العدد 200 -

السنة الثامنة عشرة رمضان 1324هـ – تشرين الثاني 2003 م

كلمة الوعي: رمضانُ… زادُ حامل الدعوة للنصر

يحل ضيف رمضان الكريم على المسلمين، والنفس ملأى بحب اللَّه، وطلب رضاه ونصره. يحل والنفس ملأى بحمد اللَّه لأنه بلّغنا موسماً حصاده وفير وخيره كبير. إنه وافد كريم، وإكرامه يكون بالذكر، والشكر، وحسن العبادة، والدعاء، والاستغفار، بالبر، والتقوى، والعمل الصالح، بالإضافة إلى الصيام والقيام، وحفظ الفرج واللسان، إنه شهر القرآن، شهر الهدى والبينات، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، شهر مضاعفة الحسنات وتكفير السيئات، شهرٌ ما يمر على المسلمين خيرٌ منه…

يحل رمضان، وحال المسلمين في استضعافٍ ظاهر وذلّة، يحل وقد اجتمعت على حربهم دول الغرب الكافرة، والأنظمة التي تحكم المسلمين الفاجرة، وأعانهم عليه علماء سوء يضربون بسيوفهم، ويأكلون من صحافهم، علماء استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، استبدلوا ميثاق اللَّه الذي واثقهم عليه، أن يبينوا الحق ولا يكتموه، بميثاق آخر أخذه عليهم حكام لا يخافون اللَّه، وينطبق عليهم قوله تعالى: (اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ)[التوبة/9].

يحل رمضان والمسلمون أحوج ما يكونون إلى رضى اللَّه سبحانه، إلى نصره. ونصر اللَّه لا يهدى إلا للمؤمنين الذين ينصرون دينه، ويسلكون سبيل الرشد التي سلكها الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى اللَّه على بصيرة. إن المسلمين يعتقدون اعتقاداً جازماً أن النصر بيد اللَّه وحده، وأنه مهما بلغت قوة أعدائهم المادية وتمكنهم، فإن أمر اللَّه يغلبهم ويسبقهم… فمسألة النصر متعلقة برضا اللَّه أولاً وأخيراً، ورضا اللَّه متعلق بطاعة اللَّه. فليغتنم المسلمون هذا الشهر، وليجعلوه شهراً يغفر اللَّه لهم فيه الذنوب جميعاً، فليس بينهم وبين ذلك إلا استغفار صادق وتوبة نصوح. لقد جاءت الأحاديث لتحث المسلم على الطاعة والاستغفار وتفتح أمامه أبواب الجنة وتغلق أبواب جهنم، وتبشره بأن حسن الصيام والقيام جزاؤه أن يغفر اللَّه ما تقدم من الذنوب. وتشجعه على التقرب من اللَّه الذي جعل من يؤدي فيه خصلةً من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن يؤدي فيه فريضة، كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه.

وحيث إن لكل فرضٍ اجتهاده، فإن على المسلمين، في هذا الشهر الكريم، وخاصة حامل الدعوة أن:

  • أن يجتهد في دعوته، حيث إن نفوس المسلمين تكون فيه أكثر صفاءً، وأقرب إلى طاعة ربها، وتكون فيه ملهيات الحياة أقل تأثيراً، والأجواء الإيمانية عامرة… ففي اجتهاده، ومضاعفة نشاطه، يكون أجره مضاعفاً سبعين مرة. وإذا ضاعف حامل الدعوة نشاطه، في حمل الدعوة، فإن الأجر بذلك يزيد أضعافاً مضاعفة.

  • أن يجدد عزمه على الطاعة الكاملة للَّه، فلا ينشغل بعبادة اللَّه في رمضان من صيام وقيام واستغفار ودعاء… ثم يترك سائر التكاليف بسبب هذا الانشغال. فلا يجوز له ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا القعود عن حمل الدعوة…، بل على العكس، فإنها فروض مطلوبة في كل وقت، وخاصة في رمضان. فحكم القيام بالعبادة فيه لا يجوز بحال أن يعطل حكماً آخر للَّه. وتعطيل أي حكم من أحكام اللَّه المطلوبة يسبب غضبه. والمسلم في رمضان، وبخاصة حامل الدعوة، إنما مطلوبه طلب رضا الله، والابتعاد عما يغضبه.

  • أن يتعرف على المسلمين الذين يملأون المساجد في رمضان، ويهجرونها متى غادر، واعتبار هذا التعرف زاداً لنشاطه خلال السنة كلها. والمسلم الذي يرتاد المساجد في رمضان فقط، فيه من الخير ما يجعله يستجيب للدعوة، وخاصة في رمضان؛ لذلك كان على حامل الدعوة أن يستفيد من وجود هذا الخير في نفسه ليفتح نفسه وعقله للمحافظة على الصلاة والقيام بحق اللَّه عليه في كل أمر أمره به، أو نهي نهاه عنه.

  • أن يقرأ القرآن ويتدبر آياته، ويتذكر منه مواقف الرسول r وصحابته الكرام، في الدعوة، ويتذكر ما فعله هذا القرآن العظيم بالمسلمين الأوائل، بشهادة اللَّه سبحانه لهم، (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آل عمران/110]وأن يحرص على تكون له قراءتان: قراءة تعبد يحرص فيها على ختم القرآن لينال بكل حرف عشر حسنات – وفي رمضان الأجر يكون مضاعفاً أضعافاً كثيرة – وقراءة تدبر يقف فيها على المعاني، ويربطها بواقعه، ويتصل بآياته اتصالاً عملياً يلزمه في دعوته وسلوكه نحو الهدف الذي ندب نفسه لتحقيقه.

  • أن يراجع أعماله، ويستغفر اللَّه من كل ذنب ارتكبه، ويتوب توبة نصوحاً، رابطاً استغفاره وتوبته بعِظم خالقه، الذي من حقه أن يعبد فلا يعصِى أبداً. والمسلم لا ينظر إلى صغر الذنب بل إلى عِظم الخالق. فالاستغفار والتوبة يجعلان النفوس تصفو وتزكو. وتصفية النفوس وتزكيتها تسبق النصر، قال تعالى: (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[البقرة/286]، وقال تعالى:(وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين)[آل عمران/147].

  • أن يتذكر أن الإيمان باللَّه والاستجابة لأمره من الرشاد الذي يجعل المسلم مستجاب الدعاء. وهنا يأتي دور دعاء المستجيب لربه من حيث القبول. فاللَّه يحب الدعاء وقد جعله اللَّه مخ العبادة، يتجلى فيه الخضوع والتذلل والافتقار إلى اللَّه الخالق، القوي القهار، وشرط قبول الدعاء واستجابة الدعوة يتمثل بما قاله سبحانه في آيةٍ ذكرها اللَّه سبحانه، في وسط آيات الصوم، كدلالة على أهمية الدعاء في رمضان، وجعله واسطة النفوس الزكية إلى ربها حيث قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة/186].

نسأل اللَّه سبحانه أن يجعل رمضان شاهداً لنا، لا شاهداً علينا، وأن يبلغنا فيه من الاجتهاد في العبادة، ومن الاشتغال بالطاعات ، ومن دعوة الناس إلى استئناف الحياة الإسلامية، ومن قراءة القرآن وتدبّر آياته، ومن استغفار الله والتوبة إليه، ومن الاستجابة الكاملة له سبحانه… ما يجعلنا أهلاً لنصره إنه على ما يشاء قدير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *