العدد 163 -

السنة الرابعة عشرة شعبان 1421هـ – تشرين الثاني 2000م

رسـالة من قارئـة مسـلمة إلى أخيـها المغـترب

          أخي الحبيب، لا أريد أن أثقل عليك، لكني أحبك كثيراً وأريد أن تكون مثل سيدنا عمر وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فها هو سيدنا عمر أسلم عندما لامست سورة طه شغاف قلبه. أنا أعرف أنك لا تؤمن بالروحانيات وأظن أن هذا الذي ينقصك، وعليك يا أخي أن تكون مقتدياً بسنَّة سلفنا الصالح لأنهم كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، وكذلك لا تصاحب إلا من يزيدك قرباً من الله، ومن تتعلم منه، وتعلّمه أن يلامس القرآن شغاف قلوبكم كسيدنا عمر.

          أنت يا أخي الآن في ديار غربة ولا أهل لك ولا مؤنس، والغريبُ لا يستحي كما يستحي في وطنه. لذلك أكتب لك بعض الذكرى لأن الله يقول: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).

          أحببت أن أرسل لك هديةً تؤنسك في وحدتك وتكون لك عوناً على الشدائد، وهي الكتاب العظيم كتاب الله لنا، أرجو أن يرزقنا الله قراءته آناء الليل وأطراف النهار حتى نكون كالسلف الصالح ونصل إلى ما وصلوا إليه.

          أخي، من أحب العظماء لم يقنعه إلا أن يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أدرك أسرار الحياة لم يجد جديراً بالحب حق الحب إلا الله تبارك وتعالى:

          “ما تقرب عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه… أو كما قال”، “خلقت الأشياء كلها من أجلك وخُلقت من أجلي فسر في طاعتي يطعك كل شيء…”. منذ الساعات الأولى من الصباح وحتى النوم في كل دقيقة لنا ذكر، إذا لبسنا ملابسنا نقول بسم الله وإذا فعلنا كذا… وكل هذا حتى نصل إلى رضوان الله ودخول جنته.

          وليس دخول الجنة والوصول إليها بسهل:

                    دببتُ للمجد والساعون قد بلغوا  حد               النـفـوس وألقـوْا دونـه الأُزرا

                    وكابدوا المـجد حتى ملَّ أكـثرهمْ            وعانـقَ المجـد مَن وافى ومن صـبرا

                    لا تحسـب المجـد ثمـراً أنت آكله                   لنْ تبلغ المجـد حتى تلعـق الصـبرا

          إذا أردتَ صاحباً يكفيك الله، إذا أردتَ مؤنساً يكفيك القرآن، إذا أردتَ واعظاً يكفيك الموت، وإذا أردت كنـزاً تكفيك القناعة.

          أخي الحبيب،

          هذه وصيتي إليك وأنت في ديار الغربة، وليس العيش في تلك البلاد كالعيش في بلدك… وبين أهلك، جمعنا الله فيها ولمَّ شملنا وأقر أعين والدينا بنا.

          أخي وأهديك هذه الأبيات:


رَبِّ هَبْ لي المتابَ حتى أتُوبَ
وعلى دِينِ أحمدٍ فأَمِتْني
يا مداوي السقام داوِ سقامي
واشْفِ قلبي مِن الذي قد علاهُ
يا مداوي العباد هب لي بقربٍ
وأَقِلْ عَثْرتي وَجُدْ لي بقربٍٍ
تعستْ ليلةٌ عصيتُكَ فيها
ما
احتيالي وقد عصـيتُكَ جهلاً

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وَاعْفُ عني فقد عَرَتْني الذُّنُوبُ
أَحْيِِ قلبي في يوم تحيا القلوبُ
يا إلهي إني إليكَ أُنِيبُ
إنَّ سُقمي قد حار فيه الطبيبُ
حاشَ أني أرجوكَ ثم أَخِيبُ
إن دائي بالقرب منكَ يطيبُ
هي وَلَّتْ وإثمها لي نصيبُ
كيف لا أسـتحي
وأنتَ الرقيبُ

          إحرص يا أخي على قيام الليل ففيه أجر عظيم وكن من رهبان الليل وفرسان النهار فأنا لا أطلب منك أن تترك الدنيا وزينتها وتبقى للعبادة فقط، بل تجعل تقوى الله في قلبك والمال في يديك، ولن تحصل على التقوى وعلى ما تريد إلا إذا اتبعت سنة النبي صلى الله عليه وسلم حيث فرض الله عليه قيام الليل فقال في سورة المزمل: (يا أيها المزمل @ قم الليل إلا قليلاً @ نصفه أو انقص منه قليلاً @ أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً @ إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً @ إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأَقوَمُ قيلاً) صدق الله العظيم. إقرأها من المصحف وتأمّل في معانيها، وتأسَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي غفر الله له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر حتى تصل إلى رحاب عطره الكريم، وإلى جنات الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *