العدد 202 -

السنة الثامنة عشرة ذو القعدة 1424هـ – كانون الثاني 2004م

دردشة بين أحد مسؤولي الدعوة وشبابه في سجون الحكام الظالمين

دردشة بين أحد مسؤولي الدعوة وشبابه

في سجون الحكام الظالمين

لقد أكرمنا اللَّه تعالى بأن جعلنا من هذه الأمة الإسلامية، التي هي خير «خيرَ أمّةٍ أخرجت للناس»، والتي هيَ أمّة خلقت لتقود العالم بأجمعه إلى اللّه. إن الدنيا هي دار امتحان وبلاء، والآخرةَ دارُ نعيم أو شقاء، فطوبى لمن عمل في الدنيا لآخرته، واشترى نعيم الآخرة بدنياه، وتعس عبد الدرهم والدينار، وسّعِدَ من كان همّه وعمله في الدنيا النجاة يوم القيامة من النار. واعلم يا أخي أنه لن يصيبك إلا ما قد كُتب لك أو عليك، وأنه لن تنال من الدنيا إلا ما قد قُسم لك.

قامت شعبة مكافحة الإرهاب، في إحدى الدول التي تسمى إسلامية (تركيا)، باعتقال بعض شباب حزب التحرير مع مسؤولهم من الشوارع، بعد تعقبهم لفترة استمرت أكثر من سبعة أشهر. هذا المسؤول كان يعلم طوال هذه الفترة بأنه مراقب، وأنه سيعتقل قريباً، فزادت هذه المعلومة من نشاطه، ورفعت من معنوياته أكثر فأكثر، فصار يواصل عمله طوال النهار، وجزءاً كبيراً من الليل، رغبةً منه في إنجاز أكبر عدد ممكن من أعمال الدعوة قبل أن يُعتقل، كما صار يحمِّس الشباب من حوله حماساً منقطع النظير، ويدعوهم إلى عدم الخوف إلا من اللَّه. واعتُقل بعض هؤلاء الشباب، وبعدهم بفترةٍ قصيرة، وبينما كان هذا المسؤول يمشي في الشارع، انقض عليه أكثر من خمسة عشر رجلاً من رجال شعبة مكافحة الإرهاب، فقاومهم حتى تكاثروا عليه فغلبوه، وربطوا يديه وعصبوا عينيه وساقوه إلى مركز التحقيق. وهناك لاقى من التعذيب الشديد مما لا يتحمله البشر؛ ليعرفوا منه أسماء الشباب الآخرين أو أية معلومات أخرى حول الحزب، ولكنه – رحمه اللّه حياً وميتاً – لم يقل لهم إلا ما يغيظهم، فكانوا يزيدون عليه شدة التعذيب، ويزيد هو عليهم السخرية والاستهزاء بهم، حتى تعبوا من تعذيبه الذي كان يستمر ما يقارب الثماني عشرة ساعة في اليوم الواحد أو يزيد، ولم يحصلوا منه على أية معلومة تفيدهم. وبعد أيام جمعوه هو وباقي الشباب من المجموعة نفسها، في غرفة (قاووش) واحدة بعد أن كانوا في غرف (زنزانات) انفرادية لا يرون بعضهم إلا للحظات فقط أثناء التعذيب في غرف التحقيق. وهناك وعلى الرغم من أن هذا المسؤول كان متعباً خائر القوى، التفت إلى الشباب ودار بينهم حوارا روحانياً مؤثراً أود أن أذكر لكم مقتطفاتٍ منه.

“أيها الشباب،

لقد قسَّم اللَّه تعالى الناس في سورة الواقعة إلى ثلاثة أقسام، فقرَّب منه عز وجل من وصفهم بـ (السابقين) ووعدهم بجنات النعيم حيث قال: )وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ @ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ @ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)[الواقعة/10-12] وذكر بأن هؤلاء عددهم قليل حيث قال: )وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ)[الواقعة/14]، وهؤلاء القليلون هم الصفوة، من جميع بني البشر، منذ خلق اللَّه آدم إلى يومنا هذا. وكان جُلَّ صحابة حبيبنا محمد، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، من هؤلاء الصفوة القليلين بإذن اللَّه، حيث لاقَوا عذاباً شديداً فصبروا. ولم يبق من هؤلاء الصفوة القليلين سوى أقلّهم في يومنا هذا، فكونوا أيها الشباب من هؤلاء أقلّ القليلين عدداً من صفوة الناس، ولا ترضوا بأقل من ذلك. والسبيل إلى ذلك إنما يكون من خلال ثباتكم اليوم هنا أمام هؤلاء الأوغاد المحققين، وغداً أمام القضاة والحكام الذين باعوا ضمائرهم للشيطان. ولتعلموا أن هذا اليوم هو يومكم كي تفوزوا بهذا المقام عند اللَّه، ألا ترون أن اللَّه أكرمكم بأن وهبكم فرصة الانضمام لفئة (السابقين)!!. لينظر كل واحدٍ منا إلى حياته التي يعيشها، هل تمر عليه فرصة مثل هذه الفرصة التي نعيشها الآن؟ صبر على الأذى قليل، وبعده أجر عند اللَّه عظيم. واللَّه يا شباب لنكونن من هؤلاء الصفوة الأخيار (السابقون) إن نحن ثبتنا على مبدئنا. واللَّه يا إخوتي إنني أُحسُّ بأن اللَّه يحبنا فابتلانا وأنه يريد أن يصطفي إليه الصابرين منا والثابتين على الحق”.

“أيها الشباب،

اعرفوا قيمة الحزب الذي تعملون معه. فانظروا إلى الدنيا بأسرها، إنكم سوف تجدون أن الكفار قد طغى عليهم المبدأ الرأسمالي بكل وحشيته، والظلم قد انتشر في الأرض نتيجة تطبيق هذا المبدأ العفن. والمسلمون منقسمون إلى فئتين، فئة كبيرة منهم لا يعملون في الدعوة إلى الإسلام وإن جُلَّهم لا يدركون أن الديمقراطية والرأسمالية العفنة هما سبب شقاء الناس، بل إن منهم من يدافعون عن الرأسمالية والديمقراطية على أنها من الإسلام، بل هي الإسلام!!، وفئةٌ أخرى وهم القليلون نسبياً يعملون في حقل الدعوة إلى الإسلام، ثم انظروا إلى حزبكم هذا، بين هؤلاء العاملين، واحمدوا ربكم أنكم تمتلكون التصور الأوضح لحقيقة الإسلام، ولواقع الدولة الإسلامية، بل لواقع الطريقة الصحيحة لكيفية حمل الدعوة، أليس هذا لوحده نعمة من اللَّه منَّها علينا؟. فلا تجحدوا هذه النعمة ولا تهنوا أمام هؤلاء الأوغاد بل حاولوا أن تجعلوهم يحترمونكم ويحترمون حزبكم، ولأجل هذا، ما عليكم سوى التمسك بكونكم أعضاء في هذا الحزب العظيم، وأن تدعوهم هم أنفسهم للعمل مع هذا الحزب، أي اغلبوهم وانتصروا عليهم ولا تدعوهم ينالون من دينكم أو من حزبكم، فأنتم قليلون وصفوة اللَّه قليلون أيها الشباب، ولا أبالغ إن قلت بأنه قد يكون قليل علينا إن نحن ضحينا بأرواحنا التي بين جوانبنا في سبيل هذه الدعوة، وفي سبيل أن نكون من الصفوة الأخيار الذين رضي اللَّه عنهم فنحن الآن لا نملك ما نضحي به سوى هذه الروح، فغيظوا هؤلاء الظالمين يرحمكم اللَّه”.

“أيها الشباب،

قد يتراءى لكم أن عدد الكفار كبير، وأن هؤلاء الزبانية، وهم من أعوان الظالمين، أقوى منكم، ولكن لا تنسوا أبداً أننا نملك عقيدة هي وحدها العقيدة الصحيحة في الكون، وبموجب هذا فإننا نؤمن بأن لنا رباً ناظراً إلينا الآن وفي كل آن، ونحن نعتقد بأنه هو القادر على كل شيء، ونعتقد بشكلٍ جازمٍ أنه هو الذي اختار لنا هذا الطريق، وبعلمه ورضاه سبحانه دخلنا هذا المكان، أفلا ترضون ما رضيه واختاره لكم ربكم؟!. فنحن نملك عقيدة قوية مبنية على الإيمان باللَّه، واللَّه أقوى منهم جميعاً، وهو الذي يعلم حالنا، فنحن بهذا الإيمان أقوى منهم جميعاً وإلا فما هي قيمة الحياة لولا هذا الإيمان، فاثبتوا يرحمكم اللَّه”.

“أيها الشباب،

يقول اللّه تعالى: )وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[المنافقون/8] فكونوا مع أهل العزة ومنهم، ويقول تعالى:) وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[آل عمران/139] هكذا يقول ربنا فاختاروا لأنفسكم العزة ولا تقبلوا الذلة والمهانة، كونوا مع اللَّه ولا تدعوا هذه الفرصة تفوتكم للالتحاق بهذا الركب. إنكم إن أبديتم ضعفاً أمام المحققين فإنهم سيحتقرونكم ويذلونكم أكثر فأكثر، وسيقولون لكم: أنتم تكذبون علينا ونحن نعرف نواياكم. وبهذا تكونون قد قدمتم لهم ما يريدون، ويكونون قد فازوا عليكم ونالوا الجوائز من رؤسائهم، مقابل ذلتكم هذه، وبالمقابل فإن أبديتم الصبر والثبات أمامهم فإنكم تكونون قد أغظتموهم وفوّتم عليهم نشوة الانتصار عليكم. واللَّه يا شباب، إن الحكم الذي سيصدر عليكم، في حال أبديتم الصبر والثبات، وقاومتم الباطل، واتخذتم موقفاً يرضي اللَّه ويغيظ هؤلاء الظالمين، هو نفسه الذي سيصدر عليكم، فيما لو تخاذلتم وضعفتم وأغضبتم ربكم في سبيل إرضاء هؤلاء الظالمين، ولكن الفرق سيكون عندئذٍ أن ربكم سيرضى عنكم في حال ثباتكم، وسيرضى المحققون والقضاة وربما أهليكم عليكم فيما لو تخاذلتم، وما فائدة رضا هؤلاء إذا غضب الرب عليكم، فارضوا ربكم ولا تُغضبوه. وأنتم يا إخوتي لستم لصوصاً أو جناة، ولا تخدعون أمتكم ولا أحداً من العالمين، أنتم لستم ممن اختلس أموال الدولة وأموال البنوك ثم قبض عليكم، لا لستم هذا ولا ذاك بل اعلموا أنكم نهضتم لأمرٍ عظيم، فيه شرفٌ كبير وفخر لا يدانيه أي عملٌ آخر، فلا تخافوا أو تخجلوا من أحد، ولترفعوا هاماتكم عالية أمام المحققين، وأمام الناس أجمعين، افرضوا على الآخرين احترامهم لكم بأعمالكم هذه ومواقفكم المشرِّفة تجاههم”.

وسأله أحد الشباب قائلاً: إلى متى سيكون وضعنا هكذا؟ هل سنبقى هكذا دوماً سجنٌ ثم سجنٌ ثم سجن؟. فأجابه قائلاً:

“نعم يا أخي، سنبقى هكذا، سجنٌ ثم سجنٌ ثم سجن، بل أكثر من هذا، إنه بعد قيام الدولة سننتقل من معركةٍ إلى معركة، ومن حربٍ إلى أخرى، بدون راحة إلى أن يقضي اللَّه أمره، فهل عندك معلومات أن اللَّه قد وعد العاملين في الدعوة إلى اللَّه أن الظالمين لن ينالوا منهم؟!، وأنهم لن يدخلوا السجون؟! أم هل وعدهم بالعيش الرغيد في الدنيا؟! أنا لا أعلم أن هناك وعداً من اللَّه بذلك، ولكنني أعلم أن اللَّه تعالى وعدنا بالتمكين في الأرض، يقول ربي وقوله الحق: )وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)[النور/55].

إعلم يا أخي أن هذه الدعوة ليست بحاجة إلينا بل نحن بحاجة إليها، وأن هذه الدعوة ستمضي في طريقها إلى أن يحقق اللَّه النصر والتمكين للمسلمين، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه «.. لا تزال طائفةٌ من أمتي قائمة بأمر اللَّه لا يضرّهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر اللَّه وهم ظاهرون على الناس..»، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر اللَّه، وفي ذلك اليوم ستكون فرحتنا يا إخوتي عظيمة لا ينغِّصها أيّ شيء سوى الموقف الضعيف المتخاذل الذي إن أبديناه الآن أمام هؤلاء الظالمين، وسنقول يومها: آه ليتنا لم نتخاذل ذاك اليوم، آه ليتنا صبرنا ووقفنا أمام الظالمين مثل بلال وعمار، فلا تهنوا يا إخوتي” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *