العدد 161 -

السنة الرابعة عشرة جمادى الثانية 1421 هـ – أيلول 2000م

إلى القلـوب الظـمـأى

       الحمد لله الذي أنقذنا من الظلمات، ظلمات الوثنية وعبادة الأصنام والأشخاص، ظلمات الفسوق والفساد، ظلمات الجهل وضياع القيم والمفاهيم. وهدانا إلى سبيل النور، نور الإيمان والتوحيد، والولاء المطلق لله والانقياد التام له، نور العقيدة الصافية والشريعة السمحاء.

       والصلاة والسلام على إمام المجاهدين وقدوة العابدين أبي القاسم محمد بن عبد الله الذي صارع بمفاهيم الإسلام أفكارَ الجاهلية حتى اجتثّها، وكافح سياسات زعماء قريش المنحرفة إلى أن استبدل بها السياسة الشرعية العادلة عندما أسس دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة، فأزهق الباطل وأعلى راية الحق إيذاناً بنشرها خفاقة في كل أرض وصلت إليها سنابك خيول المسلمين خلال قرون الفتح المتتالية.

       وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة تستقي كل مفاهيم الولاء والبراء، شهادة تعلن الحاكمية لربّ الأرباب، وتنخلع من الأرباب المزيفة التي تتحكّم برقاب المسلمين منذ زوال الخلافة، حصنِ العقيدة.

       وأشهد أن محمداً رسول الله، شهادةً تستلهم من سيرته الزكية كل معاني الصمود في وجه مؤامرات طمس الدعوة، الصمود في وجه التضليل الفكري والإعلامي، وفي وجه التعتيم، وفي وجه الإرهاب النفسي والجسدي، شهادةً أتقوّى بها على القضبان والزنازين وأدوات التعذيب، والتضييق في الرزق والنفي والتشريد، شهادةً أطويها في ضلوعي ليلاً وأزلزل بها صروح الطواغيت نهاراً.

       وبعد ،

       إلى كل مسلم له عينان تبصران دموع الأرامل ودماء الضحايا العزّل أو له أذنان تسمعان عويل الثكالى واستغاثات نساء المسلمين المعتدى عليهن. أو له فم لا يستطيع فتحه إلا بإذن الحاكم… ولمدح الحاكم أو له يد مكبّلة دون السيف يثأر به لكرامة الأمة المسلوبة والممرغة بالتراب الموحل الآسن، لكرامة الأمة المهشمة تحت أقدام الدول المستعمرة الزاحفة تحت رايات الصليب أو نجمة داود أو المنجل الأحمر…

       نعم ،  إلى كل مسلم أهدي هذه الكلمات.

       لماذا ؟  لماذا الكلمات في زمن كثر فيه أدعياء الفكر والثقافة والإعلام والخطابة، وتنطح فيه الشعراء؟ لماذا الكلمات؟!

       لأنها كلمات مكتوبة بدماء الشهداء المسفوكة في ساحات المواجهة مع الكفار في المسجد الأقصى، وفي كشمير، في البوسنة والهرسك، في الشيشان، وفي… وفي…

       وبالدماء المسفوكة على أعمدة التعذيب الحضارية، وغرف التحقيق الديمقراطية، وساحات الإعدام الجماعي في حق من أجرموا! وقالوا: (إن الحكم إلا لله أمر ألاّ تعبدوا إلاّ إياه)!

       وهي كلمات مكتوبة بالدموع الساخنة:

       من عين أمّ زفّت ولدها إلى معشوقته الخلافة وكان المهر الجنة «ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة».

       من عين زوجة تقرأ ورقة سرّبت من زوجها المعتقل في سراديب الطغاة يقول فيها: «نلتقي في يوم يظلّنا الله فيه بظلّه، يوم لا ظل إلا ظلّه».

       من عين طفلة دُمّر كوخ أسرتها وأضرمت النار في أثاثه.

       من عين فتاة اغتُصبت فاستصرخت أفئدة المسلمين المريضة وقرعت أسماعهم المخنوقة واستنطقت ألسنتهم المربوطة، ثم إذا بها تردّد:

                                    لقد أسمعْتَ لو ناديتَ حياً

                                                          ولكنْ لا حياة لمن تنادِي

                                    ولو نارٌ نفخْتَ بها أضاءتْ

                                                          ولكنْ أنتَ تنفخ في رمادِ

       هذه الكلمات يراد منها:

   ـ    أن تحيي في النفوس أمجاد بدر وفتح مكة، أمجاد القادسية ويرموك، أمجاد فتح الأندلس وحطين.

   ـ    أن تعيد إلى الأذهان وقفة أبي بكر في الغار، ووقفة علي وهو ينتزع باب خيبر، ووقفة هارون الرشيد عندما قرأ رسالة نقفور، ووقفة المعتصم حين زلزلت كيانه صرخة امرأة، ووقفة عبد الحميد في وجه هرتزل.

   ـ    أن تُسقِط من حسابات المسلمين:

       ـ  الخوف من المقصلة والكرسي الكهربائي وأقبية الموت البطيء.

       ـ  التعلق بحطام الدنيا الذليلة والمذلّة.

       ـ  الانخداع بأنصاف الحلول لا بل قل بأعشارها.

       ـ  الانبهار بحضارة الإيدز والمومسات والمخدرات والمافيات.

   ـ    وتُسقِط أي اعتبار إلا مرضاة الله وإظهار دينه وإعلاء كلمته.

   ـ    وتُسقِط كل مقولة كفر، وكل نظام كفر، وكل معسكر كفر.

         إنها كلمات غرضها تحرير الأمة من رجس الأهواء وتحرير أبنائها من عبادة كل حاكم طاغوت إلى عبادة رب الجبروت.

       غرضها أن يدخل الإسلام إلى كل بيت مدر ووبر بعزّ عزيز أو بذل ذليل.

       غرضها أن يظهر الإسلام على الدين كله.

       غرضها إعادة الخلافة الإسلامية… قضية المسلمين الأولى… قضية المسلمين المصيرية:

                                              يا أخا الإسلام في كل مكانْ

                                                                          قم نفك القيد قد آن الأوانْ

                                              واصعد الربوة واصدح بالأذانْ

                                                                          وارفع القرآن دستور الزمانْ

                                                       لا تسلْ «كيف؟» فإنا مسلمون.

أخي الكريم ،

       إنك تنتمي إلى خير أمة أخرجت للناس، أمة نهضت بعبء الدعوة إلى وحدانية الله قروناً طويلة، وكانت الشهيدة على سائر الأمم، بالمصحف قبل السيف، وبالكلمة قبل الرمح، وبالهداية قبل الجباية.

       إنها أمة تحدّت الكفر في داره وجندلت الطاغوت في معقله، حين صدّ هذا أو ذاك عن الهدى واستكبر.

       إنها أمة فرضت نفسها وأرغمت العدو على احترامها، فالعقيدة التي استودعها الله صدور المسلمين أوقدت العزم فيهم وحطمت كل السدود.

       وانطلقت كتائب الإسلام شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً تزرع الشوق إلى الجنة في كل صدر؛ وترفع المئذنة في كل أرض؛ وتعلي راية التوحيد فوق كل رابية؛ وتقيم حكم الله، الله وحده، في كل دار.

       إنه الإسلام الذي أراده الله.

       إنه الإسلام الذي ينقذ البشرية.

أخي الكريم ،

       ألا يحرّك فيك هذا الماضي المجيد شيئاً من العنفوان؟ ألا يبعث فيك آمال التمكين الواعدة؟ ألا يبعث فيك روح الجهاد والتوق إلى العزة؟

       لا تقلْ: «لقد قتل الحكام أحلام اليقظة».

         فالمسلم يُنير بصيرتَه قولُ المولى: (ولا تقنطوا من رحمة الله) المسلم لا ييأس لأجل سحابة صيف عابرة. نعم إنها سحابة فقط. ضع الحاضر في كفة وفي الكفة الأخرى قروناً من الكرامة والعظمة، تعلمْ أن تاريخ الأمة لا يُشْطبُ ولا يُنْسَخ.

       ولا تقلْ: «لقد أجهض المستعمرون هدفي الموعود» فأرحام المجاهدات سليلات الخنساء وخولة بنت الأزور، وصفية بنت عبد المطلب وسمية أم عمار، قادرة على أن تلد أشبال الإسلام حتى يصنعوا النصر ويكسروا شوكة القهر، ويجهضوا كيد المستعمر.

أخي الكريم ،

       آن أن تعي الحقيقة:

       لا إسلام بلا دماء، لا إسلام بلا شهداء، لا إسلام بلا سجون، لا إسلام بلا اضطهاد، لا إسلام بلا تشريد، لا إسلام بلا نفي.

       ليس هناك إسلام يرضى عنه الحاكمون، فإذا وجدْتَ ما تشتبه في أنه كذلك، فاعلم أنه جدل ورياء وتشويه.

       نَعَم!

       لا مناصة من المواجهة الحامية بين العدل والظلم، بين الحق والباطل، بين الإسلام والكفر.

       فإما أن يكون الإنسان في معسكر الهدى، يعمل على إقامة حكم الله في الأرض، وإما أن يكون في معسكر فرعون والنمرود وأبي لهب وأبي جهل… وهؤلاء والأصنام وقود النار في الآخرة.

       أمّا إن انحنيت أمام العاصفة… فالمحراب لا يستقبل من ينحني لغير الله.

       أمّا إن خشيت بطش الظالمين… فالقلب لا يتّسع لخوفين: خوف الخالق وخوف المخلوق! أمّا إن آثرت الأهل والولد والمال… فأنت خليّ من حلاوة الإيمان.

       واعلـمْ:

          أن القافلة تسير باتجاه الخـلافة فوق الأشواك والجماجم والعروش المتهاوية فوق دساتير الكفر، فوق الحضارة الغربية العفنة. وليحذر كل إنسان أن يكون ممّن تعبر القافلة فوقه فإنها مقارعة فكرية، لا هوادة فيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *