العدد 202 -

السنة الثامنة عشرة ذو القعدة 1424هـ – كانون الثاني 2004م

كلمة الوعي: أيها المسلمون: أوقفوا مسلسل استسلام حكامكم لأميركا

أعلن عن اعتقال صدام حسين في 14/12 بطريقة مهينة، مقصودة، فوضع حكام المسلمين العرب أيديهم على أعناقهم، خوفاً من سكين الجزار الأميركي، من مصير مشابه، إذ إن ماضيهم أسود ومكشوف، ولا يكاد يجد فيه أحد نقطة بيضاء… وهذا ما حدث بالفعل، إذ بعد حوالي أسبوع، أعلن بطل الفاتح من سبتمبر استسلامه لأميركا دون نزال، فأعلن التخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل، وشدد على أن لا علاقة لقراره بسقوط النظام العراقي، واعتبر أن هذه المبادرة تضيّق الخناق على اليهود، وليس هذا فحسب فإنه دعا سوريا وإيران وكوريا الشمالية إلى أن تحذو حذوه… فما الذي جعل القذافي يتنازل بهذه الصورة المهينة، التي لن يغيّرها في نظر العالم ولا المسلمين قوله أن لا علاقة لقراره بسقوط النظام العراقي؟

ذكرت الحياة في 27/12 بأن معاوني القذافي شاهدوه، يوم الإعلان عن سقوط صدام، مذهولاً، وهو يتفرج على فيلم الاعتقال عبر شبكة (سي إن إن)، وأنه طلب تسجيل كل المشاهد لكي يراها بمفرده في خيمته، وقد لاحظوا عليه حال اليأس والقنوط التي سكنته طوال الأيام الأخيرة، والتي دفعته إلى إقفال برامج التسلح، كما دفعته إلى تقديم معلومات تفصيلية إلى الاستخبارات الأميركية حول المئات في (القاعدة) كرشوة سياسية لإدارة جورج بوش.

نحن أمام حديثين خطيرين، لهما ما بعدهما على الأمة، وكلاهما يتعلق بالحكام الذين يحكمون المسلمين بالحديد والنار، والذين لم يأتِ الأمة خيرٌ منهم قط. حاكم اعتقل ذليلاً فأصاب الأمة، من ذلّه، ذلاً فوق إذلاله لها، وحاكم استسلم ذليلاً، وهو يطمع أن يستمر في موقع يذل فيه المسلمين، ولو كان فيه ذليلاً. وفي كلا الحالين تقع الطامة على المسلمين. نعم إن الحكام، في سبيل أن يبقوا في الحكم، مستعدون لتقديم كل شيء لأميركا. لقد عرض صدام كل العروضات التي يمكن أن تثني أميركا عن عزمها في إسقاط حكمه، عرض عليها جعل العراق مستباحاً لها تفعل فيه ما تشاء، ولكنها لم تردّ عليه… وكذلك فعل القذافي، الذي سعى إلى كسب ود أميركا منذ مدة، ولكنها لم تمدّ له يداً، فقد دفع تعويضات عن ضحايا لوكربي، بلغت مليارين وسبعمائة مليون دولار، وهو مبلغ خيالي، فلم ترفع عنه العقوبات، وهو يخطو خطوته في التخلي عن أسلحة الدمار الشامل، ويتودد إلى اليهود، عله يكسب الرضا الأميركي، ولكن ذلك لن يحصل، لأن من عادة أميركا أن تأخذ ولا تعطي، ولأنه لأميركا مصالح ثابتة لا تلغيها خطوة من هنا، وخطوة من هناك، بل إنها تستغل التنازلات لتقترب من أهدافها أكثر، وإذا استطاعت أن تجعل مثل هذه الخطوات مجانية فإنها لن تقصّر. هذا ولا يخفى ما حققته خطوة القذافي هذه من إخراج بوش وبلير من مأزقهما الذي كاد أن يقضي على مستقبلهما السياسي.

إن المسألة عند أميركا ليست مسألة اعتقال حاكم أو استسلامه، وإنما هي مسألة استلام حكم.

إن المسألة عند أميركا لا تتوقف على حاكم يبقى وآخر يذهب، بل تندرج ضمن مسألة أكبر منها، تتعلق بسياسة أميركا الأحادية في حكم العالم، وإن أميركا لا تقبل معها شريكاً، وهي في سبيل ذلك تريد أن تطرد كل نفوذ آخر في المنطقة التي تريد صياغتها وفق المعايير والمصالح الأميركية، وتريد تغيير بعض الحكام، الذين كانوا يقفون في الصف الآخر، وتغيير أنظمة الحكم، وتغيير الحدود القائمة على أساس تقسيم سايكس بيكو، بحدود يناسب تقسيمها سياستها ومصالحها ومصالح اليهود.

أيها المسلمون

هذه هي أميركا، وما تريده. وهؤلاء هم الحكام الذين يحكمونكم بالقهر والظلم، ويبعدونكم عن دينكم، إنهم مستعدون أن يسلّموكم ويخذلوكم كعادتهم. صحيح أنهم يتصرفون معكم كالجوارح الكاسرة، ولكنهم أجبن خلق الله. إنكم إن لم تأخذوا على أيديهم، وتُمسكوا بقراركم، فإن مسلسل الاستسلامات سيتتالى، ورهن مقدرات الأمة بيد أعدائها سيقوى. والنيل منكم ومن كراماتكم ودينكم سيزداد. فإلام تظلون غرضاً يرمى وفيئاً ينهب؟ ما الذي تنتظرون؟ إن أميركا لن ترحمكم، وإن حكامكم لن يرحموكم، لن يرحمكم إلا ربكم، ولن تجدوا الخلاص إلا بدينكم.

أيها المسلمون

لا تظنوا أنفسكم أنكم مظلومون فحسب، بل إنكم ظالمون لأنفسكم أيضاً. إن عليكم أن تنكروا المنكر المفروض عليكم، وإن غضبتكم يحسب لها الجميع ألف حساب، وعليكم أن لا تكتفوا بأضعف الإيمان، فإن ذلك لن يغير حالكم، بل عليكم أن تجهروا بالعداء للحكام، كما تجهرون بعدائكم لأميركا وأكثر، بل عليكم أن تنتقلوا إلى الفعل: عليكم أن تحتضنوا العمل المخلص الذي يقوم به المؤمنون المخلصون من أبنائكم لإقامة الخلافة، وعليكم أن تطلبوا من أبنائكم من أهل القوة والمنعة أن ينصروا هؤلاء العاملين المخلصين. وإن على إخواننا من أهل القوة أن ينصروا بأنفسهم هذه الفئة المخلصة، من غير أن يطلب أحد منهم من المسلمين شيئاً، لأن الله سبحانه وتعالى قد طلبه وفرضه عليكم ولا خيار لكم فيه.

إن الخلافة هي المخرج الشرعي الذي تنتقل به الأمور من وضعها السيئ الذي يشهد بسوئه جميع المسلمين، إلى الوضع الصحيح الذي يرضى الله عنه، وإنه لا مخرج سواه، فبالخلافة نستطيع أن نقف في وجه أميركا، ونضع حداً لمطامعها في بلادنا.

أيها المسلمون

إن الوضع خطير، ونحن أمام مرحلة استعمار أميركي جديد، وإننا لا نتوقع له النجاح بإذن الله، لأن الإسلام يأبى على المسلمين أن يرضوا به. والمسلمون اليوم أقرب لدينهم أكثر من أي وقت مضى، ولكن التغيير مرهون بالسير بالطريقة الشرعية التي تؤكد الأحداث يوماً بعد يوم صوابيتها، والتي تبدأ بتغيير الحكام وبإقامة الحكم بما أنزل الله. قال تعالى: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *