العدد 208 -

السنة الثامنة عشرة جمادى الأولى 1425هـ – حزيران/ تموز 2004م

منتدى البحر الميت وكر للدسائس والمؤامرات

منتدى البحر الميت وكر للدسائس والمؤامرات

تتسابق حكومات الدول العميلة في استضافة المؤتمرات والمنتديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية العالمية، التي تشرف على عقدها أميركا والدول الكبرى، والتي عادة ما تسعى هذه الدول من خلالها لتمرير سياساتها الاستعمارية، وتنفيذ مخططاتها الإجرامية.

فبعد سماح الدول الكبرى بعقد تلك المؤتمرات والمنتديات في دول ما يسمى بالعالم الثالث، بعد أن كان عقدها في السابق حكراً على ما يسمى بدول العالم الأول، بدأت الدول التابعة بالتهافت لعقد تلك المؤتمرات والمنتديات على أراضيها، على أمل أن تستفيد سياحياً بتلقيها بعض الفتات، وأن تستفيد دبلوماسياً بتقربها من الدول صانعة القرار، تقرب العبد إلى سيده ليحظى ببعض ما يتفضل عليه من رضا ودعم !!.

لكن هذه الخطوة ليست من غير مقابل، حيث إن هذه الدول المتهالكة الهامشية عليها أن تتحول إلى أدوات نشطة وفاعلة، تستخدمها الدول الكبرى في حبك مؤامراتها، وتمرير مخططاتها، وتحقيق مصالحها.
والمؤتمر الاقتصادي العالمي الذي يعقد حالياً في البحر الميت في الأردن، والذي تشارك فيه عشرات الوفود وأكثر من ألف شخصية من عشرات الدول، هو واحد من هذه المنتديات.

لقد ظهر في هذا المؤتمر وزير خارجية أميركا كولن باول كنجم أول فيه، وبدأ حديثه في الافتتاح متهدداً ومتوعداً البلدان الإسلامية والشعوب الإسلامية في سوريا وإيران وفلسطين، بينما برَّرَ – كالعادة- عدوان إسرائيل وجرائمها ضد الفلسطينيين، بحجة دفاعها المشروع عن وجودها. ثم بعد هذا التهديد والوعيد، وبعد أن أزبد وأرعد، لوَّح للمؤتمرين بمشروع الشرق الأوسط الكبير، وعنَّفهم – دبلوماسياً – إن هم رفضوه، مع أنه لم يطلعهم عليه بعد، أي إنه يريد موافقتهم عليه على بياض، وبالمقابل فلم يظهر أي مسؤول عربي في المؤتمر يرد على تهديداته وتبجحاته، واتسمت خطابات هؤلاء المسؤولين التعساء كعادتهم بالصفة الاستجدائية الذليلة.
لقد حشر كولن باول المسؤولين العرب المشاركين في المؤتمر في الزاوية، ومارس معهم لعب دور الكاوبوي، بينما عجز أشباه الرجال من هؤلاء المسؤولين الرويبضات عن الرد على استفزازاته، وطأطأوا رؤوسهم، وخنسوا وهم يجرون أذيال الخيبة صامتين خانعين.

وبعد الانتهاء من الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ترك كولن باول – وهو الراعي الحقيقي له – للمسؤولين الإسرائيليين إتمام المهمة، فظهر إيهود أولمرت نائب شارون، وشمعون بيرس رئيس المعارضة في الدولة اليهودية، كعرّابين للمؤتمر، ونشطا في دهاليزه، حيث اجتمعا بغالبية المسؤولين المشاركين في المؤتمر، وسُلِّطت عليهما الأضواء، وكأنهما من أقطاب المؤتمر، إضافة إلى كولن باول.
وهكذا ظهر المؤتمر أمام الرأي العام العالمي، وكأنه مؤتمر للأميركيين والإسرائيليين، حيث تم فيه الإقرار بالمصالح الأميركية، والتطبيع مع الدولة اليهودية. وهذا بالضبط ما تحتاجه أميركا و(إسرائيل) في هذا الوقت بالذات، من أجل إخفاء جرائمهما في العراق وفلسطين، وإظهارهما بوصفهما دولتين مقبولتين دولياً وإقليمياً، في هذا الإقليم المسمى بالشرق الأوسط.

إن النظام الهاشمي المتمرس في العمالة، والذي احتضن هذا المؤتمر، قد أسدى لعدو الأمة الإسلامية خدمة جليلة في تبييض صحائفه السوداء، وفي غسل أياديه الملطخة بدماء المسلمين في العراق وأفغانستان وفلسطين. هذا ما حصل في واجهة المؤتمر، وأما ما حصل في هامشه فقد نشط خفافيش الظلام، متزعماً إياهم هذه المرة تركي بن عبد العزيز آل سعود سفير السعودية في لندن، حيث نظم اجتماعات ولقاءات مع رهبان النصارى، وأحبار اليهود، فيما يسمى برجال الدين، ضمن مجموعة عمل خبيثة، تسعى لهدم القيم الإسلامية، من خلال ما أسموه بالتقارب بين الأديان، فتكونت مجموعة عمل لهذا الغرض سميت بمجموعة المائة، وشارك فيها شيوخ دين من السعودية، ومصر، والأردن، وفلسطين، والكيان اليهودي، ومن دول الغرب، ومن دول أخرى. والجديد في هذه الاجتماعات، مشاركة رجال مشبوهين من السعودية، برئاسة تركي بن عبد العزيز، في هذه الحلقات المشبوهة.

إن استقبال النظام الهاشمي القائم في الأردن لباول، وأولمرت، وبيرس، في هذا الوقت بالذات، بوصفهم زعماء للمؤتمر، والإصغاء إلى مطالبهم التعجيزية، والإقرار بسياسات أميركا العدوانية، وتطبيع العلاقات مع اليهود، في الوقت الذي ترتكب فيه القوات الأميركية المذابح تلو المذابح في حق العراقيين، وتقترف أبشع ألوان التعذيب بحق الأسرى المسلمين، وترتكب فيه القوات الإسرائيلية المجازر تلو المجازر في غزة، وتهدم مئات البيوت، وتشرد العوائل من أهل فلسطين، في نكبة جديدة، في هذا الوقت بالذات يعتبر استقبال هؤلاء الكفرة الحاقدين على الإسلام والمسلمين جريمة شنيعة جديدة، تضاف إلى قائمة الجرائم التي يرتكبها النظام الهاشمي العميل، والأنظمة العربية الأخرى في المنطقة، وعلى رأسها الأنظمة السعودية، والمصرية، والسورية، حيث شاركت هذه الأنظمة النظام الهاشمي في هذه الجريمة وذلك بإرسالها وفوداً منها إلى المؤتمر.
إن عقد هذا المؤتمر المشبوه في هذه الأيام بالذات يعتبر مؤامرة فظيعة ترتكب في حق الأمة بمجموعها، بينما تسفك دماء المسلمين، وتُمس كرامتهم، وتُنتهك أعراضهم في كل مكان.

وأما السعودية، فهي شريكة رئيسية في هذه المؤامرة الفظيعة، ومبادرة أساسية لتلك الدسيسة الدنيئة، والتي اقترفتها عبر سفيرها تركي بن عبد العزيز، الذي قام بالتودد إلى أميركا وإسرائيل من وراء ظهر المسلمين، لا سيما مسلمي بلاد نجد والحجاز. لقد كانت دسيسة آل سعود هذه لا تقل إجراماً عن مؤامرة إخوانهم الهاشميين في الأردن، وذلك من خلال ما عُرف بمجموعة المائة من الكفار، والمنافقين، والدَّجالين الذين اجتمعوا للكيد للإسلام، متآلفين، متحابين، يوالي بعضهم بعضاً، بحجة محاربة الإرهاب والعنف، والأصولية والتطرف على حد زعمهم!!.

لذلك كان لا بد للأمة الإسلامية أن تطلع على خطورة هذه المؤامرات، وخطورة دور هذه الحكومات العميلة في عقدها. كان لا بد للأمة أن تعرف واجبها إزاء حكوماتها الخائنة، لتعلم كم هو خطير ما يناط بهذه الحكومات من أدوار.
فإذا أدركت الأمة، وعلمت، فعليها أن تسعى جادة لإحباط عقد هذه المؤتمرات، وتمرير تلك المؤامرات من خلالها. إذا أدركت الأمة ذلك جيداً فعليها أن تأخذ على أيدي حكامها للتخلص منهم، ومن شرورهم.
نعم، على الأمة التي أدركت عمالة هؤلاء الحكام مع الأجنبي، وتعاونهم مع أعداء الأمة ضد مصالح الشعوب الإسلامية، عليها أن تبادر من فورها بالقيام بما أوجبه الله عليها بأقصى جهد، وأسرع زمن من أجل التخلص من هؤلاء الحكام، وبطاناتهم، لكي تتمكن من العودة إلى مكانتها بين الأمم، تلك المكانة اللائقة بخير أمة أخرجت للناس

أبو حمزة – القدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *