العدد 202 -

السنة الثامنة عشرة ذو القعدة 1424هـ – كانون الثاني 2004م

إسناد المقاومة إلى الشرعة الدولية هلاك وانتحار

إسناد المقاومة إلى الشرعة الدولية هلاك وانتحار

لما كان الاستعمار العسكري المباشر أداة من أدوات النظام الرأسمالي، وكان الاحتلال والسيطرة على شعوب ودول مختلفة في العالم غايته سلب ونهب خيرات ومقدرات تلك الأمم والشعوب المنكوبة، كان من الطبيعي، وفق غريزة البقاء ومظاهرها، أن تتحرك الشعوب المكتوية بنيران الاحتلال وظلمه وهيمنته، دفاعاً عن البلاد والخيرات والمقدرات؛ فتتحرك الشعوب أفراداً وجماعات تنظيمات وتكتلات، وبإسناد من مجموع الجماهير، مجتهدةً بوسائل وأساليب وطرق، لتحرير هذه الديار وتلكَ البلاد من هذا الاحتلال وذاك الاستعمار.

وبالنظر في بلاد المسلمين، نجد أنها تخضع لأشكال من الهيمنة والسيطرة وحضور النفوذ الأجنبي. كل ذلك وقع بعد سقوط دولة الخلافة – دولة المسلمين جميعاً – وتقسيمها إلى مستعمرات ومناطق نفوذ للدول الرأسمالية الغربية. فالاحتلال العسكري المباشر قائم اليوم في بلاد المسلمين، كما في أفغانستان والشيشان والعراق وفلسطين، وهيمنة اقتصادية وسيطرة وتبعية سياسية مشاهدة في جميع بلدان عالمنا الإسلامي.

وبغياب الرؤية الواضحة والفهم الشرعي البين المبين في كيفية التعامل مع المحتل الغاصب، كما أوجب الله سبحانه وتعالى، وذلك بالتحرك جهاداً في سبيل الله، وبإعلان من أمير الجهاد خليفة المسلمين لقول الحق تبارك وتعالى: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ @ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ @ )[الحج/39-40]، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي، وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» (البخاري) وللآراء الفقهية منها القائلة “إذا احتل شبر من بلاد المسلمين وجب الجهاد، حتى تخرج المرأة من غير إذن زوجها، والعبد من غير إذن سيده”.

فلغياب هذا التصور وهذا الفهم، ولعوامل الضعف والتغشيه التي طرأت على أذهان المسلمين، وبغياب أفكار الإسلام وأحكامه عن الحياة، والشعور بحالة الهزيمة والخوار والتبعية؛ ولدت حركات وتنظيمات جهادية وتحررية مقاومة، منها من لبس ثوب القومية والوطنية، ومنها الإسلامية المجاهدة، وهذه الحركات لا أراها إلا أخفقت في وصف أساس المشكلة، وبالتالي في كيفية العلاج الناجع الشافي المخلص، فاتخذت لنفسها مناهج وطرق في كيفية التعامل مع هذا المحتل الغاصب، ساعية إلى التخلص من الضغط الجاثم على تراب البلاد وصدور العباد، فاتخذت جل هذه الحركات من العمل العسكري، بالكفاح المسلح وسلاح المقاومة، الطريقة الثابتة حيناً والمتغيرة أحياناً، وحسب المتغيرات السياسية والمكانية والظرفية، في محاربة المحتل الغاصب، وطرده من فوق التراب، ومن تحت الظل في بلاد المسلمين. فهذه الفلسفة والأدبيات المعبرة عن نهج هذه الحركة، أو ذاك التنظيم، هي الموجه قدماً نحو الاستقلال التام المزعوم، أو تحرير كامل التراب الوطني، فالشعب والوطن والتراب والزيتون والنخيل شعار اتخذ للبندقية وللكفاح المسلح.

ويذهب قادة وممثلو الحركات التي اتخذت من المقاومة خيارها، بأدبيات وتصريحات مسموعة ومقروءة ومكتوبة، معتمدة على الحق المعلن الذي كفلته كافة الشرائع السماوية والوضعية والأعراف الأممية والقوانين الدولية، باتخاذ المقاومة السبيل للتحرر والانعتاق من المحتل، وأدوات الاحتلال المتغيرة، وتعبّئ الجماهير بشعارات التحرر والوطن والثورة.

وتطورت وتحدثت أشكال المقاومة وسبلها عند هذه الحركات، متأثرة بالنمط الغربي، وبتوجيه ومسايرة للواقع والمتغيرات الدولية، واتخذت أشكال وأنماط مختلفة، ونودي بدعوات للمقاومة، فمن المقاومة العنيفة بالسلاح، إلى المقاومة بالفكر وبالعصيان المدني والمقاومة السلمية بالمسيرات والمظاهرات، ومقاومة التطبيع، ومقاومة اقتصاديات دول الاحتلال بمقاطعة منتوجاتها وسلعها الاستهلاكية، فالمقاومة بالكلمة والرأي، والمقاومة الدعائية بفضح وكشف أخلاقيات وسلوك الاحتلال وسياساته.

وتستند هذه الحركات بدراسة للحالات التحررية، من تجارب المقاومة الفرنسية، والمقاومة الهندية، والمقاومة الفيتنامية، والجزائرية، وتراها أمثلة يحتذى بها، وتستأنس بها على طريق المقاومة والتحرر، لتكون الحجة والنبراس لمشروعية المقاومة.

فمن أعطى الشعوب المحتلة المنكوبة الحق إذاً بالمواجهة بمنطق المقاومة؟ أهي الشرائع السماوية التي نزلت من مثل مزامير سليمان عليه السلام؟ أو زبور داود عليه السلام؟ أتكون بصحف إبراهيم وموسى عليهما السلام؟ أو توراة موسى عليه السلام؟ وإنجيل عيسى عليه السلام؟ أو بقرآن الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم؟ إذاً يا أهل القرآن اعملوا بخطاب الله (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)[الأنفال/60]، وبقوله تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)[البقرة/190]، وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الجهاد واجب عليكم مع كل أمير براً كان أو فاجراً»[2171ابوداود] ورأس الأمر في ذلك بيّن واضح في أحكام القتال والجهاد، فالإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، ولله در الشاعر:

إذا شئت انتصار الحق فاطلب

جهاد أبي عبيدة والمثنى

ودع عنك الذي يسعى لدنيا

وإن ذكر الجهاد، وإن تغنى

          هذه واحدة أما الثانية: فالشرائع الوضعية، وهذه كيف تكون المسير والموجه، ومنها يكون المنطلق؟ وقد أمرنا أن لا نحتكم لغير قرآن الله، فهذه الشرائع وتلك الدساتير أمرنا أن نكفر بها، فكيف باتخاذها سندا ومرجعية؛ لمعالجة قضايا الأمة بتحرير أرض الإسلام من الكفر وأهله (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا)[النساء/60]، وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»[مسلم] وهل من يوم أعطت تلك الشرائع للمسلمين غير الذبح والذل والألم؟ هل أعطتهم غير الملاحقة والتخلف والتبعية؟

أما الثالثة: القوانين والقرارات الدولية والأعراف الأممية: فمجلس الأمن والأمم المتحدة نعرفها، في الولايات المتحدة صاحبة النفوذ والقرار، وبصياغاتها، لتحلل الحرام وتحرم الحلال، وتعطي التوجيهات، وتأمر بتنفيذ القرارات وفق رؤياها ومصالحها، وبحسب مفاهيمها وفكرها الرأسمالي الجشع، القائم على التوسع والسيطرة، وتحقيق النفوذ، وبعملها على صياغة العلاقات الدولية والشؤون الأممية وفق مصالحها القومية الحيوية، ضاربة بعرض الحائط كل عرف وقانون لا يوافق سياساتها الخارجية ومصالحها.

وإذا كانت الدول الاستعمارية صاغت القوانين الدولية، وفق طرق هيمنتها، ليتأتى لها تحقيق مكاسبها من موارد وأسواق ومقدرات أمم وشعوب الأرض، والتي هي محل لتحقيق اشباعاتها، فبقوة الدول الاستعمارية تصاغ الأنظمة والقوانين العالمية، وبإرادة صناع القرار المستحوذين على هذه المؤسسات الدولية، فمن مجلس الأمن، إلى هيئة الأمم المتحدة، إلى صندوق النقد الدولي، إلى منظمة التجارة العالمية، إلى اليونسكو. والسؤال يأتي: من جعل من الدول الاستعمارية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أصحاب قرار لصياغة قانون وإنفاذ آخر؟ فمن أعطى بريطانيا الحق بإقامة كيان يهود في فلسطين؟ لماذا ليست البرازيل أو تنزانيا أو كوبا؟ إن كان لهم في ذلك حق! أم أنها القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية التي أعطتهم هذه المكانة وهذا الموقع؟ فإسناد المقاومة إلى الشرعة الدولية فيه الهلاك والانتحار.

فلأن الولايات المتحدة تقرر أن هذا الشكل من الصدام المسلح المقاوم يسمى إرهاباً؛ فيجب إذاً أن يمنع ويحاصر ويقتلع من أعماق جذوره … فأجهزة المخابرات جاهزة، وقاذفات الصواريخ متأهبة، وجوانتنامو عنوان المارقين والخارجين عن بيت الطاعة الأميركي. فبالتعريف والمشهد الأميركي والرؤية الاستعمارية تعتبر أعمال المقاومة إرهاباً، فتعلن الحروب وتشكل المحاور والأحلاف للقضاء على الحركة المقاومة ومن وراءها من دول وتنظيمات فهذه أفغانستان وتلك القاعدة وهذا جند أنصار الإسلام.

تلك المعادلة إذاً ستظل تحكم الدنيا، وسيظل المقاومون تحت رحمة ومشيئة الدول الاستعمارية الرأسمالية طالما يربط هؤلاء المقاومون أعمالهم ونهجهم ومواقفهم بسند القوانين الدولية، والأعراف الأممية الظالمة. فكان لزاماً على دعاة المقاومة، والتحرر، الانعتاق والخروج على كافة أشكال الهيمنة والتبعية، وعدم الانسياق وراء هذه الدول الاستعمارية، ونتاجها من مؤسسات ومنظمات دولية، والتي كانت الغاية من إنشائها استعماراً للأرض والإنسان والهوية، لديمومة تحقيق مصالحها، والمحافظة على وجودها، كقوى استعمارية عالمية في بقاع الدنيا الواسعة.

ومن المقاومين من يستند ويستأنس بالحركات التحررية، ووفق نماذجها وتجاربها التاريخية في ملاحقة القوى الاستعمارية، ويصدق الحال في أن منها من خرج من حالة الاحتلال إلى الاستقلال كفرنسا، وكانت السيادة للدولة الفرنسية على كامل ترابها، ومنها من كان الخروج العسكري والانسحاب وإعادة الانتشار، مع بقاء التبعية السياسية والاقتصادية والعمالة الحقيقية، وهذه حال بلاد المسلمين من المحيط إلى المحيط، ومنها من يعمل على مشاركة المحتل الغاصب بجزء من البلاد، أو قل بحصة الأسد من ديار المسلمين، وإقرار للغاصب بالحق الشرعي بالوجود والعيش كما هو الحال مع سلطة عرفات الخائنة في فلسطين. وفي هذا المعمعان وهذه الفوضى من الحال، تقوم الأنظمة المجرمة في بلاد العالم الإسلامي، بكذب ونفاق وخداع ومطاردة وملاحقة لشعوبها مساندي ومؤازري حركات التحرر والمقاومة. فكل دولة تسير بحسب المهمة والدور المناط بها في حماية مصالح الدول الاستعمارية، وما دور النظام الهاشمي في تحقيق الأمن لكيان يهود بغائب، ولا يحتاج من عاقل إلى تحليل، وذاك النظام يطور أداءه الخطابي بتأهيل الخطباء، وذاك يجفف منابع المال والتمويل، وهذا الوليد المسخ يعتبر المقاومة فوضى سلاح، وهكذا يكون السير والتكليف وإلا فلا!!!

وفيما لا زال رجال القانون والفكر والسياسة على الساحة العربية والإسلامية والعالمية، منهمكين في مداولات ومشاورات في تحديد مفهوم الإرهاب، ومفهوم المقاومة، وما ينطبق على أنه من المقاومة المشروعة أو الممنوعة، ينادي المنبطحون الانهزاميون والمفكرون المضبوعون بالغرب وتلويثاته، فيتساءلون هل نحن شعوب نميل إلى العنف أم دعاة سلام بالحوار…؟ أنحن شعوب في موقع الدفاع عن النفس أم في موقع العدوان؟ يتسائلون!…. فمن قائل إن الصدام يضر بنا وبمصالحنا وبأمننا العربي والقومي والإقليمي والمحلي!!!…. واللجوء إلى الإرهاب من دواعي البؤس والفقر وقصر النظر!… ومؤتمرات هنا وهناك كمؤتمر كوالالمبور لتعريف المقاومة وبحث مفهوم الإرهاب والتطرف…. ومن قائل لا مجال للحوار مع الصقور… أحببنا أم كرهنا يجب أن نحاور في ظل الواقع القائل بأن أميركا تسيطر… والقائل بالمطالبة بتشريع للمقاومة…. ومن قائل يجب أن لا تسقط المقاومة المسلحة من ضمن الوسائل الأخرى…. ومنهم من خاطب جرح المسلمين النازف في العراق بالمقاومة السلمية.. وكأن بغداد الرشيد تنتظر سلام الشجعان مع الأميركيين. وكأن القرار الرشيد ِلما جال في خاطر القائد الأيوبي صلاح الدين، حين سقطت بيت المقدس في أسر الصليبيين، تطلب كثيراً من الجهد في اتخاذ قرار اجتثاث الصليبيين، وتطهير الأقصى، وغسلها بدماء جند الخلافة المجاهدين.

وهاكم كيان يهود الذي يزرع إرهاباً كما زرع بقرار استعماري احتلالي غاصب، في أرض الإسراء والمعراج في بيت المقدس إنه كيان لا يحتاج إلى إمعان نظر وطول تفكير، بخوض حرب، أو بتحرك عسكري، أو بضربة وقائية، لطالما أن هناك استشعار حسيّ أن تلكم الدولة تشكل خطراً، أو هذا التنظيم ينادي إرهابا ويصنع ألماً، فقرار الحرب متخذ لأي حالة تهديد لأمن يهود وكيانهم الغاصب.

فمن يطبق بكيان يهود قول القائد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في زعماء جاهلية قريش «تسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح»[الإمام أحمد]؟.

فيا أيها المسلمون… يا من بالمعتصم تستأنسون…. اعلموا أن لكم قيادة سياسية وقيادة عسكرية تتمثل في ولي الأمر.. خليفة المسلمين الغائب القادم بعون الله.. وللجهاد أميراً… ومحققاً للامة الإسلامية أمناً… وللبلاد موحدا ًومحرراً… ولأميركا الكافرة واليهود هازماً… وبفتح روما مبشراً… فهيا بنا قدماً نحو البيعة سيراً بهدي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم .

أيمن أبو خلف – بيت المقدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *