العدد 165 -

السنة الخامسة عشرة شوال 1421هـ – كانون الثاني 2001م

من سيحسم الصراع في فلسطين؟

          عن طلحة بن عبيد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلاّ جاش منها جانب حتى ينادي منادٍ من السماء أميركم فلان» رواه الطبراني في الأوسط، وعن سليمان بن حاطب قال: «حدثني رجلٌ منذ أربعين سنة سمع كعباً يقول: إذا ثارت فتنة فلسطين ترددُ في الشام ترددَ الماء في القربة، ثم تنجلي حين تنجلي وأنتم قليل نادمون» ، وعن سعيد بن المسيب قال: «تكون بالشام فتنة كلما سكنت من جانب طمت من جانب، فلا تتناهى حتى ينادي منادٍ من السماء إن أميركم فلان» .

          منذ أن ردَّ السلطان عبد الحميد قبل أكثر من قرن زعماء اليهود وقال لهم: «لأن يعمل المبضع في جسدي أهون عليّ من تمزيق بلاد المسلمين، فلسطين ليست ملك يميني لأتنازل عنها إنها ملك المسلمين ولن تستطيعوا أخذها ما دامت الخلافة قائمة، وتستطيعون أخذها وبدون مقابل فقط إذا سقطت دولة الخلافة» منذ تلك اللحظة وقضية فلسطين تردد في الشام وفي العالم كله تردد الماء في القربة لا أحد يستطيع حسم وإنهاء الصراع لصالح جهة ما، فلا الغرب واليهود تمكنوا من إنهاء الأمر رغم اغتصابهم فلسطين وإنشاء كيان إسرائيل على أنقاض وأشلاء الفلسطينيين الذين مزقوهم وهجروهم في الشام وأصقاع الأرض، ولا المسلمون والعرب والفلسطينيون استطاعوا رد العدوان ودحرَ المحتلين، ولا استطاع السلام المزعوم أن يوجد الاستقرار في المنطقة رغم استسلام الحكام العرب وقادة الفلسطينيين لحلول الأميركان والأوروبيين واعترافهم بكيان يهود وتنازلهم عن جل فلسطين لأبناء العمومة وتمسحهم بنُبُوّةِ إبراهيم عليه السلام.

          ونظرةٌ سريعةٌ إلى المشاريع والقرارات والمؤتمرات المتعلقة بقضية فلسطين تؤكد فشل كل محاولات الحلول التصفوية رغم خبث اللاعبين وحقدهم على أمة الإسلام وشعب فلسطين وأرضها الطهور حاضنة مسرى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وتؤكد صغرهم وصغارهم أمامها وأنها أكبر من مكرهم وعبثهم وأن نهايتها لن تكون على أيديهم الطامعة المتآمرة بل سيكون حلها كما أراده الله سبحانه وتعالى على أيدي المؤمنين الصادقين المتوضئين العاملين لإزالة سبب ضياع فلسطين كما قال السلطان عبد الحميد ليرفعوا رايات الخلافة خفاقة من جديد.

          أما النظرة السريعة لمجريات الأحداث الشبيهة بخض الماء في القربة فتوصلنا إلى وعد بلفور وبدء تدفق اليهود إلى فلسطين وأحداث ثورة البراق 1929 وأحداث الخليل وإضراب 1936 لمدة ستة أشهر وقرار تقسيم فلسطين 1947 رقم 181 ثم حرب تسليم فلسطين الأولى كما خططها الإنجليز ونفذها عملاؤهم الحكام العرب سنة 1948 التي تبعها قرار 192المتعلق باللاجئين ثم حرب 1956على مصر سنة 1956 وحرب التسليم الثانية سنة 1967وبعدها قرار مجلس الأمن 242 الذي لم يفسر حتى الآن إذا كان يعني أراضٍ أم الأراضي المحتلة عام 67 ثم سقوط عبد الناصر وقبوله مشروع روجرز وتنازله عن لاءات قمة العرب في الخرطوم والتنازل عن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة ثم حرب التحريك التي رتبها السادات مع أسياده الأميركان سنة 1973وبعدها الاعتراف المباشر باليهود وزيارة السادات للكنيست الإسرائيلي ومشروع ألون ومشروع المملكة المتحدة بين حسين واليهود اللذان أجهضتهما أميركا ثم صلح كامب ديفيد الأول بين مصر ودولة يهود وبدء مرحلة السلام كما سموها بعد تدمير العراق سنة 1991 حيث بدأ مؤتمر مدريد في ذكرى سقوط الأندلس في بلاد الأندلس سنة 1992 وما تلاه من انهيار واستسلام علني للحكام العرب خاصة بعد اتفاق أوسلو الذي سبقه مفاوضات القاهرة وواشنطن وطابا وتبعه استكمال الفصول المعروفة الطويلة مثل اتفاقية وادي عربة والواي ريفر وأخيراً كامب ديفيد الثانية الذي تم الاتفاق على تصفية ما تبقى من قضية فلسطين في القدس والمرحلة النهائية التي ختمت بزيارة شارون المشؤومة للمسجد الأقصى وما فجرته من أحداث انتفاضة الأقصى الأخيرة التي ما زالت دماء المسلمين في فلسطين تسفك فيها يومياً حيث تزاحمت جثث الشباب في القبور وروت الدماء الزكية الأرض الطهور وغصت المستشفيات بالجرحى وملأت صراخات الأمهات الثكالى فضاء الأرض مستغيثات واإسلاماه وامعتصماه حيث لبى النداء (أسود العروبة والإسلام!!) بمؤتمري قمة من الطراز الأول لا مثيل لهما واحد في القاهرة يوم 21/10/2000 والثاني في الدوحة يوم 12/11/2000 ارتعدت أميركا ودولة يهود خوفاً وفزعاً من شدة شجبهما واستنكارهما الشديدين لقتل اليهود للمسلمين في أرض الرباط!! ضاربين بعرض الحائط غضب الأمة التي تنادي بالجهاد وبالعمل لإعادة الأمة في دولة واحدة تحرك الجيوش لنصرة أطفال الحجارة الذين يواجهون بصدورهم العارية آلة الموت الإسرائيلية دفاعاً عن أقصى المسلمين وقبلتهم الأولى، وأصدقكم القول أن نساء اليمن كنَّ أكثر نخوة ورجولة من كل حكام الأمة في زمن الخنوع الذي عزَّ فيه الرجال هذه الأيام.

          إن هذا العرض يرينا بوضوح عملية خض الماء في القربة الذي لم ولن يثمر إلاّ الزَّبد (فأما الزَّبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ، وهذا هو الزَّبد الذي ينثرهُ الريح، فأين الزُبْدُ ومن سيأتي به؟

          هذه القضية بدأت مع سقوط الخلافة ولن تنتهي إلاّ مع ميلادها من جديد… فدولة الخلافة هي القادرةُ على إنهاء حراس اليهود في بلاد المسلمين وطرد الأميركان وإنهاء نفوذهم وغيرهم وتحريك الجيوش لتحرير بيت المقدس وكل أرض المسلمين السليبة وإعادة فتح الأرض من جديد بإذن الله لنشر الخير والحق والعدل وإنهاء سيطرة الزناة الفجرة عليها وهذا معنى حديث طلحة بن عبيد الله وأثر سعيد بن المسيب حتى ينادي منادٍ من السماء أن أميركم فلان أي حتى يأذن الله سبحانه بنصره للمسلمين العاملين لإقامة دولة الخلافة من جديد ويعلن ميلادها في البيان الأول وشواهد هذا من الأحاديث الشريفة عديدة.

          ورد في تاريخ ابن عساكر عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هذا الأمر يعني (الخلافة) كائن بعدي بالمدينة ثم بالشام ثم بالجزيرة ثم بالعراق ثم بالمدينة ثم ببيت المقدس فإذا كانت ببيت المقدس فثم عقر دارها، ولن يخرجها قوم فتعود إليهم أبداً» أي أن الخلافة تكون بالمدينة المنورة وكانت، ثم بدمشق وكانت، ثم بالجزيرة شمال سوريا وكانت أيام مروان الحمار الخليفة الأموي، ثم بالعراق أيام العباسيين، ثم بالمدينة وهي مدينة هرقل القسطنطينية التي فتحها محمد الفاتح السلطان العثماني واتخذها عاصمة له بعد ذلك وأسماها إسلام بول والتي قال بحقها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل أي المدينتين تفتح أولاً يا رسول الله أقسطنطينية أم رومية؟ قال صلى الله عليه وسلم: «مدينة هرقل تفتح أولاً» ، ومعنى إسلام بول مدينة الإسلام، وظلت الخلافة هناك حتى أسقطها مصطفى كمال اليهودي عميل الإنجليز سنة 1924. وبقيت المرحلة الأخيرة من مراحلها وهو قيامها وتحرير بيت المقدس لتنقل إليه وتستقر فيه في عقر دارها «عقر دار الإسلام بالشام» كما قال صلى الله عليه وسلم.

          وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله إن هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلاّ الغرقد فإنه من شجر اليهود». وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا ابن حوالة إذا نزلت الخلافة الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام».

          فستقوم إن شاء الله ويحملها الرجال على أسنة رماحهم وحد سيوفهم محررين أرض الإسراء حاضنة قبلة المسلمين الأولى منهين أيام الألم والحزن، ورداً على كل طامع أثيم بهذه الأرض المباركة ستعلن القدس عاصمة لدولة الخلافة إن شاء الله ليعود إليها عزها ومجدها من جديد لتكون حاضرة العالم أجمع الذي ستحكمه دولة الخلافة بإذن الله العظيم «سيبلغ هذا الأمر ـ أي الإسلام ـ ما بلغ الليل والنهار».

          عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لقد زوى الله لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغُ ما زوي لي منها». وقد زويت جميعها لأنه قال الأرض وهذا يعني كل الكرة الأرضية بما فيها من عواصم الكفر واشنطن ولندن وباريس وموسكو وغيرها، وسيكون فتح خير وعدل وليس احتلالاً عدوانياً وظلماً ينتشر فيه العدل والبركة وتخضع أرض الله لدين ربها الذي ارتضاه للناس وينتهي حكم الشياطين وجندهم… ينتهي حكم الإيدز والزنا… ينتهي عهد الربا والعولمة الكافرة وتشرق الأرض بنور ربها العظيم في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة عاصمتها بيت المقدس مركز النور والإشعاع رغم أنف كل المجرمين، وهكذا ينتهي خض الماء وتأتي السواعد المؤمنة التي تخض قلوب المجرمين .

محمد عايد ـ بيت المقدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *