العدد 213 -

السنة التاسعة عشرة شوال 1425هـ – تشرين الثاني 2004م

كلمة الوعي: هل ستتغير سياسات بوش العدائية للمسلمين في فترة رئاسته الثانية؟

كلمة الوعي: هل ستتغير سياسات بوش العدائية للمسلمين في فترة رئاسته الثانية؟

أعادت الانتخابات الأميركية بوش أقوى مما كان عليه، فقد أسفرت عن فوزه وفوز الجمهوريين معه بأغلبية في مجلس الشيوخ والنواب وحكام الولايات، وصار بيده تعيين القضاة. ومعنى هذا أنه أصبح بيده السلطات الثلاث: لتنفيذية، والتشريعية، والقضائية، وأصبح الحكم في أميركا حكم الحزب الواحد. وصار بوش مطلق اليدين في التصرف، وسيصبح أقل تحفظاً، وأكثر صراحة، في تصريحاته وتصرفاته… ومعنى هذا أن الشعب الأميركي جدّد له الثقة في سياسته، وبالتحديد في تلك المتعلقة بمحاربة الإرهاب، وكأنه يطالبه باستمرار السير على ما كان عليه… ومعناه أن كل ما ارتكبه بوش وإدارته من جرائم وأخطاء وانتهاك للقانون الدولي، وكل ما كشف من فضائح التعذيب سواء في غوانتانامو أم في أبي غريب، وكل ما كشف من كذب متعمد لأسباب الحرب على العراق، مبرر من وجهة نظر الشعب الأميركي…
ومع إعادة انتخاب بوش، كثر الحديث، وهو حديث الضعفاء المغلوبين، حول هل سيستمر بوش بسياسته العدائية السافرة ضد المسلمين أو سيغيرها؟ وهل سيفي بوعده بإقامة دولة فلسطينية فيها قابلية الحياة، أو سيضع مع شارون خارطة طريق جديدة تتناسب مع حالة الاهتراء التي وصلت إليها السلطة الفلسطينية؟ وهل سيبعد المحافظين الجدد عن الحكم أو سيقربهم أكثر؟ وهل سيفتح باب الحرب على دول جديدة في فترة رئاسته الثانية، كما فتحها على أفغانستان والعراق في فترة رئاسته الأولى؟…
إن مثل هذا الكلام الإعلامي استهلاكي يلوكه الإعلام العالمي، ويردده الإعلام العربي كصدى له، وهو كلام لا طائل تحته، بل يأتي الضرر منه على المسلمين، إذ يعميهم عن الحقيقة. إنه كلام يشغل المسلمين عن الاهتمام بحقيقة السياسة الأميركية، المرسومة من قبل مجيء بوش إلى الحكم، ولئن غيَّر بوش شيئاً مما ذكرنا، فإنه تغيير يطال ظواهر السياسة، أي الأعمال السياسية التي تنفذ الأهداف الاستراتيجية المرسومة، وليس تغييراً يطال هذه الأهداف، والتغيير هذا يطال القشرة ولا يتعداها إلى اللب. والتغيير هذا إن حدث فإنما يعني إحلال أعمال سياسية أخرى مكانها ليستطيع بها تحقيق ما لم يستطع تحقيقه من قبل، فهل سيصفق المسلمون له إذا ما غيّر. كفى المسلمون بؤساً وشقاءً، كفاهم سطحية، كفاهم انفعالية وانشغالاً عن الحق والحقيقة. وكفى وسائل الإعلام ارتهاناً إرادياً وغير إرادي لأعدائهم.
إن سياسة أميركا تقوم على أهداف ثابتة، وهي لا توضع بخفة، ولا تتغير بسرعة، ولا شيء ينبئ بتغيير تلك الأهداف حتى الآن. وكل الدلائل تشير فقط إلى تغيير في الأساليب والأعمال التي تحقق هذه الأهداف، لا في الأهداف نفسها، هذا إذا حدث تغيير. فأميركا لا يمكنها أن تغيّر هدفها في التفرد في حكم العالم، ولا يمكن أن تغير هدفها في وضع يدها على النفط، كونه السلعة الاستراتيجية الأخطر في العالم، ومفتاح استعمارها له، ولا يمكنها أن تغير سياستها نحو دعم اليهود؛ لأنها هي بحاجة ماسة لهم في تلك المنطقة المعادية لها، ولأنهم عدو حقيقي للإسلام والمسلمين، ولا يمكنها أن تغير سياستها في محاربة الإسلام؛ لأنه يشكل الخطر الأكبر على حضارتها ومصالحها، ولا يمكن أن تغير سياستها نحو إسلام الحكم، إسلام الخـلافة بالذات؛ لأنه هو الذي سيضع حداً لاستعمارها، وهو الذي سيأخذ الأمور بيده، ويمنعها من الإفساد في الأرض. نعم إسلام الخلافة بالاسم. اسمعوا كيسنجر ذلك اليهودي الأميركي الحاقد على الإسلام، والذي يعتبر من أساطين السياسة في الحزب الجمهوري، وصاحب التاريخ الأسود تجاه المسلمين، اسمعوه يقول في مجلة نيوزويك في عددها الثامن من شهر تشرين الثاني: «إن العدو الرئيسي هو الشريحة الأصولية الناشطة في الإسلام، التي تريد في آن واحد قلب المجتمعات الإسلامية المعتدلة، وكل المجتمعات الأخرى التي تعتبرها عائقاً أمام إقامة الخـلافة» واسمعوا وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد أمام مجلس العلاقات الخارجية في 4/10 يقول: «يجب أن نتذكر أنه حيثما وجد المتطرفون.. فإن هدفهم هو قلب الحكومات في تلك المنطقة من العالم، وإقامة الخـلافة من جديد، قبضة من الإرهابيين يريدون أن يحددوا كيف سيعيش الجميع» ولا ينسى أحد تصريح رئيس الأركان في الجيش الأميركي مايرز، في إحدى جلسات المساءلة في الكونغرس الأميركي، عن تصرفات جنوده المشينة في العراق، عندما أعلن أن الأصوليين يريدون إقامة الخـلافة، وإعادة العالم إلى العصور الوسطى…
أيّها المسلمون:
انفذوا إلى حقائق الأمور كما يريد الله منكم، وكما هو مفترض عليكم، ولا تؤخذوا بالظواهر كما يراد لكم، وإلا فإنكم ستكونون خارج الموضوع. إن البيوت لا تؤتى إلا من أبوابها وإن باب الخلاص من هذه الأوضاع هو الإسلام، وهي الخـلافة تحديداً. وما عدا ذلك فلن يفتح الباب ولو تصدقنا وصلينا، ولو دعونا… إن الغرب وعلى رأسه أميركا، ومعها روسيا، والهند، والصين، وكل دول العالم بما فيهم الأنظمة العميلة الخائنة التي تحكم المسلمين بغير ما أنزل الله… قد كالبوكم، ورموكم عن قوس واحدة، وجعلوكم مرمى سهامهم… فكيف ستواجهونهم… ليس إلا كما واجه الرسول صلى الله عليه وسلم دول ذلك الزمان، وإمبراطوريات ذلك الزمان، فقد واجههم بعد أن أقام الدولة وليس قبلها. إن صراط الله المستقيم واضح بيّن، قد سبقكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعوه، ولا تخرجوا عنه قيد شعرة… إنه الوحي فلا تضيعوه يضيعكم الله. قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *