العدد 200 -

السنة الثامنة عشرة رمضان 1324هـ – تشرين الثاني 2003 م

مفهوم مضلِّل «ضم الكويت إلى العراق احتلال، وفصل الضفة الغربية عن الشرقية استقلال»

مفهوم مضلِّل

«ضم الكويت إلى العراق احتلال، وفصل الضفة الغربية عن الشرقية استقلال»

في عام 1990 للميلاد قامت دولة العراق بضمّ الكويت إليها، وصنفتها المحافظة التاسعة عشرة، ولا يلزمنا هنا بحث الدوافع لهذا الإجراء، مع الجزم بأن الدافع لم يكن تطبيقاً للحكم الشرعي، فالدولة العراقية إذ ذاك كانت علمانية تحارب الإسلام وأهله، وتفصل الدين عن الحياة، ولا يلزمنا أن نخوض في موضوع التجاوزات والجرائم، لا لأنها لا تستحق البحث وإنما لأنها لا علاقة لها بحكم الضم.

أكثر الناس من كفار ومسلمين اعتبروا هذا الضم عدواناً على دولةٍ عضو في الجامعة العربية وعضو في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، واعتداء على أراضي الغير بالقوة، وعملاً غير مشروع، مما شكل مسوغاً لأميركا لتشكيل تحالف شارك فيه عدد من الدول العربية كمصر وسورية وما يسمى بالسعودية بدعوى تحرير الكويت، وكان ما كان.

وقبل ذلك بعامين أي في عام 1988، أعلن الملك حسين فصل الضفة الغربية عن المملكة الأردنية، تحت ضغطٍ أميركي، وأعلن قيام دولة فلسطين نظرياً على أراضٍ تحتلها (إسرائيل)، فصفق الناس لقيام دولة فلسطين المستقلة، وبعد حرب الخليج الثانية أو ما سمي بعاصفة الصحراء، جرت مفاوضات في أوسلو، واعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بـ( إسرائيل)، وأقيمت للفلسطنيين سلطة على السكان، ولم يكن لها من صور السيادة شيء، وفي أثناء هذا كله، اعترفت كثير من الدول بهذه الدولة المستقلة، وفتحت لها سفارات، وأضيفت على هذا الفصل صفة الشرعية، وفرح بها كثير من الفلسطينيين وسائر المسلمين، وصارت عضواً في الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي والجمعية العمومية، ثم كانت الانتفاضة الثانية، وطرح خارطة الطريق، ووعد الفلسطينيون بإقامة دولتهم عام 2005 للميلاد.

فهل ضم الكويت احتلال غير مشروع، وفصل الضفة الغربية فك ارتباط مشروع؟

المشروعية عند المسلم الأصل فيها الكتاب والسنة وما أرشدا إليه، أما المشروعية الدولية التي هي من صنع الكافر ووضعه فلا اعتبار لها أو هكذا ما يجب أن يكون، ففي هذه الشرعية ضم ألمانيا الشرقية إلى الغربية مشروع، وفصل تيمور الشرقية عن أندونيسيا مشروع، وفصل جنوب السودان عن شماله مشروع، واعتبار جزيرة ليلى وسبته ومليلة أرضاً إسبانية مشروع، وتواجد الجيش الأميركي في أكثر البلدان الإسلامية مشروع، وتواجد الجيش السوري في لبنان غير مشروع.

والصواب أن ضم الكويت كان عملاً جائزاً شرعاً، وكان يجب أن يحافظ على بقائه ودوامه وتثبيته، مع دوام العمل على خلع من قام به، وهدم نظامه بأيدي المسلمين، وإقامة الخلافة على منهاج النبوة على أنقاضه. أما فصل الضفة الغربية عن الأردن فكان عملاً غير جائز، وجريمة لا ينبغي لمسلم أن يقرها فوق أن يفرح لها. لكن المفاهيم قلبت، وضلل الناس عن الصواب.

والدليل على أن الضم فرض والانفصال حرام، قوله تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا)[آل عمران/103] ووجه الاستدلال بهذه الآية على وجوب الضم موجود في قوله تعالى (جَمِيعًا) فيكون المعنى اعتصموا بحبل اللَّه كونكم جميعا، لأن جميعاً حال أي حال كونكم جماعة لأن الجميع والجماعة معناها واحد كما سيأتي في حديث عرفجة، والجمع هو الضم لأن معناه لغة تأليف المتفرق، فالآية تدل بمنطوقها على وجوب الضم، والقرينة على أن الأمر في الآية للوجوب هو أمره صلى الله عليه وسلم في حديث عرفجة عند مسلم بقتل من يريد تفريق الجماعة قال عرفجة قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «من أتاكم وأمركم جميع على رجلٍ واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرّق جماعتكم فاقتلوه» وقرينة أخرى على أن الأمر بالضم للوجوب قوله صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير عند أحمد «والفرقة عذاب» قال النعمان قال صلى الله عليه وسلم «والجماعة رحمة والفرقة عذاب» والآية تدل بمنطوقها أيضا على تحريم التفرق والانفصال تفرق.

أما الدليل من السنة على وجوب الضم وتحريم الانفصال فحديث عرفجة السابق فهو يدل بمنطوقه على تحريم الانفصال الذي هو تفرق، كما يدل بمفهومه على وجوب الضم. وحديث النعمان ابن بشير الذي يدل بمنطوقه على وجوب الضم وتحريم الانفصال.

وأيضا فإن الجماعة إذا لم يتوصل إليها إلا بالانضمام أو الضم كان كلاهما واجبا من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

وإن ظل هذا المفهوم المرعب في تضليله قائماً وظل المسلمون يعتبرون الضم المفروض احتلالا، والانفصال المحرم استقلالا، فسيزدادون ضعفاً وهوانا، وسيصعب على كل مخلص أن يجمعهم على رجل، وسيمعن عدوهم في تمزيقهم وسحقهم.

قد يقول قائل إن العراق كان منطقة نفوذ إنجليزي عندما قام بضم الكويت، وتصرفه هذا كان بناءً على مصلحة الإنجليز، قيل نعم كان العراق كذلك، وكذلك كانت الكويت منطقة نفوذ إنجليزي أيضاً، فالضم لم يبسط النفوذ الانجليزي على الكويت وإنما بقي النفوذ هو هو في كلا البلدين، وربح المسلمون الضم، أما لو كانت الكويت خاليةً من أي نفوذ كافر، وكانت العراق منطقة نفوذ إنجليزي لكان الضم حراما لأنه ضرر والرسول صلى الله عليه وسلم يقول «لا ضرر ولا ضرار» وكذلك لو كانت الكويت تحت سلطان أميركا المباشر كما هو حالها اليوم في عام 2003، والعراق على حاله السابق أي تحت النفوذ الانجليزي لا تحت سلطان الإنجليز، فإنه يحرم الضم لان السلطان أقوى من مجرد النفوذ، فيكون الضم وسيلة إلى جعل العراق أيضا تحت سلطان أميركا، فيكون الضم والانضمام حراما، لأنهما ضرر ووسيلة إلى الحرام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *