامح الذي يتناقض بشدة مع الكراهية والانحياز الغربي الذي أصبح أكثر وضوحاً هذه الأيام، فالناس في الغرب يعتقدون أنّ الحرية هي التسامح، فطراز الحياة في الغرب قائمة على فكرة الحرية، لكنها ترفض بشدة أسلوب الحياة القائمة على أساس الدين، كما هو الحال مثلاً في حالة رغبة النساء المسلمات اللاتي يرغبن في لبس الزي الشرعي. فالنساء المسلمات يعتقدن أنّ الحكومات الغربية تمارس «القمع الأكثر وحشية». إنّ الحكومات الغربية هي حكومات من النخبة، ومبادئها في الحرية والديمقراطية هي من صنع الإنسان والذي جل همه الحفاظ على النظام القائم. والديمقراطية في معناها النظري هي إعطاء السلطة للشعب، ولا يمكن عملياً تحقيق ذلك في أي مكان في العالم، فالقوي يقمع دائماً الضعيف، ما لم يلتزم الجميع بالقانون الذي هو أبعد من أن يتم التلاعب به.

عندما سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس عما سيفعلونه إذا انحرف عن الإسلام، رد عليه رجل بسيط  بأنهم سيقوِّمون اعوجاجه بحد السيف، وقد كان هذا الرد وفقاً لهدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الوقوف في وجه الحكام في حالات الانحراف عن الإسلام، وهذا لا يعني عدم اللجوء إلى قضاء المظالم والطرق السياسية في المقام الأول، ولكن في نهاية المطاف، فإنّ على الحاكم أن يعرف أنّ القوة ستستخدم ضده إذا أصر على الشر. الإسلام يقدم الحل الحقيقي للاستبداد، على عكس التشويه المتعمد الذي يقوم به الغرب لصورة الإسلام، وبعبارات بسيطة، فإنّ الغرب شن حروباً على الحكومات العالمية، لنهب الشعوب لصالح النخبة فيه، بينما الجماهير عاجزة عن إيقافه.

إنّ السلطان العثماني عبد الحميد، والذي كان خليفة في مطلع القرن العشرين، تم وصفه على الدوام في الغرب على أنّه طاغية مستبد، فيزعمون أنّه حكم كديكتاتور مطلق، بينما تغاضوا عن الطريقة التي تم خلعه فيها. حيث استخدم هؤلاء الذين كانوا يتآمرون عليه القضاء لخلعه، حيث ذهب إليه وفد صغير أعزل في وقت متأخر من الليل في مقر إقامته ليوصل إليه باليد قطعة من الورق تحمل فتوى ببطلان حكمه من شيخ الإسلام، فكيف يمكن أن نتصور خلع طاغية مستبد من قبل انقلاب قضائي بسيط؟!

إنّ المسلمين لم يخسروا دولتهم الإسلامية بسبب فشل التوازن في الدولة، بل خسر المسلمون دولة الخلافة بسبب انفصالهم عن المسائل السياسية والأيديولوجية، فتخلى المسلمون عن الدولة قبل أن تتخلى الدولة عنهم.

على جميع الدول أن تظل خاضعة للمساءلة أمام شعوبها، وهذا هو الحال في دولة الخلافة بينما تظل الدول الغربية تخدع شعوبها بالمطالبة بالضوابط والتوازنات. المسلمون في حاجة لاستعادة الثقة بالإسلام، فهو الدين الصحيح الوحيد، والشريعة الإسلامية هي الشريعة الوحيدة الصالحة للحياة في العالم اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *