العدد 167 -

السنة الخامسة عشرة ذو الحجة 1421هـ – آذار 2000م

الأمن الغذائي والنموذج البريطاني !

          مصطلح الأمن الغذائي مصطلح جديد بدأ استعماله يتردد على الألسن في السنوات الثلاثين الماضية، ويُقصد به مدى قدرة أية دولة على توفير الغذاء لرعاياها، حتى في ظل الظروف العادية وليس فقط في حالة الحرب.  لذا نظروا إلى توفير الغذاء بوصفه نوعاً من أنواع الأمن، فعدم القدرة على توفيره هو بمثابة انعدام للأمن الغذائي.

          أما ما حصل في السنوات القليلة الماضية في بريطانيا (جنون البقر)، وما كُشف النقاب عنه قبل أيام قليلة (الحمّى القلاعية) فقد جعل لمصطلح الأمن مفهوماً جديداً يقترب كثيراً من مفهوم الأمن العام، والأمن الداخلي، وأمن الدولة.

          لقد غزت بريطانيا العديدَ من دول العالم غذائياً، فصدَّرت لها سمومها الغذائية على شكل لحوم، أو بقر حيّ، أو أعلاف مصنّعة من العظام ومن مخلفات المسلخ الحيواني الذي تسبب في مرض جنون البقر، فأوقعت الكثير من دول العالم في رعب غذائي، وبدأت تلك الدول تستفيق من الصدمة فتعود بالذاكرة إلى الوراء لسنوات خلت تقلّب أوراقها لعلها تتأكد من تواريخ الصفقات التي تمت مع بريطانيا ومن أنواعها وأحجامها.

          أصبحت بعض الدول تكذب على رعاياها فتنفي استيرادها لحوماً أو بقراً من بريطانيا تماماً كما حصل بعد ضرب العراق بقذائف مغلفة باليورانيوم حينما أطلقوا على السرطان الذي أصاب جنود أميركا وبريطانيا اسم «مرض الخليج» حتى لا يعترفوا بفظاعة جريمتهم.

          بعد كل ما حصل ألا يستحق الغذاء أن يكون له أمن خاص ؟ وكذلك الدواء الذي يصدِّرونه لنا، والدم الذي سبق وأرسلوه لغيرهم وهو ملوث بفيروس الآيدز.  إن الغرب الذي نستورد منه لقمة العيش والدواء والدماء والأمصال لا يرعوي ولا يرعى في مؤمن إلاًّ ولا ذمةً، فحياة البشر عنده رخيصة، خاصة إذا كانوا من دول العالم الثالث.  ألم يصدِّروا لنا النفايات النووية السامة لتدفن في لبنان والصومال وغيرهما ؟

          ألا يلاحظ المرء أن الدول الكافرة المستعمرة تقتحم عليه بيته غذائياً وإعلامياً وثقافياً وتربوياً وحضارياً وأمنياً على الرغم من تواري عسكرها عن الأنظار في بعض الأقطار وحضورهم جهاراً نهاراً في أقطار أخرى مثل دول النفط الخليجية.

          لقد هبت رياح العولمة، وبدت ثمارها الأولى على شاكلة أصحابها من مدعي الحضارة الزائفة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *