العدد 163 -

السنة الرابعة عشرة شعبان 1421هـ – تشرين الثاني 2000م

محاولة التقريب بين الإسلام والكفر

          ظهرت في العصر الحديث مجموعة من الأصوات والدعوات التي تنادي وتسعى إلى الحوار بين الأديان، وامتزاج الثقافات، والتقاء الحضارات، سعيا منها إلى محاولة التقريب بينها وبين الإسلام، والى إظهار أن الإسلام يستوعب ولا يخالف تلك الأديان والثقافات والحضارات، وأنه يلتقي معها بقواسم مشتركة؛ إما في عقيدة الإيمان بالله، وإما في شكل النظام الذي اعتبروه ديمقراطيا على سبيل التأويل لحكم الشورى في الإسلام ليصلوا بذلك إلى انتصارهم في الدفاع عن الإسلام الذي اعتبروه متهما ونهضوا للدفاع عنه عندما هوجم في كثير من أفكاره وأحكامه، من مثل أنه قام وانتشر بالسيف والقوة، وأنه همجي رجعي في كثير من أحكامه كتعدد الزوجات وعقوبة القطع والرجم وغير ذلك.

========================================

          وهذه الأصوات التي نهضت لهذه الدعوات منها ما كان حسن النية ومنها ما كان سيئ النية. إلا أن المحصلة لذلك واحدة فلا اعتبار هنا لحسن النية أو لسوئها لأنها في النهاية أدت إلى فهم الإسلام فهماً يخالف كونه ديناً أنزله الله مهيمنا على كل الأديان وثقافة هي وحدها الثقافة المعتبرة شرعاً وحضارة لها تصوير معين للحياة تقوم على أساس فلسفة خاصة ومتميزة وتحدد وجهة نظر المسلم بحيث تميزه عن غيره بوصفه عبدا لله لا يأخذ الفكر إلا منه ولا يسير سلوكه في الحياة إلا وفق أوامره ونواهيه، لأنه أخرج نفسه من داعية هواه حتى أصبح عبدا صادقا لله في عقيدته وسلوكه. لذلك كان لا بد من بيان واقع هذه الفكرة الخبيثة من وجهة النظر الشرعية وإبطال زيفها وبيان وجه الحق فيها:

          أولا: نظرة الإسلام إلى الأديان والعقائد الأخرى: إن العقيدة الإسلامية هي عقيدة واحدة بكلياتها وجزئياتها وما بني عليها وما تعلق بها، ولا يعتبر الإنسان مسلما إلا إذا آمن بكل ما طلب الإيمان به كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر قال تعالى: (ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر فقد ضل ضلالاً بعيداً) وإلا إذا آمن بالجنة والنار والنعيم والعذاب والجن والشياطين والأجل والرزق وغير ذلك من أمور العقيدة… وبالقضاء والقدر وعصمة الأنبياء والوحي، وعدم دخول الكافرين الجنة، ودخول المسلمين فيها وغير ذلك من الأمور التي بنيت على العقيدة أو تعلقت بها. وبغير ذلك يعتبر الإنسان كافراً بعقيدة الإسلام سواء آمن بالله خالقا كما هو الحال عند أهل الكتاب أولم يؤمن كما هو الحال عند الشيوعيين والملاحدة قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) والعقيدة هي أصل الدين، (وقد ذهب الجمهور إلى أن الإسلام هنا بمعنى الإيمان) فتح القدير، وقال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)، وقال: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) بمعنى مسيطرا عليه وناسخا له، وقال: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة) و(من) هنا للبيان، فهي تبين أن أهل الكتاب والمشركين كفار، قال في فتح القدير: المراد بـ (الذين كفروا من أهل الكتاب) اليهود والنصارى. من ذلك يتبين أن عقيدة الإسلام هي وحدها العقيدة المجْزِئة وهي وحدها التي يعتبر بها الإنسان مؤمناً وبغيرها يعتبر كافراً سواء أكان يهودياً أم نصرانياً أم شيوعياً أم رأسمالياً أم غير ذلك من الأديان والعقائد.

          لذلك فإنه من ناحية العقيدة الإسلامية لا يوجد تقارب بين الإسلام والكفر، ولا بين عقائد الإسلام وعقائد الكفر، لأن الكفر كله، سواء أكان يهودية أم نصرانية أم شيوعية أم رأسمالية أم غير ذلك، ملة واحدة، لا فضل لإحداها على الأخرى، فكلها عقائد كفر من وجهة نظر الإسلام. وإنه أيضا لا تؤخذ العقائد بالقواسم المشتركة كالإيمان بالله خالقاً وكالنسبة إلى نبي واحد كإبراهيم عليه السلام، ومن هنا فإنه لا حوار بين الأديان ولا قواسم مشتركة بين الإسلام وغيره حتى ولو كانوا يؤمنون بالله خالقاً أو كانوا يشتركون مع غيرهم في الاعتراف بنبي معين، لأن الإسلام اعتبرهم بشكل صريح لا يقبل التأويل كفاراً، فأي حوار معهم فيما يتعلق بالعقيدة من أجل اختزالها أو من أجل اعتبار غيرها من العقائد إيماناً هو مخالفة صريحة لمنهج القرآن قد يصل الداعي إليه للكفر إن اعتقد بهذه الدعوة.

          ولكن ليس معنى ذلك أنه لا يجوز الحوار مع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم من الرأسماليين والشيوعيين، بل إن دعوتهم إلى الإسلام فرض على المسلمين والحوار معهم على هذا الأساس واجب قال تعال: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) وقال: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير). إلا أن هذا الحوار يجب أن يكون مبنيا على أساس متين هو دعوتهم للدخول في الإسلام وعدم التنازل عن شيء من العقيدة ولا من الأحكام حتى تتوافق مع عقائدهم وأحكامهم، قال تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) وهذا يعني أن دعوتهم للإسلام واجبة فإن قبلوا به فهم مسلمون مثلنا وإن رفضوه فقد أقمنا عليهم الحجة بأنا مسلمون وأنهم كافرون ووجب علينا قتالهم حتى يقروا بالجزية ويخضعوا لأحكام الإسلام.

          ثانياً: الحاكمية لله وحده: لقد جاءت رسالة الإسلام عامة وشاملة لكل شيء، وأقام الله بها الحجة على العباد بحيث أمرهم باعتقاد عقيدتها وحدها وألزمهم بما ورد فيها من أحكام، وجعلها الأصل في فكر العباد وفي سلوكهم فلا يعتقدون إلا عقيدتها ولا يسيّرون سلوكهم في الحياة إلا بأحكامها، وهذه الأحكام هي وحدها الملزمة دون سواها وهي المبرئة للذمة وهي المنجية عند الله، سواء أكانت هذه الأحكام متعلقة بالأفعال أم بالأشياء، قال تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) أي أن الله يعذب من بعث لهم رسولاً وخالفوا رسالته. وبما أن رسالة الإسلام هي خاتمة الرسالات وهي عامة لجميع البشر قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) وقال: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) فإن الله يعذب كل من خالف رسالة الإسلام وهو تعالى لا يرضى إلا بأحكام شريعتها.

          هذه مسألة. والمسألة الأخرى هي أن الحاكم هو الله، أي أن الذي يصدر عنه الحكم هو الله، فلا حكم على الأفعال والأشياء إلا لله ولا حكم قبل ورود شرعه، وهذا يعني أن الحكم لا يعتبر حكما شرعيا إلا إذا قام الدليل الشرعي عليه فالحاكمية لله وحده، قال تعالى: (إن الحكم إلا لله) وقال: (ألا له الحكم) وقال: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) وقال: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) وقال صلى الله عليه وسلم: «كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد» لذلك فإن الذي يملك صلاحية التشريع هو الله تعالى وليس لأحد غيره حق التشريع. وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين الذين فهموا واقع الأحكام الشرعية وكيف تعالج مشاكل الإنسان وأنها وحدها الصالحة لذلك دون غيرها، ولم يجعلوا للعقل البشري محلا في التشريع سوى فهم النصوص الشرعية واستنباط الحكم الشرعي من خلاله. قال الآمدي في الإحكام: [اعلم أنه لا حاكم سوى  الله تعالى ولا حكم إلا ما حكم به، ويتفرع عليه أن العقل لا يحسن ولا يقبح (…) وأنه لا حكم قبل ورود الشرع]. وقال البيضاوي: [الفصل الأول في الحاكم وهو الشرع دون العقل لما بينهما من فساد الحسن والقبح العقليين في كتاب المصباح]. وقال الأسنوي: [ولا نزاع في أن من صدر عنه الحكم بمعنى خطاب الله…الخ هو الله تعالى]. وقال عبد الكريم زيدان في كتاب الوجيز: [وعلى هذا فالحاكم أي الذي يصدر عنه الحكم هو الله وحده فلا حكم إلا ما حكم به ولا شرع إلا ما شرعه وعلى هذا دل القرآن وأجمع المسلمون]. وقال عبد الوهاب خلاف في علم أصول الفقه: [لا خلاف بين علماء المسلمين في أن مصدر الأحكام الشرعية لجميع أفعال المكلفين هو الله سبحانه سواء أظهر حكمه في فعل المكلف مباشرة من النصوص التي أوحى بها إلى رسوله أم اهتدى المجتهدون إلى حكمه في فعل المكلف بواسطة الدلائل والأمارات التي شرعها لاستنباط أحكامه]. وكل هذا وغيره الكثير ينفي أن يكون هناك أدنى شبهة تجيز أن يكون للبشر أدنى صلاحية وحق في التشريع. وبذلك يكون كل من أعطى نفسه أو غيره حق التشريع قد نصب نفسه ربّاً من دون الله يشرع شرعا غير شرعه ويحكم خلافاً لحكمه.

          ومن هنا فإنه لا محل لفكرة الحوار ولفكرة الامتزاج بين الثقافات والتقاء الحضارات للخلاف الواسع بين الإسلام والكفر وللبعد الكبير بين من يجعل عقله محلا لفهم الأحكام وبين من يجعل عقله محلاً للتشريع ووضع الأحكام، فالأحكام الشرعية تجعل للإنسان اتجاهاً فكرياً مختلفاً كل الاختلاف عن اتجاهات الفكر الأخر بحيث تجعله عبداً صادقاً لله يرجع إليه في كل أمور حياته، فالحلال عنده ما أحل الله والحرام ما حرم، أما غير الإسلام فإنه يقوم على أساس مخالف قطعاً ويجعل الإنسان عاصياًٍ لله أو فاسقاً عن أحكامه أو كافراً به بالجملة.

          ثالثاً: الديمقراطية كفر: لقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن العقيدة الإسلامية هي العقيدة الصحيحة، وهي المقبولة عند الله سبحانه وتعالى، وأن غيرها من العقائد هي عقائد كفر مرفوضة عند الله تعالى وعند المسلمين، وثبت أيضاً بشكل قطعي أن ألحاكمية لله وأنه لا حكم قبل ورود الشرع، وأنه ليس لأحد أن ينصب نفسه مصدراً للتشريع ولا يقر تشريعاً ولا يرفض تشريعاً إلا إذا كان عنده دليل لإقراره أو لرفضه من أحد الأدلة المعتبرة، وأن مهمة العقل هي فهم التصور الشرعي ليس غير.

          أما الذين ينادون بالديمقراطية ويعتبرونها من الإسلام أو هي الإسلام فإن مناداتهم هذه مردودة عليهم وهي إنما تدل على جهل فاضح أو خيانة لله ولرسوله فإن الديمقراطية تعني بكل بساطة أن الشعب هو مصدر السلطات وأن الإنسان هو الذي يضع نظامه وشريعته بنفسه، وهذه الفكرة هي فكرة خبيثة في منشئها فضلاً عن أن تكون خبيثة عند المسلمين.

          إن الديمقراطية هي التي تمثل شكل النظام عند الغرب الذي يحمل فكرة فصل الدين عن الحياة ومنها فصل الدين عن الدولة كعقيدة، وهذه العقيدة تعني أن الدين ليس له أي علاقة في الحياة وفي الدولة، لذلك وجدت المجالس النيابية التي أعطيت حق التشريع نيابة عن الشعب عن طريق طرح مشاريع القوانين ثم التصويت عليها من قبل ممثلي الشعب في المجالس ثم إقرارها قوانين معمولاً بها في الدولة. وهذا الواقع فضلاً عن كونه فكرة غريبة عن المسلمين وفضلاً عن كونه باطلاً من أساسه لأنه يجعل التشريع من حق البشر وينافي كون الحاكمية لله كما سلف، فإنه فكر كفر يحرم أخذه وتطبيقه والدعوة إليه وذلك لأننا مأمورون أن نأخذ كل ما آتانا الرسول صلى الله عليه وسلم وأن ننتهي عما نهانا عنه (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) ولأن الشريعة الإسلامية قد جاءت كاملة وشاملة جميع الحوادث الماضية والمشاكل الحادثة وفيها الإمكانية لأن تكون علاجاً وتستنبط منها الأحكام لكل مشكلة وحادثة تقع في المستقبل لما تمتاز به النصوص من الأحكام الكلية والعامة وبناء كثير من أحكامها على العلة التي تجعل في النصوص إمكانية القياس. ومن جهة أخرى فإن الحكم بالديمقراطية هو حكم بغير ما أنزل الله وهو كفر وفسق وظلم.

          لذلك فإن دعاة الديمقراطية من المسلمين هم دعاة لغير ما أنزل الله ودعاة على أبواب جهنم لأنهم بدعواهم هذه يدعون إلى ترك الأحكام الشرعية واتباع الديمقراطية التي هي من أنظمة الكفر فمن أجابهم لها قذفوه في النار.

          رابعاً: الشورى في الإسلام غير الديمقراطية: الديمقراطية عند الغرب كما أسلفنا تعطي الحق للمجالس النيابية بالتشريع بحيث يصبح مشروع القانون قانوناً معمولاً به إذا صوت عليه أكثر أعضاء المجلس. وإنه عندما تفشت مفاهيم الديمقراطية بهذا المفهوم وبما فيها من إطلاق حريات الأفراد ونتيجة لديكتاتورية الأنظمة في بلاد المسلين أصبح هناك خلط كبير عند كثير من المسلمين بين الديمقراطية كنظام للحياة وبين الشورى كحكم شرعي فرعي بحيث البسوا الديمقراطية ثوب الشورى وقالوا إن الشورى هي الديمقراطية والديمقراطية هي الشورى، وأباحوا لأنفسهم حق المشاركة في تشريع القوانين في مجالس النواب اتباعا لهذا الفهم، ولا يخفى على من عنده فهم في طريقة الإسلام في التشريع أن الديمقراطية هي غير الشورى وأن الشورى لا تمت إلى الديمقراطية بأدنى صلة وذلك لعدة أسباب منها:

 1ـ      أن الديمقراطية هي نظام الحياة عند الغرب وهي مذهبهم في تشريع القوانين الذي انبثق من عقيدة فصل الدين عن الحياة. أما الشورى فليست كذلك، بل هي حكم شرعي من الأحكام الفرعية التي تعالج بعض أفعال الإنسان والتي يمكن أن تبوب كباب أو كجزء من باب في الفقه. بينما نظام الحياة في الإسلام هو مجموع الأحكام التي تؤخذ من أدلتها الشرعية والتي انبثقت بمجموعها من العقيدة الإسلامية.

 2ـ      إن الله قد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشـاور أصحابه ومدح المسلمين بأنهم يتشـاورون فيما بينهم قال تعالى: (وشاورهم في الأمر) وقال: (وأمرهم شورى بينهم) بينما نهى المسلمين نهياً جازماً أن يكون نظام الحياة ونظام الحكم عندهم قائماً على الديمقراطية أو غيرها قال تعالى: (أفغير دين الله يبغون) وقال: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) وقال: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون).

 3ـ      الديمقراطية تقوم على أساس أن رأي الأكثرية ملزم في جميع الأحوال ولا عبرة إلا برأي الأكثرية ولا يعتبر الحكم حكماً إلا إذا صوتت عليه الأكثرية، أما الشورى فإنها لا تقوم على هذا الأساس بل إنها لا تعير رأي الأكثرية أي اهتمام في كثير من الحالات وذلك كما يلي:

 أ ـ       إذا كان الرأي المتشاور به حكماً شرعياً فان العبرة فيه بقوة الدليل الشرعي بغض النظر عن الأكثرية أو الأقلية ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخذ ما نزل به الوحي ورفض غيره رفضاً قاطعاً في المسائل التي تتعلق بالتشريع من مثل حادثة الحديبية عندما قال: «إنى رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري».

ب ـ     إذا كان الرأي يدل على فكر في موضوع فانه يرجح فيه جانب الصواب بغض النظر عن الأقلية أو الأكثرية وذلك مثل التعريفات كتعريف النهضة وتعريف الفكر وكمعرفة الموقف الدولي وكإعداد الخطط السياسية أو العسكرية وكالآراء العلمية والفنية وما إلى ذلك من الآراء التي تدل على فكر. والدليل على ذلك رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم لرأي الحباب بن المنذر في غزوة بدر الكبرى عندما قال: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدم أو نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال الرسول عليه السلام بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال: يا رسول الله: إن هذا ليس بمنزل ثم أشار إلى مكان فما لبث الرسول أن قام ومن معه وتبع رأي الحباب.

 ج ـ     إذا كان الرأي يرشد إلى القيام بعمل من الأعمال فانه يرجح فيه رأي الأكثرية بغض النظر عن الصواب والخطأ كمقاتلة الأعداء داخل البلاد أو خارجها وكالمشاريع التي تريد الدولة إقامتها كمشاريع الري وحفر الآبار وبناء الطرق والجسور وإقامة سكك الحديد وفتح المطارات وغير ذلك من الأعمال. ودليل ذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما نزل عند رأي الأكثرية في غزوة أحد وخرج إلى خارج المدينة مع انه يرى خطا هذا الرأي ويرى أن الصواب خلافه وكذلك كان كبار الصحابة يرون خلاف هذا الرأي إذ كانوا يرون رأي الرسول في البقاء في المدينة ومع ذلك عمل الرسول بهذا الرأي وهو الخروج خارج المدينة لأنه رأي الأكثرية.

          خامساً: نتيجة البحث: وبناءً على ما تقدم فإن العقيدة الإسلامية تعتبر غيرها من العقائد أنها عقائد كفر، وأن الحاكمية لله، وأن الديمقراطية نظام كفر، وأن كون الشورى تختلف كل الاختلاف عن الديمقراطية، ولذلك فانه لا يمكن للإسلام والكفر أن يلتقيا جملة وتفصيلاً. وبالتالي لا يمكن تقريب الإسلام للكفر، وأن الداعين لهذا التقريب ما هم إلا كباسط كفيه إلي الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه. وهم بهذه الدعوة إنما يضربون بأفكار الإسلام عُرض الحائط، ويلهثون وراء الغرب الكافر الحاقد على الإسلام والمسلمين ليحل لهم مشاكل حياتهم، ويصدر لهم فكره، وثقافته، وحضارته، ووجهة نظره في الحياة، ويحشون  بهذا عقولهم، وعقول أبنائهم، حتى إذا ما أخذوا عنه كل شيء أصبحوا عاجزين أن يكونوا مثله، وعاجزين على أن يعودوا لفكرهم وحضارتهم، فظهروا بذلك بمظهر متناقض، لا هو إسلام، ولا هو كفر، ولا هم مسلمون، ولا كفار، ما أوجد التناقض والاضطراب عند المسلمين بشكل عام في جميع أنظمتهم، فإن منهم من يعتبر النظام الجمهوري من الإسلام، ومنهم من يعتبر المَلَكِيَّة هي من الإسلام، ومنهم من تجرأ أكثر من ذلك واعتبر أن الإسلام والعلمانية توأمان… حتى أصبح كل سلوك، سواء أكان موافقاً للإسلام أم غير موافق، له تبريره وله مقاصده، وظهر مؤخراً ما يسمى بقراءة النص، بمعنى أن النصوص الشرعية تفسر بحسب ما يريد قارئها، ما أفرز أنواعاً شاذة من الفقه كفقه الموازنات، وفقه المصالح، وفقه الحوار، ثم في النهاية فقه التقريب، حتى أقيمت لمثل هذه الأنواع من الفقه مجامع لبست ثوب الإسلام وهي تقوم على أساس يخالف الإسلام كل المخالفة.

          وهذا بدوره أدى إلى أن يفقد المسلمون شخصيتهم، ويلبسوا ثوباً غير ثوبهم جرياً وراء ما يريد الغرب أن يكون الإسلام وبأي شكل وأي مظهر يكون. وإنما مثلهم بذلك كمثل الذي يلهث وراء الضبع، وهو يظنه أباه، ثم بعد أن ساقه إلى وكره شدخ رأسه، ثم أكل منه ما يؤكل، وتركه عظاماً، ورفاتاً تأكلها الديدان، وهوام الأرض، أو على الأصح تأكلها الأيام.

          ونسأله جل وعلا السداد، والرشاد، ونسأله أن يغير هذا الحال إلى أحسن حال، إنه قريب مجيب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *